<a name=aaa51> </a>انطلاقة العقل والارادة - نبی محمد قدوة الصدیقین نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

نبی محمد قدوة الصدیقین - نسخه متنی

سید محمد تقی المدرسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید



وكتاب اللـه العزيز كله هدى ، وهو السراج الذي ينير لنا طريق الحياة الحرة الكريمة ، وهو الذي يأمرنا بالتلاحم ، والتعاون فيما بيننا .

ولابد ان نجسد اسلامنا من خلال تلك المعاني والقيم ؛ قيم المسؤولية ، والاهتمام بمصير الآخرين عبر مساعدتهم ، وانقاذهم من المصائب والويلات والكوارث التي تحل بهم كما يصرح بذلك الحديث الشريف : " من اصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم " . [26]

أما آن الأوان لأن نتحمل مسؤولياتنا التأريخية تجاه اخواننا المضطهدين المقهورين في بلدان عالمنا الاسلامي الشاسع ؟

وللأسف فعندما يكون الحديث حديث المسؤولية والحث عليها، تتدفق سلسلة التبريرات الواهية التي يدحضها القرآن جملة وتفصيلا في قوله - تعالى - : « بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ » (القيامة / 14-15) .

فلنكن في عون اخواننا اينما كانوا ، ولنبحث عن ذوي الحاجة والعوز الذين قد لاتبدو حاجتهم على سيماهم لتعففهم ، فعلينا ان لا ننتظر لكي يبادرونا بالسؤال لان فـي السؤال ذلة ، والمؤمن ينبغي ان يبقى عزيزاً ، صائناً لكرامته . ولنقرأ تأريخ الأئمة ( عليهم السلام ) وكيف كانوا يوصلون الحاجة الى اصحابها بأساليب تحفظ كرامة الانسان المحتاج ، فقد كانوا ( عليهم السلام ) يدورون على بيوت الفقراء والمساكين متنكرين لايسألون الناس الحافاً .

وإذا كان البعض لايعاني من الحاجة المادية فان حاجته قد تكون معنوية ؛ أي قد يكون محتاجاً الى الهداية والرشاد ، ومثل هؤلاء ينبغي البحث عنهم وانقاذهم مما هم فيه من جهل وضلال وبعد عن الحقائق ، ولنعلم ان الله سبحانه ينزل فيض رحمته على عباده إن هم تراحموا بينهم ، ونبينا ( صلى اللـه عليه وآله ) هو نبي الرحمة ، وتتجلى هذه الرحمة في تعاليمه ، وسيرته وقيمه ، وفي كتابه ، وما علينا إلا ان نلتف حول الرسول (صلى اللـه عليه وآله) ورسالته ، ونحمل رايته لكي نقترب من هديه ، ونبلغ هذا الهدى للعالمين .

انطلاقة العقل والارادة

في عصر ما قبل البعثة النبويــة الشريفـة كانت البشرية غائصة فـي مستنقع الجهل والضلال ، حيث لف العقل البشري - هذه النعمـة الالهية الكبرى - بركام مـن الخرافات والاساطيــر ، وحجب الغفلــة والشهـوات ، وكـذلك الارادة - هذه القـوة الالهيـة التي تميز بها الانسان - كانت قد غلت بالاصر والاغلال ، بالاضافة الى القلب الذي هو ينبوع العواطف الخيرة فهــو الآخر دس فـي ركـام من الاخـلاق الرذيلـة التـي حجبتـه عن تلك العواطـف .

ومن أجل انقاذ هذا الانسان تدخلت ارادة السماء فولد النور ، وانبعث الخير على اعتاب مولد النبي محمد (صلى اللـه عليه وآله) ، وإثر ذلك تغيرت النواميس واذا بشرفات قصر كسرى بالمدائن تتهاوى ، ونيران المجوس في فارس تخمد ، وغيرها من التحولات العظيمة التي جذبت انبتاه العالم اليها .

ارادة السماء تتدخل :

لقد كانت هذه التحولات الكبيـرة اشارة واضحة الى تدخل ارادة السماء في ساحة الصراع بين الخير والشر ، والنور والظلام ، والحب والبغضاء ، بعد ان لف ظلام الجهل نور الحقيقة ، وسيطر الطغاة على مقاليد الارض حتى لم يعد الدعاة الى اللـه - تعالى - قادرين على الصمود امام هجمات الجاهليين ، وحينئذ قررت الارادة الالهيــة ، والمشيئة العليا ان ينتصر النور على الظلام ، والعقـل على الجهـل ، بولادة سيد البشر محمد ( صلى اللـه عليه وآله ) .

وهذه الولادة المباركة كانت بمثابة انطلاقة حضارة السماء التي ستعم الارض ، وهي آخذة بالتقدم والتكامل حتى يظهر ولي اللـه الأعظم فيملأ الارض قسطــاً وعدلاً بعدما ملئت ظلمــاً وجــوراً .

ونحن إذا قرأنا التاريخ ، ودرسنا فصول الحضارات على وجه الخصوص لرأينا ان الخط البياني لتقدم البشرية قد بدأ لحظة ميلاد الرسول الأعظم ( صلى اللـه عليه وآله ) وبعثته ، صحيح ان كل رسالات السماء كانت تحمل معها وقود الحضارة لتدفع بالبشرية الى الامام ، الا ان رسالة النبي الاعظم محمد ( صلى اللـه عليه وآله) كانت تمثل الدرجة الأخيرة في التحول الكيفي في مسيرة الحضارة البشرية .

بين المنهج الاسلامي والمنهج الجاهلي :

وهنا بالضبط كانت الانعطافة الكبرى ، فبلغت المسيرة رشدها ، وبدأت الحضارة حركتها الحقيقية ، وعاد الانسان يعيش انسانيته مقراً ان الناس سواسية كأسنان المشط ، على عكس ما كان يعتقد به الفلاسفة القدامى كأرسطو الذي كان يصرح ان الناس لا يمكن ان يكونوا سواسية ، فهم على اقسام ؛ فمنهم من ليس ببشر وانما خلقهم اللـه بالصورة الآدمية لكي يخدموا الآخرين من الطبقات العليـا .

والى اليوم نلاحظ ان هذا التقسيم غير الطبيعي مايزال سائدا في بعض البلدان ؛ ففي الهند - مثلاً - نجد شريحة كبيرة من الناس يطلق عليها اسم ( المنبوذون ) تعيش في حالة يرثى لها من الجهل ، والتخلف ، والفقر ، والحرمان ، والأسوأ من ذلك ان احداً منهم لايجرؤ على انقاذ نفسه من هذا الواقع المزري لاعتقاده بانه منبوذ حقـاً !

وراح البعض يميز بين جنس الرجل ، وجنس المرأة ؛ اذ كان اغلب الفلاسفة يعتقدون ان المرأة ليست من جنس الرجل ، وانها من جنس ادنى منه ، وان اللـه - تعالـى - قد خلقها لتخدمه ، وهذه المعتقدات وما شاكلها تسربت الى بعض الديانات مما سبب انحرافهـا - كالديانــة اليهوديـة مثلاً - حتى صار اصحابها يعتنقـون

فكرة العنصرية ليجعلوها شعاراً لمحاربة الشعوب .

