<a name=aaa26> </a> شروط الاقتداء : - نبی محمد قدوة الصدیقین نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

نبی محمد قدوة الصدیقین - نسخه متنی

سید محمد تقی المدرسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید



ان المؤمن الذي تشغله كل ليلة برامج التلفزيون والبث الفضائي ، ثم يهوي بعدها الى فراشه ، حتى يتحول - حسب تعبير الأئمة (عليهم السلام ) - الى " جيفة " ، فهذا حاله حال الغافلين .

كثيــراً من الناس يشكون من الاحلام المزعجة التي تتعقبهم بالليـل .. فهذا يرى الشرطة تطارده ، وذاك يحلم بالبيع والشراء والخسارة ، وذاك يرى الدائنين يهجمون عليه ليخنقوه .. فالسبب لذلك يرجع الى ان هؤلاء يعيشون على مدار اليوم هموم المعيشة والدنيا فقط .

لابد ان نجعل للقرآن وتلاوته والصلاة وذكر اللـه مساحة تتسع لها اوقاتنا التي تذهب كل يوم دون رجعة .. لابد ان نروح انفسنا بتلاوة ذكر اللـه قبل ان ننام ، ولابد ان نعيش الآخرة والموت كل يوم .. ان نزور المقابر ونترقب مصيرنا الذي سوف نؤوب اليه .. اليس من الاعمال المستحبة ان يعد ويحفر الانسان قبره قبل موته ثم ينام فيه مستعداً لساعة الأجل الحاسمة ؟

لقـد كان الامام زين العابدين ذلــك الامام الزاهد العابد كما يقـول هو ( عليه السلام ) يدرس حياة الرسول ( صلى اللـه عليه وآله ) ، بــل يحفظ مغازيه ( صلى اللـه عليه وآلـه ) وسيرتــه . فـاذا كـانت حياة الرســول عامـة هـي جملة دروس لامامنا السجاد ( عليه السلام ) ، فكيف لاتكــون منهجـاً وخريطـة عمـل لنـا جميعــاً ؟

لقد قرأت في كتاب ( بحار الانوار ) رواية حول كيفية شرب الماء عند النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) فلقد كان ( صلى اللـه عليه وآله ) يطبق ثلاثين ادبا لدى شربه للماء .. وما هذه الامراض التي تصيب المعدة والكبد والكلية والاثنى عشري و .. الا بسبب عدم مراعاتنا لاداب الاسلام في الأكل والشرب والنوم و .. ان انحرافاتنا الحياتية تكمن في حدوث الفجوة والفاصلة بيننا وبين رسولنا الاكرم والائمة المعصومين ( عليهم السلام ) فانقطعنا عن فيض نورهم وهداهم ، كما ينطفأ المصباح عندما ينقطع التيار الكهربائـي عنـه .

لماذا الغاء دور القدوة ؟

ان جملة من الناس عندما تسألهم لماذا لا تقتدوا بالرسول الاكرم والأئمة ( عليهم السلام ) يجيبك قائلا : لايمكن لنا ان نكون مثلهم متناسين قوله تعالى : « قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ » (الكهف / 110).

ثم كيف لايمكن لنا اتباعهم والاقتداء بسيرتهم وقد جعلهم الله لنا اسوة حسنة ، وكيف يقول الامام علي ( عليه السلام ) : " الا وان لكل مأموم إماماً يقتدي به ويستضيء بنور علمه " ؟ [14]

واذا كان لنا عذر او حجة ( معصومية ) هؤلاء الرسل والائمة (عليهم السلام ) فما بالنا بالصديقة زينب وسيدنا العباس وعلي الأكبر والقاسم بن الحسن ، وكذلك اصحاب الرسول والأئمة (عليهم السلام ) كأبي ذر والمقداد وسلمان وحبيب ابن مظاهر الاسدي .. وماذا نقول في علماء الدين العظام الذين ينتهجون سيرة الحـق والتقـوى ؟ لماذا يصـرّ البعض على الغاء دور القدوة في الحياة ؟! وفيما اذا رأينا قائداً حياً ينفع الأمة ( قد لا نؤمن به شخصياً مثلا ) .. نضع امامه شتى العراقيل ونتفرق عنه .. وقس على ذلك الشهداء الابرار الذين ضحوا بأنفسهم الغالية في هذا الطريق المبارك .

شروط الاقتداء :

انظروا الى الطريقة الجميلة التي يتحدث عنها ربنا في سورة الاحزاب حيث يبدأ بذكر النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) اولا ثم ينتهي بذكر المجاهدين والشهداء .. يقول ربنا : « لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ اُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الأَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً » ( الأحزاب / 21 ) .

اي ان هناك ثلاثة شروط للاقتداء بالرسول حسبما يضعها القرآن الكريم في هذه الآية المباركة :

الاول والثاني : ان نرجو اللـه واليوم الآخر ونعتقد بأنها حق وليست بكذب ، وان هذه الدنيا ليست نهاية حياتنا ومصيرنا ، بل هي بداية مسيرتنا الى دار الخلد .

الثالث : " وذكر اللـه كثيراً " ؛ يعني ان لن نغفل عن ذكر اللـه سواء في السوق والتجارة او في ساحة الحرب . ويضرب القرآن مثلا في هذا الصدد فيقول : « وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ اِلآَّ اِيمَاناً وَتَسْلِيماً » ( الاحزاب / 22 ) اي الايمان باللـه والتسليم للقيادة الربانية .

ان المؤمنين لا يلومون الرسول على شدة الوطيس وزحمة المشاكل ، بل يسارعون الى مساندة القيادة ودعمها . فالذي يريد ان يتقدم يجب ان يعطي ويستقيم . ثم يقول ربنا : « مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا » ( الاحزاب / 23 ) .

فالرجل الذي يرزق الشهــــادة او الذي يترقب وينتظر الشهادة هما على حد سواء .. « لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَآءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ اِنَّ اللَّه كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً » (الاحزاب / 24 ) .

الصلاة على النبي وآله ؛ المعاني والدلالات

مــن أعظــم التحف والهدايــا والكرامات التي فضّل بهــا ربنــا - سبحانه وتعالى - المسلمين كرامة الصلاة على محمد ( صلى اللـه عليه وآله ) وآله الأطهار .

فمــا هــي حقيقــة هذه الصلاة ، ولماذا أمرنا أن نصلّي على نبيّنا ( صلى اللـه عليه وآله ) كلّما ذكر اسمه وخصوصاً في المواسم والمناسبات المباركة ؟

المعاني المختلفة للصلاة :

للاجابــة على هذا السؤال نقول : ان الصلاة - لغةً - هي التعطّف ، والترؤّف ، والتعبير عن الحب ، والحنان ، والعطف لدى الانسان .. وعندما تكون الصلاة من الرب للعبد ، فان هذا يعني ان اللـه - عز وجل - يعطف ، ويترحّم ، ويتحنّن على عبده . وعندما تكون الصلاة من الملائكة على العباد المؤمنين ، فانّ هذا يعني ان الملائكة تستغفر ، وتدعو لهم ، و تسدّدهم ، وتزكيهم ، وتعصمهم من الاخطاء . وعندما تكون الصلاة من العبد لربّه ، فان هذه الصلاة تعني الدعاء ، والتضرّع والتبتّل .

