9- كما يجوز للأب أن يدفع الزكاة لولده الفقير لإنفاقهـا على زوجته أو خادمه حيث لا تجب نفقتهم على الوالد. وأيضاً يجوز ان يدفع له من سهم (سبيل الله) لينفقه في شراء الكتب وسائر المصاريف للدراسة الدينية . 10- يستحب في إعطاء الزكاة تفضيل الأقارب الفقراء إن لم يكونوا واجبي النفقة على الدافع. الرابع: أن لايكون هاشمياً 1- الهاشمي لايأخذ الزكاة من غير الهاشمي، ولكن يجوز له الاستفـادة من المنشآت الخيرية القائمة على الزكاة كالمدارس والمستشفيات والجسـور وما شاكل. 2- يجوز للهاشمي الفقير إن لم يكفه الخمس والعطاءات الجائزة الأخرى، أن يأخذ من الزكاة، ولكن الاحتياط في هذه الحالة هو الاقتصار على قدر الضرورة. 3- المحرّم على الهاشمي هو أخذ الزكاة الواجبة وزكاة الفطرة من غير الهاشمي، أما غير هذين الموردين، كالزكاة المندوبة (كزكاة مال التجارة) وسائر الصدقات المستحبة، بل حتى الصدقات الواجبة الأخرى كالصدقات المنذورة والمُوصى بها للفقراء، والكفارات، فجائزة له كلها، وإن كان الأحوط عدم الأخذ من هذه أيضاً في غير حالات الإضطرار.
لواحق أحكام الزكاة
السنة الشريفة: 1- قال الامام الصادق عليه السلام في قوله تعالى: "إنما الصدقات للفقراء والمساكين" (الى أن قال): وكلما فرض الله عليك فإعلانه أفضل من إسراره، وكلما كان تطوعاً فإسراره أفضل من إعلانه، ولو أن رجلاً يحمل زكاة ماله على عاتقه فقسّمها علانية كان ذلك حسناً جميلاً. ([83]) 2- وجاء في تفسير العياشي في قول الله عز وجل: "إنما الصدقات للفقراء والمساكين" ان الامام الصادق عليه السلام قال: إن جعلتها فيهم جميعاً، وإن جعلتها لواحد أجزء عنك. ([84]) 3- وقال أبو ولاّد الحنّاط: سمعتُ أبا عبد الله عليه السلام يقول: "لا يُعطى أحد من الزكاة أقلّ من خمسة دراهم، وهو أقل ما فرض الله عز وجل من الزكاة في أموال المسلمين، فلا تعطوا أحداً من الزكاة أقل من خمسة دراهم فصاعداً." ([85]) 4- وسُئل الامام الصادق عليه السلام عن الصرورة أيحج من الزكاة؟. قال: نعم. ([86]) 5- وجاء عن الامام الصادق عليه السلام أن علياً عليه السلام كان إذا بعث مُصَدِّقه قال له: إذا أتيتَ على ربِّ المال فقل؛ تصدق رحمك الله مما أعطاك الله، فإن ولّى عنك فلا تراجعه. ([87]) 6- وروى أبو حمزة عن الامام أبي جعفر عليه السلام قائلا: سألته عن الزكاة يجب عليَّ في مواضع لا تمكنني أن اوديها، قال: إعزلها، فإن اتجرت بها فأنت لها ضامن ولها الربح، وإن نويت في حال ما عزلتها من غير أن تشغلها في تجارة فليس عليك شيء، فإن لم تعزلها فاتجرت بها في جملة مالك، فلها تقسيطها من الربح، ولا وضيعة عليها. ([88]) 7- وقال الامام الصادق عليه السلام: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقسِّم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي، وصدقة أهل الحضر في أهل الحضر... ([89]) 8- وجاء عن الامام الصادق عليه السلام في الرجل يُعطى الزكاة يقسّمها، أله أن يخرج الشيء منها من البلدة التي هو فيها إلى غيرها؟ فقال: لا بأس به. ([90]) 9- قال محمد بن مسلم: قلت لأبي عبد الله عليه السلام؛ رجل بعث بزكاة ماله لتُقسَّم، فضاعت هل عليه ضمانها حتى تُقسَّم؟. فقال: "إذا وجد لها موضعاً فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتى يدفعها، وإن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها الى أهلها فليس عليه ضمان لأنها قد خرجت من يده... " ([91]) 10- جاء في الحديث: إن عثمان بن عمران قال لأبي عبد الله عليه السلام: إني رجل موسر، ويجيئني الرجل ويسألني الشيء وليس هو إبّان زكاتي، فقال له أبو عبد الله: القرض عندنا بثمانية عشر، والصدقة بعشرة، وماذا عليك إذا كنت كما تقول موسراً أعطيته، فإذا كان إبّان زكاته احتسبت بها من الزكاة، يا