<a name="link33"></a>مشروعية البكاء على سيد الشهداء ( ع ) - رد الأباطیل عن نهضة الحسین علیه السلام نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

رد الأباطیل عن نهضة الحسین علیه السلام - نسخه متنی

عبد الله حسین

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


ومن السيرة التي يراها كل عاقل على مر القرون يجد بأن للعرف أن يحدد الطريقة المناسبة لإحياء أمر الدين شريطة أن يصدق عليها توقير مقام النبي ( ص ) وإن لم يرد نص صريح بخصوص الكيفية .

ولولا ذلك لما جاز تغيير وتطوير أساليب الدعوة كطباعة الكتب والتلفزيون والمذياع والندوات والمخيمات والمدارس الدينية ، التي لم تكن في زمن الرسول ( ص ) ولا زمن الطبقة الأولى من المسلمين ، ولكن مع تطور الزمن تطور أسلوب الدعوة .

وهذا ليس بممنوع ولا هو بدعة ، لأنه أمر مندوب إليه بعنوانه العام ، وتحديد المصاديق موكول إلى العرف ما لم يدخل شيء منها في أحد عناوين المحرمة .

وبناء على ذلك ، فإن من العناوين العامة في الدين إحياء أمر أهل البيت ( ع ) وتوقيرهم ومحبتهم وإظهار الحزن لأحزانهم والفرح لأفراحهم ، فالله تعالى قد أمر بمودة أهل البيت ( ع ) ، فهل تتصور المودة بالفرح بحزنهم والحزن بفرحهم ؟

والمآتم الحسينية إنما هي مصداق من مصاديق تلك المودة المفروضة ، وتلك المراسيم لم يرد فيها نهي ولا منع ، لذا فهي جائزة أصالة ، ويرجح كفة إقامتها لأنها إحياء لأمر الدين ، وتتأكد بورود روايات عن الأئمة ( ع ) في الحث عليها . فإن منع الدين الحزن على المؤمن فلنمنع الحزن على الحسين ( ع ) ؟ وإن لم يجز لرسول الله ( ص ) التأثر الشديد بمقتل حمزة ،لم يجز لنا التأثر بمقتل الحسين ( ع ) ؟

كيف والحسين ( ع ) أعز عند الله ورسوله ( ص ) من حمزة ( ع ) ؟

كل ذلك حكم العقل والبداهة ، فضلا عن وجود الأدلة الخاصة التي تدل على فضل البكاء والنوح على سيد الشهداء ( ع ) سنذكرها فيما يلي .

مشروعية البكاء على سيد الشهداء ( ع )

قال الكاتب : وما يذكر عن فضل البكاء في عاشوراء غير صحيح ، إنما النياحة واللطم أمر من أمور الجاهلية التي نهى النبي (ص) عنها وأمر باجتنابها وليس هذا منطق أموي حتى يقف الشيعة منه موقف العداء بل هو منطق أهل البيت رضوان الله عليهم وهو مروي عنهم عند الشيعة كما هو مروي عنهم أيضا عند أهـل السنة ، فقد روى ابن بابويه القمي في ( من لا يحضره الفقيه ) أن رسول الله (ص) قال: " النياحة من عمل الجاهلية ".

إن إشكال القوم على الشيعة فيما يخص مراسيم إحياء ذكرى سيد الشهداء عليه السلام محصورة في النقاط التالية:

أ- منع البكاء على الميت مطلقاً.

واستدلوا على ذلك " بأن الميت يعذب ببكاء أهله عليه " ، وقد رواه ابن عمر . ويرد عليه :

أولا: لا شك ببطلان مثل هذا الادعاء خاصة مع وضوح بكاء النبي يعقوب على ابنه يوسف عليهما السلام ، في قوله تعالى:

(وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم).