خلفية جاهلية :

وحتى أولئك الذين يدعون التقدم والحضارة في عالمنا المعاصر لايعترفون هم ايضاً بالآخرين ، لان خلفيتهم الفكرية خلفية جاهلية ، ولانهم لم يتبعوا القيم الالهية ، ومن هنا ندرك حقيقة ان الحضارة الحقيقية لايمكن ان تكتمل الا في ظل رسالات السماء التي تؤدي الدور الفاعل في استثارة دفائن العقول ، واستخراج خزائنها ، واذا بهذه العقول المدسوسة في تراب الخرافات والاساطير تنشط ، وتأخذ بالاشعاع في الآفاق الواسعة .

وكلما تحرر العقل شحذت العزيمة ، وتوفرت النية الخالصة حتى يصبح الانسان قادرا على اتخاذ قراره بنفسه ، ذلك ان قيمة الانسان بقراره ، فالانسان الذي يخضع لكل من هب ودب سرعان ما ينهار امام أي تحد قد يواجهه في حياته .

ان الانسان الحر يمكنه ان يتحدى كل الحتميات الاجتماعية والجنسية بل وحتى الحتميات التأريخية ، صحيح ان هناك عوامل تأريخية قد يكون بعضها ثابتاً ، إلا إن الانسان مع ذلك يكون فوق التأريخ بارادته ، فبإمكانه انه يوقفه ليصنعه من جديد ، وهذه هي الفكــرة الثوريــة التي تستطيع ان تجعل الانسان يقفز قفزات واسعـة

لتحقيـق تطلعاته الكبيرة .

ومن خلال تحقيق هذه الفكرة تمكن الاسلام من مد نفوذه على اكبر مساحة من الارض ، وفي اسرع وقت ، ونحن نلمس ذلك في شخصية رسول اللـه ( صلى اللـه عليه وآله ) الذي تحدى كل الحتميات الجاهلية التي كانت سائدة آنذاك ، فأثار العقول بعد ان كانت خامدة ، واعاد للنفوس حيويتها بعد ان كانت ميتة ، والغى العصبيات ، والاعتداءات ، والاحقاد ، والبغضاء بعد ان كانت متأججة ، وأرسى في صفوف الأمة المحبة ، والوئام ، والالفة والانسجام ، وكان ذلك ديدنه حتى آخر لحظة من حياته الشريفة ، إذ كان ( صلى اللـه عليه وآله ) ينادي ملك الموت قائلا : " شدد عليَّ وخفَّف على أمتي " رحمة بها ، ومحبة لها . وهذه هي بعض تجليات رسالة النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) .

منهاج النبي (ص) علاج مشاكلنا :

ولو نشأت الامة حقا على منهاج الرسول الاعظم ( صلى اللـه عليه وآله ) ، وعاشت سيرته المباركة لما كانت اليوم تعاني من أية مشاكل تذكر ، إلا انها لما صارت تعيش الغربة عن واقع رسالتها ، ولم تكرس قيمها الاسلامية في واقعها ، فمن الطبيعي ان يأتي الحكام الطغاة ليتسلطوا عليها ، وينفذوا الادوار الاجرامية ضدها ، فلو كان مجتمعنا محمديا قرآنيا لما فسح المجال لاي طاغية ليعيث بمقدراته ، ويتسلم مقاليد اموره رغما عن ارادته ، فالمجتمع المحمدي هو مجتمع المسؤولية ، والوحدة ، والحب والتعاون والتكافل ، ومجتمع التحدي والشهادة .

ولذلك ينبغي علينا ان نبني مجتمعا صلبا ايمانيا صادقا يتحدى كل من تسول له نفسه ان يصنع من نفسه دكتاتورا يتسلط على رقاب الشعوب المسلمة .

المسلمون وخطر الابادة :

ان المسلمين يواجهون اليوم خطر الابادة فلا مجال للجدل في بعض القضايا الهامشية ، كما انه لا مجال للعمل البطيء المتعثر في هذه الفترة ، فهذا الظرف يتطلب عملا جادا ودؤوبا ، ومن اجل ان نرتفع بالساحة الاسلامية الى مستوى التحدي والتصدي ؛ ارى ضرورة العمل بالارشادات والوصايا التالية :

1- لنسع من اجل صنع دوائر ايجابية يتداخل بعضها مع بعض كالموجـة التي تنطلق من وسط دائرة ليتسع مداها الى الدوائر الاوسع ، فلا يجوز لنا اليوم نحن ابناء الحركة الاسلامية ان ننعزل وننكمش على بعضنا ، وليرحب كل واحد منا بأي انسان يمد له يد العون لانقاذ بلاده وشعبه ، ولنبدأ جميعاً بفكرة جديدة وانطلاقة جديدة ، صحيح ان هناك نقاط اختلاف ولكننا عندما نجد نقاط الوفاق ، وعندما نستطيع ان نتمحور حولها ، ونعتمد عليها ، فان هذا يعني ان نقاط الخلاف ستنفعنا في مجالات كثيرة ، خصوصاً إذا عرفنا ان من طبيعة المجتمع انه يعيش ادواراً مختلفة من حيث الطبقات ، والجنسيات ، والتوجهات ...

2- كل عمل يسهم في إضعاف انظمة البغي والجور ، ويساعد على تنمية قوى المعارضة هو عمل مقبول علينا ان نشجعه .

3- ضرورة العمل في الساحة الجماهيرية دون التقوقع في الدوائر المنفصلة عنها ، فلا يخفى ان قيمة الحركات الاسلامية تتجلى في التواصل مع الجماهير ، وابداء الخدمات لهم ، فلابد من ان ندخـل اوساطهـم من خلال استشارتهم ، والاستماع الى افكارهم ، وان نطرح عليهم في نفس الوقت نظرياتنا وافكارنا ومن الممكن ان يتحقق ذلك بواسطة عقد الندوات والمؤتمرات وغيرها مما تسمح به ظروف كل حركة اسلامية .

ان على المتصدين للقضايا الاسلامية ان يفسحوا المجال للجماهير لابداء آرائها ، وما يختلج في صدورها ، فان الآثار الايجابية لذلك ستنعكس على ساحة العمل بصورة واضحة ، ومن هذا المنطلق يجب ان نعطي الجماهير دورها الطبيعي في الحياة ليتعلموا كيف يبادرون الى استعادة حقوقهم المسلوبة ، والدفاع عنها ..

الحوزات العلمية وضرورة التطوير :

وفي هذا الاطار اوجه حديثي الى الحوزات العلمية بالقول ان التقدم التقني ، وتنامي التحديات الفكرية يستدعيان من العلماء ان يلاحظوها بافكارهم ونظرياتهم ، ومثل هذا الأمر لايمكن ان يتحقق إلا اذا برمجنا مناهج الحوزات العلمية برمجة حديثة وفق تطورات العصر إذ ليس من المعقول ان نبقى جامدين على البرامج السابقة .