عثمان، لا ترده فإن ردّه عند الله عظيم. ([92]) 11- وقال عبد الرحمن بن الحجاج: سألتُ أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يعطي الرجل الدراهم يقسمها ويضعها في مواضعها وهو ممن تحل له الصدقة، قال: "لا بأس أن يأخذ لنفسه كما يعطي غيره، (وقال:) ولا يجوز له أن يأخذ إذا أمره أن يضعها في مواضع مسمّاة إلاّ بإذنه. ([93]) تفصيل الأحكام:نية الزكاة 1- يجب نية التقرب الى الله تعالى وقصد امتثال أمره سبحانه لدى دفع الزكاة لأنها من العبادات، ولو دفع الزكاة بهدف السمعة والرياء كانت باطلة. أما دفع الزكاة علانية بقصد تشجيع الآخرين، فقد صرَّحت الروايات بعدم الإشكال فيه، بل في بعضها إن الإعلان في الصدقة الواجبة (أي الزكاة) أفضل من الإسرار، بعكس الصدقة المستحبة. 2- ولو كان عليه نوعان من الزكاة، كزكاة المال وزكاة الفطرة، فالأحوط تعيين نوع الزكاة عند الدفع، أما نيّة الوجوب والاستحباب فلا تجب. 3- لو دفع الشخص زكاة ماله لوكيله ليقوم بإيصالها الى المستحق، وجب عليه نية الزكاة عند الدفع الى الوكيل. 4- لو أعطى الشخص او وكيله زكاة المال الى الفقير دون قصد القربة الى الله تعالى، ولكنه قبل تلف مال الزكاة نوى المالك القربة، كفى واحتُسبت زكاة. كيف، وكم، ولمن يتم الدفع؟ 5- الأقوى عدم وجوب دفع الزكاة للفقيه بل يجوز للمالك أن يصرفها مباشرة في مصاريفها المقررة، إلاّ إذا طلب الفقيه ذلك على وجه الايجاب، فيجب حينئذ دفع الزكاة إليه إن كان مقلِّداً له، بل الأحوط ذلك حتى إذا لم يكن مقلِّداً له فيما إذا كان طلبه حكماً لا فتوى. 6- لا يجب توزيع الزكاة على الأقسام الثمانية المذكورة من مصاريف الزكاة، بل يجوز تخصيصها لقسم واحد أو أكثر من الأقسام، بل يجوز إعطاؤها كلها لشخص واحد، ولكن المستحب هو التوزيع إذا كان مقدار الزكاة كثيراً وكان جميع أصناف المستحقين لها متوفراً. 7- الأحوط أن لايقل ما يدفعه من الزكاة للفقير عن مقدار الزكاة في النصاب الأول لكل واحد من الأموال الزكوية، فلا يكون أقل من خمسة دراهم إذا دفع من الفضة (وهي زكاة النصاب الأول) ولا أقل من نصف دينار فيما لو دفع من الذهب، ولا اقل من شاة في الغنم والإبل، ولا أقل من تبيع في البقر. 8- الأقرب جواز إعطاء الزكاة للفقير من سهم الفقراء للزيارة او الحج إذا كانا من شؤونه ويُعدّان من مؤنته، وكذلك سائر مؤن الفقير مثل السياحة إذا اعُدَّت من شؤون كل ابناء المجتمع في بلده. 9- يجوز إنفاق الزكاة (من سهم سبيل الله) في كل ما يُتقرب به الى الله تعالى، حتى مثل دفعها للظالم لإنقاذ المؤمنين من شرِّه إذا كان الإنقاذ منحصراً في ذلك. 10- يجوز إعطاء الزكاة لطالب العلم الفقير حتى ولو كان قادراً على التكسّب والاستغناء لو ترك طلب العلم، هذا إذا كان العلم الذي يطلبه راجحاً شرعاً، ([94]) حتى ولو لم يكن في طلبه للعلم قاصداً للقربة. تصديق المالك 11- صاحب المال يُصدَّق فيما يدعيه بشأن أمواله، فلو قال إن سنته الزكوية لم تكمل بعد، او ادعى إخراج زكاته، او عدم تعلق الزكاة بماله، او تلف بعض الماشية ونقصان النصاب، سُمع منه في كل هذا بلا بيّنة ولا يمين مالم يُعلم كذبه، أما مع الظن بكذبه فلا بأس بالفحص والتفتيش وقد يجب على الفقيه الولي الفحص إذا كان عدم الفحص سبباً لضياع حق أهل الزكاة. عزل الزكاة 12- يجب اخراج الزكاة فوراً ولو بعزل مقدار الزكاة في مال معين، أما الدفع الى المستحقين فلا تجب فيه المبادرة والفورية بل يجوز التأخير، وإن كان الأحوط عدم تأخير الدفع مع توفر المستحق وإمكانية الدفع إليه. 13- يجوز عزل الزكاة في مال معين سواءً من جنس المال الذي تعلقت به الزكاة أم من غيره، وسواء كان مستحق الزكاة موجوداً أم لا، ولا يجوز تبديلها بعد العزل. 