ثانيا: إن عائشة لم تقبل بذلك وقد صرحت بأن ابن عمر لم يحفظ الرواية بصورة صحيحة وأن قوله هذا مخالف لقوله تعالى: ( ولا تزر وازرة وزر أخرى) ، كما يروي ذلك البخاري في كتاب المغازي ومسلم في كتاب الجنائز.

ب الإشكال على خصوص تكرار البكاء على الإمام الحسين ( ع ) وإعادة ذكر مصيبته في كل سنة

أولا: يرد هذا الأمر بأن يعقوب ( ع ) قد أشكل عليه أبناؤه كما ينقل عنهم القرآن الكريم ( تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين ) ، فقوله تفتأ دليل على تكراره ذلك الأمر ، فحسب الشيعة فخرا أن تقتدي بأنبياء الله ( ع ) حينما يبكون على أوليائه .

ومكانة الحسين لا ينكرها إلا معاند ، فشأنه عند الله تعالى يتجلى بما سبق ذكره من العلامات التي ظهرت في الكون وعبرت عن الغضب الإلهي على قتلته ( ع ) ، وكذلك في الحديث الذي مر ذكره من أن الله تعالى قد أوحى إلى نبيه ( ص ) بأنه عز وجل إذا كان قد انتقم لدم يحيى ( ع ) بقتل سبعين ألف فسوف ينتقم لدم الحسين ( ع ) بسبعين ألف وسبعين ألف .

ثانيا: وقد أجاب الإمام زين العابدين ( ع ) بما دل من القرآن على استمرار حزن يعقوب عند رده على من أشكل عليه باستمرار حزنه على أبيه كما أورده أبو نعيم الأصفهاني عن الحسين ( ع ) في ( حلية الأولياء ) ج3 ص 162عن كثرة بكائه - أي بكاء زين العابدين ( ع )- فقال : "لا تلوموني فإن يعقوب فقد سبطا من ولده فبكى حتى ابيضت عيناه ولم يعلم أنه مات وقد نظرت إلى أربعة عشر رجلا من أهـل بيتي في غزاة واحدة أفترون حزنهم يـذهب مـن قلبي ؟ " .

وهذا الإشكال من السلفيين هو نفس الإشكال على إحياء ذكرى المولد النبوي من التكرار السنوي للذكرى ، فالأمر محبب ، وهو مثل تكرار دراسة الفقه أو الحديث أو القرآن الكريم .

ج - النياحة :

وقد أورد نصا من كتب الشيعة يصف النياحة بأنها من عمل الجاهلية ، ويرد عليه:

أولا: أن هذه الرواية موجودة في مصادر السنة قبل الشيعة ومع ذلك فإن من علماء السنة من أجاز النياحة ولم يعتبر هذا النص مانعا من جوازها ، وقد أقر ابن حجر بهذا الخلاف في كتابه ( فتح الباري ) ج3 ص 161 عند شرحه لعنوان الباب الذي وضعه البخاري في صحيحه ( باب ما يكره من النياحة على الميت ) :

" قال الزين بن المنير : ما موصولة ومن لبيان الجنس فالتقدير الذي يكره من جنس البكاء وهو النياحة ، والمراد بالكراهة كراهة التحريم لما تقدم من الوعيد عليه انتهى ، ويحتمل أن تكون ما مصدرية ومن تبعيضة والتقدير كراهية بعض النياحة أشار إلى ذلك ابن المرابط وغيره ونقل ابن قدامة عن أحمد رواية أن النياحة لا تحرم وفيه نظر ، وكأنه أخذه من كونه ( ص ) لمن ينه عمة جابر لما ناحت عليه فدل على أن النياحة إنما تحرم إذا انضاف إليها فعل من ضرب خد أو شق جيب وفيه نظر "

وكذلك بحث الأمر ابن القيم وذكر الخلاف في كتابه ( عدة الصابرين ) ج1 ص83 في الباب الثامن عشر في ذكر أمور تتعلق بالمصيبة من البكاء والندب قائلا :

"وأما الندب و النياحة فنص أحمد على تحريمها قال في رواية حنبل النياحة معصية وقال أصحاب الشافعي وغيرهم النوح حرام وقال ابن عبدالبر أجمع العلماء على أن النياحة لا تجوز للرجال ولا للنساء.