ان الحوزات العلمية بحاجة الآن الى دم جديد ، وانبعاثة جديدة ، فالحوزة التي لايدرس فيها الطالب الاقتصاد ، والسياسة ، وسبل مقاومة الطغاة والمستكبرين ، لايمكن ان تسمو في سماء التكامل .

وفي هذا المجال كتب أحد الفلاسفة الغربيين في كتابه ( الامام الصادق عقل الفكر الشيعي ) يقول : ان الامام الصادق ( عليه السلام ) لم يورث الشيعة مالاً ، ولا سلطة ، وانما اورثهم منهجية سليمة لتعلم العلم ، فالامام الصادق بقي وبقي من ورائه التشيع مستمرا في تحدي المتغيرات ، وتتجلى هذه الحقيقة اكثر عندما نجد علماء الاسلام تلهج السنتهم على مر التأريخ بذكر الامام الصادق ( عليه السلام ) عندما يتباحثون في مختلف ابواب العلم .

دعوة للتجديد :

انهــا دعوة مفتوحة لكل العلماء والفقهاء والمفكريــن للعمل على

تطوير برامج الحوزات العلمية لكي تكون حقاً جهاز دعوة وتبليغ في سبيل اللـه - عز وجل - ، وقد يقول البعض انه قد تم بعض التغيير في المناهج الحوزوية قبل عشر سنوات ، وانا أؤيد ذلك ولكـن لابد من احداث تجديد كل عقـد من الزمــان مع المحافظة - طبعاً - على الموضوعات الاساسية ، اما المتغيرات فلابد من ان تتخذ طريقها الى عقول الموجهين ، ثم منهم الى الجماهير ، كمال قال - تعالى - في سورة الاحزاب وهو يصف الرسول ومناهجه ، ودوره في توجيه الناس :

« يَآ أَيُّهَا النَّبِيُّ اِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً اِلَى اللَّهِ بِاِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً » ( الاحزاب / 45 - 46) .

مبدد الظلمات ومحطم الحواجز

ماهي الظلمات التي بددها فجر الرسالة الاسلامية ، وماهي الصراعات التي اطفأت نارها بعثة النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) في غار حراء ، ولمـاذا كان الرسول سراجـاً منيــراً ، وبماذا بشر اللـه - عز وجل - المؤمنين الذين يتبعون هذه الرسالة ؟؟

هذه تساؤلات لابد ان نتدبر فيها ، ونعمل الفكر من أجل الاجابة عليها ، ولا يكفي في هذا المجال ان نقرأ القرآن قراءة عابرة ، ونسلم تسليما قلبيا بما جاء به دون ان نعرف ابعاده وآفاقه ، ودون ان نستوحي منه افكارا نتبصر فيها لعلها تكون لنا معراجا ووسيلة الى اللـه - سبحانه - .

المعرفة شرط اول :

هناك مسافات شاسعة وواسعة تفصلنا عن رسول اللـه ( صلى اللـه عليه وآله ) ، وأهل بيته ( عليهم السلام ) ، فنحن ما نزال نجهل مقامهم ، وواجبنا اتجاههم ، وبالتالي فاننا إذا بقينا على هذه الحالة ، وارتحلنا عن الدنيا ونحن نجهل اهمية قادتنا ، فعلينا ان لا نأمل ان نكون في يوم القيامة ممن تنالنا شفاعتهم ، وممن يجالسهم ويحاورهم في الجنة ، ذلك لان المعرفة هي الشرط الأول ، فعندما لا تعرف شخصاً ما فكيف تحترمه وتحبه وتتبعه ، وكيف ترجو ان يكون لك شفيعاً وصاحباً ؟!

ان تلـك الظلمات التي كانت سائدة على البشرية لم تكن ظلمات الفقر والمرض والتخلف والجهل ، بل كـانت ظلمات اعمق من ذلك ، هي الجذور الاساسية لمثل هذه الظلمات . انها ظلمات العلاقات بين الناس ، فهذه العلاقات لم تكن قائمة على اساس فطري سليم ، بل كانت علاقات قائمة على الظلم والاستكبار والاستعباد والتفرقة العنصرية .

ان هذه العلاقات هي الأهم في حياة الانسان ، فهو عندما ينظر الى الآخرين نظرة سليمة ، ويؤمن انهم اخوان له في الدين ، او نظراء له في الخلق ، فحينئذ سوف تصلح وتستقيم سائر مواقفه منهم . اما إذا فسدت هذه العلاقة ، وهذه الفطرة فان المواقف الأخرى سوف تفسد بدورها ، وهذه هي الظلمات الحقيقية التي يشير اليها القرآن الكريم .

ان الفلسفات البشرية القديمـة والحديثة لا يمكــن ان تكون قائمة

إلاّ على هذه العلاقة الشاذة ؛ أي علاقة العبودية والاستعباد . فنحن لو القينا نظرة فاحصة على هذا العالم في عصوره القديمة والحديثة لرأينا ان علاقة الناس بعضهم ببعض انما هي علاقة الذئب بالشاة ، فالجزيرة العربية كانت قائمة على اساس الفروق القبلية والعنصرية ، وكانت هذه الفروق تثير الحروب والصراعات المستمرة الطاحنة ، وقد كانت هذه الحروب والصراعات انعكاسا للثقافة الجاهلية المسيطرة على النفوس والاذهان آنذاك ، وهذه هي الظلمات التي جاء الاسلام لازالتها .

عادت الظلمات من جديد :

وقد سيطرت هذه الظلمات مرة اخرى على البشرية خلال القرن الخامس عشر وحتى السابع عشر ، فقد كانت هذه القرون قرونا مأساوية في حياة الانسانية ، فأصبح تأريخ الانسان مجرد حالة من التناحر الذي يعرف اليوم بالحرب الخفية بين الشمال والجنوب ، وقد قسمت هذه الحروب البشرية الى قسمين ؛ قسم يسمى بـ (الدول المتقدمة ) وآخر بـ ( الدول النامية او المتخلفة ) .

ترى لماذا لم تستطع البشرية رغم مرور قرون طويلة ، ورغم الجهود التي بذلتها وثوراتها وانتفاضاتها ان تبلغ التقدم ، فبقيت تلك البلــدان متخلفة بل وازداد تخلفها هذا ، في حين ان الدول المتقدمة

ازدادت تقدما وقوة ؟

السبب في ذلك يكمن في ان الغرب يؤمن بفلسفة مزيجة من الفلسفة الدينية المستوحاة من التوراة والانجيل ، والفلسفة اليونانية والرومانية المستوحاة من التصورات البشرية .

من مظاهر الظلمات المعاصرة :

ان الغرب بدأ يفكر بشكل آحادي اعتبارا من تلك القرون ، فأخذ يتجه نحو الفلسفة المادية البعيدة عن المسحة الروحية ، والقيم الايمانية ، وعندما ترسخت هذه الفلسفة فيه بدأ باستعمار الشعوب ونهبها بشكل منظم ؛ ففي خلال قرنين من الزمان استطاعت البلدان الغربية ان تسرق من اميركا اللاتينية ومن بعض الدول في آسيا الكثير من ثرواتها ، وهكذا استطاعت تلك البلدان المستعمرة ان تنهب كل ما في البلدان الفقيرة من ثروات .