14- لو كان بإمكانه إيصال الزكاة بعد عزلها الى المستحق ولم يفعل ذلك حتى تلفت، أولم يكن بإمكانه الايصال ولكنها تلفت بتفريطه، كان ضامناً في الحالتين ووجب إعطاء البدل. المتاجرة بالزكاة 15- لو تاجر بالمال الذي تعلقت به الزكاة قبل أدائها او عزلها، كان الربح بينه وبين مستحق الزكاة بالنسبة، أما الخسارة فعليه وحده. ولو تاجر بمقدار الزكاة الذي عزله وعيّنه في مال مخصوص كان الربح كله لمستحق الزكاة، والخسارة على المتاجر. نقل الزكاة 16- لو لم يكن أي واحد من أصناف مستحقي الزكاة موجوداً في بلده، جاز نقلها الى بلد آخر بلا إشكال، بل يجب ذلك إذا لم يكن يرجو إمكانية صرفها في بلده. والأحوط أن يدفع نفقات النقل حينئذ من أمواله. 17- أما مع إمكانية صرف الزكاة في بلده، فالأحوط عدم النقل وإن كان الأقوى جوازه ايضاً . 18- ولو كان له مال في بلد آخر غير بلد المال الزكوي، أو نقل أموالاً له إلى ذلك البلد، جاز احتساب ما عليه من الزكاة من ذلك المال حتى مع وجود المستحق في بلده. 19- ولو كان المال الزكوي في غير بلده، جاز نقل الزكاة الى بلده وصرفها مع الضمان في حالة التلف، والأفضل عموماً صرف الزكاة في بلد المنفق للزكاة. مؤونة الزكاة 20- الأجور المدفوعة لكيل او وزن الزكاة يدفعها المزكي من أمواله ولا تخرج من الزكاة، وكذلك نفقات الحوالات المصرفية لنقل الزكاة او مصاريف الحمل والنقل قبل التسليم للمستحق او الفقيه. تقديم الدفع 21- لا يجوز، حسب المشهور بين الفقهاء، تقديم الزكاة قبل وقت الوجوب، وهو موافق للاحتياط لاحتمال ان يستغني الفقير. ولو أراد فعل ذلك فالأفضل أن يعطي الفقير قرضاً، فإذا جاء وقت وجوب الزكاة احتسبه من الزكاة شريطة أن يبقى الفقير مستحقاً لها . الشك 22- لو شك في أنه هل دفع الزكاة الواجبة عليه أم لا؟ وجب عليه الدفع. المصالحة على الزكاة 23- لايجوز التوسل بالحيل المضيِّعة لحق الفقراء، كأن يأخذ الفقير او الفقيه الزكاة ثم يردها على صاحب المال حسب إتفاق مسبق بينهما، او ان يصالحه على الزكاة بمال يسير، أو بقبول شيء بقيمة أعلى من القيمة الواقعية. أما لو كان على الشخص مقدار كبير من الزكاة من سنوات سابقة وأراد ان يتوب الى الله تعالى إلاّ أنه لم يكن قادراً على دفعها بسبب عجزه المالي حالياً، جاز للفقير ان يأخذ الزكاة منه ثم يردها عليه، والأقرب هو إعادة الفقير ما أخذه بطيب نفسه إحساناً وحلاً لمشكلة المديون العاجز. الوقف من الزكاة 24- يجوز إنشاء مكتبة عامة او شراء كتب دينية وعلمية ومصاحف وما شاكل ذلك من أموال الزكاة ووقفها للصالح العام او حتى على أولاده، إذا لم يكن ذلك من النفقة الواجبة عليه، كما يجوز ان يجعل التولية على الوقف لنفسه او لأولاده إذا كان في ذلك مصلحة الوقف. 25- والأقرب عدم جواز شراء عقار او بستان من زكاته ووقف نمائه على ذريته الذين تجب نفقتهم عليه. المقاصَّة 26- إذا كان الشخص ممتنعاً عن دفع الزكاة لا يجـوز للفقيـر المقاصَّة ([95]) من أمواله إلاّ بإذن الحاكم الشرعي في كل مورد بخصوصه. الوكيل الفقير 27- إذا وكل المالك شخصاً فقيراً ليُعطي زكاته الى مستحقيها، جاز له الأخذ منها لو علم بأن هدفه الإيصال الى المستحقين أياً كانوا، أما لو احتمل بأن هدفه قد يكون الإيصال الى غيره من المستحقين لم يجز له الأخذ منها. آخذ الزكاة يزكي 28- لو حصل الفقير على شيء من الأموال الزكوية (الغلات، او الانعام، او الذهب والفضة) بعنوان الزكاة واجتمعت فيه شروط الزكاة وجب عليه دفع زكاته، كما لو اُعطي مرة واحدة أربعين شاة وتوفرت لديه شروط وجوب الزكاة وجب عليه إخراج زكاتها. المال المشترك 29- لو كان مال زكوي مشتركاً بين شخصين أو أكثر، وكانت حصة كل واحد تبلغ النصاب، فدفع أحدهما زكاة حصته ثم اقتسما المال بينهما لم يكن على المزكي إشكال في التصرف في ماله حتى إذا لم يكن الشريك الآخر قد دفع زكاة حصته.