وقال بعض المتأخرين من أصحاب أحمد : يكره تنزيها وهذا لفظ أبي الخطاب في ( الهداية ) قال : ويكره الندب والنياحة وخمش الوجوه وشق الجيوب والتحفي ، والصواب القول بالتحريم

وقال المبيحون لمجرد الندب والنياحة مع كراهتهم له : روى حرب عن واثلة بن الأسقع وأبي وائل ( وهما من الصحابة ) أنهما كانا يسمعها النوح ويسكتان .

قالوا وفي الصحيحين عن أم عطية لما نزلت هذه الآية " يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك " ونهانا عن النياحة فقبضت منا امرأة يدها فقالت : فلانة أسعدتني فأنا أريد أن أجزيها قالت : فما قال لها شيئا فذهبت فانطلقت ثم رجعت فبايعها .

قالوا وهذا الإذن لبعضهن في فعله يدل على أن النهي عنه تنزيه لا تحريم ويتعين حمله على المجرد من تلك المفاسد جمعا بين الأدلة " . انتهي المنقول من كلام ابن القيم .

والقصد من إيراده أن بعض علماء السنة قال بجواز النياحة مع وجود الروايات الناهية عندهم كرواية " النياحة من عمل الجاهلية " فما هو جوابكم عن هذا ، أفلا تسمح للفقه الشيعي أن يقول بالجواز مع ورود الرواية المذكورة في مصادرة" .

والعجب من ابن تيمية حينما يدافع عن يزيد يقول في منهاج السنة ج4 ص 559 :

"وفي الجملة فما يعرف في الإسلام أن المسلمين سبوا امرأة يعرفون أنها هاشمية ولا سبي عيال الحسين ( ع ) بل لما دخلوا إلى بيت يزيد قامت النياحة في بيته وأكرمهم وخيرهم بين المقام عنده والذهاب إلى المدينة فاختاروا الرجوع إلى المدينة " .

فلاحظ أن ابن تيمية يمدح يزيدا على إقامته النياحة على الحسين ( ع ) .. وهو قاتله !!

ثانيا: أن علماء الطائفة لم يخف عليهم أمر الرواية ، وكما كان لعلماء السنة آراء واجتهادات لفهم النص ، كذلك كانت لعلمائنا رضوان الله تعالى عليهم . فينبغي للعاقل أن يطلع على آراء علماء الطائفة وموقفهم تجاه هذا النص الشريف .

ويكفي للقاريء ملاحظة ما ورد في كتاب ( العروة الوثقى ) وهو كتاب يحشد آراء مجموعة من علماء الشيعة الفقهية في حقبة من الزمان، حيث تجد في الجزء الأول ص 447 من كتاب الطهارة تحت عنوان مكروهات الدفن حديثا مفصلا حول تلك الأمور فيقول السيد اليزدي ( ره ) :

( 1 مسألة ) يجوز البكاء على الميت ولو كان مع الصوت بل قد يكون راجحا كما إذا كان مسكنا للحزن وحرقة القلب بشرط أن لا يكون منافيا للرضا بقضاء الله ، ولا فرق بين الرحم وغيره ، بل قد مر استحباب البكاء على المؤمن ، بل يستفاد من بعض الأخبار جواز البكاء على الأليف الضال والخبر الذي ينقل من أن الميت يعذب ببكاء أهله ضعيف مناف لقوله تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) وأما البكاء المشتمل على الجزع وعدم الصبر فجائز ما لم يكن مقرونا بعدم الرضا بقضاء الله نعم يوجب حبط الأجر ولا يبعد كراهته.

