موقف علماء الشيعة من روايات التحريف
إنّ العلماء الاَجلاّء والمحققين من الشيعة ، لم يلتفتوا إلى ماورد في
مجاميع حديثهم من الروايات الظاهرة بنقص القرآن ، ولا اعتقدوا
بمضمونها قديماً ولا حديثاً ، بل أعرضوا عنها ، وأجمعوا على عدم وقوع
التحريف في الكتاب الكريم ، كما تقدّم في كلمات أعلامهم .
وروايات الشيعة في هذا الباب يمكن تقسيمها إلى قسمين :
1 ـ الروايات غير المعتبرة سنداً؛ لكونها ضعيفة أو مرسلة أو مقطوعة ،
وهذا هو القسم الغالب فيها ، وهو ساقط عن درجة الاعتبار .
2 ـ الروايات الواردة عن رجال ثقات وبأسانيد لا مجال للطعن فيها ،
وهي قليلة جداً ، وقد بيّن العلماء أنّ قسماً منها محمولٌ على التأويل ، أو
التفسير ، أو بيان سبب النزول ، أو القراءة ، أو تحريف المعاني لا تحريف
اللفظ ، أو الوحي الذي هو ليس بقرآن ، إلى غير ذلك من وجوه ذكروها في
هذا المجال ، ونفس هذه المحامل تصدق على الروايات الضعيفة أيضاً لو
أردنا أن ننظر إليها بنظر الاعتبار ، لكن يكفي لسقوطها عدم اعتبارها سنداً .
أمّا الروايات التي لايمكن حملها وتوجيهها على معنى صحيح ،
وكانت ظاهرة أو صريحة في التحريف ، فقد اعتقدوا بكذبها وضربوا بها
عرض الحائط وذلك للاَسباب التالية :
1 ـ أنّها مصادمةٌ لما عُلِم ضرورةً من أنّ القرآن الكريم كان مجموعاً
على عهد النبوّة .
( 38 )
2 ـ أنّها مخالفةٌ لظاهر الكتاب الكريم حيثُ قال تعالى : (
إنّا نحنُ نَزّلنا
الذِّكر وإنّا لهُ لَحَافِظُون )(1) .
3 ـ أنّها شاذّةٌ ونادرةٌ ، والروايات الدالة على عدم التحريف مشهورةٌ أو
متواترةٌ ، كما أنّها أقوى منها سنداً ، وأكثر عدداً ، وأوضح دلالة .
4 ـ أنّها أخبار آحاد ، ولا يثبت القرآن بخبر الواحد ، وإنّما يثبت
بالتواتر، كما تقّدم في أدلّة نفي التحريف ، وقد ذهب جماعة من أعلام
الشيعة الاِمامية إلى عدم حجّية الآحاد مطلقاً ، وإنّما قيل بحجيّتها إذا
اقتضت عملاً ، وهي لا تقتضي ذلك في المسائل الاعتقادية ولا يُعبأ بها .
(1) الحجر15: 9.