بیشترلیست موضوعات وضوء النبي من خلال ملابسات التشريع المدخل تاريخ اختلاف المسلمين في الوضوء أسبابه ودواعيه الباب الأوّل الوضوء في عهد النبيّ والخلفاء الوضوء في العهد النبوىّ عهد عثمان بن عفّان (23 ـ 35 هـ) الباب الثاني الوضوء في العهدين توضیحاتافزودن یادداشت جدید
عبد الله بن عمر بن الخطّاب(230). عمران بن الحصين(231). فالمظنون أنَّ بعض هؤلاء كانوا ممّن كلّم عثمان وردّه عن قتله المسلمَ بالذميّ، ومن الثابت ان المكلمين كانوا من رواة هذا الأثر النبويّ والمعتقدين به، إذ لا معنى لتكليمهم وردعهم بلا حجّة يحملونها عن رسول الله (ص). ولم تقتصر آراء عثمان الفقهيّة على رأيه الثلاثيّ الغسليّ في الوضوء، ورأيه الإتماميّ في الصلاة، ورأيه التسامحيّ في القصاص، ورأيه الإبطاليّ في الحدود، ورأيه في قتل المسلم بالذميّ، بل امتدّت إلى: خطبة صلاة العيدين أيضاً!.. فقد قدّمها الخليفة الثالث على الركعتين: 4 ـ تقديم الخطبة على الصلاة في العيدين: روى ابن المنذر، عن عثمان، بإسناد صحيح إلى الحسن البصريّ; قال: أوّل مَن خطب قبل الصلاة عثمان; صلّىبالناس، ثمَّ خطبهم، فرأى ناساً لم يدركوا الصلاة، ففعل ذلك، أي: صار يخطب قبل الصلاة(232). هذا، مع أنَّ الثابت روايته من فعل النبيّ (ص) هو صلاة الركعتين ثمَّ الخطبة. ومن الذين رووا فعل النبيّ (ص) ذلك: عليّ بن أبي طالب(233). عبد الله بن عبّاس(234). عبد الله بن عمر(235). أبو سعيد الخدريّ(236). جابر بن عبد الله الأنصاريّ(237). أنس بن مالك(238). عبد الله بن السائب(239). البراء بن عازب(240). بالإضافة إلى عثمان نفسه، إذ كان أوّلا يصلّي ثمَّ يخطب، كما تقدّم. وبعد هذا فقد عرفت بأنّ المخالفين لعثمان كانوا من الصحابة ولم يكونوا من الذين قد تأثّروا بالاتجاهات المنحرفه البعيده عن واقع الإسلام. بعد نَقْلِنا بعض آراء الخليفة الثالث عثمان بن عفّان، وأسماء مخالفيه من الصحابة البارزين، وكَشْفِنا عن آراء الخليفة الفقهيّة التي عاكست فقه سائر الصحابة، اتّضح لنا أنَّ المراد من لفظ «الناس» في روايات الوضوء هم بعض أُولئك الصحابة العظام وأمثالهم، وأنَّ عثمان هو مؤسس المدرسة الوضوئيّة الجديدة. نعم; وبهذا.. يرتفع الاستبعاد والاستغراب في نسبتنا لعثمان الابتداع في الوضوء وغيره ويمكننا أن نقول قولا قاطعاً: انَّ فقه الخليفة الثالث لم يكن يتمشّى مع فقه الصحابة، وإنَّه قد أخطأ في الفهم، والاستنباط، وردّ الفروع إلى الأُصول، وإنَّ عِلَلَه المستنبطة، ووجوهه الاستحسانيّة لم تلق التأييد والقبول، إلاّ من نفر قليل دفعتهم إلى ذلك دوافع مختلفة، فقهيّة وسياسيّة، واجتماعيّة، وعشائريّة وغيرها ممّا سوف تقف على المزيد منه لو واصلت معنا البحث حتّى أواخر الكتاب. فلا بدع أن خالفه كبار الصحابة في وضوئه، ممّا اضطرّه لأن يدعم وضوءه بأساليبه آنفة الذكر.. لكنَّ بعض الصحابة المقرّبين من عثمان قد حاولوا التكيّف مع مستجدّاته محاولين بثّ ذلك بين أوساط المسلمين; وبمرور الأيّام تَطَبَّع بعض المسلمين على تلك المنهجيّة الجديدة، وما إن وصلت الأيّام لمعاوية بن أبي سفيان وأنصاره، ـ وكانوا قد قاموا بدور لتوسيع دائرة الفقه العثماني ـ حتّى صارت أفكار وآراء الخليفة الثالث مدرسة فقهيّة ضخمة، أرسى قواعدها عثمان، وأقام بناءها ـ فيما بعد ـ الأمويّون، ونظّرها دعاتهم، وسار على نهجها ما لايحصى من المسلمين. ترشّح