القسم الثاني
زكاة فطرة
أحكـام زكاة الفطـرة
السنة الشريفة: 1- روي عن الامام الصادق عليه السلام قوله: "تجب الفطرة على كل من تجب عليه الزكاة." ([96]) 2- وقال الامام أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة العيد يوم الفطر: "أدّوا فطرتكم، فإنها سنة نبيكم، وفريضة واجبة من ربكم، فليؤدها كل امرئ منكم عن عياله كلهم: ذكرهم واُنثاهم وصغيرهم وكبيرهم وحرّهم ومملوكهم عن كل انسان منهم صاعاً من تمر، او صاعاً من بُرّ، أو صاعاً من شعير." ([97]) 3- وجاء عن الامام الصادق عليه السلام في المولود يولد ليلة الفطر، واليهودي والنصراني يسلم ليلة الفطر، قال: "ليس عليهم فطرة، وليس الفطرة إلاّ على من أدرك الشهر." ([98]) 4- وسُئل الامام الكاظم عليه السلام: على الرجل المحتاج صدقة الفطرة؟ فقال: ليس عليه فطرة." ([99]) 5- وسُئل الامام الرضا عليه السلام عن الفطرة، كم يدفع عن كل رأس من الحنطة والشعير والتمر والزبيب؟. فقال: "صاع بصاع النبي صلى الله عليه وآله وسلم." ([100]) 6- قال إبراهيم بن محمد الهمداني: اختلفت الروايات في الفطرة فكتبت الى أبي الحسن صاحب العسكر عليه السلام أسأله عن ذلك، فكتب: "إن الفطرة صاع من قوت بلدك؛ على أهل مكة واليمن والطائف وأطراف الشام واليمامة والبحرين والعراقين وفارس والاهواز وكرمان تمر، وعلى أهـل أوساط الشام زبيب، وعلى أهل الجزيرة والموصل والجبال كلها بُرّ او شعير، وعلى أهل طبرستان الاُرز، وعلى أهل خراسان البُرّ، إلاّ أهل مرو والرّي فعليهم الزبيب، وعلى أهل مصر البُرّ، ومن سوى ذلك فعليهم ما غلب قوتهم، ومن سكن البوادي من الأعراب فعليهم الأقط، والفطرة عليك وعلى الناس كلهم.. " ([101]) 7- وقال اسحاق بن عمار: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الفطرة نجمعها ونعطي قيمتها ورقاً ونعطيهـا رجلاً واحداً مسلماً؟ قال: لا بأس به. ([102]) 8- وقال العيص بن القاسم: سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن الفطرة متى هي؟ فقال: قبل الصلاة يوم الفطر. قلت: فإن بقي منها شيء بعد الصلاة؟. قال: لا بأس، نحن نعطي عيالنا منه ثم يبقى فنقسمه. ([103]) 9- وسُئل الامام الصادق عليه السلام عن الفطرة، فقال: "إذا عزلتها فلا يضرّك متى أعطيتها قبل الصلاة أو بعد الصلاة." ([104]) 10- وروى زرارة بن أعين عن الامام الصادق عليه السلام في رجل أخرج فطرته فعزلها حتى يجد لها أهلاً، فقال: "إذا أخرجها من ضمانه فقد برء، وإلاّ فهو ضامن لها حتى يؤديها الى اربابها." ([105]) 11- وقال الامام الصادق عليه السلام: "إن زكاة الفطرة للفقـراء والمساكين." ([106]) 12- وكتب ابراهيم بن عقبة الى الامام المعصوم يسأله عن الفطرة هل يجوز إعطاؤهـا غير مؤمن؟ فكتب إليه: لاينبغي لك ان تعطي زكاتـك إلاّ مؤمناً. ([107]) 13- وسُئل الامام الباقر عليه السلام عن زكاة الفطرة، فقال: "تعطيهـا المسلمين، فإن لم تجد مسلماً فمستضعفـاً، واعط ذا قرابتـك منهـا إن شئت." ([108]) 14- وجاء في خبر رواه الصدوق: لا بأس أن تدفع عن نفسك وعمّن تعول إلى واحد، ولا يجوز أن تدفع ما يلزم واحداً الى نفسين. ([109]) 15- وروى اسحاق بن عمار: قلتُ لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل لايكون عنده شيء من الفطرة إلاّ ما يؤدي عن نفسه وحدها، أيعطيه غريباً او يأكل هو وعياله؟ قال: "يُعطي بعض عياله، ثم يُعطي الآخر عن نفسه يترددونها، فتكون عنهم جميعاً فطرة واحدة." ([110]) تفصيل الأحكام
وجوب الفطرة
