المدخل - وضوء النبی ص‍ل‍ی ‌ال‍ل‍ه‌ ع‍ل‍ی‍ه‌ و ال‍ه‌ وس‍ل‍م‌ من خلال ملابسات التشریع نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

وضوء النبی ص‍ل‍ی ‌ال‍ل‍ه‌ ع‍ل‍ی‍ه‌ و ال‍ه‌ وس‍ل‍م‌ من خلال ملابسات التشریع - نسخه متنی

علی الشهرستانی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

فإذا استوثقت من الرجل نظرت بعد ذلك في الخبر نفسه وعرضته على ما تعرض عن صاحبه من أقوال وأحوال، فإذا اتّفق مع ما تعلمه من ذلك، لم تشك بصدق المخبر والاطمئنان إليه، وإلاّ كان لك أن تتوقّف في قبول الخبر لا لريبة في المخبر ـ فأنت واثق من صدقه ـ بل لشبهة رأيتها في المخبر نفسه، ويصحّ أن يكون مرجعها وهماً أو نسياناً من المخبر، كما يصحّ أن ترجع إلى سرّ فيه لأمر لم تتبيّنه، فلعلّ هذه الحالة علينا أن نتوقّف عند الخبر لنطمئنّ إلى صحّته، ولا نتسرّع في حكمنا أنـَّه كاذب، وإذا فعلنا ذلك يكون منّا افتئاتاً على من أخبرنا ونحن له مصدّقون وبه واثقون.

إنّ هذا الموقف الذي عنه تحدّثنا هو نفسه حدث للعلماء في أحاديث رسول الله»(23).

وبهذا فقد عرفنا ضرورة دراسة المتن، حيث إنّ الواقع سيكشف خطأ بعض النصوص، والأجواء السياسية تكشف زيف الآخر منه; ولو تمّت مقايسة النص مع الظروف التي قيلت فيه، وبيئة الراوي، وبيان ملابسات الخبر السياسية والاجتماعية الحاكمة آنذلك، ودواعي ناقلي النص، وعرضها على أُصول الإسلام والفطرة البشرية بعيداً عن الرواسب الطائفية والنزعات الإقليمية، لدلّت تلك النصوص بنفسها على نفسها، ولعرف القارئ بأنّ الكثير منها جاء تحت تأثيرات الحكّام وتبعاً لآرائهم فقهيّاً وسياسياً، ونرى بعض تلك الأحاديث والأحكام باقية في مصنّفات أعلامنا ـ ولحدّ اليوم ـ لم يناقشها الباحثون ولم ينقدها الناقدون.

علماً بأنّ ظاهرة نقد المتن ـ وكما قلنا ـ كانت شائعة في العهد الأول، وعمل بها بعض التابعين، ونراها أيضاً في كلمات فقهاء الإسلام والمحدثين، فمثلا حديث أبي هريرة «إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه»(24) نراه يخالف أوّله آخره، لأنّ المصلّي لو وضع يديه قبل ركبتيه فقد برك كما يبرك البعير، حيث إنّ البعير يضع يديه أولا وتبقى رجلاه قائمتين، فإذا نهض فإنّه ينهض برجليه أولا وتبقى يداه على الأرض.

كما أنّ بعض الُمحَدِّثين يروي عن عائشة عن رسول الله أنـَّه قال: «إنّ الحيضة سلّطت على النساء عقوبة لهنَّ»، في حين أنّ هذا الخبر يعارض المنقول عنها، وأنّالحيضة مكتوبة علىكلّامرأة ولاعلاقةلهابالعقوبة، فقد قال لها(ص) وهي معه في طريق الحج وقد رآها تبكي: «ما لك أنفست؟» قالت: نعم، فقال(ص): «إنّ هذا أمر كتبه الله على بنات آدم فاقضي ما يقضي الحاج»(25).

وقال (ص) قريباً من هذا الحديث لأُمّ سلمة(26).

كذلك نلاحظ أنّ أبا هريرة يحدّث عن رسولالله أنـَّه قال: «خلق الله التربة يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم ... حتى يعدّ خلق العالم في سبعة أيّام»(27) وهو مخالف لصريح القرآن الذي جاء في سبع آيات من سبع سور منه بأنّه سبحانه خلق العالم في ستّة أيّام(28).