( 2 مسألة ) يجوز النوح على الميت بالنظم والنثر ما لم يتضمن الكذب ولم يكن مشتملا على الويل والثبور ، لكن يكره في الليل ويجوز أخذ الأجرة عليه إذا لم يكن بالباطل ، لكن الأولى أن لا يشترط أولا .

( 3 مسألة ) لا يجوز اللطم والخدش وجز الشعر بل والصراخ الخارج عن حد الاعتدال على الأحوط وكذا لا يجوز شق الثوب على غير الأب والأخ والأحوط تركه فيهما أيضا .

هذا علما بأن هذه الفتاوى بكراهة الجزع أو النياحة ناظرة إلى غير مصاب سيد الشهداء ( ع ) وأما مصابه أرواحنا له الفداء فقد وردت روايات خاصة عن أهل بيت العصمة ( ع ) تجعله مصابا مميزا عن غيره لا تشمله هاتك الأحكام .

ثالثا: وفيما يخص روايات أهل البيت عليهم السلام ، فقد روى الطوسي في أماليه كما عن البحار ج44 ص 280 عن المفيد عن ابن قولويه عن أبيه عن سعد عن ابن عيسى عن ابن محبوب عن أبي محمد الأنصاري عن معاوية بن وهب عن أبي عبدالله ( ع ) قال : "كل الجزع والبكاء مكروه سوى الجزع والبكاء على الحسين ( ع )" .

والسند تام فكل الرواة ثقات عدا أبو محمد الأنصاري وقد قال عنه السيد الخوئي ( ره ) في ( المعجم ) ج22 ص 36 : " أبو محمد الأنصاري هذا يعتد بقوله لقول محمد بن عبدالجبار في رواية الكافي المتقدمة أنه خير وأما قول نصر بن الصباح من أنه مجهول لا يعرف فلا يعتنى به لأن نصر بن الصباح ضعيف" .

ورواه ابن قولويه في ( كامل الزيارات ) مثل الرواية السابقة عن أبي عن سعد عن الجاموراني عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبيه عن أبي عبد الله ( ع ) سمعته يقول : " إن البكاء والجزع مكروه للعبد في كل ما جزع ما خلا البكاء على الحسين بن علي عليهما السلام فإنه فيه مأجور ".

فهذه الرواية صريحة في أن المكروه السابق لا يشمل الحزن على سيد الشهداء الحسين ( ع ) .

هذا وقد أشبع الحديث عن ذلك العلامة في المنتهى فقد نقل عنه العلامة المجلسي في البحار ج82 ص 104 : " قال العلامة قدس الله روحه في المنتهى : البكاء على الميت جائز غير مكروه إجماعا قبل خروج الروح وبعده إلا الشافعي فإنه كره بعد الخروج والنياحة بالباطل محرمة إجماعا أما بالحق فجائزة إجماعا ويحرم ضرب الخدود ونتف الشعر وشق الثوب إلا في موت الأب والأخ فقد سوغ فيهما شق الثوب للرجل وكذا يكره الدعاء بالويل والثبور" .

وقال الشهيد نور الله ضريحه في ( الذكرى ) : " يحرم اللطم والخدش وجز الشعر إجماعا قاله في المبسوط لما فيه من السخط لقضاء الله واستثنى الأصحاب إلا ابن إدريس شق الثوب على موت الأب والأخ لفعل العسكري على الهادي ( ع ) وفعل الفاطميات على الحسين ( ع ) وسئل الصادق ( ع ) عن أجر النائحة فقال : لا بأس قد نيح على رسول الله ( ص ) وفي آخر لا بأس بكسب النائحة إذا قالت صدقا وروى أبو حمزة عن الباقر ( ع ) مات ابن المغيرة فسألت أم سلمة النبي ( ص ) أن يأذن لها في المضي إلى مناحته فأذن لها وكان ابن عمها ثم رثته بأبيات وفي تمام الحديث فما عاب عليها النبي ( ص ) ذلك ولا قال شيئا" .