ان كلمة الصلاة تعني في ذاتها معنىً واحداً ، إلا انّ هذه التطبيقات والتأويلات المختلفة تطرأ عليها بحسب موقع الانسان الفاعل لهـا . وعلى سبيل المثال فان كلمة ( افعل ) تمثّل صيغة الامر ، وعندما تكون من العالي الى الداني فانها تكون امراً ، وعندما تصدر من الشخص الى نظيره تكون رجاءً ، وعندما تصدر من الانسان لمن فوقه تكون دعاءً وطلباً .

وهكذا الحال بالنسبة الى الصلاة فعندما تكون من الانسان لله كهذه الصلاة التي نصلّيها فانها تعني حالة من الدعاء ، ولذلك قال بعض علماء اللغة ان معنى الصلاة الدعاء ، وهنا وقفوا حائرين ؛ فاذا كانت الصلاة تعني الدعاء ، فما معنى صلاة اللـه على عباده ، وما معنى صلاة الملائكة عليهم ، ولماذا نجد نفس هذه الكلمة تتكرّر من ان استخدام المشترك اللفظي لايجوز في آن واحد في معنيين مختلفين كما يقول علماء الاصول ؟؟

ولحل هذا الاشكال نقول : ان الصلاة لاتعني الدعاء فحسب ، بل ان معناها ايضاً التعطف ، أي تعطّف الانسان امام ربه ، والعلاقة التي توصلنـا الى اللـه - تعالى - ، او طبيعة الرابطة والصلة بين العبد

وبين ربّه ، فمن جانب العبد تعني الدعاء .

ترى هل بامكان الانسان ان يطالب اللـه - جل جلاله - بشيء ، وهـل له على ربه حق فيطالبه به ، وهل له حجة فيحتجّ بها على ربّــه ؟؟

كلا بالطبع ، فحتى الشكر الذي نقدّمه للخالق لايمكننا ان نقدمّه إلاّ باعتباره يتطلّب منا مزيداً من الشكر . أوليس الشكر باللسان ، فمّمـن هذا اللسان ، أوليس من اللـه ؟ أوليس الشكر بجوارح الجسم ، وجوانح القلب وقدرات الانسان التي هي كلّها مملوكة لله - تبارك وتعالى - ، أوليس الشكر بتوفيق منه - عز وجل - ؟ اذن فحتى لو حمدنا اللـه وشكرناه وسبّحناه ، فان له علينا حجة ، وله علينا منّة ، لانّه وفقنا الى شكره .

الصلاة على النبي وآله :

اما الصلاة التي ندعو بها لرسول اللـه ( صلى اللـه عليه وآله ) فقد أمرنا ربنا بها في سورة الاحزاب ، وهي السورة التي خصّصت لبيان مكرمات النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) . وفي هذه السورة نجد ايضاً الميزات التي تميّز بها رسول اللـه ( صلى اللـه عليه وآله ) ، والاحكام التي اختصّ بها ، ونجد فيها - بالاضافة الى ذلك - قول البـاري - سبحانـه وتعالى - في أهل بيت رسول اللـه ، واصحابه ،

وذريته الذين ساروا على دربه :

« اِنَّمَا يُرِيدُ اللـه لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً » (الاحزاب/33)

وبناء على ذلك فقد خصّصت هذه السورة المباركة لبيان علاقة الامة بالقيادة الرسالية ، وخصوصاً بقيادة أهل البيت ( عليهم السلام) فهي سورة أئمة الهدى حيث يقول - عز من قائل - :

« اِنَّ اللـه وَمَلآَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً » ( الاحزاب / 56 )

فما هي هذه الصلاة ، وماهو معناها ؟

قبل كل شيء لابد من تصحيح مسار الثقافة الانسانية عبر القرون والى الابد ، فكلّما تورط الانسان في انحراف اخلاقي جاء القرآن ليصلحه ، وليكون شفاءً وعلاجاً ونجاةً له من تلك الضلالة وذلك الانحراف . ومن هنا لابد ان نقول انّ هذه المكرمة - مكرمة الصلاة على النبي وآله - هي التي خصّ بها المسلمون دون غيرهم ، لانها وحدها تحمل في طياتها كل معاني العقيدة الايمانية السليمة ، ورفض الافكار الباطلة .

الضلالات الشيطانية للبشر :

ومــن ابــرز الضلالات التي وقــع فيها البشر بوحي من الشيطــان

وتابعيه ضلالتان همـا :

1- الاعتقاد بالغلو :

وبانّ الانسان يمكنه ان يبلغ درجة الالولهية بمجرد انتمائه الى شخص مقرب من اللـه - جل وعلا - فاليهود انّما قالوا : نحن ابناء اللـه ، لانّهم زعموا انّ انتمائهم الى موسى بن عمران ( عليه السلام) والى بني اسرائيل ، ولكونهم ينتمون ال هذا العنصر فان ذلك يعطيهم الحق بأن يفعلوا ما يشاؤون .

وهذا الغلو مرفوض في الاسلام ، فنحن عندما نكنّ الحب لرسول اللـه ( صلى اللـه عليه وآله ) ونكرمه ، فانما نفعل ذلك عبر الدعاء الى اللـه - تعالـى - بان يصلّي على نبيّه . ومعنـى الدعـاء الى اللـه - سبحانه - انك - أيها الانسان المسلم - عندما تريد ان توجد وتكوّن علاقة بينك وبين رسول اللـه ( صلى اللـه عليه وآله ) فلابد ان تكوّن هــذه العلاقة في اطار توحيـد الخالــق ؛ أي ان الرســول ( صلى اللـه عليه وآله ) لايمكن ان يكون الاّ عبداً لله - تعالى - فلا تغلُ في دينك كما غلا قبلك اليهود ، والنصارى ، ولذلك نجد في هذه السورة ( الاحزاب ) قوله - سبحانه - :

« مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللـه وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللـه بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً » ( الاحزاب / 40 )

أي لا تنسبوا الى رسول اللـه (صلى اللـه عليه وآله ) صفوة الابوة تغلوا في دينكم كما فعلت اليهود ، والنصارى من قبل .

2- عدم الحاجة الى الوسيلة :

وهناك ضلالة اخرى تقول : لماذا نحتاج من اجل الاتصال بربّنا الى بـاب ووسيلة ، أوليس الدين علاقة بين القلب والرب ؟ فتكفينا - اذن - هذه العلاقة ، ولسنا بحاجة الى رسول أو امام وقائد وملهم ديني ، بل يكفينا ان نعقد علاقة بيننا وبين ربّنا فنركع ونسجد ونتعبد له ثم ينتهي الأمر .