وعلى سبيل المثال فقد اختطفت البلدان الغربية من افريقيا ما يقرب من مائة مليون انسان ، وهنا يحق لنا ان نطرح هذا السؤال : ماهي الاسباب التي دفعت البلدان الغربية الى تلك الممارسات اللاانسانية ؟ انها بالتأكيد الافكار الظلماتية والجاهلية التي جاء نبينا محمد ( صلى اللـه عليه وآله ) للقضاء عليها ، واقتصاص جذورها . انها الافكار المادية التي انتزعت منها القيم الانسانية ، والسماوية ، والمصائب والمآسي والويلات التي نجدها اليوم في البلدان الاسلامية هي من افرازات تلك الافكار الجاهلية التي صدرها الغرب إلينـا .

ان هذا التخلف هو نتيجة ذلك الانعطاف الخطير في تأريخ البشرية ؛ والمتمثل في تقسيم العالم الى بلدان متقدمة ، وبلدان متخلفة ، وقد بعث النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) لمحاربة هذه الظاهرة الطبقية كما تشير الى ذلك بوضوح الآيات التالية من سورة الأحزاب :

« الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً اِلاَّ اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً * مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً * يَآ أَيُّهَـا الَّذِينَ ءَامَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلآَئِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِنَ الظُّلُمَاتِ اِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً * تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً * يَآ أَيُّهَا النَّبِيُّ اِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً اِلَى اللَّهِ بِاِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً * وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِاَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً » (الاحزاب / 39 - 47) .

سبيل الخروج من الظلمات :

والآيـات الكريمـة السابقة جـاءت لتؤكد علـى أن الظلمات التـي

عاشتها البشرية ماهي إلاّ ظلمات التمييز العنصري ، والفروقات الطبقية فنحن لا نستطيع ان نغير التأريخ ، ونبدأ انعطافا جديداً إلاّ من خلال مقاومة هذا الفيروس الخطير ؛ فيروس الرؤية الطبقية والعنصرية الى الناس ، وإذا ماتمكنا من ان نقضي على هذه الجرثومة قضاءاً مبرماً فان هذا يعني اننا سنستطيع بحول اللـه - تعالى - ان نبدأ المسيرة المباركة ، ونسير في الاتجاه المعاكس للتيار المنحرف الذي يجرف البشرية الآن .

ونحن إذا ما رأينا ان البلدان المتخلفة لم تستطع خلال قرون طويلة من الثورات والمحاولات ان تغير المعادلة السائدة في العالم ، فالسبب يكمن في ان شعوبها لم تحاول ان تغير ما في نفسها ، ولان العلاقة بين ابناء شعوب هذه البلدان كانت ذات العلاقة بين الدول الغنية والفقيرة .

ونحن كتجمع ايماني فان مراكزنا العلمية ، ومعاهدنا الدينية يجب ان تكون هي المنطلق . فهي محافل القرآن ، والامكنة التي تسودها الاجواء الايمانية ، وبعبارة اخرى فان غار حراء الذي انطلقت منه الرسالة الاسلامية السمحاء يتجسد اليوم في هذه المراكز والمعاهد شريطة ان تستقبل نور الوحي ، وتتجاوز الذاتيات والانانيــات والتمايزات ، وفي هذه الحالة فاننا سنستطيع ان ننشــر نور الاسلام فــي جميع ارجـاء العالم ، وإلاّ فان مآسينا و

مصائبنــا ستبقى كما هي ان لم نقل انها ستزداد سـوءً ووخامـة .

الرؤية العنصرية كفر :

ان مجرد الاعتراف بالفروق والعنصريات هو كفر بما جاء به نبينا محمد ( صلى اللـه عليه وآله ) ، وانا اذكر في هذا المجال انه عندما بدأت الجوازات والجنسيات بالصدور في البلدان الاسلامية فان فقهاؤنا ( رحمهم اللـه ) بادروا الى الافتاء بحرمة اقتناء المسلمين لهذه الوثائق التي تكرس الاختلافات والتشتت في جسد الأمة الاسلامية الواحدة ، حتى انهم افتوا بحرمة الحج إذا كان يقوم على الجواز والبطاقة الشخصية .

ان الاسلام استطاع في العصور الماضية ان يخلق ارضا اسلامية واحدة تضم الفلبين والنيجر ، ويوغوسلافيا والنمسا ، والجزائر والمغرب ، وبلاد الهند والسند ، ولكن اين هذا الاسلام اليوم ؟ ان العالم الاسلامي مجزأ الى أكثر من ثلاثين بلدا ، وفي كل بلد عدة اقاليم ، وفي كل اقليم الكثير من النعرات الطائفية والعنصرية ...

إذا لم تستطع القيادة النبوية ان توحدنا ، ولم يكن بمقدور هذه الراية المباركة ان تصهرنا في بوتقة واحدة فماذا يعني انتماؤنا اليها ، وادعاؤنا الانضواء تحتها ؟ انه خداع ذاتي ان تحضر - مثلا - محفلا يذكر فيه اسم الرسول ( صلى اللـه عليه وآله ) ، وتصلي فيه عليه ، ولكن يوجد بينك وبين اخيك حاجز من الحواجز الطائفية أو العنصرية وما الى ذلك من الاعتبارات المادية الضيقة !

مقياس الإيمان الحقيقي :

علينا اليوم ان نبدأ بتحطيم هذه الحواجز تماما كما فعل النبي (صلى اللـه عليه وآله ) ؛ فالمجتمع المدني الذي اسسه ( صلى اللـه عليه وآله ) كان مجتمعا صغيرا ربما لم يكن عدد افراده يتجاوز عشرة آلاف انسان ، ولكنه انموذجا للمجتمع الاسلامي الكبير الذي بشر به النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) ، والذي استوعب بالفعل الشرق والغرب ، والشمال والجنوب .

ونحن ايضاً يجب ان نجعل من تجمعاتنا الصغيرة مثالا لتلك التجمعات التي نبشر بها ، ونأمل ان تتشكل في المستقبل القريب . وهذا هو المقياس الحقيقي لمدى ايماننا بقيادتنا النبوية ، وإلا فمن يصدق الادعاءات التي نطلقها في هذا المجال ؟ فنحن ندعي ان اميركـا و البلــدان الغربيــة تستضعفنـا ، و لكننا في الحقيقة نعتبــر ( اميركا ) بالنسبة الى من هم دوننا ، فنحن بدورنا نعتبر مستكبرين بالنسبة الى الجماعات الاخرى التي هي دوننا في القوة والقدرة والنفوذ .

ان اللـه - عز وجل - يقول في محكم كتابه الكريم :

« وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً » ( الانعام / 129) .

ترى لماذا يولي اللـه - سبحانه - الظالمين على بعضهم البعض ؟ السبب في ذلك ان الظالم يظلم من دونه ، فمن الطبيعي ان يسلط عليه من هو اقوى منه .

