الوجيز في الفقه الإسلامي <p/> - وجیز فی الفقه الإسلامی: فقه العقود نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

وجیز فی الفقه الإسلامی: فقه العقود - نسخه متنی

سید محمد تقی مدرسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید









آية اللَّه السيد محمد تقي المدرسي

الوجيز في الفقه الإسلامي



فقه العقود



اصول عامة



بسم اللَّه الرحمن الرحيم

المقدمة



الحمد للَّه رب العالمين، وصلى اللَّه على محمد وآله الهداة الميامين.



الفقه الإسلامي يبقى نبعاً صافياً نستطيع أن نروي به عطش الأجيال التي تتلاحق، وتترى حاجاتها إلى الفقه وأحكامه وتتضاعف وتتطور. وحقيقة الفقه الإسلامي القائم على الوحي والعقل، أنه يستجيب لكل التحديات لأنه يعتمد على كتاب اللَّه العزيزوسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام. وكتاب اللَّه كما الأحاديث مهيمنةعلى مسيرة الزمن، وعلى كل ثقافة وفكر وقانون.



بلى؛ مع اختلاف حاجات الناس تختلف استفادتنا من الفقه الإسلامي.



وبما أن فقه العقود من أبرز حاجات الناس، لأن العقود تنظم علاقات الناس ببعضهم وتيسر تجارتهم وتعاونهم وتعايشهم، فإن الحاجة أصبحت اليوم ماسة للمزيد من الاستفادة من مصادر الفقه فيها.



ومن هنا فقد وفقنا اللَّه بالتعاون مع سماحة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ صاحب الصادق حفظه اللَّه تعالى أن نكتب وجيزاًفى أصول فقه العقود، على نهجنا السابق في ذكر بعض المصادروالحكم. نسأل اللَّه أن ينفع به المؤمنين ويجعل العمل به مجزياً بفضله وجوده ورحمته.



محمد تقي المدرسي



1423/12/25هـ طهران



تمهيد



الإمام الصادق عليه السلام يبيّن أحكام الأنشطة الإقتصادية



نقلت لنا كتب الحديث رواية مفصلة"1" عن الإمام الصادق عليه السلام،حول العمل الاقتصادي وصوره المختلفة، وما يجوز ومالا يجوز من المكاسب. وتقسم الرواية وجوه المكاسب الى أربع شعب:



1- الولاية "أي التوظيف في الدوائر الحكومية".



2- التجارة "أو عملية تبادل السلع".



3- الإجارة "أو بيع الخدمات".



4- الصناعة.



ولأن هذه الرواية تلقي الضوء على أصول العمل الاقتصادي وأحكام المكاسب فإننا نذكر نصها أولاً، ثم نستلهم منها الأحكام الشرعية.

أقسامالمكاسب:



وأول بصيرة يذكّر بها الإمام أن في المكاسب ما يحل وفيها مايحرم، مما يدل على أن الشريعة الإسلامية لم تهمل الاقتصاد، بل وضعت له حدوداً معينة.



قال الإمام عليه السلام -في الجواب عمّن سأله عن معائش العباد-: "جميع المعائش كلها من وجوه المعاملات فيما بينهم مما يكون لهم فيه المكاسب أربع جهات، ويكون منها حلال من جهة، حرام من جهة.



فأول هذه الجهات الأربعة: الولاية، ثم التجارة، ثم الصناعات تكون حلالاً من جهة حراماً من جهة، ثم الإجارات.



والفرض من اللَّه تعالى على العباد في هذه المعاملات، الدخول في جهات الحلال، والعمل بذلك الحلال منها، واجتناب جهات الحرام منها".

ولاية العدل وولاية الجور



ثم يبين الإمام حكم الشرع في التوظيف عند الدولة. فإذا كانت دولة العدل، جاز ووجب على الموظف ألاّ يتجاوز حدود القانون الذي يأمر به الوالي العادل. أما إذا كانت الدولة جائرة فإنّ التوظيف فيها يعتبر إعانة على الظلم.



يقول الإمام عليه السلام: "فإحدى الجهتين من الولاية: ولاية ولاة العدل الذين أمر اللَّه بولايتهم على الناس، والجهة الأخرى: ولاية ولاةالجور.



فوجه الحلال من الولاية، ولاية الوالي العادل وولاية ولاته بجهة ما أمر به الوالي العادل بلا زيادة ولا نقصان. فالولاية له،والعمل معه، ومعونته، وتقويته حلال محلل.



وأما وجه الحرام من الولاية، فولاية الوالي الجائر، وولايةولاته، فالعمل لهم والكسب معهم بجهة الولاية لهم حرام محرمٌ مُعذَّبٌ فاعل ذلك على قليل من فعله أو كثير، لأن كل شي ء من جهةالمعونة له معصية كبيرة من الكبائر، وذلك ان في ولاية الوالي الجائر، دروس الحق كله، فلذلك حرم العمل معهم ومعونتهم والكسب معهم، إلاّ بجهة الضرورة نظير الضرورة إلى الدم والميتة".

التجارة بين الحلال والحرام



ثم يبين الإمام حدود الشريعة في التجارة وأن التجارة النافعةحلال، أما التجارة التي تضر بالناس وتفسد عليهم حياتهم فهي محرمة.



قال الإمام عليه السلام: "وأما تفسير التجارات في جميع البيوع، ووجوه الحلال من وجه التجارات التي يجوز للبايع أن يبيع مما لا يجوز له،وكذلك المشتري الذي يجوز له شراؤه مما لا يجوز له.