وقد جاء القرآن الكريم لينسف هذه الضلالة ايضاً وليقول : كلا ؛ اذا أردت التقرب والعروج الى اللـه ، فلابد من ان تتقرّب اليه عبر رسوله ، وان تصلّي على محمد ( صلى اللـه عليه وآله ) حتى تتقرّب إليه . فرسول اللـه هو وسيلتك الى ربّك ، ومعراجك إليه . ولذلك جاء في الأحاديث ان العبد اذا اراد ان تقبل دعوته ويستجاب نداؤه ، فلابد ان يقدّم قبل الدعاء الصلاة على محمد ( صلى اللـه عليه وآله ) وآله الكرام .

ولكن عليك ان لا تزعم عبر هذه الوسيلة انّ بامكانك ان تتخطّى المراحــل ، وتتجاوز الوسائل ، فاللـه اولاً ، ثم رسوله ، ثم أهل بيتـه ، ثم الذين يمثلون خط رسول اللـه ( صلى اللـه عليه وآله ) ، وخـط أهل البيت ( عليهم السلام ) ، فهؤلاء هم وسائلك الى اللـه - عـزّ وجـل - كما يقول القرآن الكريم :

« وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ » ( المائدة / 35 )

الحبّ دافع الانسان الى الطاعة :

وثمة حكمة تتجلى لنا عندما نعرف ان علماء النفس بحثوا كثيراً في طبيعة ظاهرة الطاعة لدى الانسان ، والدوافع والنوازع التي تدعوه الى طاعة شخص من الاشخاص ، وحينئذ اكتشفوا ان الانسان انّما يطيع من يحبّه ، ولذلك قالوا انّ الطفل الرضيع انما يتّبع امه لحبه لها ، وحبّها له ، وليس لجبرها ايّاه ، وخوفه منها ، ولذلك ادركــوا ان اعظــم وسيلة تدفعك الى الطاعــة هي الحب ، ونحن - بدورنا - لابد ان نطيع رسول اللـه ، ورسالته ، وسيرته ، وسنّته من خلال حبّنا له .

كيف نتّبع رسول اللـه ؟

ترى كيف نتّبع رسول اللـه ( صلى اللـه عليه وآله ) ، وكيف نتّبع آل بيته الذين هم ضمير الدين ، وقدوات المؤمنين ، وأئمة المتقين ؟

ان بامكاننا ان نفعل ذلك عبر حبّهـم ، والحبّ - كأيّ شيء آخـر - بحاجة إلى تنمية ورعاية . ونحن نستطيع ان ننمّيه من خلال الصلاة عليهم ؛ فعندما نصلّي على النبي وآله ، وعندما نكرّر هذه الكلمة في صلواتنا وبعدها وقبلها وفي مختلف الحالات فاننا نزداد حبّاً لهم ؛ وعندما نزداد حبّاً لهم فانّنا سنزداد حبّاً لبرامجهم ، ومناهجهم ، وسنّتهم ، وبالتالي فاننا سنحظى بتوفيق الخالق - جل وعلا - .

احاديث في فضل الصلاة :

وفي نهاية هذا الفصل ارى من الضروري ان انقل جملة احاديث في أهمية وفضل الصلاة من كتاب الكافي :

- عن الامام الباقر والصادق ( عليهما السلام ) قالا :

" ما في الميزان شيء اثقل من الصلاة على محمد وآل محمد ، وان الرجل لتوضع اعماله في الميزان فتميل به فيخرج ( صلى اللـه عليه وآله ) الصلاة عليه فيضعها في ميزانه فيرجّح [به] " . [15]

- وعن عبد اللـه بن سنان عن أبي عبد اللـه الصادق ( عليه السلام ) قال :

" سمعته يقول : قال رسول اللـه ( صلى اللـه عليه وآله ) : ارفعوا اصواتكم بالصلاة عليّ فانّها تذهب بالنفاق " .[16]

- وفي كتاب الكافي ايضاً باسناده عن ابي بصير عن ابي عبد اللـه ( عليه السلام ) قال :

" اذا ذكر النبي فاكثروا الصلاة عليه فانّ من صلّى على النبي صـلاة واحدة صلّى اللـه عليــه ألف صلاة في ألف صف من الملائكة ، ولم يبق شيء ممّا خلقه اللـه الاّ صلى على العبد لصلاة اللـه عليه ، وصلاة ملائكته ، فمن لم يرغب في هذا فهو جاهل مغرور قد برئ اللـه منه ورسوله وأهل بيته " . [17]

- وروى ابن قداح عن أبي عبد اللـه ( عليه السلام ) عن الرسول ( صلى اللـه عليه وآله ) :

" من صلّى عليّ صلّى اللـه عليه وملائكته " . [18]

- وعن الحسن ابن فضال عن الرضا ( عليه السلام ) :

" من لم يقدر على ما يكفّر به ذنوبه فليكثر من الصلاة على محمد وآله فانّها تهدم الذنوب هدماً " . [19]

- وروي عن مرازم قال : " قال أبو عبد اللـه ( عليه السلام ) : ان رجلاً أتى رسول اللـه ( صلى اللـه عليه وآله ) ، فقال : يا رسول اللـه إني جعلت ثلث صلواتي لك . فقال له خيراً . فقال له : يا رسول اللـه اني جعلت نصف صلواتي لك . فقال له : ذلك أفضل . فقال : اني جعلت كل صلواتي لك . فقال : اذاً يكفيك اللـه عز وجل ما أهمك من أمر دنياك وآخرتك . فقال له رجل : أصلحك اللـه كيف يجعل صلاته له ؟ فقال أبو عبد اللـه ( عليه السلام ) : لا يسأل اللـه عز وجل شيئاً إلاّ بدأ بالصلاة على محمد وآله " . [20]

وعن النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) قال :

" اكثروا الصلاة عليّ فانّ الصلاة عليّ نور في القبر ، ونور على الصراط ، ونور في الجنة " . [21]

- وفي رواية اخرى عنه ( صلى اللـه عليه وآله ) :

" من صلّى عليّ في كتاب لم تزل الملائكة تستغفر له مادام اسمي في ذلك الكتاب " . [22]

وعلينا ان نحذر من ان نصلّي على رسول اللـه ( صلى اللـه عليه وآله ) الصلاة البتراء ، فقد نهى ( صلى اللـه عليه وآله ) بشدّة عن مثل هذه الصلاة ، وهي ان نصلّي عليه ولا نصلّي على أهل بيته ، كما وعلينا ان نعلم ان حبنا لرسول اللـه ( صلى اللـه عليه وآله ) وأهل بيته ( عليه السلام ) هو اعظم زاد لنا في مواجهة مصاعب الحياة ، وعقباتها .