الانتماء المزدوج سبب المشاكل :

ولذلك نجد ان الخالق - جلت قدرته - يؤكد في بداية سورة الاحزاب على هذه الفكرة التي تتضمنها الآية الكريمة التالية :

« مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللاَّئِــي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ اُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِاَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ » (الاحزاب / 4) .

وبعبارة أخرى فان الانتماء المزدوج هو الذي يسبب هذه المشاكل ، فيجب - اذن - ان تكون هناك رؤية واحدة ، وانتماء واحد ، وحركة واحدة في التأريخ ، ولذلك يقول - تعالى - :

« الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً اِلاَّ اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً » (الاحزاب / 39) .

ان هذه الخشية التي تتركز في اتجاه واحد ، انما تنصب وتتمثل في خشية اللـه - سبحانه وتعالى - وحده .

وحدة القيادة الالهية :

ثم يضيف السياق القرآني الكريم قائلا : « مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِن رِّجَالِكُمْ » ؛ اي ان صلتكم بالنبي ( صلى اللـه عليه وآله ) ينبغي ان تكون صلة واحدة ، ثم يبين - تعالى - حقيقة وحدة القيادة الالهية في قوله : « وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً * يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً » .

وإذا وصلنا الى هذا المستوى ؛ مستوى التوحد والذوبان في بوتقة الايمان ، فهناك تنزل علينا الصلوات من ربنا : « هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلآَئِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِنَ الظُّلُمَاتِ اِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً » .

وعندما يخرجنا الخالق - تعالى - من الظلمات الى النور ، ومن اجواء الثقافة الجاهلية ، الى احضان الثقافة الايمانية النورانية ، فحينئذ سنعيش في الآخرة فــي دار الأمن والسلام كما وعدنا اللـه - جل وعلا - بذلك في قوله :

« تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً » .

منطلق الوحدة

ان الوحــدة الاسلاميـة التي تستند الى كتاب اللـه - تعالى - وقيادة رسوله ( صلى اللـه عليه وآله ) وأهل بيته ( عليهم السلام ) الذين هم الامتداد الطبيعي له ، هي الوحدة المتمسكة بحبل اللـه والمعتصمة بعروته الوثقى ؛ فهذا الحبل هو الذي يشد الطاقات الاسلامية ويجعل منها كتلة متراصة وبناءاً متماسكاً . وهذا الحبل المتين يتمثل - كما قلنا - بكتاب اللـه وشريعته المقدسة ، والنبي (صلى اللـه عليه وآله ) ، ثم الأئمة ( عليهم السلام ) هم الذين يعملون على تطبيق احكام وتعاليم الكتاب والشريعة .

مولد الرسول مناسبة للوحدة :

ومن وحي هذه الفكرة فاننا نتخذ من ذكرى ولادة رسولنا الاعظم محمد ( صلى اللـه عليه وآله ) مناسبة للوحدة ، فنحتفي فيها بتلك الاصول الواحدة الثابتة التي تجمع طوائف المسلمين ، وتجعلهم يداً واحدة ضد اعدائهم ، وتجعل ذمتهم ذمة واحدة يسعى لها ادناهم ، وتحيل اهدافهم الى اهداف مشتركة او بالاحرى اهداف واحدة .

ان اللـه - سبحانه وتعالى - شاء ان ينصر المؤمنين ، وينصر كتابه المقدس بهم جاعلا النصر الثاني شرطا للنصر الاول فقال في محكم كتابه الكريـم : « إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُـمْ » (محمد / 7) ، وهاهي ذي جماهيرنا المسلمة تهب في كل الآفاق لنصرة كتاب اللـه مضحّية بكل غال ونفيس من اجل تحقيق هذا الهدف السامي . فهاهو ذا نصر اللـه آت ، وكل آت قريب .

الوحدة ليست شعاراً يردد :

ان علينا اليوم ان لا نكتفي بترديد شعار الوحدة ، بل علينا ان نعمقها في كل بعد من ابعاد حياتنا ، فهي تعني اولا وقبل كل شيء نبذ كل اسباب الخلاف ، والاعراض عن الاهداف الضيقة المحدودة التي تعرض وحدتنا للخطر ، ونبذ المصالح والانانيات التي هي بمثابة السكين التي تطعن المسلمين في خاصرتهم ، وتحولهم الى فرق شتى .

ثم علينــا بالاضافة الى ذلك ان نركز اهتمامنــا على ذلك الهدف

الواحد وهو اقامة حكم اللـه في الارض معتصمين بحبل اللـه المتجلي في القرآن والرسول ( صلى اللـه عليه وآله ) ، وبعد ذلك يتعين علينا ان نتجه الى انفسنا والى فئاتنا المختلفة لنربط بعضها ببعض في وحدات صغيرة تكبر شيئا فشيئا حتى تصبح الامة جسدا واحدا من ادناها الى اقصاها .

بالحقيعرف الرجال :

ان علينا ان نعرف الحق ، ثم نقيّم الرجال به بعد ذلك ، فالحق الذي يعرف به الرجال تعرف به ايضا الانظمة والاقوال والادعاءات، وهو الذي تهدينا اليه فطرتنا وعقولنا وهدى كتابنا وسنة رسولنا (صلى اللـه عليه وآله ) ، وهذا الحق هو نداء الوحدة . اما ما يطلقه هذا وذاك من اقوال تفرق المسلمين ، وتعمل من اجل تقسيمهم الى فئــات واحزاب متناحرة سواء باسم الطائفية ام العنصريـة ام القوميــة ... او باسماء اخرى ما انزل اللـه بها من سلطان ، فانها ليست إلاّ اصناماً تعبد من دون اللـه .

اسباب الوحدة قائمة :

وعلينا في هذا المجال ان نتذكر دوما ان المسلمين كانوا وما يزالون تشدهم الى بعضهم اسباب الوحدة ، وعوامل الاتحاد اكثر مما تفرقهم عوامل الشقاق والنفاق والاختلاف . و على الرغم من ان الاختلاف طبيعي بين البشر ، وان اللـه - تبارك وتعالى - قد خلق بني آدم مختلفين عن بعضهم ، وجعل لكل انسان موقعا خاصا ينطلق منه ، وجعل له اسلوبا ومنهجا يتمسك بهما ، إلا أن اسباب الوحدة ما تزال كثيفة ومركزة في اوساط الامة بحيث لا تدع لأبواق الضلالة وعوامل النفاق سبيلاً تنفذ من خلاله في ضمير الامة.

وعلى سبيل المثال فاننا عندما نتأمل مهرجان الحج ، والامواج البشرية المتفاعلة فيه قادمة من كل فج عميق ، فاننا سنشاهد بوضوح تلك الوحدة الحقيقية العميقة الجذور التي لا تستطيع عوامل التفرق ان تنال منها ، او تحدث فيها اي خلل ؛ فالطواف حول الكعبة هو رمز التمحور حول الحق ، والابتعاد عن المحوريات الباطلة ، كما ان الإصحار بعرفات في ثوب واحد مشترك ، ولاقامة مشاعر مشتركة واحدة هو رمز لتلك النفوس التي تصارح بعضها بعضا ، كما ان الصلاة باتجاه القبلة ، واداء الزكاة والصيام ، والتمسك بسنة رسول اللـه ( صلى اللـه عليه وآله ) كل ذلك يمثل عوامل للوحدة لا اسبابا للنفاق والشقاق ..