1- زكاة الفطرة واجبة كل عام بإجماع المسلمين، وذلك بعد انتهاء شهر الصيام حسب التفصيل القادم. 2- ولأن زكاة الفطرة من العبادات فتجب فيها نية التقرب الى الله عز وجل كما هو الحال في زكاة المال. 3- وتجب الفطرة على كل من كان عند غروب ليلة عيد الفطر، بالغاً، عاقلاً، حـراً (أي غير مملوك لأحد)، غنيـاً، وواعيـاً (غير مُغمى عليه) - حسب المشهور في الأخيرين- والفرد يعطي الفطرة عن نفسه وعن من يعول حسب ما يأتي. 4- لا تجب الفطرة في أموال الطفل والمجنون بل تجب على من ينفق عليهما، ولو كان ولي الطفل والمجنون ينفق عليهما من أموالهما فلا تجب فطرتهما لا عليه ولا عليهما. أما من كان مغمى عليه عند هلال شوال فلا يُترك الإحتياط باعطاء الفطرة من ماله. 5- والفقير الذي لا تجب عليه الفطرة هو الذي لا يقدر على تأمين معاشه ومعاش عياله حسب مستواه الاجتماعي وحاجاته لسنة كاملة. فمن كان كذلك سقط عنه وجوب زكاة الفطرة، بل استحق أخذها باعتباره فقيراً ، وقد مرّ تفصيل القول في الفقير عند بيان مصارف الزكاة . 6- والأساس في وجوب زكاة الفطرة هو ان يدخل على الشخص غروب ليلة عيد الفطر وهو جامع للشروط المذكورة، فلو كان غنياً ولكنه أصبح فقيراً قُبيل الغروب من ليلة العيد سقطت عنه الزكاة. ولو بلغ الصبي أو افاق المجنون قبل الغروب بقليل وجبت عليه . 7- ولو مات المكلف قبل غروب ليلة العيد لم يجب عليه شيء في تركته، أما لو مات بعد الغروب وجب إخراج فطرته وفطرة عياله من تركته. مقدارها وجنسها 8- ويجب على المكلف أن يدفع الفطرة عن نفسه وعن كل فرد من أفراد أسرته الذين يعولهم، ومقدار الفطرة صاع واحد (حوالي ثلاثة كيلو غرامات) من الحنطة او الشعير أو الرز أو التمر أو الزبيب أو الذرة أو غيرها من الأطعمة. والأحوط وجوباً إنتخاب القوت الغالب في أهل البلد الذي يعيش فيه المكلف. والأحوط استحباباً اختيار واحد من الغلات الأربع (الحنطة والشعير والتمر والزبيب) إذا كان قوتاً غالباً للبلد . 9- بإمكان المكلف أن يدفع نفس الطعام الى الفقير، أو أن يدفع قيمته، ولو اختار دفع القيمة فالأحوط الإقتصار على النقود الرائجة، وعلى هذا فلا يُعطي جنساً آخر بعنوان القيمة إحتياطاً. (فلا يدفع ثوباً مثلاً بقيمة صاع من الطعام) . 10- يجب أن يكون الطعام الذي يدفعه المكلف سالماً، فلا يكفي المعيب ولا الفاسد، كما يُشترط أن يكون خالصاً من الشوائب كالتراب وما شاكل، إلاّ إذا كان الخالص منه بمقدار الصاع، او كان يسيراً مما يُتسامح فيه عرفاً . 11- من وجبت عليه فطرة عدة أشخاص لايجب عليه أن يدفع فطرة الجميع من جنس واحد، بل باستطاعته أن يدفع عن البعض الحنطة او قيمتها مثلاً، وعن البعض الآخر الرز أو قيمته، وهكذا. وقتها 12- وقت وجوب الفطرة هو ليلة العيد مع توفر الشرائط المذكورة إلى زوال يوم العيد لمن لم يصلِّ صلاة العيد. ولو اراد أن يصلي العيد فالأحوط إخراجها قبل الصلاة، فإن أخّر ذلك فإن كان قد عزلها دفعها بنية الفطرة. وإلاّ فالأحوط وجوباً دفعها ايضاً ولا يقصد الاداء او القضاء . 13- لا تقدم الفطرة على شهر رمضان، أما اثناءه فيجوز تقديمها على الأظهر، والاحتياط دفعها في وقتها . العزل والنقل 14- وبإمكان المكلف عزلها في وقتها (جنساً او قيمة) ثم دفعها للفقير فيما بعد إن لم يكن قادراً على دفعها إليه في وقتها، والنية تتم عند عزلها والأحوط تجديدها عند اعطائها الفقير . 15- الأحوط وجوباً عدم نقل زكاة الفطرة من بلده الى بلد آخر إلاّ في حالة عدم وجود المستحق، او في حالة نقلها الى الفقيه. 16- لو عزل الفطرة وأخّر دفعها الى المستحق فتلفت في هذه الفترة، فإن كان التأخير بسبب عدم امكانية الدفع الى المستحق لم يضمن، أما لو كان التأخير مع إمكانية الدفع كان ضامناً وعليه دفع البديل في حالة التلف. فطرة العيال والضيف 17- يجب على المكلف أن يدفع الفطرة عن نفسه وعن كل من اعتُبِر عياله عند دخول ليلة عيد الفطر سواء كان صغيراً أو كبيراً، مسلماً أو كافراً، واجب النفقة عليه أم لا، من الأقارب والأرحام أم غيره، حرّاً او مملوكاً، وسواء كان يعيش مع المعطي وفي بلده أم لا (كولد الانسان الذي يدرس في بلد آخر ولكنه لايزال عيالاً لأبيه). 