فكل مأمور به مما هو غذاء للعباد وقوامهم به في أمورهم في وجوه الصلاح الذي لا يقيمهم غيره، مما يأكلون ويشربون ويلبسون وينكحون ويملكون ويستعملون من جميع المنافع التي لا يقيمهم غيرها، وكل شي ء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات، فهذإ؛ك ك كله حلال بيعه وشراؤه وإمساكه واستعماله وهبته وعاريته.



وأما وجوه الحرام من البيع والشراء فكل أمر يكون فيه الفسادمما هو منهي عنه من جهة أكله أو شربه أو كسبه أو ملكه أو إمساكه أو هبته أو عاريته، أو شي ء يكون فيه وجه من وجوه الفساد، نظيرالبيع بالربا، أو البيع للميتة أو الدم أو لحم الخنزير أو لحوم السباع من صنوف سباع الوحش والطير، أو جلودها، أو الخمر أو شي ء من وجوه النجس، فهذا كله حرام ومحرم، لأن ذلك كله منهي عن أكله وشربه ولبسه وملكه وإمساكه والتقلب فيه، فجميع تقلبه في ذلك حرام.



وكذلك كل بيع ملهو به، وكل منهي عنه مما يتقرَّب به لغير اللَّه أويقوى به الكفر والشرك من جميع وجوه المعاصي، أو باب يوهن به الحق فهو حرام بيعه وشراؤه وإمساكه وملكه وهبته وعاريته وجميع التقلب فيه، إلاّ في حال تدعو الضرورة فيه إلى ذلك.

الإجارة بين الحلال والحرام



ثم بين الإمام أن من الإجارة ما ينفع العباد فهي حلال، ومنها مايضر فهي حرام.



وأيضاً قد تكون الإجارة فيما يرتبط بالأشياء المحرمة "كتأجيرالإنسان نفسه أو سيارته لحمل الخمر مثلاً" فهي حرام. أما الإجارة في مجال تقديم الخدمات المحللة للناس فهي حلال.



قال عليه السلام: "وأما تفسير الإجارات، فإجارة الإنسان نفسه، أو مإ؛ك ك يملكه، أو يلي أمره من قرابته أو دابته أو ثوبه بوجه الحلال من جهات الإجارات، أو يؤجر نفسه أو داره أو أرضه، أو شيئاً يملكه فيما ينتفع به من وجوه المنافع، أو العمل بنفسه وولده ومملوكه أوأجيره من غير أن يكون وكيلاً للوالي، أو والياً للوالي، فلا باس أن يكون أجيراً يؤجر نفسه أو ولده أو قرابته أو ملكه أو وكيله في إجارته، لأنهم وكلاء الأجير من عنده ليس هم بولاة الوالي، نظيرالحمّال الذي يحمل شيئاً بشي ء معلوم، فيجعل ذلك الشي ء الذي يجوز له حمله بنفسه أو بملكه أو دابته، أو يؤجر نفسه في عمل يعمل ذلك العمل بنفسه حلال لمن كان من الناس ملكاً أو سوقة، أو كافراًأو مؤمناً، فحلال إجارته، وحلال كسبه من هذه الوجوه.



وأما وجوه الحرام من وجوه الإجارة، نظير أن يواجر نفسه على حمل ما يحرم عليه أكله أو شربه أو لبسه، أو يواجر نفسه في صنعةذلك الشي ء أو حفظه، أو يواجر نفسه في هدم المساجد ضراراً أوقتل النفس بغير حل، أو عمل التصاوير والأصنام والمزامير والبرابطوالخمر والخنازير والميتة والدم، أو شي ء من وجوه الفساد الذي كان محرماً عليه من غير جهة الإجارة فيه، وكلُّ أمر منهيّ عنه من جهة من الجهات، فمحرّم على الإنسان إجارة نفسه فيه أو له أوشي ء منه أو له إلاّ لمنفعة من استأجره، كالذي يستأجر الأجير يحمل له الميتة ينحيها عن أذاه أو أذى غيره، وما أشبه ذلك.



والفرق بين معنى الولاية والإجارة وإن كان كلاهما يعملان بأجر: أن معنى الولاية أن يلي الإنسان لوالي الولاة أو لولاة الولاةفيلي أمر غيره في التولية عليه وتسليطه وجواز أمره ونهيه وقيامه مقام الولي إلى الرئيس، أو مقام وكلائه في أمره وتوكيده في معونته وتسديد ولايته وإن كان أدناهم ولاية، فهو والٍ على من هو والٍ عليه يجري مجرى الولاة الكبار الذين يلون ولاية الناس في قتلهم من قتلوا وإظهار الجور والفساد.



وأما معنى الإجارة فعلى ما فسرنا من إجارة الإنسان نفسه أو مايملكه من قبل أن يواجر الشي ء من غيره فهو يملك يمينه لأنه لا يلي أمر نفسه وأمر ما يملك قبل أن يواجره ممن هو آجره. والوالي لايملك من أمور الناس شيئاً إلاّ بعد ما يلي أمورهم ويملك توليتهم.وكلُّ من آجر نفسه، أو آجر ما يملك نفسه، أو يلي أمره من كافر أومؤمن أو ملك أو سوقة على ما فسّرنا مما تجوز الإجارة فيه فحلال محلل فعله وكسبه.

الصناعة بين الحلال والحرام



ثم يبين الإمام عليه السلام أن العمل في مجال الصناعة محبذ في الشريعةالإسلامية وأن الحلال من الصناعة هو ما كان نافعاً للناس وفيه صلاحهم، بينما الحرام هو الصناعة التي لا يأتي منها إلاّ الفساد. أما ماكان له منافع محللة ومحرمة فإن الشرع يغلِّب جانب الحلال ويسمح به، وتقع مسؤولية الاستفادة المحرمة على المستفيد نفسه.



يقول الإمام عليه السلام: "وأما تفسير الصناعات فكلما يتعلم العباد أويعلِّمون غيرهم من أصناف الصناعات، مثل: الكتابة، والحساب ،والتجارة، والصياغة، والسراجة، والبناء، والحياكة، والقصارة،والخياطة، وصنعة صنوف التصاوير ما لم يكن مثل الروحاني،وأنواع صنوف الآلات التي يحتاج إليها العباد، منها منافعهم، وبهاقوامهم، وفيها بلغة جميع حوائجهم، فحلال فعله وتعليمه والعمل به وفيه، لنفسه أو لغيره.



وإن كانت تلك الصناعة وتلك الآلة قد يُستعان بها على وجوه الفساد ووجوه المعاصي، وتكون معونة على الحق والباطل، فلابأس بصناعته وتعليمه، نظير الكتابة التي هي على وجه من وجوه الفساد تقوية ومعونة لولاة الجور. كذلك السكين والسيف والرمح والقوس وغير ذلك من وجوه الآلة التي تصرف إلى جهات الصلاح وجهات الفساد، وتكون آلة ومعونة عليهما، فلا بأس بتعليمه وتعلمه، وأخذ الأجر عليه، والعمل به وفيه لمن كان له فيه جهات الصلاح من جميع الخلائق، ومحرم عليهم فيه تصريفه الى جهات الفساد والمضار، فليس على العالم والمتعلم إثم ولا وزر لما فيه من الرجحان في منافع جهات صلاحهم وقوامهم وبقائهم، وإنما الإثم والوزر على المتصرف بها في وجوه الفساد والحرام، وذلك إنماحرم اللَّه الصناعة التي هي حرام كلها، التي يجي ء منها الفساد محضاً،نظير البرابط والمزامير والشطرنج وكل ملهو به، والصلبان والأصنام وما أشبه ذلك من صناعات الأشربة الحرام، وما يكون منه وفيه الفساد محضاً، ولا يكون فيه ولا منه شي ء من وجوه الصلاح، فحرام تعليمه، وتعلمه، والعمل به، وأخذ الأجر عليه،وجميع التقلب فيه من جميع وجوه الحركات كلها، إلا أن تكون صناعة قد تنصرف الى جهات الصنايع، وإن كان قد يتصرَّف بهاويُتناوَل بها وجه من وجوه المعاصي، فلعلة ما فيه من الصلاح حل تعلمه وتعليمه والعمل به، ويحرم على من صرفه الى غير وجه الحق والصلاح.



فهذا تفسير بيان وجه اكتساب معائش العباد، وتعليمهم في جميع وجوه اكتسابهم"2".

تأملات في الحديث:



1- تشير الرواية إلى الطبقات الإجتماعية العامة، وهم:



ألف - الموظفون الحكوميون "وتشير الرواية الى هذه الطبقة بلفظالولاية والولاة".



ب- التجار "ما يشمل التجارة العامة كالإستيراد والتصديروالبيع بالجملة، أو التجارة الجزئية كأصحاب المحلات الصغيرة والبيع بالمفرد".



ج- الصناعيون.



د- عمال مستأجرون.



ولا تزال هذه الطبقات هي الفئات الرئيسية في الأنظمةالاقتصادية القائمة في البلاد.



2- وتبدء الرواية بالحديث عن الولاة "الموظفين" مما يوحي بأهمية السياسة والإدارة الحكومية، وأن صلاح الأمة وفسادهايتأثران مباشرة بصلاح أو فساد السياسة والنظام الإداري.

الموظفون



3- تحدثت الرواية عن جواز تقلد المناصب والوظائف الحكوميةفي الحكومات الشرعية، واشترطت أن يكون الموظف "أو الوالي عنهم" ملتزماً بدقة بالتعاليم الحكومية الصادرة عن الحاكم العادل من دون زيادة أو نقيصة. ذلك لأن مجرد الإنتماء الى حكومة شرعيةعادلة، لا يعني تصحيح كل عمل يصدر من الفرد، بل إنما يصح التوظيف عند العادل إذا التزم الإنسان بالعدل في تصرفاته ولم يعمل بهواه.



4- وأما التوظيف لدى الحكومات الجائرة، فقد بيّنت الروايةحرمة التعامل مع هذه الحكومات في مجال الولاية ذاتها، أي في مجال دعم النظام الجائر وتعزيز أركانه، حيث عبرت الرواية عن ذلك بالقول: "لأن كل شي ء من جهة المعونة له معصية كبيرة من الكبائر".



5- وتستثني الرواية من حرمة ولاية الجائر، حالات الضرورة،مثل الضرورة التي تحلل الدم والميتة. "وهناك بالطبع استثناءات أخرى تُستنبط من القواعد العامة في الشريعة، سنشير إليها في مواقعهاإن شاء اللَّه تعالى".

التجارات



6- نستفيد من الحديث إن الأصل في التجارات هو: الحلية، مادامت مفيدة للناس، وفيها منفعتهم ومصلحتهم المعيشية، وإنما يُستثنى منها تلك المنافع التي حرمها الشرع.



7- وإذا تشابهت معاملة من المعاملات المستحدثة ولم نعرف وجه الحلية فيها عن وجه ا لحرمة، فالأصل فيها الحلية.



8- ونستفيد من الرواية أن سبب حرمة بعض المعاملات التجاريةهو ورود النهي من قبل الشريعة، فإذا لم تكن المعاملة منهياً عنها لم تحرم، وإنما يحرم ما يرتبط بمجال النهي فقط وليس بشكل مطلق، فمثلاًإذا كان الشي ء منهياً عن أكله وشربه، ولكنه ليس منهياً عن استخدامه للتداوي والعلاج "كالسم" فالمحرم هنا هو التعاقد عليه للأكل والشرب، أما التعاقد عليه من أجل الغرض المحلل "وهو التداوي" فلايبدو أنه محرم.



9- وهكذا الأمر بالنسبة للنجس والمتنجس، إذ الحرام هو التعاقدعليهما للاستخدام المحرم كالأكل والشرب والصلاة وسائرالاستعمالات المنهية، أما التعاقد عليهما لغرض الاستخدام الحلال لهمافلا حرمة فيه، كاستخدام بعض المواد النجسة في التسميد، أو في الأغراض الصناعية او استخدام الدم للتزريق للمريض، أو أي غرض محلل مشروع آخر يقصده العقلاء.



فالمحرمات، يمكن أن يقع التعاقد عليها إذا كانت لها منافع محللةمعتداً بها ومعترفاً بها عند العقلاء.



10- وتصرح الرواية بتحريم المتاجرة بكل آلات اللهو"كالآلات الموسيقية" وكل ما يكون أداة وطريقاً للمعصية كالأصنام،والصلبان، وآلات القمار، وما يؤدي الى المساعدة على الحرام كبيع الأسلحة والمعدات الحربية لأعداء الدين.



11- كما يحرم التعاقد على كل شي ء يساعد العدو على التغلب على المسلمين، مثل بيع الوقود لآلياتهم الحربية، أو بيع التقنية التي تساعدهم على الحرب.



12- وكذلك يحرم التعاقد على كل ما يسبب ضرراً بالغاًبالمسلمين، مثل المخدرات.

الإجارات "أو بيع الخدمات"



13- تشير الرواية إلى أن الإجارة أنواع ثلاثة:



الأول: أن يؤجر الشخص ما يملك من الأرض أو العقار "دارسكنى، محل تجاري، مبنى إداري و.. و.." أو وسائط النقل "كالسيارة،والقطار، والسفينة، والطائرة" أو بعض الآلات والأجهزة المفيدةالأخرى.



الثاني: أن يؤجر الشخص نفسه "كالعامل الذي يبيع خدماته".



الثالث: أن يؤجر الشخص من يملك أمره مثل: أولاده أو ذوي قرابته، أو من يتحمل مسؤولية الإشراف عليه بالوكالة.



14- معيار حرمة الإجارة، هو حرمة العمل الذي يقوم به الفرد،فما كان محرماً على الفرد من غير جهة الإجارة "بل من جهة ا لمباشرة"يحرم أيضاً من جهة الإجارة، فكما لا يجوز بيع الخمر والميتة واللحوم المحرمة والأفلام الخليعة وآلات القمار، والمخدرات، وقتل النفس المحرّمة، كذلك لا يجوز الإجارة لتقديم أية خدمات في إطار هذه الأمور، فكل فعل حرام لا يجوز الإجارة له.



15- أما إذا كان في ذلك الفعل أو الشي ء الحرام جهة صلاح وحلال، جازت الإجارة له، فمثلاً إذا واجهنا كمية كبيرة من الذبائح المحرمة التي ينبغي التخلص منها بالحرق أو الدفن، جاز أن يؤجرالإنسان نفسه أو معداته للقيام بهذا العمل الحلال وإن كانت الميتةنفسها محرمة.



16- هناك فرق بين الولاية من قبل الظالم "التوظيف" وبين الإجارة. إذ أن الولاية تعني فرض الهيمنة على الغير من قبل الوالي"الحاكم أو الدولة"، بينما الإجارة تعني عقداً يقدم الفرد بموجبه خدمةمعينة للطرف الآخر بإزاء أجر معلوم.



من هنا تجوز الإجارة لكل الناس وفي كل الأعمال والخدمات المحللة، ولا تجوز الولاية "بالمعنى التي ذكرناها" من قبل كل أحد، إنمامن قبل الحاكم العادل فقط.

الصناعات



17- أهم ما يُستفاد من هذا الحديث الشريف فيما يتعلق بالصناعات هو: أن الصناعة أمر مرغوب في الشريعة، لأنها تسدثغرات كثيرة في حياة الناس وتساعد على تطوير حياتهم نحوالأفضل، وأنها محللة بصفة عامة، وذلك كأغلب الصناعات الإنتاجيةالمتداولة في حياتنا اليوم، سواء الصناعات الثقيلة؛ كصناعة الطائرات،والسيارات، والسفن، والبتروكيماويات، والمعادن، وما أشبه أوالصناعات الخفيفة كصناعة المواد الإنشائية، والنسيج، والخياطة،والصياغة، والمواد الغذائية، وغير ذلك مما يحتاج إليه الناس في إدارةشؤونهم الحياتية والمعيشية وتوفير الرفاه والسعادة والراحة لهم.



18- أما الصناعات المحرمة فهي التي تستخدم منتوجاتها في مجال الفساد فقط، وليس لها أي استخدام سليم وصالح كالآلات الموسيقية،وأدوات القمار، وسائر أنواع اللهو المحرم، والأصنام، والمشروبات المحرمة، والمخدرات، وما إلى ذلك.



19- وأما الصناعات ذات الوجهين، التي يشترك الإنتفاع بها في مجالي الصلاح الفساد، فإن الرواية تؤكد على تغليب جانب الصلاح،فإذا كانت الأسلحة النارية تستخدم للدفاع عن النفس وهو أمرمشروع، ولقتل الأبرياء وهو أمر محرم وفاسد، فإن هذا لا يعني تحريم صناعتها، بل الحكم يتبع جهة الصلاح والمنفعة المحللة المقصودة، وتبقى مسؤولية الاستخدام الفاسد على المستخدم ذاته.



الباب الأول:



أحكام عامة في المكاسب

1- أحكام عامة في اكتساب الرزق



القرآن الكريم:



1- قال اللَّه سبحانه: "فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّه وَاذْكُرُوا اللَّه كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ""الجمعة، 10"



هدى من الآية:



لأن الإسلام جاء منهجاً كاملاً وشاملاً لأبعاد الحياة الإنسانية،جعله اللَّه متوازناً في أصوله وأحكامه. فهو منهج الدنيا والآخرة،والروح والجسد، والعبادة والعمل. ولذا نجد القرآن الكريم فور مايأمر بالسعي الى صلاة الجمعة يأمر بالانتشار لممارسة الحياة الطبيعية،والحصول على الرزق ولقمة العيش. فالصلاة والعبادة ليست بديلاًعن ممارسة الحياة الطبيعية والاجتماعية، والدين منهج لتوجيه الإنسان وقيادة الحياة، يجد الناس فيه فرصة للعبادة ومنهجاً للسعي والعمل، إذ أن فضل اللَّه ورزقه لا يُنال إلاّ بالسعي والعمل الحثيث من أجله.



وتأمرنا الآية الكريمة أن نذكر اللَّه كثيراً عندما نبتغي فضل اللَّه،ذلك لأن ذكر اللَّه يُجنِّب الإنسان الانحراف والوقوع في الأخطاء،فذاكر اللَّه لا يسعى نحو الحرام، ولا يسلك الطرق الملتوية ولا يغش الناس ولا يضرّهم، إذن فيُرجى له الصلاح والفلاح.



2- وقال عز وجل: "وَءَاخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّه..""المزمل،20"



هدى من الآية:



في هذه الآية التي تتحدث عن قيام رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم في الليل وضرورته للمؤمنين الذين يقتفون أثر النبي الكريم في حياتهم، نجدتخفيفاً في التشريع يشمل التجار المسافرين طلباً للرزق الحلال إلى جانب المقاتلين في سبيل اللَّه، مما يهدينا إلى أهمية التجارة والسعي الحثيث من أجل الاكتساب وطلب الحلال من فضل اللَّه.



ويؤيد هذا الأمر ما روي عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "أيما رجل جلب شيئاً الى مدينة من مدائن المسلمين صابراً محتسباً فباعه بسعريومه، كان عند اللَّه من الشهداء"3"". وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل اللَّه"4"".



السنة الشريفة:



1- قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: "العبادة سبعون جزء أفضلها طلب الحلال"5"".



2- وقال أمير المؤمنين علي عليه السلام: "إن اللَّه يحب المحترف الأمين"6"".



3- وقال الإمام الكاظم عليه السلام: "من طلب الرزق من حله ليعود به على نفسه وعياله كان كالمجاهد في سبيل اللَّه.."7"".



4- وقيل للإمام الصادق عليه السلام: أن رجلاً قال: لأقعدن في بيتي ولأصلين ولأصومن ولأعبدن ربي، فأما رزقي فسيأتيني، فقال أبوعبد اللَّه عليه السلام: "هذا أحد الثلاثة الذين لا يُستجاب لهم"8"".



5- وروي عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "نعم العون على تقوى اللَّه الغنى"9"".



6- وقال الإمام الصادق عليه السلام: "لا خير فيمن لا يحب جمع المال من حلال يكف به وجهه، ويقضي به دينه، ويصل به رحمه"10"".



7- وقال عليه السلام: "ليس الزهد في الدنيا بإضاعة المال ولا تحريم الحلال، بل الزهد في الدنيا أن لا تكون بما في يدك أوثق منك بما عنداللَّه عز وجل"11"".



8- وقال الإمام الصادق عليه السلام: "من أراد التجارة فليتفقه في دينه ليعلم بذلك ما يحلّ له مما يحرم عليه، ومن لم يتفقه في دينه ثم اتجرتورط الشبهات"12"".



الأحكام:



1- العمل الاقتصادي واكتساب الرزق والمعيشة للاستغناء عما في أيدي الناس، من المستحبات المؤكدة في الشريعة الإسلامية، ولا سيماإذا كان بهدف التوسعة على العائلة، والقيام بالمسؤوليات الاجتماعيةكفعل الخيرات والإنفاق في سبيل اللَّه.



2- ولا ينبغي للإنسان ترك النشاط الاقتصادي بذريعة الزهد في الدنيا فإن التوازن في الحياة بين الشؤون المادية والاهتمامات الأخروية هو الذي يحبذ إليه الشرع، فالعمل الدنيوي المعتدل إذا كان بوسائل وأهداف مشروعة يعد من ممهدات الآخرة، كما تشيرالروايات الشريفة.



3- وقد يصبح اكتساب الرزق واجباً، كما لو توقف حياته أو حياةمن هم تحت كفالته الشرعية على العمل والحصول على الرزق، أوتوقف أداء الواجبات المطلقة عليه.



4- وقد يكون النشاط الاقتصادي محرماً شرعاً وذلك إذا كان بوسائل غير مشروعة "كتجارة الخمور أو المخدرات أو المواد الغذائيةالفاسدة أو اللحوم المحرمة" أو كان لأهداف محرمة "كالعمل الاقتصادي بهدف الإضرار بالغير، أو تخريب الاقتصاد في سوق المسلمين".



5- ولعل أفضل المكاسب ما يكون أنفع للمجتمع وللفرد نفسه،وهو يختلف بالطبع حسب الظروف الزمانية والمكانية، فقد تكون الزراعة هي الأفضل في ظروف وبلاد معينة، وقد تكون التجارة في ظروف أخرى، وقد يكون الإنتاج الصناعي وما شاكل.



6- وقد صرحت الروايات بأن العمل الزراعي هو أحب إلى اللَّه عز وجل، مما يدل على استحباب انتخابه، ولكن مع الأخذ بعين الاعتبار سائر الجهات في معرفة الأفضلية.



7- ينبغي لكل من يقوم بنشاط اقتصادي "سواء كان عملاًتجارياً، أو نشاطاً صناعياً، أو حرفة بسيطة" أن يركز سعيه على طلب الرزق بالوسائل المشروعة المحللة، ويحذر من خطر اللهاث وراءالربح دون الاهتمام بمشروعيته، ولا يتحقق ذلك إلاّ عبر معرفةالأحكام الشرعية التي تتعلق بنشاطه لكي يعصم نفسه من الوقوع في الحرام، لذلك يجب تعلم هذه الأحكام الشرعية بقدر الحاجة.



8- ولا يجب أن تكون معرفة الأحكام الشرعية المتعلقة بالأنشطةالإقتصادية عن طريق الاجتهاد الشخصي في مصادر الشريعة، بل يجوز أن يكون ذلك - تماماً كما هو الشأن في العبادات - عن طريق التقليد الصحيح للفقيه الجامع للشرائط.



2- المستحبات في اكتساب الرزق



القرآن الكريم:



1- "قُلْ اِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَآأَنفَقْتُم مِن شَيْ ءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ""سبأ، 39"



2- "رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّه وَإِقَامِ الصَّلاَةِوَإِيتَآءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالاَبْصَارُ""النور، 37"



السنة الشريفة:



1- روي أن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم خطب في حجة الوداع فقال: "ألا إن الروح الأمين نفث في روعي أنه لا تموت نفس حتى تستكمل رزقها،فاتقوا اللَّه وأجملوا في الطلب، ولا يحملنّكم استبطاء شي ء من الرزق أن تطلبوه بمعصية اللَّه، فإن اللَّه تبارك وتعالى قسم الأرزاق بين خلقه حلالاً، ولم يقسمها حراماً، فمن اتقى اللَّه وصبر أتاه اللَّه برزقه من حله،ومن هتك حجاب الستر وعجَّل، فأخذه من غير حِلّه، قصّ به من رزقه الحلال وحوسب عليه يوم القيامة"13"".



2- وروي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال في رجل عنده بيع،فسعَّره سعراً معلوماً، فمن سكت عنه ممن يشتري منه باعه بذلك السعر، ومن ماكسه وأبى أن يبتاع منه زاده، قال الإمام: "لو كان يزيدالرجلين لم يكن بذلك بأس، فأما أن يفعله بمن أبى عليه وكايسه،ويمنعه من لم يفعل، فلا يعجبني إلاّ أن يبيعه بيعاً واحداً"14"".



3- وقال عليه السلام: "أيّما مسلم أقال مسلماً بيع ندامة، أقاله اللَّه عز وجل عثرته يوم القيامة"15"".



4- وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: "غفر اللَّه لرجل كان قبلكم؛ كان سهلاًإذا باع، سهلاً إذا اشترى، سهلاً إذا قضى، سهلاً إذا استقضى"16"".



5- قال الإمام الصادق عليه السلام: "مر أمير المؤمنين علي عليه السلام على جاريةقد اشترت لحماً من قصاب وهي تقول: زدني. فقال أمير المؤمنين علي عليه السلام: "زدها فإنه أعظم للبركة"17"".



6- وقال عليه السلام: "لا يكون الوفاء حتى يميل الميزان"18"".



7- وروى أبو عبد اللَّه الصادق عليه السلام في حديث أن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم قال لخليط له: "جزاك اللَّه من خليط خيراً، فإنك لم تكن ترد ربحاً ولاتمسك ضرساً"19"".



8- وقال الإمام الصادق عليه السلام: "من ذكر اللَّه عز وجل في الأسواق غفر اللَّه له بعدد أهليها"20"".



9- وجاء في فقه الإمام الرضاعليه السلام: "وإذا كنت في تجارتك،وحضرت الصلاة فلا يشغلك عنها متجرك، فإن اللَّه وصف قوماًومدحهم فقال: "رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّه"، وكان هؤلاء القوم يتجرون، فإذا حضرت الصلاة تركوا تجارتهم وقاموا إلى صلاتهم، وكانوا أعظم أجراً ممن لا يتجر فيصلي"21"".



الأحكام:



أولاً: يستحب الإجمال في طلب الرزق واكتساب المعيشة، ويعني الإجمال - حسب ما يُستفاد من الروايات -:



1- الاهتمام بطلب الحلال دون الحرام.



2- عدم الإضرار بالنفس بتعريضها للمشاق والصعوبات الهائلةفي طلب الرزق.



3- عدم ترك سائر ما أراد اللَّه من الإنسان من واجبات أومندوبات حرصاً في طلب الدنيا.



ثانياً: وتؤكد الروايات على مبدء التسامح والتساهل في الأنشطةالاقتصادية، وبالذات لدى التعامل مع الآخرين، وبشكل عام ينبغي أن لا يفوق اهتمام الإنسان بالربح على التحلي بالفضائل الأخلاقية،ومن مفردات ذلك:



1- إقالة النادم في الصفقات التجارية، والقبول بفسخ الصفقة إذاطلب الطرف الآخر ذلك، حتى ولو كان من غير سبب واضح.



2- عدم التمييز في الأسعار بين الزبائن، والالتزام بسعر موحدلكل المتعاملين، ولا إشكال - بالطبع - في الحد من القيمة لشخص دون آخر لأسباب معنوية كالقرابة أو الصداقة أو الأفضلية في التقوى والأخلاق.



3- أن يعطي كيلاً راجحاً عند البيع والشراء، حذراً من بخس الناس أشياءهم، وحذراً من أن يكون من المطففين.



4- أن يكون بشكل عام سهلاً في التعامل التجاري مع الناس،وسهلاً في قضاء ديونه، وفي المطالبة بالديون.



5- عدم التشدّد في القيمة عند البيع، فالروايات تؤكد على البيع بمجرد حصول الربح.



ثالثاً: إضفاء صبغة إلهية على مراكز الأنشطة الاقتصاديةوالإنتاجية لكي لا تطغى الحالة المادية على سلوك الإنسان، وذلك ب:



1- المبادرة الى أداء الصلاة في أول وقتها وعدم التذرع بالانشغال بالتجارة، أو الوظيفة، أو العمل الإنتاجي، أو ما شاكل.



2- ذِكْرُ اللَّه في الأسواق والمراكز التجارية والاقتصاديةوالإنتاجية، وذلك بتلاوة الأدعية المأثورة، وذكر الشهادتين وتلاوةالقرآن وما أشبه.

3- المكروهات في اكتساب الرزق



القرآن الكريم:



1- "وَالسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ *وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ""الرحمن، 7-9"



هدى من الآية:



إن اللَّه خلق كل شي ء بميزان لكي تتجلى رحمته من خلال ذلك،وأمر الإنسان أيضاً أن يقيم كل شي ء في حياته بميزان، حتى يساهم في جلب السلام والسعادة إليها، فلا يسرف في الأكل والشرب، ولا يبذّرفي الصرف، ولا يستهلك أكثر مما ينتج، والأهم من كل ذلك أن لايطغى في الميزان عند التعامل التجاري مع الآخرين.



والطغيان في الميزان هو التجاوز عن حد العدالة، بحيث ينتهي إلى بخس الناس حقوقهم، فمثلاً يعطي أقل من الحق، ويأخذ أكثر ممايستحق، وقد نهانا اللَّه عن ذلك، ودعانا إلى إقامة الوزن، وذلك باحترامه والالتزام الدقيق به، وبأفضل صور العدل وهو القسط.



والميزان هنا قد يشمل كل المقاييس التي يتبناها الإنسان لتنظيم حياته الاجتماعية والاقتصادية، سواء كانت ترتبط بالكيل أو الوزن،أو المسح أو ما شاكل ذلك من المقاييس المستحدثة الأخرى.



2- وقال عز وجل: "وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً""الاسراء، 35"



هدى من الآية:



القسطاس المستقيم هو التعامل التجاري الذي لا غَبْن فيه ولاغش، ولعل احترام الكيل يدل على أكثر من احترام حقوق الناس،حيث يدخل ضمن احترام قوانين المجتمع وعدم الخروج عليهالمصلحة ذاتية.



واحترام الحقوق والالتزام بموازينها أمر حسن فطرياً واجتماعياً،وأحسن نهاية وعاقبة للفرد وللمجتمع، لأن الغش لو ساد مجتمعاًفستحل به كارثة لا يمكن التخلص منها، ثم إن الفرد لو تجاوز حقوق الناس، أفلا يخشى أن تُسلب حقوقه أيضاً؟.



3- وقال سبحانه: "وإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوااللَّه مَا لَكُم مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُم بِخَيْرٍوإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ * وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسوا النَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ""هود،84-85"



هدى من الآية:



يذكرنا القرآن الكريم بالوضع الاقتصادي لقوم شعيب الذي كان"بخير "ولكنهم ابتلوا بالفساد الاقتصادي، فحذّرهم شعيب مغبة ذلك،حيث أمرهم بعبادة اللَّه وتنفيذ تعاليم السماء، ونهاهم عن عبادة الثروةالزائلة، كما نهاهم عن الاستهانة بالمقاييس الاقتصادية التي كانت موضع ثقة الجميع كالمكيال والميزان، فإذا بخسوا فيهما، فإن النظام الاجتماعي ذاته يصبح مهدداً بالزوال مما يؤدي - بدوره - إلى فسادالعلاقة بين أبناء البشر، وزوال الخير والنعم.



السنة الشريفة:



1- قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: "من باع واشترى فليحفظ خمس خصال وإلاّ فلا يشترين ولا يبيعن: الربا والحلف وكتمان العيب والحمد إذا باع والذم إذا اشترى"22"".



2- وقال الإمام الكاظم عليه السلام: "ثلاثة لا ينظر اللَّه إليهم: أحدهم رجل اتخذ اللَّه بضاعة، لا يشتري إلاّ بيمين ولا يبيع إلاّ بيمين"23"".



3- وروي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال له بعض الأصحاب:رجل من نيته الوفاء، وهو إذا كال لم يحسن أن يكيل. قال الإمام: "فمايقول الذين حوله؟" قال الراوي: يقولون لا يوفي، فقال الإمام: "هذإ؛**هممن لا ينبغي له أن يكيل"24"".



4- وروي أن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن السوم ما بين طلوع الفجرإلى طلوع الشمس"25".



5- وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يحتكر الطعام إلاّ خاطئ"26"".



6- وجاء في الحديث أن أمير المؤمنين علي عليه السلام نهى عن الحكرة في الأمصار"27".



7- وجاء عن الإمام الصادق عليه السلام عن آبائه في حديث المناهي أن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن يدخل الرجل في سوم أخيه المسلم"28".



8- قال هشام بن الحكم: كنت أبيع السابري"29" في الظلال فمر بي أبوالحسن الإمام موسى بن جعفرعليه السلام راكباً، فقال لي: "يا هشام إن البيع في الظلال غش، والغش لا يحل"30"".



الأحكام:



أولاً: يُكره إستخدام أية أساليب قد تعرض الإنسان أثناء التعامل التجاري للسقوط في الغش أو التطفيف أو غير ذلك من المحرمات في البيع والشراء وسائر العقود، وذلك من قبيل:



1- مدح البائع للسلعة التي يبيعها، وذم المشتري للبضاعة التي يشتريها، وكذلك الأمر في سائر العقود والمعاوضات.



2- الحلف صادقاً في العقود، فمن تعوَّد على اليمين الصادقة، أوشك أن يتورط في اليمين الكاذبة وهي من المحرمات المؤكدة.



3- عرض البضاعة أو تسليمها في مكان أو ظرف يستر عيوب السلعة، كعرضها أو تسليمها تحت نور خافت جداً يستر العيوب، أوتحت ضوء كشاف شديد يغطي على نقاط ضعف السلعة، أو ما شاكل.



4- القيام بأعمال التوزين أو الكيل أو المسح أو العد إذا لم يكن يجيد المهمة.



ثانياً: يكره إتِّباع الأساليب الإقتصادية الملتوية التي قد تؤدي إلى الإضرار بالآخرين من قبيل:



ألف- الدخول في الصفقات التجارية التي هي في طور الانعقاد بين الآخرين بيعاً وشراءً، والسعي لتجيير الصفقة لحسابه.



باء- احتكار البضائع والسلع في غير الموارد المحرمة.



ثالثاً: يُكره السوم ما بين الطلوعين، وربما لكونه وقتاً للذكروالدعاء.

4- الحلال والحرام في الأنشطة الإقتصادية



القرآن الكريم:



1- "وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ *وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلاَ يَظُنُّ أُوْلَئِكَ أَنَّهُم مَبْعُوثُونَ *لِيَوْمٍ عَظِيمٍ *يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ""المطففين، 1-6"



هدى من الآيات:



هناك من الناس من يرى نفسه أنه الحق، فيعامل الآخرين على هذا الأساس، فلذلك يغش ويسرق ويستولي على حقوقهم، وعلامةهذا الفريق أنهم إذا أرادوا استيفاء حق من حقوقهم من الناس أخذوه وافياً، وإذا طلب منهم أداء حق للناس انتقصوا منه، وهذا هوالتطفيف. فالويل لهؤلاء، لأنهم ليسوا منصفين.



وقد حاربت رسالات اللَّه الفساد الاقتصادي في المجتمع بكل ألوانه، والتطفيف واحدٌ من أسوء أنواع هذا الفساد.



ولكن هل الفساد الاقتصادي خاص بالتطفيف في الوزن والمكيال، أم أنهما مجرد مَثَلين لما هو أعم وأشمل؟ فالغش، والاحتكار،واستغلال طاقات الضعفاء، واستثمار ثروات البلاد المختلفة، والابتزازوسائر أساليب الكسب اللامشروع، كل تلك من ألوان الفسادالاقتصادي.



2- وقال تعالى: "أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلاَ تَكُونُوا مِنَ الُْمخْسِرِينَ *وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ *وَلاَ تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ وَلاَ تَعْثَوْافِي الاَرْضِ مُفْسِدِينَ""الشعراء، 181-183"



هدى من الآيات:



يبدو أن علاقة أصحاب الأيكة ببعضهم كانت علاقة إفساد، فبدل أن يتعاونوا على الإنتاج، إذا بهم يفسدون في الأرض، وكان بعضهم يأكل حق البعض الآخر، حيث كانوا يُخسرون المكيال، ويتجاوزون حدود العدل في الميزان، فنهاهم نبيهم شعيب عن ذلك بشدة، وأمرهم بالوفاء بالكيل، وأن يزنوا بالعدل والقسط.



3- وقال عز وجل: "قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَكُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ""الاعراف، 29"



4- "يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلآَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّه كَانَ بِكُمْ رَحِيماً""النساء، 29"



5- "وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ""آل عمران، 161"



هدى من الآيات:



وفي هذه الآيات الثلاث الكريمة يأمر اللَّه سبحانه وتعالى بالقسط،وهو يشكل القاعدة الرصينة للعقود والعلاقات التجارية، وينهى عن ما يتعارض مع القسط مثل: أكل أموال الناس بالباطل، وهو عنوان عريض ينطبق على الكثير من المكاسب المحرمة وأبرزها الربا، ومثل:الغلول وهو الخيانة في الأموال، والرشوة، والسرقة وما شاكل.



6- وقال سبحانه: "يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواالنِّسَآءَ كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ إِلآَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّه فِيهِ خَيْراً كَثِيراً""النساء، 19"






/ 7