ثم قال قدس سره : " يجوز الوقف على النوائح لأنه فعل مباح فجاز صرف المال إليه ولخبر يونس بن يعقوب عن الصادق ( ع ) قال : قال لي أبو جعفر ( ع ) قف من مالي كذا وكذا لنوادب تندبني عشر سنين بمنى أيام منى والمراد بذلك تنبيه الناس على فضائله وإظهارها ليقتدى بها "

وقد حرم الشيخ في المبسوط - وكذلك ابن حمزة - النوح وادعى الشيخ الإجماع ، والظاهر أنهما أرادا النوح بالباطل أو المشتمل على المحرم كما قيده في ( النهاية ) وفي ( التهذيب ) جعل كسبهما مكروها بعد روايته أحاديث النوح .

ثم أول الشهيد ( ره ) أحاديث المانع المروية من طرق المخالفين بالحمل على ما كان مشتملا على الباطل أو المحرم لأن نياحة الجاهلية كانت كذلك غالبا ، ثم قال : "المراثي المنظومة جائزة عندنا وقد سمع الأئمة ( ع ) المراثي ولم ينكروها ". انتهى ما نقله العلامة المجلسي .

- البكاء على الميت مستحب عند أهل السنة !

هذا وقد ورد في مصادر العامة ما يدل على أن البكاء على الميت سنة سنها رسول الله ( ص ) فقد روى إسحاق بن راهويه في مسنده ج2 ص 599 رقم 1174 قال :

"أخبرنا النضر بن شميل نا محمد بن عمرو حدثني محمد بن إبراهيم عن عائشة قالت : مر رسول الله ( ص ) حين انصرف على بني الأشهل فإذا نسائهم يبكين على قتلاهم وكان استمر القتل فيهم يومئذ فقال رسول الله ( ص ) : لكن حمزة لا بواكي له قال فأمر سعد بن معاذ نساء بني ساعدة أن يبكين عند باب المسجد على حمزة فجعلت عائشة تبكي معهن فنام رسول الله ( ص ) فاستيقظ عند المغرب فصلى المغرب ثم نام ونحن نبكي فاستيقظ رسول الله لعشاء الآخرة فصلى العشاء ثم نام ونحن نبكي فاستيقظ رسول الله ( ص ) ونحن نبكي فقال : ألا أراهن يبكين حتى الآن مروهن فليرجعن ثم دعا لهن ولأزواجهن ولأولادهن" .

والرواية حسنة على الأقل لوثاقة الكل إلا محمد بن عمرو بن علقمة الليثي قال ابن حجر في التقريب ج2 ص 119 : " صدوق له الأوهام " .

ورواه أحمد في مسنده ج9 ص 38 مسند ابن عمر رقم 4984 قال :

حدثنا زيد بن الحباب حدثني أسامة بن زيد حدثني نافع عن ابن عمر أن رسول الله ( ص ) لما رجع من أحد فجعلت نساء الأنصار يبكين على من قتل من أزواجهن قال : فقال رسول الله ( ص ) : " ولكن حمزة لا بواكي له " قال : ثم نام فاستنبه وهن يبكين قال: فهن اليوم إذا يبكين يندبن بحمزة وقد بين الحاكم في مستدركه ج1 ص 381 الأمر الأخير بقوله : " وهو أشهر حديث بالمدينة فإن نساء المدينة لا يندبن موتاهن حتى يندبن حمزة وإلى يومنا هذا " .

ولعلك تلاحظ في هذه الرواية أنها لا تدل على جواز البكاء على الميت وندبه فحسب ، بل إنها تدل على مشروعية تحويل البكاء إلى عادة مستمرة لقرون طويلة .

وقد ورد في المروي عن طريق أسامة بن زيد الليثي زيادة تدل بظاهرها على نسخ الجواز وهي زيادة : " مروهن فليرجعن ولا يبكين على هالك بعد اليوم " مسند أحمد ج9 ص 398 .