18- وتجب الفطرة على المضيِّف عن ضيفه الذي ينزل عنده قبل ليلة العيد وبرضاه ويستمر بقاؤه حتى دخول هلال شوال، شريطة ان يصدق عليه أنه يعوله، كأن يكون بقاؤه عنده مدة كافية سابقة على ليلة العيد او لاحقة عليها والأحوط استحباباً دفع فطرة الضيف الذي يكون عنده في ليلة العيد مطلقاً . أما الضيف الذي ينزل عليه بعد غروب ليلة العيد فلا تجب فطرته على المضيِّف، وإن كان مدعوّاً قبل ذلك. 19- الزوجـة التي لا ينفق عليها زوجها، إن كان يعيلها غـيره وجبت فطرتها على المعيل، وإن لم ينفق عليها أحد وجبت الفطرة عليهـا إن كانت غنيـة. 20- لايجب دفع الفطرة عن الجنين إلاّ إذا وُلِدَ قبل غروب ليلة العيد. أما الرضيع ففطرته على أبيه إن كان ينفق على مرضعته (سواء كانت الأم أم غيرها) أما لو كان المنفق على المرضعة غير الأب ففطرة الرضيع على المُنفِق، ولو كان الإنفاق على المرضعة يتم من أموال الرضيع نفسه، سقطت الفطرة عنه. 21- المطلّقة رجعياً إن كانت لاتزال تحت إعالة الزوج كانت فطرتها عليه، وإلاّ فلا. 22- لو كان المعيل فقيراً والمعال غنياً فالأقوى وجوب زكاة الفطرة على المعال نفسه. 23- لا يشترط في وجوب زكاة الفطرة أن يكون الإنفاق على العيال من المال الحلال، بل لو أنفق عليهم من الحرام كالمال المغصوب مثلاً، وجبت عليه فطرتهم أيضاً. 24- من وجبت فطرته على الغير (كالزوجة والأولاد والضيف) وجب احتياطاً أن يدفع الفطرة عن نفسه ان لم يدفعها من وجبت عليه عصياناً او نسياناً . 25- ومن وجبت عليه فطرة غيره (كالمضيف بالنسبة للضيف، ورب العيال بالنسبة لعائلته) لا يسقط عنه الوجوب على الأحوط إذا دفع الغير الزكاة عن نفسه بنفسه، إلاّ إذا كان بقصد التبرع نيابة عن من وجبت عليه وبإذنه إحتياطاً. فطرة الأجير 26- من استأجر شخصاً للعمل عنده واشترط ضمن العقد الإنفاق عليه وجبت عليه فطرته، أما لو اشترط أن يدفع له أجرة معيّنة ينفق منها على نفسه لم تجب الفطرة على رب العمل، والمعيار هو أن يصدق عرفاً على الأجير انه أصبح عيالاً للمستأجر. مصرف الفطرة 27- يجـوز صرف زكاة الفطرة في مصارف زكاة المال الثمانيـة التي مرّ ذكرها، ولكن الأحوط الإقتصـار في صرفها على فقـراء المؤمنـين ومساكينهم. كما يجوز إنفاقها على أطفال المؤمنـين الفقـراء أو تمليكها لهم. 28- لا تشترط العدالة في الفقير الذي تُعطى له الفطرة، ولكن الأحوط عدم إعطائها الى شارب الخمر والمتجاهر بالمعصية، كما لايجوز دفع الفطرة لمن ينفقها في المعصية. 29- لاتُعطى فطرة غير الهاشمي الى الهاشمي كما في زكاة المال، أما فطرة الهاشمي فتحل للهاشمي ولغيره. 30- الأحوط عدم إعطاء الفقير الواحد أقل من صاع من الطعام (ثلاثة كيلو غرامات) ولكن يجوز إعطاؤه أكثر من ذلك. 31- لو ادعى شخص الفقر، لا يُعطى زكاةُ الفطرة إلاّ مع العلم بفقره سابقاً، او حصول الظن بصدقه من خلال ظاهر حاله او شهادة مَن يُطمئن إلى قوله بذلك. سنن الفطرة 32- يُستحب للفقير دفع زكاة الفطرة أيضاً، فإن كان له عائلـة، وأراد أن يدفع الفطرة عنهم أيضاً إلاّ أنه لم يكن يقدر على دفع أكثر من صاع واحد، دفعـه أولاً عن نفسه بنية الفطرة إلى أحد أفراد العائلة، ثم دفعه الآخذ بنية الفطرة عن نفسه إلى الثالث، وهكذا حتى يدفعها الأخير إلى فقير خارج العائلـة. 33- يستحب في إعطاء الفطرة تقديم الفقراء من الأقرباء، ثم الفقراء من الجيران، ثم الفقراء من أهل العلم والفضل، ولو كانت هناك مرجحات أخرى استحب التقديم على أساسها. 34- يستحب دفع الفطرة عن الطفل المولود ما بين غروب ليلة العيد إلى ما قبل الزوال من يوم العيد. 35- وكذلك يستحب الدفع إذا بلغ الصبي أو أفاق المجنون، أو أسلم الكافر ما بين غروب ليلة العيد إلى ما قبل الزوال من العيد.