لكي نقتدي برسول اللـه (ص)

بعد اربعة عشر قرناً من هجرة النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) لايــزال هذا الســؤال حائرا بيننا ؛ لماذا لم ننتفع بشخصية الرسول ( صلى اللـه عليه وآله ) ، من هذه الرحمة الالهية التي اسبغها اللـه - تعالى - على البشرية جمعاء ، ومن هذه المنة التي تفضل اللـه بها على عباده ؟

ترى لماذا لم نستفد من حياته الشريفة بالشكل بالمطلوب بالرغم من ان عواطفنا واحاسيسنا مليئة بالحب تجاهه ؟ ولكن اين نحن من سيرته وهديه ومن خلقه العظيم وتوجيهاته والرسالات الالهية التي انزلت عليه ؟

ان امامنــا طريقــاً واحــداً يسلك بنا الى الحق ، والى رضوان اللـه في الآخرة ، والخير والرفـاه في الدنيا ، هذا الطريق هو ان نعيش في حياتنــا ؛ قائدنا وامامنــا رسول اللـه ( صلى اللـه عليه وآله ) .

حبل بين السماء والأرض :

والسؤال المطروح هنا هو : كيف نعيش هذه الشخصية العظيمة في حياتنا ؟

ان النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) الذي يعتبر الحبل الممتد بين الارض والسماء ، انما يعاش اذا اعتصمنا بهذا الحبل الذي يمثله ، ووحدنا صفوفنا ، واتبعنا من يمثله عبر التأريخ . ( فهو ( صلى اللـه عليه ) اصطفاهم اللـه - سبحانه وتعالى - ، وذلك من خلال اتباعهم ، والتمسك بهديهم ) ، وبذلك نكون قد شكرنا رسول اللـه ( صلى اللـه عليه وآله ) على جهده وسعيه .

والخلفاء بدورهم امرونا باتباع قيادته ، واتباع هذه القيادة ، والاعتصام بحبلها ، والالتفاف حولها هو في الحقيقة احياء لذكرى رسول اللـه ( صلى اللـه عليه وآله ) ، و احياء لنهجه ، واستمداد من الرحمة الالهية التي انزلت معه .

هدف البعثة طاعة الرسول :

وفي هذا المجال يقول - عز من قائل - : « وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَسُــولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بإِذْنِ اللّهِ » ( النساء / 64) ، فطــاعـة الرســول ( صلى اللـه عليه وآله ) هي الهدف من بعثته ، لا ان نكتفي بالايمان القلبي به من دون طاعة وعمل ، فهل يمكن ان يكون هناك ايمان مفرغ من العمل ؟

ان طاعة اللـه - عز وجل - في طاعة رسوله ، وطاعة رسوله هي التي تذهب عنا الرجس ، وتطهرنا من الذنوب كما يقول تعالى :

« وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَآءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً » ( النساء / 64) .

ان اللـه - تعالى - انما يتوب علينا ، وتعود الينا رحمته ، وترجع الينا وحدتنا في ظل " لا إله إلا اللـه " ، وعزتنا الايمانية ، وحضارتنا التي هي حضارة الخير والرفاه للبشرية ، انما يعود الينا كل ذلك اذا استغفرنا اللـه - عز وجل - من خلال العودة الى رسوله .

الغفران باستكمال التوبة :

ان اللـه يغفر الذنوب ، وهو تواب رحيم ، ولكن بشرط ان تستكمل التوبة شروطها ، وشرط تحقيق اسم ( التواب الرحيم ) في واقع الانسان ان يكـون طريقنــا الـى اللـه - جلت قدرته - سليماً ، وصراطاً مستقيماً ، وهذا الصراط يتمثل في رسول اللـه ( صلى اللـه عليه وآله ) الذي ما يزال موجودا فينا عبر من أمر بطاعته . أولم يقل النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) في حديثه المشهور المتفق عليه من قبل جميع المذاهب الاسلامية : " اللـهم ارحم خلفائي ثلاثاً ، قيل : يا رسول اللـه ومن خلفاؤك ؟ قال الذين يتبعون حديثي وسنتي ثم يعلمونها أمتي " . [23]

أفليس العلماء باللـه ، الامناء على حلاله وحرامه ، المتصفون بصفة الربانية ، أوليس هؤلاء بين ظهرانينا ، أولا نستطيع ان نجعلهم شفعاءنا عند اللـه - جل وعلا - من خلال اتباعهم ؟

ان استغفار الرسول ( صلى اللـه عليه وآله ) للامة هو شرط لعودة الرحمة الالهية اليها ، والرسول ( صلى اللـه عليه وآله ) لا يستغفر للامة إلا عندما تعود الى سيرته .

الرسول الحاكم :

ثم يؤكد - تعالى - على فكرة مهمة من خلال قوله :

« فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ » (النساء / 65) ، أي حتى يجعلوك حاكما بينهم في اشد القضايا واكثرها خلافا ؛ الا وهي قضايا الخلاف التي يشير اليها - تعالى - بـ ( الشجار ) ؛ أي فيما يبرز بيننا من خلافات .

فـإن كنا نؤمن جميعاً باللـه والرسول فلماذا الاختلاف ، ولماذا التفرقة ، ولماذا التنابز بالالقاب ، والعنصرية ، والطائفية ، والحدود،

والمسافات الفاصلة ، ولماذا لانوحد صفوفنا ؟

ان قولنـا ان رسول اللـه ( صلى اللـه عليه وآله ) هو قائدنا لايكفي ، فالقائد يوحد جماعته ، فلماذا - اذن - لا نتوحد تحت رايته ؟

فبعد اتباع القيادة لابد من الاهتمام بالوحدة على اساس هذه القيادة ، وتأكيداً على هذه الفكرة يقول - تعالى - بعد ذلك القسم من الآية :

« ... ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً » ( النساء / 65) .

وهكذا فان الرسول ( صلى اللـه عليه وآله ) يوحد صفوف المسلمين ، وهو القاضي بينهم ، والحاكم عليهم دون ان يكون لهم الحق في الاعتراض على هذا الحكم حتى بهواجس قلوبهم . فالحاكم لا يحكم دائما في مصلحتك ، فقد تكون مخطئا فيحكم عليك ، وإذا حكم عليك فان هوى نفسك س معارضته علنا ، او على الأقل فانك ستضمر المعارضة له في قلبك ، في حين ان اللـه - عز وجل - يشير بصريح العبارة الى ان مجرد اضمارك لهذه المعارضة ، ووجدانك الحرج في نفسك مما قضى به رسول اللـه ( صلى اللـه عليه وآله ) سوف يكونان سببا لاختلال ايمانك وضعفه :

« فَـــلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُــونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِــدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجــاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُــوا تَسْلِيمــاً »

( النساء / 65) .

والحرج هو الضيق والمخالفة النفسية ، والتسليم يعني الاذعان الكامل لما يأمر به .

وكل ذلك لا يمكن ان يحدث إلا من خلال الاستغفار ، ومن ثم الخضوع للقيادة ، وتوحيد الكلمة ، وبذلك تعود الينا عزتنا وحضارتنا .

مولد النور

كـان الظلام سائداً على العالم ، وكانت الاصنام تعبد جهراً بفعل الانحرافات الجاهلية ، وكانت البشرية غارقة في الضلالة ، وقوى الاستكبار هي سيدة الموقف في كافة انحاء الارض ، و المستضعفـون يرزحـون تحت نير السلطـات الطـاغية ، و الاقــويــاء والاغنيـاء يفرضـون منطـق القـوة ، وشريعـة الغاب في كل مكـان .