مثيرو الاختلافات عاجزون :

وامــا الذيـن يريدون ان يسلطــوا الاضواء على بعـض الخلافــات

التأريخية ، او الخلافات الطبيعية بين البشر ، واولئك الذين يريدون ان يضخموا الاختلافات في اللون او الشكل او اللغة او الاقليم فان هم الا في ضلال مبين ، ومحاولاتهم هذه تشبه الى حد كبير ذلك الذي ينفخ في الشبك ، او يرسم على الماء ، فماذا عساهم يفعلوا ضد هذا الدين المقدس الذي قاوم كل تحديات الفرقة عبر اربعة عشر قرنا رغم الشهوات والاهواء والمصالح ، ورغم الضغوط الحضارية ؟ وماذا عساهم ان يصنعوا بهذه الامة الواحدة التي امتزجت دماؤها بهدى السماء ونور القرآن الكريم ؟ وهل ستنجح محاولاتهم من أجل تحريف مفاهيم القرآن هذا الكتاب الذي ترسخت آياته في قلوب مئات الملايين من المسلمين في انحاء الارض ؟!

الزبد يذهب جفاءاً :

ان القرآن الكريم يوجه الفكر والعقل ، ويبرمج الحياة برمجة واحدة بالنسبة الى الجميع ، اما القشريون الذين لا يرون إلا زبد الحياة ، والغثاء العائم فوق سيلها المندفع ، والذين يريدون ان يضخموا بعض الخلافات ، فانهم لا يأخذون بنظر اعتبارهم قول اللـه - جلت اسماؤه - : « فَاَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ » (الرعد / 17) .

فلنكن على ثقة بان هذا الزبد سيذهب ويزول كما زالت امثاله في تأريخنا المديد ، وكما انمحت كل عوامل التفرقة . ولنتخذ من حياة الرسول ( صلى اللـه عليه وآله ) هدى ، ومن كتاب اللـه حبلا نعتصم به ، ونتمسك ببرامجه ومناهجه ، ولنبدأ بتزكية انفسنا ، وتربيتها على اساس حب المسلمين جميعا لكي نكون اذلة على المؤمنين ، اعزة على الكافرين ، ولنعش في اجواء الحق متمحورين حول القيم المقدسة ، ولنعمل على تكوين الخلايا الموحدة حتى تصبح الامة الاسلامية امة واحدة ، ويتحقق قول - عز من قائل - : « إِنَّ هَذِهِ اُمَّتُكُمْ اُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ » (الأنبياء/ 92) .

النعمة الكبرى والمنة السابغة

عندما خلق اللـه - سبحانه وتعالى - البشر ، اراد ان يجعل لهم نعمـة سابغة تتمثل في هداية الانسان الى ارفع مستوى ، ولقد شاء - عز وجل - ان يختار من بين ابناء آدم ( عليهم السلام ) نبينا محمد ( صلى اللـه عليه وآله ) ، ومن اجل هذا النبي العظيم ، ومقامه الرفيع أسجد الخالق - عز وجل - جميع ملائكته لآدم (عليه السلام ) .

الأمة المختارة :

وبفضل هذا النبي اراد - تعالى - ان يجعل المسلمين الامة المصطفاة والمختارة من بين الأمم من خلال توفيقهم الى ان يمدوا سلطة الاسلام على الكرة الارضية ، وسوف يظهر - تعالى - دينه على ايديهم ، فلقد شاءت قدرته ان يجعل هذه الأمة الشاهدة والشهيدة على أهل الأرض جميعاً .

لقد احب اللـه - جلت قدرته - ان يتجلى لخلقه بعد ان كان كنزا مخفيا ، فخلق نور محمد ( صلى اللـه عليه وآله ) هذا النور الذي اشرقت به السماوات والأرض ، والذي كان سبب وفلسفة وحكمة الوجــود ، فلــولاه ( صلى اللـه عليه وآله ) لما خلق اللـه - تعالى - الافــلاك .

وعندما كان النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) اقرب شيء الى مقام ربـه عندما كان قاب قوسين او أدنى ، قال له جبرائيل ( عليه السلام ) : واللـه لئن تقدمت قيد انملة لاحترقت . في حين ان نبينا ( صلى اللـه عليه وآله ) تقدم الى مقام ربه مسافات لا يستطيع ان يتصورها الوهم والخيال .

منّـة اللـه على البشرية :

لقد شاء - تعالى - ان يمن على البشرية فبعث منها رسولا ليضع عنهم اصرهم والاغلال التي كانت عليهم كما تصرح بذلك الآيات التالية :

« الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الاُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّورَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالاَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ ءَامَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي اُنْزِلَ مَعَهُ اُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * قُلْ يَآ أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماوَاتِ وَالاَرْضِ لآ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فَاَمِنُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الاُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ » . ( الاعراف / 157 - 158) .

وهكذا بعث النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) ليرفع هذه الاغلال ، ويحرر البشرية من حب المادة ، ومن جاذبية الأرض ، ولينطلق في آفاق التقدم ، وإذا لم يكن بمقدور الانسان ان يكون مثل النبي في الرقي الاخلاقي والروحي ، فليكن مثل سلمان الذي قال النبي (صلى اللـه عليه وآله ) في حقه عندما اختلف المسلمون بشأنه : " سلمان منا أهل البيت " [27] .

قيود الأنظمة :

ان هذا التقدم كان نتيجـة التخلـص من الاصر والاغلال ، وهذه القيود والاغلال تتجسد في قوانين وانظمة هدفها تقييد الانسان ، فهناك الكثير من المحدوديات والاغلال المفروضة على الانسان من قبل الانظمة الفاسدة سواء في العصور القديمة ام في عصرنا الراهن ، والرسول ( صلى اللـه عليه وآله ) لم يأت لهذا الغرض صدفة ، فلم يكن من المصادفة ان تقع حوادث غير طبيعية عند ولادة النبي (صلى اللـه عليه وآله ) من مثل انطفاء نيران المجوس ، ومنع الجن والشياطين من العروج الى السماء ، واستراق السمع ، ان هذه التطورات لم تكن إلا بداية منعطفات خطيرة ستشهدها البشرية مستقبلاً .

ويحدد لنا اللـه - تعالى - في الآيات الكريمة السابقة المقتطفة من سورة الاعراف ما يجب ان نفعله تجاه شخصية النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) ، ففي هذه الآيات يذكر - عز وجل - نعمه على الانسان عبر الرسول والرسالة ، فهناك مزايا انعم بها الخالق على الانسانية من خلال الرسول سواء تجسدت هذه النعم في شخصه أم في الرسالة ، فهو ( صلى اللـه عليه وآله ) رسول جاء برسالة ، وهو لايتصرف وفق هواه كما يقول - تعالى - : « وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى » (النجم / 3 - 4) .