قال الكناني في ( مصباح الزجاجة ) ج2 ص47 : "هذا إسناد ضعيف لضعف أسامة بن زيد " ، وقال الشوكاني في ( نيل الأوطار ) ج4 ص 253 : " ورجال إسناد حديث ابن عمر ثقات إلا أسامة بن زيد الليثي ففيه مقال " .

ولكن حتى من لم يرفض هذه الزيادة من حيث السند ، فإنه رفض كونها ناسخة كما صرح بذلك ابن القيم في كتابه ( عدة الصابرين ) ج1 ص 82 قال : " وأما دعوى النسخ في حديث حمزة فلا يصح إذ معناه لا يبكين على هالك بعد اليوم من قتلى أحد ، ويدل على ذلك أن نصوص الإباحة أكثرها متأخرة عن غزوة أحد منها حديث أبي هريرة إذ إسلامه وصحبته كانا في السنة السابعة ومنها البكاء على جعفر وأصحابه وكان استشهادهم في السنة الثامنة ومنها البكاء على زينب وكان موتها في السنة الثامنة أيضا ومنها البكاء على سعد بن معاذ وكان موته في الخامسة ومنها البكاء عند قبر أمه وكان عام الفتح في السنة الثامنة " .

- البكاء على الحسين سنة سنها رسول الله ( ص ) :

فقد كان ( ص ) أول من أخبر بواقعة شهادة الحسين ( ع ) وأول الباكين عليه عند ولادته ( ع ) : روى ابن حبان في صحيحه ج6 ص 203 عن أنس بن مالك قال : " استأذن ملك القطر ربه أن يزور النبي ( ص ) فأذن له فكان في يوم أم سلمة فقال النبي ( ص ) : احفظي علينا الباب لا يدخل علينا أحد فبينا هي على الباب إذ جاء الحسين بن علي فظفر فاقتحم ففتح الباب فدخل فجعل يتوثب على ظهر النبي ( ص ) وجعل النبي يتلثمه ويقبله فقال له الملك : أتحبه ؟ قال : نعم قال : أما إن أمتك ستقتله إن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه ؟ قال : نعم فقبض قبضة من المكان الذي يقتل فيه فأراه إياه فجاءه بسهلة أو تراب أحمر فأخذته أم سلمة فجعلته في ثوبها".

وأما بكاء ( ص ) عليه فقد روى أحمد في مسنده ج2 ص78 عن نجي أنه سار مع علي وكان صاحب مطهرته فلما حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفين فنادى علي : اصبر أبا عبدالله اصبر أبا عبدالله بشط الفرات قلت: وماذا ؟ قال : دخلت على النبي ( ص ) ذات يوم وعيناه تفيضان ؟

قال : " بل قام من عندي جبريل قبل فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات " قال : فقال : " هل لك إلى أن أشمك من تربته ؟ " قال : قلت: نعم فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم أملك عيني أن فاضتا .

قال الهيثمي في ( مجمع الزائد ) ج9 ص 187 معلقا على الرواية : "رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني ورجاله ثقات ولم ينفرد نجي بهذا" .

وروى الطبراني في ( المعجم الكبير ) ج3 ص 108 عن أم سلمة قال: كان رسول الله ( ص ) جالسا ذات يوم في بيتي فقال : لا يدخل علي أحد فانتظرت فدخل الحسين ( رض ) فسمعت نشيج رسول الله يبكي فاطلعت فإذا حسين في حجره والنبي ( ص ) يمسح جبينه وهو يبكي فقلت : والله ما علمت حين دخل فقال : إن جبريل عليه السلام كان معنا في البيت قال : تحبه ؟ قلت : أما من الدنيا فنعم ، قال : إن أمتك ستقتل هذا بأرض يقال لها كربلاء فتناول جبريل عليه السلام من تربتها فأرها النبي ( ص ) ، فلما بحسين حين قتل قال : ما اسم هذه الأرض ؟ قالوا : كربلاء قال : صدق الله ورسوله أرض كرب وبلاء .