الامبراطوريــة الرومانية كانت تعتنق المسيحية ظاهراً ، والطبقية كانت قد بلغت اوجها .

اما الامبراطورية الفارسية فقد كانت تعج هي الاخرى بالعنصرية والطبقية ، وجماهير الفلاحين والمهنيين ترزح تحت نير الضرائب المتصاعدة .

وفي الجزيرة العربية كان شعار الناس الخوف ، ودثارهم السيف، وحياتهم مليئة بالتعاسة والمآسي .

بداية عصر جديد :

وازاء هذه الاوضاع أبت رحمة اللـه - عز وجل - إلا ان تبعث للبشرية منقذاً وهادياً ، وبشيراً ، وسراجاً منيراً ، فولد الرسول محمد بن عبد اللـه ( صلى اللـه عليه وآله ) بعد خمسة وخمسين يوماً من واقعة الفيل الشهيرة حيث كانت هذه الواقعة ارهاصا وإيذاناً بانتهاء عصر ، وبداية عصر جديد ، فقد بعث اللـه - سبحانه - طيرا ابابيل على جيش ابرهة فقتلهم ودمرهم واهلكهم عن بكرة أبيهم بعد ان تجبروا ، وحاولوا الاعتداء على بيت اللـه الحرام . فهاهو الغيب يدخل طرفاً رئيسياً في معركة الخير والشر ، والحق والباطل ، ويدعـم الحق بقوته . وهاهو الارهاص بطلوع فجر جديد لان اللـه - عز وجل - خلق الناس ليرحمهم لا ليعذبهم ، و قد أبى ان يستمر المستضعفون والفقراء والبؤساء في وضع كهذا الوضع ، فبعث رسوله خيراً عميماً ورحمة للعالمين .

وعند ولادة سيد الخلق ( صلى اللـه عليه وآله ) كانت هناك ارهاصات عديدة اخرى في الأرض ؛ فقد غاضت بحيرة ساوة ، وفاضت بحيرة السماوة ، وزلزل ايوان كسرى وسقطت منه أربعة عشر شرفة ، وخمدت نيران المجـوس ولم تخمد قبل ذلك الف سنـة .

وشهـد العالم حوادث اخرى غريبة لم يكن يعهدها من قبل ايذانـاً

بأن اللـه - عز وجل - شاء ان ينقذ البشرية ، فوضعت آمنة ذلك الوليد الذي عمت بركته البشرية على امتداد التأريخ .

دروس الميلاد :

وهنا يتبادر الى الاذهان السؤال التالي : اننا اليوم نعيش في ظروف شبيهة في ابعاد مختلفة للجاهلية التي كانت سائدة قبل الاسلام ، فنحن نشهد الآن الجاهلية المادية الطاغية وهي تسعى اليـوم لتعـم بضلالتها وظلامها الارض ، فكيف ننتفع ونستلهم العبر والدروس من ذكرى مولد الرسول الاعظم ( صلى اللـه عليه وآله) ؟

ان البعض يعتقد - للاسف الشديد - اننا لا نستطيع ان ننتفع بشخصية النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) مادام غائبا عنا ، وهذا التصور يتضمن خطأ فظيعا ، فان يكن الرسول غائبا عنا فان الكتاب الذي اوحي الى قلبه الشريف مايزال باقيا ، كما ان سيرته الوضاءة ماتزال بين ايدينا ، وسنحاول فيما يلي الاجابة على السؤال السابق عبر طرح النقاط والملاحظات التالية :

استفادة ممكنة :

1- ان الاستفادة من شخصية الرسول ( صلى اللـه عليه وآله ) ممكنة من خلال دراسة سيرته ، فمن المعلوم ان رسالته ( صلى اللـه عليه وآله ) كانت اول رسالة كتبت ، لان الكتابة في عهده كانت منتشرة ، وكان ( صلى اللـه عليه وآله ) بدوره يؤكد عليها ، وهكذا بقيت سيرته العطرة ذخرا لنا ، فالرسالات السماوية السابقة لم تكتب بتفاصيلها كما كتبت رسالة نبينا الأعظم ( صلى اللـه عليه وآله ) ، وعلى سبيل المثال فقد روى لنا التأريخ تفاصيل وجزئيات كاملة عن حياة النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) ؛ كيف كان ينام ، وكيف كان ينهض ، وكيف كان يأكل ويشرب ويمشي ، واسلوب تعامله مع أهله ، واصحابه ، ... كل هذه التفاصيل وغيرها مثبتة في كتب السيرة بوضوح الى درجة ان هذه الكتب ذكرت لطريقة شرب النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) للماء ثلاثين اربا !

ومــن جهــة أخـرى فان القرآن الكريم يقول في هذا المجال : « لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ اُسْوَةٌ حَسَنَةٌ » ( الاحزاب / 21) ، والاسوة تعني ان نستلهم الدروس والعبر من سيرته وكأنه ( صلى اللـه عليه وآله ) يقودنا بالفعل ويعيش بين ظهرانينا ، فعلينا ان نجسده في اذهاننا ، ولو اننا استلهمنا من سيرته العطرة كل التفاصيل وربطناها ببعضها لجسدنا سيرته ، وحينئذ نستطيع ان نتساءل عندما نواجه أي سؤال محير او موقف صعب ، كيف كان يتصرف الرسول ( صلى اللـه عليه وآله ) في مثل هذه المواقف ؟ كيف كان - مثلاً - يقود الحرب ( علماً اننا بحاجة الى سيرته في الحرب لاننا في حالة جهاد ) ؟ وكيف كان ( صلى اللـه عليه وآله) يقود الأمة في حياته ، وبأي خلق كان يتفاعل مع المجتمع ، وكيف أدار ذلك المجتمع الجاهلي الغارق في الغفلة ، والعداوات ، والصـراع ؟

ان على كل فرد منا ، وعلى المجتمع كله دراسة سيرة النبي (صلى اللـه عليه وآله ) بشكل معمق ، وحفظ هذه السيرة ومحاولة اتباعه ( صلى اللـه عليه وآله ) فيها ، وحينئذ ستكون سيرته هذه رحمة لنا كما كان وجوده رحمة لمن كان حوله .

رمز وحدة الأمة :

2- ان الرســول ( صلى اللـه عليه وآله ) يمثل راية واحــدة توحد الامـة ، فجميع الخطوط تنتهي الى شخصيته ( صلى اللـه عليه وآله ) ، ونحن لو اتخذنا منه منطلقا للوحدة والتوحيد وتركيز الجهود ، ولو اتخذنا منه ( صلى اللـه عليه وآله ) حبلا نعتصم به لأصبحنا امة قوية مقتدرة لا يمكن ان تنال منها مؤامرات الاعــداء .