القسم الثالث
الإنفاق الصدقات
الإنفاق والصدقات في القرآن الكريم
قال الله سبحانه مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِاْئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَآ أَنْفَقُواْ مَنّاً وَلآ أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِم وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذىً وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ * يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَآءَ النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَاَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لاَ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ * وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللّهِ وَتَثْبِيتَاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَاتَتْ اُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فإِن لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِن نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الَّثمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَآءُ فَاَصَابَهَآ إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الاَياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ * يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ أَنْفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّآ أَخْرَجْنَا لَكُم مِنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُم بِاَخِذِيهِ إِلآَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ * الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَآءِ وَاللّهُ يَعِدُكُم مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ اُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلآَّ اُوْلُواْ الأَلْبَابِ * وَمَآ أَنْفَقْتُم مِن نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِن نَذْرٍ فَإِنَّ اللّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * إِنتُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُم مِن سَيِّاتِكُم وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلاَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ اِلاَّ ابْتِغَآءَ وَجْهِ اللّهِ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ * لِلْفُقَرَآءِ الَّذِينَ اُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لا يَسْاَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (البقرة/261-274) الإنفاق في سبيل الله نتيجة مباشرة للايمان بالله وعلامة على عمق اليقين بالله وبأنه واهب الحياة والغنى والملك والهدى. وشخصية المسلم تتميز بأنها معطاءة، وعطاؤها ليس من أجل شهرة أو رياء، بل في سبيل الله، ووفق المنهاج الذي رسمه الله لها. وقد تحدث القرآن عن الانفاق والتصدق في الكثير من السور، الأمر الذي يكشف عن أهمية الموضوع ودوره في إقامة الكيان الاجتماعي، إلاّ أن الحديث في آيات كريمة من (سورة البقرة/261-274) يتميز بالجوانب النفسية للإنفاق والتي تعالجها سورة ا لبقرة أكثر من غيرها، فالإنفاق هنا جاء كمظهر من مظاهر الإيمان بالله واليوم الآخر. 1/ الاخلاص في الإنفاق إن الله الذي وهب لنا الحياة ونعمها يأمرنا بأن نقدّم له بعضاً مما اعطانا، حتى يعوِّضنا عنه أضعافاً مضاعفة. إنّ ما نقدّم لله لن يضيع، بل مثله كالحبّة التي ندفنها تحت الأرض، فهي لاتنتهي، بل الحبة التي نأكلها هي التي تنتهي، أما التي سترناها تحت الأرض فهي تنمو وتنمو حتى تصبح مئات الحبّات، هذا صنع الله؛ إنه يأخذ منك قدراً بسيطاً من المال تنفقه في سبيله وتتصدق به على عباده فيضاعفه لك. قال الله سبحانه : مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِاْئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيـمٌ (البقرة/261) فالإنفاق في سبييل الله نوع من الاستثمار في الحياة الدنيا والآخرة، ولكن هذا الاستثمار مهدّد بالخسارة، لو لم يحافظ عليه صاحبه، ويقاوم شهوة الشهرة والسلطة، فالمؤمن لايتبع إنفاقه بالمنّ والأذى، ولا يسعى لاشباع شهوة الشهرة او السلطة في نفسه عن طريق الإنفاق، بأن يتعالى على الفقير، او يتجبر عليه بغير حق، ويكوّن لنفسه طبقة ضد الفقراء. قال الله سبحانه : الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَآ أَنْفَقُواْ مَنّاً وَلآ أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِم وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ[ (البقرة/262) ثم يؤكد القرآن هذا الشرط الصعب في الإنفاق، والذي يحتاج تحقيقه الى ترويض شديد للنفس الأمارة بالسوء، وردع دائم للشهوات الشيطانية فيها، فيقول: قَـوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذىً وَاللّهُ غَنِـيٌّ حَلِيـمٌ (البقرة/ 263) فلو لم يدفع الغني ماله للفقراء، ولكنه يجالسهم ويحسب نفسه واحداً منهم ويعتبرهم إخوانه ولم يتسلط عليهم، بل إذا صدرت منهم خطيئة صبر عليها وغفرها لهم؛ هذا أفضل عند الله من أن يدفع ماله بدافع السيطرة