قال الهيثمي في ( مجمع الزوائد ) ج9 ص 189 معلقا على سند الرواية: "رواه الطبراني بأسانيد ورجال أحدها ثقات" .

وروى الحاكم في المستدرك على الصحيحين ج3 ص176 ( 194 ) عن أم الفضل بنت الحارث أنها دخلت على رسول الله ( ص ) فقالت : يا رسول الله إني رأيت حلما منكرا الليلة قال : ما هو قالت إنه شديد قال: ما هو قالت : رأيت كأن قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري فقال رسول الله ( ص ) : رأيت خيرا تلد فاطمة إن شاء الله غلاما فيكون في حجرك ، فولدت فاطمة ( ع ) الحسن ( ع ) فكان في حجري كما قال رسول الله ( ص ) فدخلت يوما إلى رسول الله ( ص ) فوضعته في حجره ثم حانت مني التفاتة فإذا عينا رسول الله تهريقان من الدموع

قالت : فقلت يا نبي الله بأبي وأمي مالك ؟

قال : أتاني جبريل عليه الصلاة والسلام فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا فقلت : هذا فقال : نعم وأتاني بتربة من تربته حمراء .

هذه روايات صريحة في أن البكاء على الحسين هي سنة رسول الله ( ص ) والشيعة يتبعون سنته ( ص ) في البكاء على سيد الشهداء الحسين ( ع ) .

أعداء أهل البيت يصومون يوم عاشوراء فرحاً !

قال : "مما ورد من روايات في فضل صيام هذا اليوم من روايات الشيعة ما رواه الطوسي في الاستبصار وما لا أكاد أفهمهم تجاهل علماء الشيعة للروايات الواضحة في بيان فضل صيام عاشوراء " .

لم يكن لصوم يوم العاشر من المحرم صدى كما نسمعه اليوم ، ولا تركيز من قبل النواصب كما يفعلون اليوم ، فهل يريدون بذلك أن يغطوا على شناعة فعل يزيد في ذلك اليوم ، دفاعا عن بني أمية .

أما عند الشيعة فقد اختلفت آراء فقهاء الشيعة تبعا لاختلاف الروايات وتعارضها في مسألة صوم عاشوراء .

إذ يبدو أن القدماء منهم ( قده ) قد حكموا باستحباب صوم يوم العاشر إن كان على وجه الحزن ، وحمل الشهيد الثاني معنى الصوم على الامتناع عن المفطرات إلى العصر لا على المعنى الشرعي للصـوم، فهو يرد القول باستحباب الصوم الشرعي ، إذ يقول : " لأن صومه متروك كما وردت به الرواية " ، وحكم المحقق البحراني من المتأخرين بالحرمة ، ويفهم من السيد الطباطبائي في ( الرياض ) الاستحباب العام لا بالعنوان الخاص المؤكد عليه بالشريعة، ويؤيد صاحب ( الجواهر ) رأي القدماء ، نعم ظاهر السيد الخوئي رحمه الله في كتابه ( المستند ) ترجيح الاستحباب الخاص .

فالقول بأن علماء الشيعة تجاهلوا الروايات الدالة على فضل صيام عاشوراء يكشف عن جهل الكاتب الشديد ، بل هو توغل في الجهالة.

إذا ، فصوم عاشوراء إما أن يكون بالعنوان العام أو بالعنوان الخاص وكلاهما له مؤيد ومعارض ، نعم هم يتفقون على حرمة صوم العاشر بعنوان التبرك واعتباره يوم فرح كما ظاهر بعض النصوص الواردة في مصادر السنة وظاهر صيام بعضهم ، فذاك موطن التشنيع من قبل الشيعة ورفضهم.