وعندمـا يقول اللـه - سبحانه - : « وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً » ( آل عمران / 103 ) ، فانه يؤكد في آية سابقة على ان حبل اللـه يتمثل في اثنيـن ؛ الرسول ( صلى اللـه عليه وآله ) ، والرسالة اي القرآن الكريم ، فالاعتصام بحبل اللـه - عز وجل - يعني توحيد الصفوف تحت راية النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) ، وهذا مطلب يمكن تحقيقه لان الرسول ( صلى اللـه عليه وآله ) حاكم فيما بيننا ، والاحتكام الى منهجه وتعاليمه يعد من الفرائض التي اشار اليها القرآن الكريم في قوله :

« فَــلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُــمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً » (النساء / 65) .

فالتسليـم لمنهج النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) من شأنه ان يوحدنا ، اما ان يعتقد كل فريق بان رسول اللـه ( صلى اللـه عليه وآله ) ملكه ، وينفي انتماء الآخرين اليه ، فهذا ما سيولد الشقاق والخلاف الذي جعل المسلمين اليوم معرضين للغزو العسكري ، والاقتصادي ، والسياسي ، والثقافي ...

القرآن الناطق :

3- لاشك ان رسول اللـه ( صلى اللـه عليه وآله ) متجسد في القرآن الكريم ، فقد كان ( صلى اللـه عليه وآله ) خلقه القرآن ، كما واثنى عليه الخالق - عز وجل - قائلا : « وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ » (القلم / 4) .

ولاريب ان كتاب اللـه موجود بين ايدينـا ، وعلينا الالتصاق اكثر

فأكثر بهذا الكتاب العظيم ، والاستفهام من آياته الكريمة ، والعمل بتعاليمه المقدسة ، احياءاً لسيرة رسول اللـه (صلى اللـه عليه وآله)، واستنــزالاً لرحمته التي شملت العالمين بأجمعهم ، فقد جاء اليهم بكتــاب هو نـور وهدى ، وفيه بصائر وذكر ، وفيه تفصيل كل شـيء .

اننا نعيش في كل عـــام ذكرى سعيدة هي ذكرى ولادة النبي (صلى اللـه عليه وآله ) ، ونحن نهنئ انفسنا ، والعالم الاسلامي ، بل البشرية كلها بهذه الذكرى ، ونؤكد ان الرسول ( صلى اللـه عليه وآله) لم يكن رحمة للمسلمين فقط ، بل كان رحمة للعالمين . وعلينا ان نسعى ونبذل الجهود من اجل هداية البشرية كلها بسيرة الرسول ( صلى اللـه عليه وآله ) الوضاءة . فأين دعوتنا هذه من الناس ، ولماذا لانحمل هذا السراج المنير الى جميع ارجاء العالم وخصوصا تلك المناطق التي تبحث عن النور ، والتي عانت ما عانت من الويلات والمآسي بسبب ضلالها ، وابتعادها عن الصراط المستقيم الذي رسمه لها الخالق - عز وجل - ؟

ان الدعوة الآن الى الرسالة التي سبق وان حملها نبينا الأعظم محمد ( صلى اللـه عليه وآله ) ، والعمل المنظم والدؤوب من أجل نشرها ، يمثلان واجبا اساسيا نستلهمه من هذه الذكرى ، ومن هذا الحدث الحبيب الى قلوبنا . فالبشرية اليوم هي احوج ما تكون الى من يصحح انحرافاتها ، ويهديها الى سواء السبيل ، وينقذها من اسر المذاهب الوضعية التي لم تجر عليها سوى المزيد من الازمات والمشاكل في مختلف الأصعدة .

ميلاد الرحمة

هناك ايام تبقى تتألق في احشاء التأريخ المظلمة فيما تتلاشى سائر الأيام ، فما هو سر تألق تلك الأيام التي هي من أيام اللـه التي لايمكن ان ينطفئ توهجها ؟ فلقد مضت عشرات القرون وذكرى البعثة النبوية الشريفة لنبي الرحمة ، وخاتم الانبياء والمرسلين محمد ( صلى اللـه عليه وآله ) ماتزال جديدة طرية تستقطب اهتمام كل مؤمن في كل مكان ، فيما تشهد المعمورة وقوع حوادث شتى سرعان ما تضمحل ، وتتلاشى من ذاكرة التأريخ ، فما سر بقاء هذه الذكرى وغيرها من الذكريات الالهية ؟

سر تجدد الذكرى :

ان السر في تجددها وخلودها وخصوصا ذكرى البعثة النبوية الشريفة هو ما لهذه الذكريات من علاقة وثيقة ، واتصال متين بالسنن الالهية الثابتة ، ولكون البشرية بحاجة ماسة الى تجديدها لما لها من دور في تحقيق الضرورات التي يحياها الانسان المؤمن في حياته .

وهكذا الحال بالنسبة الى كافة الذكريات الاسلامية الاخرى كذكرى عاشوراء التي تتجدد كل عام وكأنها وقعت في ذلك العام، فهذه الذكريات ومنها ذكرى البعثة النبوية الشريفة انما تتجدد ، وتظل خالدة بسبب مالها من علاقة واتصال بحاجات الانسان في الحياة .

حاجة متجددة :

فالبعثة النبوية لم تكن واقعة تأريخية مرت مرور الكرام فمضت وانتهت ، ولم تكن الحاجة البشرية اليها حاجة وقتية انتهت واستغني عنها ، بل هي حاجة متجددة ، وحقيقة مستمرة ، ولقد ابدت البشرية تجاوبها مع نداءات الوحي التي انطلق صداها الى الدنيا من غار حراء أن : « قْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ » (العلق /1) ، وظل هذا الدوي يمخر عباب التأريخ الطويل ، وانتشر في ارجاء الدنيا رغم كل العوارض ، والعوائق ، والمحاولات القاسية التي ارادت ان تحول دون وصوله إلينا .

ومنذ ذلك اليوم المجيد وحاجة الناس الى البعثة النبوية ماتزال مستمرة ، ونحن بالطبع من هؤلاء الناس ، فنحن مازلنا بأمس الحاجة الى هذا الانبعاث الالهي الذي من شأنه ان يوقظ هذه البشرية السادرة في غفلتها ، والمنطوية على ذاتها المتأطرة في حدودها الضيقة ، فنحن نلمس اليوم مدى الحرمان والبؤس الروحي الذي يعم ارجاءها ، فلابد لها في كل آن من بعثة وانبعاث .

رسالة عالمية :

ان مهمة النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) لم تقتصر على اهل مكة والمدينة وحدهما ، وهو ( صلى اللـه عليه وآله ) لم يكن رسولا لأهل الجزيرة العربية فحسب ، ولا للأمم التي عاصرته ، وعايشته فقط ، بل كان رسولا لكل الاجيال والأمم على مدى التأريخ منذ لحظة انبعاثه ( صلى اللـه عليه وآله ) رسولاً ورحمة للعالمين ، والبشرية كلما احتاجت الى انبعاث روحي فليس امامها إلا العودة الى هدي النبي الأعظم ( صلى اللـه عليه وآله ) .