ممّا سبق بروز أسماء لامعة من الصحابة المعارضين لرأي عثمان قد تكون مطّردة المخالفة معه، عاملة بدأب وإخلاص من أجل إيصال الفقه الذي استقته من رسول الله (ص) إلى جميع الناس، رافضة لكلّ ما يأتي من الخليفة الثالث ومَن سار على نهجه ـ من اراء فقهيّة جديدة ـ.. وإن على رأس تلك المجموعة: عليّ بن أبي طالب. عبد الله بن عبّاس. طلحة بن عبيد الله. الزبير بن العوّام. سعد بن أبي وقّاص. عبد الله بن عمر. عائشة بنت أبي بكر. ومن هؤلاء خرج الّذين أفتوا بقتل عثمان، وجوّزوه، ومنهم مَن كان لايصلّي خلفه، ولا يسمّيه بأمير المؤمنين، وقد أوصى البعض ـ كعبد الرحمن بن عوف، وابن مسعود، و... ـ أن لا يصلّي عليه عثمان بعد وفاته، وأنَّ الجموع الهاجمة عليه قد منعت من دفنه ـ والصلاة عليه ـ في البقيع... قد صار كلّ ذلك بسبب إحداثات عثمان المتكرّرة في الدين، فدراسة سلسلة الأحداث بتأمّل وموضوعيّة وتجرّد عن العصبيّة، تجعلنا نستبعد أن يكون أُولئك الصحابة وبتلك الممارسات والمواقف إنَّما ثاروا على عثمان بسبب تدهور الأوضاع الاقتصاديّة، أو بسبب سوء النظام الإداريّ ـ كما يدّعي ذلك غالب الكتّاب ـ.. فالسبب كان دينيّاً، ونستمدّ هذا التوجيه من نصوصهم التي مرّبنا بعضها، وها نحن نعيد بعض الجمل تارة أُخرى لإيضاح المطلب بشكل أدقّ: قال هاشم المرقال: إنَّما قتله أصحاب محمّد، وقرّاء الناس، حيث أحدث أحداثاً، وخالف حكم الكتاب; وأصحاب محمّد هم أصحاب الدين، وأولى بالنظر في أُمور المسلمين(241). وقول عمّار لعمرو بن العاص، عندما سأله: لِمَ قتلتموه؟ قال: أراد أن يُغيّر ديننا(242). أو قوله: إنَّما قتله.. الصالحون، المنكرون للعدوان، الآمرون بالإحسان(243). أو قول الزبير بن العوّام: اقتلوه، فقد بدّل دينكم(244). أو قول عائشة: اقتلوا نعثلا فقد كفر. روايات مفتعلة: وضع أنصار مدرسة عثمان أحاديث على لسان مخالفي الخليفة المطّردين! ليمكّنهم بذلك الاستنصار لوضوئه، ومن تلك الأحاديث ما رواه أبو النضر، حيث قال: إنَّ عثمان دعا بوَضوء، وعنده طلحة والزبير وعليّ وسعد; ثمَّ توضّأ وهم ينظرون.. فغسل وجهه ثلاث مرّات، ثمَّ أفرغ على يمينه ثلاث مرّات، ثمَّ أفرغ على يساره ثلاث مرّات، ثمَّ رشّ على رجله اليمنى، ثمَّ غسلها ثلاث مرّات، ثمَّ رشّ على رجله اليسرى، ثمَّ غسلها ثلاث مرّات; ثمَّ قال للّذين حضروا: أنشدكم الله، أتعلمون أنَّ رسول الله (ص) كان يتوضّأ كما توضّأت الآن؟ قالوا: نعم. وذلك لشيء بلغه عن وضوء رجال(245). وهذه الرواية.. زيادة على سقوطها سنداً، بانقطاعها بأبي النضر، كما قال البوصيريّ(246) فإنَّها ساقطة المتن، لأنَّ الوضوء المنقول فيها خال عن مسح الرأس، وهو وضوء غير مجز باتّفاق المسلمين، فكيف يشهد على ذلك أربعة من أكابر الصحابة، فالمرجّح قويّاً ـ بعد احتمال سقوط المتن ـ أن يكون الخبر إعلاميّاً وسياسيّاً إذ نرى الراوي يؤكِّد على الفعل الثلاثيّ وغسل الأرجل ويتناسى حكم الرأس، لأنَّ النزاع بين هؤلاء الأربعة وعثمان كان فيهما. وكذا توحي العبارة بأنَّ طلحة والزبير وعليّاً وسعداً هم المعنيّون بجملة (وذلك لشيء بلغه عن وضوء رجال)! وعليه فنسبة هذا الخبر إلى هؤلاء الصحابة جاء للتقليل من أهميّة القضيّة، لأنـَّهم ـ وكما عرفت ـ من المخالفين المطّردين لفقه عثمان، ومن جملة «الناس» المخالفين للخليفة الثالث في وضوئه.. ومن ذلك ما أخرجه النسائيّ بسنده عن شيبة: أنّ محمّد بن عليّ (الباقر) أخبره، قال: أخبرني أبي عليّ (زين العابدين) أنّ الحسين بن عليّ قال: دعاني أبي عليّ بوَضوء فقرّبته له، فبدأ فغسل كفّيه ثلاث مرّات قبل أن يدخلهما في وضوئه، ثمّ مضمض ثلاثاً واستنشق ثلاثاً، ثمّ غسل وجهه ثلاث مرّات، ثمّ غسل يده اليمنى إلى المرافق ثلاثاً، ثمّ اليسرى كذلك، ثمّ مسح برأسه مسحة واحدة، ثمّ غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاثاً، ثمّ اليسرى كذلك، ثمّ قام قائماً فقال: ناولني، فناولته الإناء الذي فيه فضل وضوئه فشرب من فضل وضوئه قائماً، فعجبت، فلمّا رآني، قال: لا تعجب فإنّي رأيت أباك النبيّ (ص) يصنع مثل ما رأيتني صنعت يقول لوضوئه هذا وشرب فضل وضوئه قائماً(247). إنّ علامات الوضع بارزة على هذا الخبر، ولا أُكلّف نفسي مؤونة الجواب عنه، لأنّ الصفحات القادمة ستثبت أنّ وضوء عليّ بن الحسين ومحمّد بن عليّ وجعفر بن محمّد وابن عبّاس وغيرهم من أولاد عليّ هو غير المنقول هنا. ولا أدري ما معنى قوله: (فعجبت، فلمّا رآني قال: لا تعجب، فإنّي...)! وهل إنّ الحسين بن عليّ كان يعتقد أنّ شارب فضل ماء الوضوء واقفاً مبدع، كما ترى تعجّبه؟!! أم إنّه كان من أُولئك المحدثين في الدّين، والذين ستقف على حالهم في عهد عليّ بن أبي طالب؟ أم إنَّه تعجّب من وضوء أبيه والذي كان غير معهود له ولا هو بالمتعارف في ذلك البيت؟!! نعم; إنّ ظاهرة الافتعال والتزوير قد تفشّت ولَقيت رواجاً في العهد الأمويّ، وستقف على ذلك بمزيد من التفصيل لاحقاً. والأنكى من هذا، ذلك الخبر المفتعل الذي ينصّ على ذهاب عليّ إلى ابن عبّاس من أجل أن يُعَلِّمَ ابن عبّاس وضوء رسول الله!! فقد أخرج أبو داود، وصاحب كنز العمّال، وغيرهما.. عن ابن عبّاس; إنَّه قال: دخل عَلَيَّ عَلِيٌّ ـ يعني ابن أبي طالب ـ وقد أهراق الماء، فدعا بوضوء.. فأتيناه بتور فيه ماء، حتّى وضعناه بين يديه; فقال: يا ابن عبّاس! ألا أُريك كيف كان يتوضّأ رسول الله (ص)؟ قلت: بلى..; فأصغى الإناء على يده فغسلها... ـ الخبر ـ(248)، فأتى بوضوء عثمان عن النبيّ (ص)! والآن، نتساءل: هل يصحّ هذا الخبر مع ما عرفنا من موقف عليّ باعتباره الرائد والمعيد لمدرسة الوضوء الثنائيّ المسحيّ كيانها؟ وهل كان ابن عبّاس ـ حقّاً ـ بحاجة إلى معرفة الوضوء.. وهو حبر الأُمَّة؟! بل، كيف نوفّق بين هذا الخبر مع ما نُقِلَ عن ابن عبّاس في اعتراضه على الرُّبَيِّع بنت معوّذ، بقوله: أبى الناس إلاّ الغسل، ولا أجد في كتاب الله إلاّ المسح; وقوله: الوضوء غسلتان ومسحتان; و...؟! وعليه.. فإنَّنانرجِّح أنيكون «الناس» الذينيتحدّثونعن رسولالله(ص) في حديث الوضوء، هم من المخالفين المطّردين.. ونستند في ترجيحنا على ما يلي: 1 ـ مخالفتهم لعثمان في أغلب اجتهاداته ـ كما مرّ عليك ـ. 2 ـ عدم ورود أسمائهم في قائمة الراوين للوضوء الثلاثيّ الغسليّ الذي وضع عثمان لبنة تأسيسه. 3 ـ ورود أسماء بعضهم في قائمة الراوين للوضوء الثنائيّ المسحيّ(250). فالقرائن المدرجة أعلاه تُوصلنا إلى أنَّ «الناس» هم المعارضون المطّردون لعثمان. تلخّص ممّا سبق: * وحدة الوضوء في زمن النبيّ (ص) والشيخين. * ظهور الخلاف في زمن عثمان بن عفّان. * اختلاف عثمان مع «ناس» هم من أعاظم الصحابة. * البادئ بالخلاف: عثمان. * عدم ارتضاء الصحابة لرأي عثمان. * مخالفة عثمان بن عفّان لسنّة رسول الله (ص) وسيرة الشيخين.