ولعل القارئ المنصف يفهم ذلك عندما يقرأ ما صرح به ابن تيمية في ج25 ص 166 من ( مجموعة الفتاوى ) : "فعارض هؤلاء قوم إما من النواصب المتعصبين على الحسين وأهل بيته وإما من الجهال فوضعوا الآثار في شعائر الفرح والسرور يوم عاشوراء كالاكتحال و الاختضاب وتوسيع النفقات على العيال وطبخ الأطعمة الخارجة عن العادة ونحو ذلك مما يفعل في الأعياد والمواسم فصار هؤلاء يتخذون يوم عاشوراء موسما كمواسم الأعياد والأفراح".

وقال في ( منهاج السنة ) ج8 ص 151 : "وكذلك حديث عاشوراء والذي صح في فضله هو صومه وأنه يكفر سنة وأن الله نجى فيه موسى من الغرق وقد بسطنا الكلام عليه في موضع آخر وبينا أن كل ما يفعل فيه سوى الصوم بدعة مكروهة لم يستحبها أحد من الأئمة مثل الاكتحال والخضاب وطبخ الحبوب وأكل لحم الأضحية والتوسيع في النفقة وغير ذلك وأصل هذا من ابتداع قتلة الحسين ونحوهم".

وقد أقر ابن كثير في تاريخه بأن يوم عاشوراء يتخذ يوم سرور عند النواصب من أهل الشام فقال في ج8 ص 220 : "وقد عاكس الرافضة والشيعة يوم عاشوراء النواصب من أهل الشام فكانوا إلى يوم عاشوراء يطبخون الحبوب ويغتسلون ويتطيبون ويلبسون أفخر ثيابهم ويتخذون ذلك اليوم عيدا يصنعون فيه أنواع الأطعمة ويظهرون السرور والفرح".

وقال العيني في ( عمدة القارئ ) ج 5 ص 347 : "اتفق العلماء على أن صوم يوم عاشوراء سنة وليس بواجب ، نعم اختلق أعداء أهل البيت ( ع ) أحاديث في استحباب التوسعة على العيال يوم عاشوراء والاغتسال والخضاب والاكتحال".

قال ابن الجوزي في ( الموضوعات ) ج2 ص 112 : " قد تمذهب قوم من الجهال بمذهب أهل السنة فقصدوا غيظ الرافضة فوضعوا أحاديث في فضل عاشوراء ونحن براء من الفريقين ، وقد صح أن رسول الله ( ص ) أمر بصوم عاشوراء إذ قال : إنه كفارة سنة ، فلم يقنعوا بذلك حتى أطالوا وأعرضوا وترقوا في الكذب " .

إذا فمورد الخلاف في الحقيقة يتوجه إلى ما صدر بعنوان السرور والفرح والزينة يوم عاشوراء .. وما زالت تجد بقاياه الى يومنا هذا !!

فاعتراضنا على من وضعوا الأحاديث التي تتخذ يوم عاشوراء يوم فرح! منها ما عده ابن الجوزي في الموضوعات ج2 ص 115 عن عبدالله عن رسول الله ( ص ) : " من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته " .

وكذلك روى ابن الجوزي في كتابه الموضوعات عن ابن عباس قال : قال رسول الله ( ص ) : " من اكتحل بالإثمد يوم عاشوراء لم يرمد أبدا".

فنكرر ونقول إن اعتراض الشيعة على هذه الأمور لا على مجرد الصيام، ويبدو من النصوص أن من ناقش مستحبات ذلك اليوم قد ربط ذكرها بالصيام ، فغدا الصوم علامة على فرح ذلك اليوم ، مما جعل الصيام شعارا للفرحين مع الأيام إضافة للاكتحال والزينة ولبس الحلي والتوسعة على العيال وغيرها ، لذا ينبغي للصائم في هذا اليوم أن يكون صومه حزناً ، ولا يفرح كما فرح أعداء الحسين وقاتلوه .

/ 5