ان وجه الدنيا قد تبدل عما كان عليه في الأمس أبان العصر الأول للرسالة ؛ حيث تغيرت ظواهر وحقائق كثيرة ، وحدث انقلاب عظيم في مظاهر الحياة المادية ، فأين ركوب الدواب من التحليق بالطائرات ، واين الاستنارة بمصابيح الزيت من المصابيح الكهربائية ؟ وهكذا الحال بالنسبة الى كافة مظاهر الحياة التي تبدلت وتغيرت شيئا فشيئاً حتى غدا هذا العصر عصر العقول الالكترونية .

الطبيعة البشرية باقية :

ولكن الشيء الوحيد الذي لم يطرأ عليه التغيير هو الطبيعة البشرية ، حيث مازالت البشرية تريد اشباع حاجتها الروحية ، وظلت بحاجة الى رحمة الهية مهداة كما قال النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) : " انما انا رحمة مهداة " [24] ، وقد أكد القرآن الكريم على هذه الحقيقة قائلا : « وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ » (الانبياء / 107) .

وعندما يتحول التفكير البشري الى تفكير مادي ، فيغوص ابناء البشر في شهواتهم وملذاتهم ، ويجرون وراءها ، فتنشب النزاعات والفتن ، وتسيل الدماء ، وتزهق الارواح ، فحينئذ لابد لها من بلسم ينقذها من الهلاك ، والدمار ، ويداوي جراحها .

رسالة السماء بلسم البشرية :

وهذا البلسم ليس إلا رسالة السماء ، وبالتأكيد فان البلسم الشامل والكامل هو ما تجسد في بعثة نبي الرحمة ، وخاتم رسالات السماء محمد ( صلى اللـه عليه وآله ) علما ان حال البشرية اليوم ليس بأفضل من حالهم بالأمس وفي عصر ما قبل الرسالة ، فقد كان حالهم كما وصفه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بقوله : " أرسله على حين فترة من الرسل ، وطول هجعة من الأمم ، واعتزامٍ من الفتن ، وانتشار من الأمور ، وتلظٍّ من الحروب ... وشعارهم الخوف ، ودثارهم السيف " [25] ، وهو افضل وصف لحالتهم المتزعزعة المتردية حيث لا أمن إلا بالسيف والقوة .

لقد كان الاقتتال بين القبائل العربية يقع لأتفه الاسباب ، وعلى سبيل المثال فان الأوس والخزرج اقتتلا لأكثر من ثلاثمائة سنة من أجل سبب بسيط وتافه إلا وهو قتل بهيمة ، وقد كانت القبائل العربية تنقض في بعض الاحيان - عندما يداهمها الجوع - على آلهتها المصنوعة من التمر لتأكلها !، وأما السبل فقد كانت غير آمنة من قطاعها الذين كانوا يسلبون وينهبون ما طاب لهم من اموال القوافل المارة بهم ، وعلى هذه الصور وغيرها كان حال الجاهلية الأولى .

قبائل العصر الحديث :

واذا ما تأملنا حال العالم اليوم اكتشفنا انه ليس بأفضل مما كان عليه في الأمس وإن اختلفت الوسائل والمظاهر ، فزعماء البشرية اليوم يصنعون وسائل فنائها وانقراضها بأيديهم حيث الصواريخ المدمرة ، والقنابل النووية ، والاسلحة الكيمياوية ، والغواصات المزودة بالرؤوس النووية التي تجوب اعماق المحيطات طولاً وعرضاً .

كما وان البشرية غدت اليوم مهددة بشتى انواع المخاطر الداهمة مثل الجوع والمرض والحرمان والجفاف والقحط المنتشر في ارجاء كثيرة من الأرض .

ومع وجود هذه الاوضاع المأساوية ، ترى هل غدت البشرية المعذبة غنية عن الرسالة ، وانبعاثها الجديد كما يزعم البعض من المنبهرين بوسائل الحضارة المتطورة ؟ كلا وألف كلا ؛ بل ربما ازدادت الحاجة لهذا الانبعاث اضعافا واضعافا عما كانت عليه بالامس .

فان كان الاقتتال بالامس يعتمد على قوة الفرد ، وقدرته على حمل السيف ، ومنازلة الخصم به ، فانه يختلف اليوم بنسبة واحد الى مليون ؛ فبمستطاع شخص او شخصين يجلسان وراء الازرار ، وبمجرد ضغطات بسيطة عليها ان يطلقا الصواريخ العابرة للقارات ، فينعدم بذلك وجود الملايين من البشر ، وتلغى صلاحية الارض للحياة ؛ اي ان بامكان هذين الشخصين ان يحددا ويقررا مصير هذا العالم من موقعهما ، في حين ان جيوش الامس كان عليها ان تسير اياماً وليالي ، وتقطع الصحاري والقفار والوديان والسهول لكي تبلغ مواقع المواجهة بينها ، فاين حروب الامس من حروب اليوم ؟!

انبعاث رحماني :

وبناء على ذلك فنحن بحاجة اليوم الى الانبعاث الرحماني ، وهذا الانبعاث يتجدد مع تجديد الذكرى والاستلهام منها ؛ فان كانت البعثة في الأمس سبب في اصلاح قبائل متناحرة لايتجاوز عدد افرادها بضعة آلاف من الناس ، فانها اليوم ضرورية لاصلاح امر الملايين من البشرية المعذبة والمضطهدة التي تحتاج الى من يعمل على انقاذها وتحريرها مما تعاني منه الويلات ، والفتن ، والآثار السلبية للحرمان .

وهنا يتبادر الى الاذهان السؤال المهم التالي : هل المهم في الرسول ( صلى اللـه عليه وآله ) شخصه ام نهجه ونبراسه الرسالي اللذان ما يزالان قائمين وسيظلا كذلك حتى قيام الساعة ؟ من المعلوم ان غياب شخصه ( صلى اللـه عليه وآله ) ليس مهما كأهمية ما جاء به في رسالته الالهية من تعاليم سامية بدليل قوله - تعالى -: « يَآ أَيُّهَا النَّبِيُّ اِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً اِلَى اللَّهِ بِاِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً » (الاحزاب / 45-46) .

فالرسول (صلى اللـه عليه وآله) سراج لاينطفئ وإن غاب شخصه

عنا ، وحاشـا لنور الرسالة الوهاج ان تحجبه الغيوم الداكنة ، فلا يد للزمان تتطاول فتنال من شعاع الرسول ( صلى اللـه عليه وآله ) الساطـع الخالد ، فهذا النور موجود مادامت كلمة " لا إله إلا اللـه محمد رسول اللـه " تطل على الخافقين ، ولذلك فان اهم ما في ذكرى البعثة النبوية الشريفة ان نجدد هذه الذكرى مع الزمان مادامت الحاجة الى الرسالة مطلوبة ومتجددة .

وربما يغيب عن البعض ، بسبب ما يترك الانبهار بحضارة الغرب من أثر على النفوس ، ان العالم الغربي صار مثله مثل تلك العجوز الشمطاء التي أكل الدهر عليها وشرب فلجأت الى عطار في محلتها علها تنجح في اصلاح نفسها ! فالغربيون باتوا اليوم يحاولون تلميع وجوههم ، واصلاح ظاهرهم الذي غداً سخيفاً باهتاً ، ويكفي في هذا المجال ان تشهد تقارير مرض الايدز بمدى التفسخ الخلقي الذي يعيشونه ، هذا المرض الذي لم ينجحوا لحد الآن في اكتشاف علاج له .