وهو من جهة ينتمي الى الأمة الاسلامية ، فهو لا ينتمي الى ارض ولا قوم ، ولا الى أي عنصر آخر ، بل هو اسمى من كل ذلك .

رسول وكتاب ورسالة :

وهــو من جهــة ثانيــة منفصل عن الثقافة الجاهلية ، ورواسبهـا ،

واغلالها ، وخبائثها ، وهو أمي لا يقرأ كتابا ، بل هو كتاب بحد ذاته ورسالة ، كما يشير الى ذلك - عز وجل - في قوله : « النَّبِيَّ الاُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّورَاةِ وَالإِنْجِيلِ » (الاعراف / 157) .

فالتبشير به ( صلى اللـه عليه وآله ) كان موجودا في كل الكتب السماوية وخصوصا في العهدين المقدسين لدى اليهود والنصارى .

وعلى هذا فان منّة اللـه علينا بمبعث الرسول ( صلى اللـه عليه وآله ) عظيمة ، وقد وضع - تعالى - لنا برنامجا نفي من خلاله بحق الرسول ( صلى اللـه عليه وآله ) علينا ، وذلك من خلال الايمان به ونصرة رسالته :

« فَالَّذِينَ ءَامَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ » (الاعراف / 157) .

وانها لمكرمة عظيمة عندما ترتفع اصواتنا جماعيا بالصلاة عليه وآله بمجرد ان يتناهى اسمه الكريم الى اسماعنا ، فماذا نعني بالصلاة على النبي وآله ؟

ان هــذه الكلمات تعني من جهة اننا ندعو اللـه - سبحانه وتعالـى - ان يصلي عليه ، وصلاة اللـه على الرسول هي في الحقيقة رفع لدرجته ودرجة امته ؛ فنحن عندما نقول : " اللـهم صل على محمد وآل محمد " فاننا ندعو بصورة غير مباشرة لأمته بالرفعة والمجد والصمود ، وعندما نذكر آله الكرام فاننا نعني بذلك ان المرء انما يكرم في أهل بيته وفي بنيه ، واكرامنا للرسول ( صلى اللـه عليه وآله ) يتم عبر تكريمنا لأهل بيته الذين جددوا رسالته ، وكانوا امتدادا لشخصيته الكريمة .

التكريم والتعظيم لايكفيان :

ثم يستأنف - تعالى - قائلا - :

« وَنَصَرُوهُ » ( الاعراف / 157) .

فالتكريم والتعظيم لايكفيان لوحدهما بل لاينفعان إذا لم ننصره ، ونصرة الرسول ( صلى اللـه عليه وآله ) تتجسد اليوم في نصرة رسالته وخطه .

ونحن ينبغي علينا ان لا نرى شيئاً إلاّ عبر شخصية النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) ، كما يشير الى هذا المعنى - تعالى - في قوله : « وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي اُنْزِلَ مَعَهُ » ( الاعراف / 157 ) ، ونور الرسول ( صلى اللـه عليه وآله ) يتجلى في القرآن ، و سيرته الشريفة التي دعانـا الخالــق - عز وجل - الى التأسي بها في قوله - عز مـن قائل - : « لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُــولِ اللَّهِ اُسْوَةٌ حَسَنَـةٌ » (الاحزاب / 21) .

ترى كيف نجعل رسول اللـه ( صلى اللـه عليه وآله ) اسوة حسنة لنا ؟ ان هذا غير ممكن إلاّ من خلال معرفة سيرته ، وافعاله ، وسلوكه ، ومواقفه السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وكيفية ادارته للأمور ، وتعامله مع الناس ، فجعله اسوة لنا يعني الاقتداء به (صلى اللـه عليه وآله ) .

رسالة متميزة :

ان رسالة النبي كانت رسالة مكتوبة ، ولذلك فانها متميزة عن باقي الرسالات السماوية ، ذلك لان الكتابة كانت قد انتشرت في الجزيرة العربية بعد انتشار الدعوة الاسلامية ، ولذلك فقد تمت كتابة سيرته واحاديثه ومواقفه ومفردات تعامله مع الناس .

وفيما يلي ننقل بعضاً من مواقفه ، وسلوكياته السامية الرفيعة مع الناس الذين كانوا يعيشون حوله ؛ فقد روى اصحاب السيرة انه لم ير مرة يصافح احدا ثم يكون هو البادئ بسحب يده من يد الطرف الآخر ، بل كان ينتظر ان يسحب الطرف الآخر يده منه . وفي الرواية عن أبي عبد اللـه ( عليه السلام ) قال : " كان رسول اللـه (صلى اللـه عليه وآله ) يقسّم لحظاته بين اصحابه ، فينظر الى ذا وينظر الى ذا بالسوية . قال : ولم يبسط رسول اللـه ( صلى اللـه عليه وآله ) رجليه بين أصحابه قط ، وان كان ليصافحه الرجل فما يترك رسول اللـه ( صلى اللـه عليه وآله ) يده من يده حتى يكون هو التارك ، فلما فطنوا لذلك كان الرجل اذا صافحه قال بيده فنزعها من يده ". [28] وكان ( صلى اللـه عليه وآله ) محباً للايتام ، عظيم العطف عليهم ذلك لانه شب يتيماً ، وذاق مرارة اليتم في حياته .

وقد بلغ رسول اللـه ( صلى اللـه عليه وآله ) مستوى من العدالة لم يستطع احد ان يبلغه ، وفي هذا المجال يروى انه ( صلى اللـه عليه وآله ) في آخر أيامه عندما اشتد به المرض صعد على المنبر وطلب من المسلمين ان يطالبوه بحقوقهم ، فقام رجل وطلب منه (صلى اللـه عليه وآله ) ان يقتص منه وقال انك يا رسول اللـه قد ضربتني بعصاك على بطني في احد الايام ، فقام الرسول ( صلى اللـه عليه وآله ) واعطى عصاه لهذا الرجل ، فما كان من هذا الرجل إلا ان قبل بطن النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) بدل ان يقتص منه .

ان المواقف الرساليـة التي وقفها رسول اللـه ( صلى اللـه عليه وآله ) من جاهلية قريش لتدل على عظمة هذه الشخصية ، فلقد استطاع ( صلى اللـه عليه وآله ) بهذه الشخصية الفريدة ان يحول تلك الفلول المتناحرة المنتشرة في انحاء الجزيرة العربية الى امة واحدة بعد ان كانت مجرد قبائل تتصارع ويقتل بعضها بعضا لسنوات عديدة ، وقد استطاعت هذه الفلول التي جمعها رسول اللـه ( صلى اللـه عليه وآله ) تحت راية الايمان والتوحيد ان تفتح الشرق

والغرب ليجعل منها امة ذات حضارة شامخة .