عليهم، وتذليل كرامتهم، وتكوين حالة طبقية في الأمة. ويتابع القرآن الحديث عن ذات الفكرة بكلمة توجيهية للمؤمنين يحذِّر فيها من أنّ صدقاتهم سوف تتبخَّر، بل وتحترق، بمجرد استخدامها في سبيل السيطرة على الفقراء والمحرومين، ولا تعود الصدقات سبباً لنمو المال، ولا لرحمة الله في الآخرة. ويضرب لنا مثلاً موضِّحاً: أرأيت كيف يبطل الانسان عمل الخير؟. إنه أشبه شيء بأرض جبلية صمّاء، جمع الفلاح حفنة من التراب عليها ليزرع فيها، ولكن سيول المطر ذهبت بتلك الحفنة من التراب، فعادت الأرض كطبيعتها الأولى لا تصلح للزرع، هكذا هو الذي ينفق ماله، ثم يستخدم إنفاقه للسيطرة، كالصحراء لاتصلح لنبات الخير: ]يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَآءَ النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَاَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لاَ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ[ (البقرة/264) وهناك مثل آخر، يعاكس هذا المثل تماماً، إنه مثل المؤمنين المخلصين لله في إنفاقهم؛ إنهم سوف يحصلون على ثلاث فوائد: الأولى؛ اكتساب مرضاة الله. والثانية؛ تزكية أنفسهم، وتربيتها على التقوى والعطاء. والثالثة؛ جني ثمار العطاء في شكل ثواب عظيم في الدنيا والآخرة. وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللّهِ وَتَثْبِيتَاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَاتَتْ اُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فإِن لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (البقرة/265) ويضرب الله مثلاً رائعاً لما يصيب الانسان من خيبة أمل بسبب احباط أعماله، يوم يحتاج الى الجزاء، فيكتشف أن لذة الشهرة او السيطرة التي أرادها من عمله فأتبعه بالمن والأذى، قد ذهبت بخيراته وأصبحت هباءً منثوراً، يقول ربنا: أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِن نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُلَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الَّثمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَآءُ فَاَصَابَهَآ إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الاَياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (البقرة/226) 2/ إنفاق الطيب لا الخبيثيَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ أَنْفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّآ أَخْرَجْنَا لَكُم مِـنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُم بِاَخِذِيهِ إِلآَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (البقرة/ 267) فعليكم باختيار أفضل ما عندكم، سواء ما حصلتم عليه بالجهد، كالمال والبناء وما صنعتم بأيديكم، او مالم تصرفوا فيه جهداً، كالزرع والضرع.. المهم أن تختاروا أفضل أموالكم لتقدموه لله، ولا تتوجهوا نحو الخبيث لتختاروه للإنفاق. وفكّروا لو انعكس الأمر، وكنتم أنتم الفقراء، فهل كنتم تقبلون بهذا الخبيث؟. 3/ آثار الإنفاق ثم يحذِّرنا القرآن من الاستجابة لايحاءات الشيطان الذي ينادينا من داخل أنفسنا بأن لاتنفقوا لأنكم سوف تصبحون فقراء لو أنفقتم: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَآءِ وَاللّهُ يَعِدُكُم مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ اُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلآَّ اُوْلُواْ الأَلْبَابِ (البقرة/ 268-269) كلا.. إنّ الإنفاق يدوِّر الثروة بين الناس، ويسبّب إنتعاش الإقتصاد، وبالتالي استفادة الجميع، وحتى يدعوكم الله الى العطاء، فإنـه يدعوكم الى أفضل منه. ومن جهة أخرى، فإن الشيطان يخوِّفكم من الفقر، فتمسكون أيديكم فيكرهكم الناس، وتنتشر البغضاء، وتتولد منها الفحشاء، أوليس الأفضل هو الإنفاق حتى تنتشر المحبة والوئام بدل الحقد والكراهية. إن تأثير العطاء في الرخاء الاقتصادي، تأثير فطري ترعاه سنة الله في الحياة، سواءً علم الناس بالعطاء والانفاق أم لا، لأن علم الناس بذلك او جهلهم ليس له أثر في مدى تأثير العطاء والانفاق في نمو الاقتصاد . 4/ كتمان الإنفاق ويكفي أن الله يعلم بذلك، إذ هو الذي يضاعف الثروة بالإنفاق لا الناس، يقول الله تعالى: وَمَآ أَنْفَقْتُم مِن نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِن نَذْرٍ فَإِنَّ اللّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (البقرة/270) وهكذا مهَّدت هذه الآية للحديث عن كتمان الانفاق، فمادام الإنفاق في سبيل الله وليس بهدف الاستعلاء على الناس، فهو عمل صالح ولا يضره علم الناس به، ولكن كتمانه أفضل لأنه يبعد العمل عن هواجس النفس ووساوس الشيطان: إِن تُبْدُواْ الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُم مِن سَيِّاتِكُم وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (البقرة/ 271) ولأن الإنفاق ينبغي أن يكون في سبيل الله، فليست القيادة الاسلامية إلاّ قناة للمال المُنفَق توصله الى مستحقيه، وهي ليست مسؤولة عن إنفاق الاغنياء أكثر من ذلك، إنما المسؤول الأول عن أعمال الشخص هو ذاته، لأن فوائده وأضراره تصيبه مباشرة: