7- "وإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَءاتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَ قِنطَاراً فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً""النساء، 20" 8- "إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً""النساء، 10" هدى من الآيات: من أبشع أنواع المال الحرام، هو المال المكتسب من الاستغلال،وأبشع أنواع الاستغلال، هو الذي يُمارَس بحق الفئات الضعيفة التي لاتستطيع عن حقها دفاعاً، وهذه الآيات الكريمة تشير إلى نموذجين من الضعفاء الذين قد يقعون فريسة جشع المستغلين، وهم: النساءواليتامى، فينهى اللَّه بشدة عن أكل أموالهم دون حق، والاعتداء على حقوقهم دون مبرر. السنة الشريفة: 1- روي عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال في خطبة الوداع: "يا أيهاالناس! إنما المؤمنون اخوة، ولا يحل لمؤمن مال أخيه إلاّ عن طيب نفس منه"31"". 2- روى الإمام الصادق عليه السلام عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "إن الروح الأمين جبرئيل أخبرني عن ربي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا اللَّه وأجملوا في الطلب، واعلموا أن الرزق رزقان: فرزق تطلبونه ورزق يطلبكم، فاطلبوا أرزاقكم من حلال،فإنكم إن طلبتموها من وجوهها أكلتموها حلالاً، وإن طلبتموها من غير وجوهها أكلتموها حراماً، وهي أرزاقكم لابد لكم من أكلها"32"". 3- وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: "إن أخوف ما أخاف على أمتي هذه المكاسب الحرام، والشهوة الخفية، والربا"33"". 4- وقال الإمام أبو عبد اللَّه الصادق عليه السلام: "ليس بولي لي من أكل مال مؤمن حراماً"34"". 5- جاء في السنة الشريفة عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: "شر المآكل، أكل مال اليتيم ظلماً"35"". 6- قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم لرجل يبيع التمر: يا فلان! أما علمت أنه ليس من المسلمين من غشَّهم؟"36"". 7- وقال الإمام الصادق عليه السلام: "من غشَّنا ليس منّا"37"". 8- وقال الإمام الصادق عليه السلام: "نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يُشاب اللبن بالماء للبيع"38"". 9- وقال الإمام الباقرعليه السلام: "مرَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سوق المدينة بطعام،فقال لصاحبه: ما أرى طعامك إلاّ طيباً، وسأله عن سعره، فأوحى اللَّه عز وجل إليه أن يدسَّ يده في الطعام، ففعل، فأخرج طعاماً رديئاً،فقال لصاحبه: ما أراك إلاّ وقد جمعت خيانة وغشّاً للمسلمين"39"". 10- وروي في حديث شريف عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: لاتناجشوا ولا تدابروا. "معناه أن يزيد الرجل في ثمن السلعة وهو لايريد شراءها ليسمعه غيره فيزيد بزيادة، والناجش خائن، والتدابرالهجران""40". الأحكام: 1- الأصل في التجارة "بالمعنى العام الشامل للتبادل التجاري -البيع والشراء - وبيع الخدمات، والصناعات" إطلاق حرية الإنسان فيها إذا كانت برضا الطرفين، وكانت تقع في إطار الأحكام الشرعية،مثل ضرورة أن يكون محل العقد "أي الثمن والمثمن" حلالاً، فإذا كان محل العقد حراماً كبيع ما حرم اللَّه، أو بيع خدمات في مجالات لا يأتي منها إلاّ الحرام "كإيجار المبنى لاستخدامه كدار للقمار، أو بار لتقديم المشروبات المحرمة، أو مرقص، أو محل لعرض الأفلام الخليعة المحرمة"فلا يجوز. 2- من أهم أهداف التجارة المحللة أداء حقوق الناس إليهم بإقامةالقسط. والقسط الذي من أجله بعث اللَّه الرسالات، إنما هو مظهر من مظاهر العدل الذي أمر به الرب سبحانه وتعالى، وهو بخلاف الظلم الذي نهى عنه ربنا سبحانه بشدة، ولذلك فإن القرآن الكريم يعتبرالسرقة من مصاديق الظلم: "وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَاجَزَآءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّه وَاللَّه عَزِيزٌ حَكِيمٌ * فَمَن تَابَ مِن بَعْدِظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّه يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّه غَفُورٌ رَحِيمٌ""المائدة، 38-39". 3- إن الصفقات التجارية والمعاملات المالية لا تكفي وحدهاتبريراً لأكل أموال الناس، بل لابد أن تكون كل التصرفات التجاريةوالمالية عن تراض "أي برضا الأطراف المعنية" فأساس أكل المال الحلال، طيبة نفس صاحبه. 4- أكل أموال الناس حرام، إلاّ إذا كان بمبرر شرعي كاف، لإ؛++ك ك فرق بين أن يكونوا مسلمين أو غير مسلمين، لأن اللَّه سبحانه وتعالى عاب على اليهود أكلهم أموال الناس من غيرهم، ولأن ذلك ظلم،والظلم حرام، وهو مناف للقسط الذي أمرنا به. والقاعدة الفقهيةالأساسية هنا هي: احترام أموال الناس "إلاّ في الموارد التي يلغي الشارع حرمتها". 5- يجب على الإنسان أن يتجنب في معاملاته التجاريةوتصرفاته المالية مواقع الظلم والحرام، سواء كان ظلماً خفياً، والذي يسميه القرآن بالغل، أو ظلماً جلياً. ومن مصاديق المال الحرام: ألف: استغلال الفرد مركزه في الحصول على الأموال بصورة غيرمشروعة، مثل الجور في تقسيم الأموال، أو السرقة من بيت المال "أي المال العام"، أو إبتزاز الناس أموالهم بازاء تقديم خدمات لهم هي من وظائفه ومسؤولياته. باء: التطفيف، هو الإنقاص في الكيل أو الوزن، أو العد، أو المسح لدى البيع أو أي عقد آخر. جيم: أكل أموال اليتامى ظلماً، باعتبارهم فئة اجتماعية ضعيفة ممايوسوس الشيطان لأصحاب النفوس الجشعة التلاعب بأموالهم واستغلالها في مصالحهم الشخصية. دال: ظلم الزوجة مالياً، حيث ان الرجل يدير شؤون زوجته فتكون ضعيفة أمامه، فيستغل ذلك بعض الرجال في ظلمها، كعدم إعطائها صداقها عند الاستحقاق، أو الضغط عليها لكي تتنازل عن الصداق أو عن بعضه، أو منعها الصداق إذا أراد أن يطلقها بعدالدخول، وما شاكل. هاء: الغش في المعاملة، وهو تسليم البضاعة على خلاف المتعارف بين الناس، أو خلاف المتعاقد عليه بين الطرفين، ومن أمثلته: - مزج اللبن بالماء دون إخبار المشتري. - خلط الردي ء بالجيد من البضاعة بشكل يخفى على المشتري. - إخفاء العيوب ومواطن الضعف في البضاعة، بحيث لو اكتشفهاالمشتري لما أقدم عليها. - تسليم بضاعة أقل جودة مما اتفق عليه الطرفان. وهكذا، وقد تعددت مصاديق الغش في المعاملات والصفقات التجارية الحديثة، فما اعتبره العرف غشاً كان مشمولاً بهذا الحكم. واو: النجش، وهو أن يزيد الشخص في ثمن السلعة دون إرادةشرائها، وذلك بهدف ترغيب الزبائن الآخرين في زيادة السعر،ويحرم هذا العمل إذا كان بالاتفاق مع البائع، وغالباً ما يحدث هذاالعمل في المزايدات العلنية. وقد يكون مشمولاً بهذا الحكم كل أسلوب يتبعه البائع لكي يخلق اشتياقاً كاذباً في الزبائن لبيع بضاعته بأسعار مرتفعة أكثر من المتعارف، وبالتالي يشمل كل عمليات النصب والاحتيال والمراوغةفي الصفقات التجارية"41".
5- التجارة عن تراض
القرآن الكريم: "يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلآَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّه كَانَ بِكُمْ رَحِيماً""النساء، 29" هدى من الآية: الإنسان محترم، ومحترم كل ما يمت بصلة إليه، والمال جزء من جهدالإنسان، وبالتالي جزء من الإنسان، والاعتداء عليه حرام لأنه اعتداء على كرامته، ومن يعتدِ على كرامة الناس فلابد أن يستعدلاعتداء الآخرين عليه. لذلك فإن التعبير القرآني يوجه الخطاب للجميع ويأمرهم باحترام حقوق بعضهم البعض، لأنه لو لم تحكم قيمة الاحترام المالي أوساط المجتمع، فإن كل فرد سوف يعاني من الاعتداء في يوم من الأيام، إذن فعلينا أن نتجنب أكل الأموال بالطرق الباطلة. والطرق الباطلة هي كل ما ترفضه قيم الدين، ولا تكون خاضعةللتجارة المتراضى عليها، فأكل المال بالقمار أو عن طريق بيع الخمروالمخدرات، أو بالاحتيال والسرقة والنهب باطل وحرام، والاستثناءالوحيد هو التجارة عن تراضٍ، وتعني أمرين: الأول - أن تكون تجارة، أي تدويراً للمال بالطرق المشروعة"البيع، الإيجار، الرهن وغيرها" فلا يجوز أكل الأموال غصباً أواحتيالاً. الثاني - أن تكون هذه التجارة بعيدة عن الإكراه والجبر، أو الغش والخداع، لأن ذلك يفقد شرط التراضي. وهذه القاعدة توضح أن كل العقود التجارية التي يتراضى عليهاالطرفان صحيحة حسب الرؤية الإسلامية، إلاّ إذا خالفت شرطاً أكيداًمن الشروط المبينة في الدين "كالتجارة بالحرام" مما يعطي التشريع الإسلامي مرونة كافية لمواكبة تطور الحاجات الاجتماعية. السنة الشريفة: 1- روي عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "إنما البيع عن تراض"42"". 2- روي عن الإمام الباقر والإمام الصادق عليهما السلام أنهماقالا: "لا طلاق إلاّ لمن أراد الطلاق"43"". 3- روى زرارة عن اليسع أنه قال: سمعت أبا جعفرعليه السلام يقول في حديث: "ولو أن رجلاً طَلَّق على سُنَّة وعلى طهر من غير جماع وأشهدولم ينو الطلاق لم يكن طلاقه طلاقاً"44"". 4- وجاء في حديث عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "لا يجوزطلاق في استكراه" إلى أن قال: "وإنما الطلاق ما أريد به الطلاق من غير استكراه ولا إضرار"45"". 5- وقال الإمام الصادق عليه السلام: "نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم عن كسب الغلام الصغير الذي لا يحسن صناعة بيده، فإنه إن لم يجد سرق"46"". 6- وروى البزنطي عن أبي الحسن عليه السلام في حديث قول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله : "وُضِعَ عن اُمتي ما اُكرهوا عليه، وما لم يطيقوا،وما أخطأوا"47"". 7- قال محمد بن العيص: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن المتعة، فقال:"نعم، إذا كانت عارفة، قلنا: فإن لم تكن عارفة؟ قال: فأعرض عليهاوقل لها، فإن قبلت فتزوجها، وإن أبت أن ترضى بقولك فدعها"48"". 8- وقال الإمام الصادق عليه السلام: "لا يحل لأحد أن يبيع بصاع سوى صاع المصر، فإن الرجل يستأجر الحمال فيكيل له بمدِّ بيته، لعله يكون أصغر من مُدّ السوق"49"". 9- وروى أبو علي بن راشد عن الإمام المعصوم عليه السلام قال: سألته قائلاً: جعلت فداك، رجل اشترى متاعاً بألف درهم أو نحو ذلك ولم يسمِّ الدراهم وضحاً ولا غير ذلك، فقال الإمام: "إن شرط عليك فله شرطه، وإلاّ فله دراهم الناس التي تجوز بينهم.."50"". تمهيد تؤكد الآية الكريمة التي ذكرناها "النساء، 29" على أن تكون المعاملات المالية مبتنية على أساس التراضي بين الطرفين، ويعني التراضي إبتناء رضا طرف على الطرف الآخر، ويقوم التراضي على حقائق ثلاث: 1- عقد العزم والإرادة، فأحد أركان التراضي هو وجود إرادةجازمة عند كل طرف بالالتزام بأثر العقد الذي يتراضيان عليه، فلوكانت إرادة طرف ناقصة لسبب أو آخر فلا وجود للتراضي أو العقد."كما لو عقد نكاح المتعة مع امرأة لا تؤمن بهذا العقد وهي بالتالي غيرعازمة على الالتزام بآثار هذا العقد، فإنه لا يخلو من إشكال إذ لم تتوفر الإرادة الجازمة لدى الطرفين". 2- توافق الإرادتين لدى الطرفين هو الآخر ركن من أركان التراضي، فلو اختل هذا التوافق فقد العقد جوهره. "فلو كان أحدهمإ؛11م يشتري محلاً تجارياً بينما البائع يبيعه بيتاً سكنياً فلا يقع العقد لعدم توافق الإرادتين". 3- الباعث لدى الطرفين "نية الطرفين" هو أيضاً من مكونات توافق الإرادتين، فإن مجرد توافق الإرادتين لا يكفي في صحة العقد،بل ينبغي أن تكون الإرادتان صحيحتين أيضاً، فلو كان تراضي الطرفين أو رضا أحدهما مبتنياً على نية فاسدة بحيث لولاها لما رضي بالعقد "أي كانت الإرادة فاسدة من الأساس"، فإن العقد هو الآخريفسد ويكون لاغياً وباطلاً. "فإذا كان يؤجر ناقلته لكي يحملها خمراًمثلاً فإن عقد الإجارة باطل لأن النية فاسدة". الأحكام: الأساس في كل العقود هو "التراضي" بأركانه الثلاثة كما أشرنا،فإذا لم يكتمل التراضي بسبب نقص في العزم والإرادة أو خلل في توافق الإرادتين أو فساد الباعث والنية، فإن العقد يكون فاسداً في بعض الحالات، أو يكون متزلزلاً في حالات أخرى "أي يكون مصحوباً بإمكانية الفسخ"، وهنا نشير إلى بعض الأمثلة لهذه القاعدةالعامة: 1- توفر الرغبة فقط دون العزم لا يكفي لتحقيق التراضي، فلوكانت لدى الشخص رغبة في إنشاء عقد معين "كشراء بضاعة" إلاّ أنهالم تبلغ إلى درجة العزم واتخاذ القرار، فليس ذلك عقداً، "كمثال: لوتحدث رجل إلى امرأة أو إلى عائلتها وأعرب عن رغبته في الزواج منها فلا يعتبر ذلك عقد نكاح إلاّ إذا قرر الطرفان ذلك، وأظهراقرارهما عبر الصيغة المقررة شرعاً، حيث تكون الإرادة قد تمت في هذه الحالة ووقع التراضي، ولو قرأ الشخص إعلاناً في الجريدة عن بيع سلعة ما، فذهب إلى الطرف المعني متسائلاً عن مواصفات السلعةوشروط الصفقة، والقيمة وما شاكل، بادياً رغبته في الشراء، فلا يُعتبرهذا كله لوحده عقداً ما لم يصرحا بالبيع والشراء أو يتعاطيا ذلك عملياً". 2- مع عدم اكتمال الإرادة لا يتحقق التراضي، مثل طرح الإعلان عن عقد مالي معين، أو تعليق الإرادة على شي ء لا يعلم وقوعه، كما لوقال أحدهم: "لو جاء إبني فأنا أبيعك بيتي" فهذا أشبه شي ء بالوعد منه بالعزم، فلا يقع العقد ما لم يكن هناك تصريح به. 3- لا يعتد بإرادة المجنون والطفل غير المميز والهازل ومن أشبه،لأنها كالمعدومة وغير تامة ولا تحقق التراضي المطلوب. 4- وكذلك إرادة المخطئ الذي أراد شيئاً فغلط وقال شيئاً آخر،فإن إرادته بالنسبة لما قاله غير مكتملة، وبالتالي لم يقع التراضي."كالذي أراد الإعلان عن قيمة بضاعته التي يبيعها بمأة دينار فقال خطأً: مأة ريال". 5- وكذلك إرادة المُكْرَه الذي يقوم بالتصرفات المالية تحت طائلةالتهديد والإكراه. "فالذي تجبره الحكومة ظلماً على الدخول في صفقةتجارية لا يرتضيها، أو تجبره على بيع بيته لجهة حكومية لكي تبني مكانه مبنى إدارياً، أو من يقوم بتزويج إبنته تحت طائلة التهديد أوالخوف، كل أولئك يفقدون الرضا بالعقد، ولذلك فإن العقد لا يتحقق". 6- الإرادة الظاهرية دون الالتزام بالعقد وبما يترتب عليه هوالآخر لا يعكس التراضي"، كالمرأة الفاجرة التي تنطق بألفاظ النكاح دون قناعة أو التزام منها به، ودون عزم منها على ترتيب أثر عليه،ومثل ذلك العقد الصوري أو الطلاق الصوري الذي يجريه البعض من أجل الحصول على مزايا قانونية في بعض البلاد، أو العقد الذي يتلفظبه المدرس أثناء تدريس مادة قانونية، وما شابه". 7- الفاقد للعزم والذي لا يعبر كلامه عن إرادته بسبب غضب قاهر، أو لنوم غالب، أو سكر، أو مخدر، يكون فاقداً للرضا أيضاً."فالذي يبيع سيارته بربع قيمتها وهو في حالة سكر غالب أو تحت تأثير مخدر، أو من يطلق زوجته تحت تأثير سلطان الغضب القاهرالذي يفقده الإرادة والتفكير، أو من يقوم بتسجيل ممتلكاته باسم شخص تحت تأثير النشوة الغالبة التي تشل عقله.. كل أولئك يفقدون العزم الحقيقي على ما يقومون به وبالتالي يفقدون الرضا". 8- ومثل ذلك بعض مراتب الإلجاء والاضطرار، "كمن بلغ به العطش درجة انشغل به عن مقدار الثمن الذي يدفعه لشربة ماء، أوكان في حالة خوف شديد، مثل الذي صدمته السيارة فيخشى الوفاةفيقبل بكل عرض يطرح عليه لنجاته أو ما أشبه"، ومن ذلك العقودالتي تجري في حالات الطوارئ "زلزال، قحط، اجتياح العدو و.. و.."،كل هذه الحالات لا تعكس التراضي المطلوب في العقد. 9- إذا كان العزم موجوداً عند أحد الطرفين دون الآخر، لم تنعقدالمعاملة لعدم توافق الإرادتين، كما إذا تم الإيجاب ولم يتم القبول. "فإذاوقَّع أحد الطرفين على العقد بكل عزم وإرادة ووعي، إلاّ أن الآخرامتنع عن ذلك لأنه كان لا يزال متردداً في القبول بتفاصيل الصفقةويحتاج إلى مزيد من المشورة، فلا يقع شي ء، ويكون إيجاب الطرف الأول لاغياً". 10- إذا لم يكن محور العقد واحداً عند الطرفين، كما لو كان أحدهما يقصد البيع بينما الثاني يقصد التبرع، أو كان أحدهما يبيع البيت والثاني يشتري السيارة، ويدخل هذا ضمن الغلط في العقد،والذي ينقسم إلى ثلاثة أنواع: ألف: ما كان يفقد أصل التراضي كالمثلين السابقين، فالعقد لم يتحقق، ومن مصاديق ذلك ما لو تزوج بامرأة فإذا هي ذات بعل، فلايتحقق النكاح. باء: ما كان التوافق موجوداً فيه بنسبة معينة، فإنه قد يصحح العقدبالإجازة اللاحقة، كما إذا اشترى سيارة باعتبارها من طراز معين،فإذا هي من طراز آخر، فإن للمتضرر حق فسخ العقد كما له الحق في إمضائه، والمعيار هو وجود خلل غير أساسي في إرادة أحد الطرفين."فلو كانت عشرون شقة بمواصفات واحدة في عمارتين معروضةللبيع، فاشترى أحدهم الشقة رقم 5 في العمارة الأولى، بينما باع المكتب العقاري الشقة رقم 5 في العمارة الثانية، فالتوافق هنا موجود بنسبةمعينة، إذ الاختلاف ليس إلاّ على هذه العمارة أو تلك، فباستطاعةالمشتري الإصرار على ما كان يريد وفسخ المعاملة، أو الرضا بما وقع وإمضائه". جيم: وقد لا يكون مضراً بالعقد لأنه لا يشكل أي خلل في توافق المتعاقدين، وإنما في أمور خارجة عنه، كما لو كانت هناك صفة باعثةلطرف على إجراء العقد ولكنها لم تكن ضمن التراضي، "مثلاً اشترى أرضاً بتصور أن البلدية سوف تشق شارعاً يمر أمامها، ثم تبين غيرذلك، فإن هذا النوع من الغلط لا يوجب بطلان العقد ولا جوازفسخه، أو اشترى شاحنة معينة بتصور أنه سيستفيد منها في أعماله الانشائية، فتبين له أنها لا تنفعه في الغرض المطلوب لسبب أو لآخر،فإن هذا الغلط لا يؤثر على سلامة العقد لأنه لا مدخلية له في توافق الإرادتين وحصول الرضا". 11- إذا تأخر القبول عن الإيجاب صح العقد، ولكن إذا سحب الموجب إيجابه قبل قبول الطرف الثاني فقد التراضي وبطل العقد،"فإذا وقَّع البائع وثائق الصفقة، ولكن المشتري استمهل مدة من الزمن لاجراء المزيد من المشاورات، فإن هذا التأخير لا يضر بالعقد،إلاّ أنه إذا تراجع البائع عن إيجابه وتوقيعه قبل إعلان المشتري عن قبوله، فإن العقد يُلغى حتى ولو أعلن المشتري عن قبوله بعد ذلك،لأنه لم يتحقق التراضي". 12- لأن محور العقد توافق الطرفين، فإن العرف الخاص مقدم على العرف العام، وعرف البلد على عرف القطر، وعرف الدولة على العرف الدولي، وذلك لأن المعيار في العقد هو تراضي المتعاقدين ولأن رضاهما ينطلق من عرفهما فهو مقدم، وكلما كان العرف أقرب إليهمإ؛66ك ك كان أولى عندهما، "مثلاً: إذا كان كيل السوق الذي يتعامل فيه المتعاقدان يختلف عن كيل البلد، أو ميزان البلد يختلف عن ميزان الدولة، فان كيل السوق أو البلد مقدمان" وهكذا في النقد، وفي شرائطالعقد، وصفات البضاعة، وما أشبه. "فإذا كان الناس في بلد مايتعاملون عادة بعملة أجنبية لعدم ثقتهم بالعملة المحلية، فإن تلك العملة تكون هي المقصودة لدى إجراء الصفقات وعدم التصريح بنوع العملة، إذ أن عرف المتعاملين هنا يقصدها ولا يقصد العملة المحلية". 13- لأن المعيار هو التراضي، والرضا أمر قلبي، فإن معيار العقدالصحيح هو الرضا الواقعي، وليس ما يجري على اللسان، فإذا اختلفافقال بلسانه شيئاً "بالخطأ" بينما كان يقصد بقلبه شيئاً آخر، فإن الرضاالقلبي - إذا عرف يقيناً - هو الأصل، لأن التراضي وقع عليه. "فإذادخل الوكيل في صفقة تجارية لمصلحة موكله، إلاّ أنه لدى إجراء صيغةالعقد أجراها لنفسه "خطأً" بينما كان يقصد في قلبه أن تكون الصفقةللموكل، فإن الذي يقع هو ما قصده واقعاً وليس ما تلفظ به في الصيغةخطأً". 14- من مصاديق معيار التراضي حكم الاشتباه في التطبيق، فمن أقدم على عقد حسب أحكام الشرع ورأي العرف العام، ولكنه كان جاهلاً بالشرع والعرف فاشترط شرطاً بتصور أنه من العرف أوالشرع، فإن الصحيح هو رضاه الواقعي المطابق للشرع والعرف،وليس ما ظن أنه من الشرع والعرف خطأً في التطبيق. "فإذا عقدصفقة لشراء بضاعة من بلد آخر وجعل مبنى عقده كُلاً العرف،فاشترط البائع أن يكون حمل البضاعة من مسؤولية المشتري، ووافق المشتري على ذلك ظناً منه أن هذا هو العرف السائد الذي عليه أن يلتزم به، فاكتشف أن العرف خلاف ذلك وأن الحمل هو من مسؤوليةالبائع، فإن الصحيح هنا هو رضاه الواقعي القائم على العرف الحقيقي لا على ما ظنه من العرف". 15- ومن مصاديق هذا المعيار وجوب الوفاء بالشروط الضمنيةالتي بني العقد عليها وتم التراضي على أساسها، مثل أن يتزوج فتاةهي في بيت أبيها، فالشرط الضمني هنا هو أن تكون باكرة، أو يبيع شيئاً فالشرط الضمني أن يكون بكيل أو ميزان البلد ونقده وأعراف البيع والشراء فيه، أو يشتري سيارة من معرض لاستيراد وبيع السيارات الجديدة، فإن الشرط الضمني هنا هو أن لا تكون السيارةمستعملة، وأن تكون سليمة من جميع الجهات. وهكذا.. والسبب في وجوب الوفاء بمثل هذه الشروط هو أن أصل العقد التراضي وهذه الشروط هي من مقوماته.
الباب الثاني:
قواعد عامة في العقد
تمهيد
القرآن الكريم: 1- "يآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ اُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّه يَحْكُمُ مَايُرِيدُ""المائدة،1". إن اللَّه سبحانه وتعالى يأمر بالوفاء بالعقد، أي تطبيقه تطبيقاً تاماً،حسب ما تراضى عليه وتعاهد به الطرفان، ومبدء الوفاء بالعقوديوحي بحرية التجارة، إلاّ أن بقية الآية تحدد هذه الحرية بإطارالتشريع العام الذي يحل أشياء، ويحرم أشياء. 2- وقد أمرنا اللَّه تعالى أن نؤدي الأمانات إلى أهلها ولا نخونها،لأن هناك صلة وثيقة بين أداء الأمانة وإقامة العدل، فمن لا يؤدي حقوق الناس، كيف يمكنه أن يساهم في تطبيق العدالة في المجتمع، بينماالعدالة تشكل العمود الفقري في العقود ووجوب الوفاء بها، يقول اللَّه سبحانه: "إِنَّ اللَّه يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّه نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّه كَانَ سَمِيعاًبَصِيراً""النساء، 58". 3- ومن الحدود الرئيسية التي جعلها اللَّه للعقود، هو تحريم الربا،لأنه رمز الإستغلال البشع. يقول اللَّه تعالى: "يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَتَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّه لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ *وَاتَّقُوا النَّارَالَّتِي اُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ""آل عمران، 130-131". السنة الشريفة: 1- سُئِل الإمام الصادق عليه السلام عن قول اللَّه عز وجل: "يآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ" فقال: "العهود"51"". 2- سأل معمَّر الزيات أبا عبد اللَّه عليه السلام فقال: جعلت فداك، إني رجل أبيع الزيت - إلى أن قال -: فإنه يطرح لظروف السمن والزيت، لكل ظرف كذا وكذا رطلاً، فربما زاد وربما نقص، فقال الإمام عليه السلام: "إذا كان ذلك عن تراض منكم فلا بأس"52"". 3- جاء في حديث عن الإمام الباقرعليه السلام قوله: "فَمِنْ أجل ذَلِك أمراللَّه تبارَكَ وتَعالى العباد أن يَكتبوا بَينهُم إذا تَدايَنوا أو تَعَامَلوا إلى أجَل مُسمّى"53"". الأحكام: 1- الأصل في العقود هو وجوب الوفاء بها حسب ما تراضى طرفاها بها، ولا يجوز التخلف عنها لأن اللَّه أمر بالوفاء بها، كما أمربالوفاء بسائر العهود. "فإذا اتفق الطرفان على دفع ثمن الصفقة بنقدالبلد، أو بنقد آخر غير نقد البلد، أو كيل البضاعة بكيل خاص معلوم،أو على مدة محددة في الإجارة، أو كيفية خاصة في تسليم البضاعة، أوتسليم العين المؤجرة، أو مقدار معين من المهر في النكاح، وما شاكل..يجب الوفاء بكل ذلك بناءً على قاعدة وجوب الوفاء بالعقد". 2- لا فرق في العقود بين التي كانت شائعة في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة الأطهارعليهم السلام، أو التي إستُحدثت "مثل عقود التأمين، وعمليات الاستيراد والتصدير الحديثة، والاتفاقيات الاقتصادية والتجارية بين الدول" أو سوف تُستحدث، تماماً كما لا فرق في طهارة الماء بين الذي نزل من السماء في عهد الوحي أو الذي ينزل اليوم أو غداً، فكل التزام بلغ درجة العقد والعهد يجب الوفاء به، حتى مثل حقوق الطبع والاستنساخ فيما يرتبط بالمطبوعات أو الأشرطة الصوتية أو الأفلام أو الأقراص الممغنطة وما شاكل. 3- هناك حدود وأحكام عامة قررها الشرع للعقود كلها وبشكل عام، وهي تنقسم إلى نوعين: ألف: ما يرتبط بمظهر العقد. باء: ما يتصل بجوهر العقد. مظهر العقد 1- الهدف الأساس من هذا الحد الشرعي هو ضبط العقد من الارتياب والاختلاف، لقطع عوامل النزاع والصراع في المعاملات،وتوفير النظام للعلاقات الاقتصادية، وقد أشارت الآيات الكريمة إلى بعض الشروط بينما أضافت السنة شروطاً أخرى، فينبغي ضبط العقدبحيث يقيم القسط ويمنع الارتياب والخلاف، وهذا هو المقصود بمظهرالعقد "أي كل ما يرتبط بشكليات العقد، وصورته الخارجية مثل صيغة الإيجاب والقبول التي تشترط في الكثير من العقود، ويؤكدالشرع عليها في بعضها مثل: عقد النكاح، والشهادة على العقد، فقدأمر اللَّه سبحانه بالإشهاد على الدَيْن، والوصية، والطلاق، وندبت إليه السنة في النكاح، وكتابة العقد وتوثيقه - كما في الدَيْن مثلاً -". 2- نستفيد من آية الدين "البقرة، 282" مجموعة من الأحكام المتعلقة بمظهر العقد التي قد لا تقتصر على الدَّيْنِ فقط، بل يمكن أن تصبح قاعدة لضبط العقود جميعاً كلما احتجنا إلى ضبطها بسبب وجودأجل لها أو تعدد الأطراف، مما يحتمل معه بروز الاختلاف والنزاع، أوبسبب تشابك تفاصيل وجزئيات العوضين، وما شاكل من الأسباب الأخرى، وتلك الأحكام هي: ألف: لابد من تحديد الأجل إذا كان في العقد أجل. باء: من المستحسن كتابة العقد وضبطه بذكر التفاصيل، سواء في العقود الصغيرة أو الكبيرة. جيم: لابد من تحري الأمانة في الكتابة والضبط. دال: الشهادة على العقد. هاء: ولابد من مراعاة شروط الصيغة من الإيجاب والقبول وغيرها، مما ستأتي الإشارة إليها. جوهر العقد ونعني بجوهر العقد: حقيقة المعاملة ومحتوى التعاقد الذي يقع بين الطرفين، ويتحقق جوهر العقد بمجموعة شروط تنقسم إلى ما يرتبط ب: 1- حدود العقد، التي هي إقامة القسط ومنع الظلم، فلا اعتباربالعقد إذا كان - لأي سبب من الأسباب - يتنافى مع هذه الحدود، أي كان وسيلة للظلم، ومنافياً للقسط والعدل "كما لو استغل البائع حاجةالمشتري الملحة أو ظروف الحرب والقحط الإستثنائية، فباعه الطعام بأضعاف ثمنه العادل، بحيث كان مجحفاً بحقه." وأهم ما فيه: حرمة الربا،وحرمة الغش، وحرمة الغرر، ويلحق بذلك حرمة الاحتكار. 2- أهلية المتعاقدين، حيث يشترط في طرفي العقد شروط، أهمها:البلوغ والعقل، والرضا "أي حرية المتعاقدين في اتخاذ القرار"، فلااعتبار بعقود الصبي ولا المجنون ولا المكره "حسب تفصيل يأتي". 3- محل العقد "أو البضاعة والثمن الذين يجري عليهما العقد"،وتشترط هنا شروط معينة كالمالية والحلية والإطلاق والملكية."وسوف نشير إلى تفاصيل هذه الأمور في الصفحات التالية". 4- شروط متفرقة؛ ولبعض العقود شروط خاصة تتصل إمابطبيعتها الخاصة أو بمصالح عامة في محلها، مثل؛ اشتراط عدم الغرر في البيع، واشتراط عدم الزواج في العدة بالنسبة للنكاح، واشتراطالإشهاد في الطلاق، واشتراط أمور معينة في بيع الصرف تجنباً للربا،وهكذا بالنسبة لسائر العقود الأخرى، وسوف يشار إلى هذه الشروط الخاصة في مواضعها إن شاء اللَّه تعالى.
1- شروط الصيغة في العقود
السنة الشريفة: قال الإمام الصادق عليه السلام: "إنما يحلّ الكلام ويحرّم الكلام"54"". الأحكام: ذكرنا أن للعقد شروطاً، يرتبط بعضها بصورتها الخارجية "الصيغةوما يتصل بها من الإشهاد والكتابة و.." وبعضها الآخر بمحتواه الداخلي "جوهر العقد". وهنا نتحدث عن أحكام الصيغة في العقود بشكل عام: 1- إن العقود والمعاملات تتألف شكلياً من: إيجاب وقبول يعبران عن التراضي الحاصل بين الطرفين. وإليك بعض التفاصيل في هذاالأمر: أ- يكفي في الإيجاب والقبول كل ما يدل على العقد من قول أو فعل أو كتابة أو إشارة، سواء كان مشافهة، أو غير ذلك، فيصح إجراء عقدالبيع أو الإجارة أو النكاح"55" أو الضمان أو الحوالة أو الكفالة أو غيرهامن العقود والايقاعات كالطلاق والوصية وما شاكل عبر الهاتف، أوعبر الفاكس أو عبر الانترنت والبريد الالكتروني، أو أية وسيلةأخرى معتمدة لدى الطرفين. ب- ويكفي أن يكون التعبير عن العقد ظاهراً في المقصود ودالاًعليه لدى المتعاقدين بوضوح. ج- ويكفي أن يوقع المتعاقدان على وثيقة بالعقد مكتوبة، بدلاً عن التلفظ بالإيجاب والقبول. د- ويصح العقد بأية لغة كانت ولا تشترط اللغة العربية في العقد. ه- ولا يجب أن يكون بصيغة الماضي؛ مثل: "بعت" بل يصح أن يكون بلفظ المضارع أيضاً، كقوله: "أبيع". و- ولا يضر اللحن "والخطأ" التعبيري الذي لا يغير المعنى. 2- ينبغي أن يسبق الإيجاب القبول، ولكنه لا يجب إذا أفاد العقد"اللفظي أو الكتابي" المعنى المطلوب، مثلاً: إذا وقَّع المشتري عقد شراءالبيت قبل أن يوقعه البائع، صح العقد. 3- لابد أن يتصل القبول بالإيجاب عرفاً بحيث يعتبر عقداً واحداًأما إذا وقع بينهما فصل طويل يتنافى عرفاً مع حالة التعاقد، لم ينعقد. نعم، إذا كانت خصوصية التعاقد تقتضي مثل هذا الفصل فلا بأس،كما إذا أجرى الموجب صيغة الإيجاب بلغة لا يعرفها المشتري، ثم عبّرالمشتري عن قبوله بعد أن ترجمت له الصيغة كفى. كذلك لو أرسل الموجب العقد بالبريد ليوقعه المشتري، فلما وصل إليه وقعه بعد أن درسه واستشار آخرين. والمعيار هنا هو: أن يعتبر العرف عمل المتعاقدين متصلاً ببعضه بحيث يؤلفان عقداً واحداً. أما إذا انفصلا عن بعضهما مدة بحيث لم يعتبر العرف القبول رداً على الإيجاب، بطل. 4- والتطابق بين الإيجاب والقبول شرط في صحة العقد، فلو تم إيجاب الطرف الأول على بضاعة أو بشرط معين، بينما وقع قبول الطرف الثاني على بضاعة أخرى أو بشرط آخر، فإن العقد لا يكتمل.فإذا أجرى -مثلاً- صاحب بناية متعددة الطوابق الإيجاب على بيع الطابق الثاني بينما كان قبول المشتري على الطابق الأول، لم ينعقد البيع. والمعيار هنا أيضاً العرف؛ فإن العقد الذي لا يتراضى طرفاه على شي ء واحد، لا يعتبر عقداً عند العرف، إلاّ إذا كان الاختلاف في بعض التفاصيل غير المهمة عند الطرفين، بحيث - يتم في الواقع - تراضيهماوتوافق إرادتيهما، كما لو اختلفا مثلاً على لون صبغ الغرف في التعاقدعلى شراء البيت. 5- ويشترط في صحة العقد أهلية الموجب حين الإيجاب، وأهليةالقابل حين القبول، ولكن اختلف الفقهاء في الأمر التالي: هل تشترطأهليتهما أيضاً في حال إجراء الصيغة بواسطة الطرف المقابل، فمثلاً: لوأجرى الطرف الأول الإيجاب ثم نام، أو أصبح مجنوناً، أو أغمي عليه،أو مات، وبعد ذلك تم قبول الطرف الثاني، فهل يصح العقد أم يبطل؟.وبالعكس أيضاً: لو افترضنا أن العقد كان غيابياً وأوجبه الطرف الأول في حال جنون الطرف الثاني، ولكنه أفاق من جنونه بعدالإيجاب وأجرى القبول، فهل يصح العقد؟ نحن نرى أن الأعراف تختلف في هذا المجال، ومع صدق العقد عرفاورضا الطرفين المسبق به، لم نجد في الشرع دليلاً على بطلان العقد. 6- وقد يتم الاستغناء عن القبول اللفظي بما يقوم مقامه من:سكوت، أو فعل، أو ما أشبه. والمعيار في ذلك كله وجود أمر غير لفظي يعبر عن إرادة الالتزام، والتراضي بين الطرفين. ونذكر الموارد التالية كأمثلة لهذه الحالة: ألف: إذا كانت طبيعة المعاملة أو العرف التجاري، أو الظروف المحيطة تدل على أن السكوت يكفي قبولاً، كما إذا أرسل المصرف كشفالعميله وذكر فيه أن عدم الاعتراض يُعد إقراراً به. أو كان هناك تعامل سابق، كما إذا اعتاد المستورد على استيراد البضائع التي يريدها من تاجر بالكتابة إليه، فيرسل إليه التاجر ما يريد دون إعلامه مسبقاًبالقبول. ومنه: سكوت الشخص بعد أن يهب له الآخر شيئاً مما يدل على رضاه بالقبول. باء: وقد يقوم تنفيذ العقد عملياً مقام قبوله، كما إذا عرض أحدبضاعته عليك، فَأخَذْتَهَا وقدَّمْتَ له ثمنها دون أن تصرح بالقبول لفظاً،وهو ما يُسمى بالمعاطاة، وهذا ما يجري يومياً في حياتنا في المبادلات الجزئية. جيم: في عقود المزاد جرى العرف أنه عندما يرسو المزاد على شخص يعتبر ذلك قبولاً منه، ويكون المشتري في هذه الحالة - قدقَبِِل بالصفقة قبل ايجابها، وذلك عند اشتراكه في المزاد.
2- حدود العقد
"حرمة الربا - كأبرز نموذج"القرآن الكريم: "الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ اِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِاَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّه الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِن رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّه وَمَنْ عَادَ فَاُولئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ *يَمْحَقُ اللَّه الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّه لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ * إِنَ الَّذِينَ ءَامَنُوْا وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَاتَوُاْ الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُواْ اللَّه وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَآ إِن كُنْتُم مُؤْمِنِينَ * فإِن لَمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِنَ اللَّه وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ * وإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاتَّقُواْ يَوْمَاً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّه ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ""البقرة، 275-281" هدى من الآيات: لقد شرع اللَّه العقد وجعل له حدوداً وضوابط لكي يكون وسيلةلإقامة القسط في المجتمع ومنع الظلم، وأهم الشرائع في هذا المجال هوتحريم الربا الذي نهى اللَّه صراحة عنه، ذلك لأن من طبيعته مضاعفةالثروة دون استحقاق وجعلها دُولة بين الأغنياء. وإضافة إلى تحريم العقد الربوي، حرم اللَّه عقوداً أخرى كالمعاملات التي تقوم على الغش والغبن وما شاكل لأنها تتناقض مع إقامة القسط والعدل التي تشكل الهدف الأساسي من العقود. وتأتي أحكامها التفصيلية في مواقعها إن شاء اللَّه تعالى. وهنا نستوحي بعض الحقائق من الآيات الآنفة الذكر: 1- يدل سياق الآيات، حيث ينتقل مباشرة من الإنفاق الى الحديث عن الربا، يدل على التقابل بين الإنفاق والربا، حيث يقول سبحانه وتعالى: "يَمْحَقُ اللَّه الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ"، وهذا التقابل يكشف عن حقيقة الربا إذ أن الإنفاق هو عطاء الغني للفقير، بينما الرباهو استثمار الغني للفقير. 2- الربا قد يساهم في تشكّل طبقة المترفين الذين يختلقون ثقافةالاستثمار في المجتمع، وبذلك يخيم الظلم على الفئات الصغيرة بدل إقامةالقسط والعدل. 3- الربا لا ينمي ثروة البلاد، لأن اللَّه يمحقه، بينما الصدقات هي بعكس الربا تماماً، إذ ينميها اللَّه ويربيها، أو ليس الصدقات تنشطالدورة الاقتصادية، وتزيد التبادل التجاري. 4- لأن أثر الربا التخريبي للنفس والمال كبير، ولأن حب المال عند الإنسان شديد، فإننا بحاجة إلى المزيد من الجهاد ضده. السنة الشريفة: دَلَّت روايات كثيرة عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته المعصومين عليهم السلام، على أن العقد ليس مجرد تبادل تجاري بين الطرفين مهما كانت النتائج المترتبة عليه، بل الشريعة الإسلامية حددت هدفاًواضحاً للعقود بشكل عام هو: إقامة القسط ومنع الظلم، فإذا تحوّل العقد أداة للاستغلال، والابتزاز، والظلم، وسرقة جهود الناس وأموالهم، والإضرار بالآخرين، كالعقود الربوية، والعقود القائمة على الغش، والاحتكار، والغبن، والغرر، والإضرار بالآخرين وما شاكل،فإنه يفقد مشروعيته ولا تترتب عليه الآثار الشرعية للعقد من وجوب الوفاء به، والالتزام بمفاده، وتطبيقه تطبيقاً تاماً. وهنا نشيرإلى نماذج من تلك الروايات: 1- روي عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم قوله: "شر المكاسب، كسب الربا"56"". 2- وقال الإمام الباقرعليه السلام: "أخبث المكاسب، كسب الربا"57"". 3- روى هشام بن الحكم أنه سأل أبا عبد اللَّه الصادق عليه السلام عن علةتحريم الربا، فقال: "لو كان الربا حلالاً، لترك الناس التجارات ومايحتاجون إليه، فحرَّم اللَّه الربا لتنفر الناس من الحرام إلى الحلال، والى التجارات من البيع والشراء..."58"". 4- روي عن الإمام علي عليه السلام أنه قال: "لعن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم الربا،وآكله، وبايعه، ومشتريه، وكاتبه، وشاهديه"59"". 5- قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: "من باع واشترى فليجتنب خمس خصال، وإلاّ فلا يبيعنَّ ولا يشترين: الربا، والحلف، وكتمان العيب،والحمد إذا باع، والذم إذا اشترى"60"". 6- وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: "ليس منا من غشَّ مسلماً أو ضرَّه أوماكره"61"". 7- وقال صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً: "... ومن غشَّ مسلماً في شراء أو بيع فليس منا، ويُحشر يوم القيامة مع اليهود، لأنهم أغش الخلق للمسلمين"62"". 8- وقال أيضاً: لا ضرر ولا ضرار في الإسلام، فالإسلام يزيدالمسلم خيراً ولا يزيده شراً"63"". الأحكام: يُعتبر الربا أحد أبرز مصاديق مخالفة الحدود التي أرادها الشارع المقدس للعقود، وهي إقامة القسط ومنع أكل أموال الناس بالباطل. وهو من المحرمات المؤكدة، فقد صرَّح الكتاب الكريم بالنهي عنه مراراً، كما تواترت السنة الشريفة بذلك، واعتبرته من المعاصي الكبيرة. وإليك بعض أحكام الربا: 1- أخذ الربا حرام، وكذلك دفعه، والشهادة عليه، وكتابته،والحرمة ثابتة. بلى، ألإضطرار قد يجيز المحظور كحالة إستثنائيةضرورية، ولكنه لا يحوِّل حكم الحرمة إلى حكم الحلية بصورة كلية،ولذلك فإن الضرورة تُقدَّر بقدرها"64". 2- ينقسم الربا الى قسمين: الأول: ربا القرض "أو الربا القرضي" وهو أخذ الفائدة على القرض، وهو الربا المشهور قديماً وحديثاً، وهو أن يُقرض طرفٌ طرفاًآخر مبلغاً من المال لسد حاجته الضرورية، أو لاستخدامه في الاستثمار والعمل، أو لأي غرض آخر، ويشترط عليه رد المال مع زيادة يتفقان عليها أو يفرضها المقرِض استغلالاً لحاجة المقترض.فهذه المعاملة محرمة، والزيادة المأخوذة هي من أبرز مصاديق أكل أموال الناس بالباطل. وهذا التعامل، قد يقع بين شخص وشخص، أو بين مؤسسةوشخص، أو بين مؤسسة ومؤسسة، كالمصارف الربوية والمؤسسات المالية القائمة حالياً، ولا فرق في الحرمة بين كل ذلك. وستأتي الأحكام التفصيلية لهذا القسم من الربا في أحكام "الدَّيْن والقرض" إن شاء اللَّه تعالى. الثاني: ربا المعاملة "أو الربا المعاملي" وهو ما يقع في عقد من العقودالتجارية كالبيع مثلاً، وتعريفه بايجاز هو: تبادل شي ء بشي ء مثله بزيادة "كبيع عشرة أطنان من الحنطة بأحد عشر طناً من الحنطة"فالزيادة هنا محرمة. ولهذا القسم أيضاً شروط وأحكام وتفاصيل سنبيّنها في أحكام البيع إن شاء اللَّه تعالى.
3- أهلية المتعاقدين
القرآن الكريم: قال اللَّه سبحانه: 1- "وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّه لَكُمْ قِيَاماًوَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً""النساء، 5" 2- "وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ ءَانَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداًفَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ..""النساء، 6" 3- "لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّه بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَاعَقَّدتُّمُ الاَيْمَانَ....""المائدة، 89" 4- "...ِ إِلاَّ مَنْ اُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ...""النحل، 106" هدى من الآيات: إذا كان المال حقاً من حقوق الفرد، فإنه ملك لجميع الناس، لأن المال وضع ليؤدي دور المنظم لأنشطة المجتمع، والحافظ الجهود الناس،لذلك فإن السفهاء يُمنعون من التصرف في أموالهم، إذا كانت تصرفاتهم تؤدي إلى الفوضى والفساد والسرف. ولنفس السبب يُمنع الأطفال ما لم يبلغوا الحلم من أن يتصرفواباستقلال ودون إشراف من ولي في أموالهم. كما أن كل معاملة مالية لاتكون نافذة ما لم تكن نابعة من الرضا القلبي ودون أي إكراه وإجبار.