ومن حقنا ان نتساءل هنا : من المسؤول عن هذه الويلات والمآسي التي تمر بها البشرية ، أليس هو الفكر الجاهلي المادي المتمثل في الحضارة الغربية ؟ وعندما يكون هذا الفكر هو السبب ، أليست البشرية بحاجة الى رحمة الهية تقف في وجه هذا الاتجاه الجاهلي المعاصر وتقضي عليه ؟

الرحمة عند الرسول (ص) :

ترى اين نجد هذه الرحمة ، ومــاهو مكمنها ؟ انها عند رسول اللـه ( صلى اللـه عليه وآله ) متمثلة في ما جاء به من الرسالة ، ونهجها الخالد العظيم ، واهدافها السامية النبيلة ، فالعمل الجبار والمذهل الذي انجزه النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) ومايزال ينجزه عبر رسالته ونهجه الخالدين يتمثل في انه صنع من هذا الانسان الذي كان يتحرك من اجل دنياه ، ومن منطلق شهواته ودوافعه الانانية ، صنع منه انساناً يكاد يكون انموذجاً في الاخلاق السامية ، فاذا به عطوف رحيم كريم ، يحب الآخرين ، ويضحي من أجلهم ، ويحب امته ، ويقدس عقيدته ، ومبادئه ، ويحمل رسالة في الحياة .

ومن خلال الايثار صارت تلك الجماعة الرسالية الاولى مثالاً يضرب على مر الاجيال ، وفي هذا المجال يروي لنا التأريخ انه عندما سقط عدد من اصحاب النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) في احدى الحروب جرحى وكان العطش قد اخذ منهم مأخذه ، جيء لهم بالماء ، وأعطي لأولهم فأبى ان يشرب قبل أخيه الثاني المطروح الى جنبه ، وعندما أعطي هذا الماء الى الثاني أبى هو الآخـر ان يشرب قبل أخيه الثالث وهكذا حتى جاء دور العاشر فقـال : ان الاول اولى مني واحق بشرب الماء ، فلما عادوا الى الأول وجدوه قد فارق الحياة ، وهكذا الحال بالنسبة الى الثاني والثالث حتى التحق الجميع بالرفيق الأعلى وهم عطشى لم يذوقوا الماء لانهم آثروا الآخرين على أنفسهم .

أمة متآخية وموحدة :

وهكذا فقد صنع الرسول ( صلى اللـه عليه وآله ) من تلك الامة المتمزقة المشتتة ، امة واحدة متآخية تسودها المودة والتضحية والايثار ، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، وتجاهد في سبيل اللـه حق جهاده ، فلقد تحرروا من أطر انفسهم الضيقة التي كانوا يعيشونها في الجاهلية ، واصبح الواحد منهم يهب مسرعاً يحمل سيفه ، وينطلق للجهاد بمجرد ان يطرق سمعه نداء : « وَمَـا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَآءِ وَالْوِلْدَانِ » (النساء / 75) .

وهكذا تغيرت كل القيم الجاهلية ، بل ونسفت من اساسها بفضـل ذلك المنهج الرسالي ، وصار الجميع جنودا للاصلاح والتغيير ، وتحولت تلك الكتل المتنازعة المتناحرة الى كتلة واحدة متراصة تعبد اللـه ، ولا تشرك به شيئا ، وتخوض غمار الجهاد ، وتدعو لله - تعالى - ، وقد انتشر نور الاسلام بفضل جهاد ابنائه الذين حملوا راية الجهاد والدعوة الالهية منطلقين من الجزيرة العربية الى بقاع العالم شـرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً ، وهذه هي أمة الرسالـة

وامة القرآن التي صنعها النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) .

مسافات شاسعة :

اما نحن فمازالت المسافة شاسعــة بيننا ، وبين ما يدعو اليه القرآن ، فأين نحن من تلك النداءات والوصايا والاوامر القرآنية ؟ أولسنا نحن الذين ينبغي ان نتأسى بالرسول واخلاقه وسيرته في حياتنا ؟

اننا اليوم بأمس الحاجة الى امـة منا تقوم باعباء مسوؤليتها التأريخية ، وتحمل راية النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) من جديد ، وتعمل على ايقاظ القيم الايمانية في النفوس ، هذه القيم التي تدعو الى القسط ، وحب الآخرين ، والايثار ، والتضحية ، بل الى حب اللـه - عز وجل - ، وتغيير ما في النفوس من عوامل التردي والتخلف ، واصلاحها ، وبالتالي اصلاح المجتمع الفاسد .

ان من اعظم الانتماء هو ان ننتمي الى تلك القيم التي تنادي وتدعو لها الرسالة المحمدية ، ولنحذر كل الحذر من ان تكون اهداف حركتنا متلوثة بالروح الانانية النفعية ؛ اي يجب ان لا تكون اهدافنا شخصية بل لتكن اهدافاً من أجل اللـه تعالى وفي سبيله ، ومن أجل ابناء هذه الأمة المعذبة المضطهدة في كل مكان من بقاع عالمنا الاسلامي .

لا نجاح للمجتمع الاناني :

ولنعلم انه لن تزهر وتورق شجرة المجتمع الاناني ، بل تزهر وتورق وتثمر شجرة ذلك المجتمع الذي تشيع فيه روح الايثار والبذل والتضحية من أجل الآخرين ، ويسوده التعاون والتكاتف والمسارعة الى الخيرات ، وهذا هو المجتمع الناجح الذي ينشد التقدم والازدهار والذي يمثل اساس الحضارة الانسانية الحرة الكريمة .

وهذا المجتمع هو الذي يتحرك نحو الكمال ، والاهداف النبيلة السامية لان اليد الالهية ستكون في عونه ، وتسدد افراده ، وقد ضمن اللـه - سبحانه - لعباده النصر والتأييد فيما لو نصر ابناء هذا المجتمع ربهم بتلك الروح الايجابية الخلاقة المتمثلة في تحمل المسؤولية ، والتوكل عليه - تعالى - ، وقد اشار القرآن الكريم بصراحة الى هذا المعنى في قوله : « إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ » (محمد / 7) .

ونصرة اللـه - جل وعلا - تعني في جانب منها نصرة أوليائه ، وكتابه العزيز من خلال العمل بمناهجه وقيمه واوامره ونواهيه وكل شرائعه المقدسة ، فلابد من ان نتآخى بيننا كما يقول - تعالى - : « إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ » (الحجرات / 10) .

ولابد من التعاضد والتعــاون كما أكد على ذلك - عــز وجـل -

قائلا : « وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ » (مائدة / 2) .

كتاب كله هدى :

ولا مناص لنا ايضا من الالتفاف حول كتاب اللـه ، والأخذ بسيرة رسوله واوليائه من الأئمة ( عليهم السلام ) حيث يقول - تعالى - : « وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا » (آل عمران / 103) .

/ 6