دراسة السيرة النبوية ضرورة :

وهكذا فـــإن السيرة النبوية جديرة بالدراسة ، وان عدم دراسة هذه السيرة انما هو اجحاف بحق النبي ( صلى اللـه عليه وآله ) . فهذه السيرة يجب ان تكتب في كل سنة مرة على الأقل ، وان تصاغ في كل مرة بما يتلاءم ومتطلبات العصر ، وتتأكد هذه الحاجة بالنسبة الى المجاهدين في كل مكان .

ولذلــك فـان كــل انســان رسالــي يجب ان يكون في مستوى وعي ومواجهة الاحداث ، وان يأخذ من سيرة الرسول الاعظم (صلى اللـه عليه وآله ) ما يذلل امامه الصعاب ، وعلى سبيل المثال فانه ( صلى اللـه عليه وآله ) كان قلبه يمتلئ حبا لأمته ، فعندما خرج من مكة الى الطائف ، ولاقى مالاقاه من اذى وجفاء ، ورمي بالحجارة حتى سال الدم من قدميه ، فانه مع كل ذلك رفع يديه الى السماء قائلاً :

" ولك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلاّ بك " [29] .

وايضـــاً في يوم حنين حينما سقط ( صلى اللـه عليه وآله ) الـــى

الارض على أثر ضربة ، وقد انكسرت رباعيته ، والدم يسيل على حر وجهه ، قال : " اللـهم اهد قومي فانهم لايعلمون " [30] .

هذا هو الحب العظيم الذي ينبغي لكل انسان رسالي ان يضمره في قلبه لامته ، فعلى الرغم من المآسي التي كان الرسول ( صلى اللـه عليه وآله ) يعيشها في حله وترحاله إلا انه كان يدعو بالخير لقومه ، ويرى ان هذا العمل وما يسببه من مآسي ومحن بالنسبة له انما هو قليل في ذات اللـه - تعالى - .

ان توسلنا بالرسول ( صلى اللـه عليه وآله ) يستلزم قراءة التأريخ لمعرفة السيرة النبوية ، فاليوم هو يوم الاحزاب ، وقوى الكفر والنفـاق والضلالة متآلفة الآن ضد المسلمين في حرب شعواء ضدهم ، وعلى شعوبنا ان تستلهم من السيرة النبوية المباركة الزخم الثوري لمواجهة تلك الحرب ، ولتعلم هذه الشعوب ان اللـه - عز وجل - سوف ينصر المجاهدين الرساليين في كل مكان .

ان دراسة السيرة النبوية تمثل ضرورة وخصوصا اذا ازدحمت الاحداث ، وضاقت الحياة بالمؤمنين ، ومن هنا فان على المفكرين، والعلماء ان يعيدوا صياغة السيرة النبوية بحيث تتلائم مع مقتضيات العصر لان فيها من المرونة ما يوافق وينسجم مع كل عصر ومكان ، ومن هنا يجب نبذ الخلافات ، وتوحيد الصف ، والالتفاف حول راية الرسول ( صلى اللـه عليه وآله ) من خلال تنفيذ أوامره ، وتعظيمه ، وتوقيره ، وجعله محور الوحدة الاسلامية ، ورمز توحيد الطاقات .

نهج الحياة في سيرة النبي الأعظم (ص)

لا أحلى ولا أروع من الحديث عن سيرة نبي الاسـلام الأعظم (صلى اللـه عليه وآله ) ، لاسيما وإن كان الحديث حديثا يخرج من القلب ليدخل الى القلب ؛ لا تحده الحدود ولا تؤطره الأطر ، فهو يمتد بامتداد نور النبوة ، ويتخلد بخلود الرسالة .

ونشير في هذا الحيز الى مفصل مهم من مفاصل السيرة المحمدية التي تشكل بدورها منعطفا ذا بال في هذه السيرة . إذ كان الرسول ( صلى اللـه عليه وآله ) واقفــاً .. ثابتاً بقامته التي ارتفعت في الفضاء ؛ على جبل مشرفاً على هضبات مكة المكرمة ، كانت نظراته الوقادة متجهة صوب الكعبة وهي تزهو بجلالتها وعظمتها وقد مضى على حمله الأمانة الإلهية المقدسة ما يقرب من ثلاث عشرة سنة ؛ حملت في كل لحظة من لحظاتها آيات العزم الراسخ والتحدي العظيم والألم الرهيب . كان الرسول ( صلى اللـه عليه وآله ) واقفاً يودع بيت اللـه الحرام ؛ فهذه مكة المكرمة ؛ اقدس ارض خلقها اللـه سبحانه وتعالى ، واعظم بقعة شرفها اللـه حيث ولد الرسول ( صلى اللـه عليه وآله ) وترعرع ، وحيث مهوى افئدة المؤمنين ، وحيث محجة الأنبياء والاوصياء ، وحيث مهبط الملائكة المقربين . هذه مكة يودعها حبيبها على انفراد .. في لحظة اختصرت كل ثقل الرسالة وهمومها . فهو عانى الأمرين من أهل مدينته ولم يكن رأى منهم إلا العناد والغرور ، ولم يتلق منهم - إلا القليل ممن آمن بهم - سوى توجيه التهم الرخيصة ، ولقد بلغ بهم حقدهم الأعمى على رسولهم الرحيم أن وقعوا بالمستضعفين من أصحابه ممن لا ظهير لهم تعذيبا وتقتيلا ، وكان السباقون للقاء اللـه آل ياسر الذين نكل بهم حتى الاستشهاد ، وإزاء هذا المنظر المفجع لم يكن يسع الرسول ( صلى اللـه عليه وآله ) إلا ان يحث أصحابه وينفخ فيهم روح التحدي والاستقامة حتى يأتي نصر اللـه الذي وعده .

معاناة الرسول الأليمة :

ولقد يتذكر النبي الأعظم ( صلى اللـه عليه وآله ) على وقفة وداعه الأخير كيف حاصره مشركو قريش في شعب أبي طالب ، حاصروه وأتباعه المؤمنين حصارا منعوا فيه الناس من الاتصال بهم واتصالهم بهم ، حصاراً اضطــروا فيه الــى اكل ما تبقى من الأوراق

الصفراء في أشجار الشعب الجرداء ؛ إلاّ منه !.

وفي خضم آلام سنين الحصار الثلاث توفي عم رسول اللـه (صلى اللـه عليه وآله ) وكفيله .. مؤمن قريش ابو طالب (سلام اللـه عليه) كما توفيت في السنة ذاتها زوجته الوفية خديجة الكبرى أم المؤمنين ( سلام اللـه عليها ) .

وبعد معجزة الأرضة التي يحدثنا التاريخ الاسلامي عنها ؛ حيث بعث اللـه الأرضة لتأكل وثيقة التآمر الجاهلي التي قضت بمحاصرة الثلة المؤمنة في الشعب المشار اليه وتحريم التعامل معهم ، وأخبر جلت قدرته رسوله الكريم بنبأها ، فعرض الرسول ( صلى اللـه عليه وآله ) التحدي الإلهي للمشركين ، الأمر الذي اضطرهم فيه الى فك الحصار ، بعد ان لحقهم الخزي والعار .

/ 6