وبناءً على ذلك فقد عرفنا بأنّ مناقشة دلالة النص ظاهرة عمل بها السّلف ودعا إليها العقل، وهي سيرة الفقهاء والتابعين، ولم تختصّ بزمن دون أخر، ولم تكن رخصة للصحابة فقط، حيث إنّ الشريعة الإسلامية هي شريعة الفطرة والعقل، وإنّ الأوامر والنواهي فيها تابعة للمصالح والمفاسد، فلا يعقل أن لايسمح الشرع بالاجتهاد في الأحكام.

نعم، إنّ إخضاع الأحاديث لأحكام العقول ـ مع عدم وجود ما يؤيّد ذلك من القرآن أو السنّة الشريفة ـ هو ممّا يأباه الله ولا يرضى به الشرع، لأنّ الأحكام الشرعية أُمور توقيفية تعبدية، وبما أنّ القرآن قطعي الصدور فلاكلام فيه.

وأمّا السنّة: فهي ظنيّة الصدور، فيجب التثبّت في أسانيدها، ومفاد دلالتها، ولحاظ الأجواء السياسية الحاكمة آنذاك، وعرضها على الأُصول الثابتة، ولايمكن ترجيح جانب على آخر في مناقشاتنا للنصوص، بل يلزم لحاظ كلا الجانبين حتى يمكننا تمحيص الحجة فيها.

أمّا شيوع ظاهرة البحث السندي ـ طبق أُصول مذهبية خاصة ـ بعيداً عن نقد المتن فهو لا يخدم الباحث العلمي، ولا يمكنه من الوصول إلى الفقه الإسلامي بشكله المطلوب.

مضافاً إلى أنّ ناقدي المتن يعتقدون بأنّ عملهم يبتعد عن جانبي الإفراط والتفريط، وأنّ إخضاع الحديث لسلطان العقل يخرج الشريعة من التعبّد بأحكام الله، بل تكون من باب حكومة الهوى في الحديث لا الحديث في العقل(29).

وفي الوقت نفسه لا يرتضون الأخذ بكلّ حديث ثبتت صحّته في المجاميع الحديثية مع كونه مخالفاً للأُصول المسلّمة الشرعية والفطرة البشرية، حيث إنّ الاعتقاد بصحّة تلك الأحاديث والبتّ في صدورها عن النبي (ص) ستكون ذريعة بيد الطاعنين في الإسلام للنيل من الشريعة المقدّسة.

وقد دخل بعض الأعلام في مناقشات لفظية وتأويلات بعيدة لتصحيح بعض تلك الأحاديث ـ المخالفة للعقل والفطرة ـ وقد صارت نفس تلك التأويلات ذريعة بيد المغرضين للنّيْل من أصالة الفكر الإسلامي والهجوم على السنة الشريفة.

فنحن لو لاحظنا الجانبين في دراساتنا لتعادلت كفّتا الميزان، ولأمكن التعرّف على الحكم الإلهي الموافق للعقل والفطرة، ولم يكن في الشريعة ما يأباه الوجدان.

وأمّا تخوّف البعض من شيوع هذه الظاهرة في الدراسات، بحجّة أنّها تؤدّي إلى خروج بعض الأحاديث، فقد خاطبهم الدكتور الأدلبي في كتابه منهج نقد المتن بقوله:

وبالنسبة للذين يميلون إلى التضييق من شروط الصحيح، وعدم التشدّد فيها ويرون توسيع دائرة ما يشمله المقبول من صحيح وحسن، فهم إنّما أداهم الورع إلى الخوف من أن يحكموا على نص بالضعف، ويكون في الحقيقة ثابتاً عن رسول الله (ص) وما درى هؤلاء بأنّ الأمر في الحديث ليس أمر تقليل ولا تكثير، بل هو تحرّ وتدقيق، بالإضافة إلى أنما ثبت عن رسول الله (ص) فيه ما يهدينا إلى كلّ خير، ويباعدنا عن كلّ شر، ولا يحوجنا للاهتداء بأحد سواه.

أمّا موضوع الورع فهذا مهمّ جداً، ولكن هل نتورّع من أن نخرج من الحديث ما هو منه، ولا نتورع من أن ندخل فيه ما ليس منه؟!

الحقيقة أنّ كلاًّ منهما خطير، لكن ماذا يترتّب على كلّ واحد لنرى أيّهما أشدّ خطراً؟

أرى أن إدخال ما ليس من الحديث في نصوص الحديث فيه زيادة نص، وقد يؤدّي إلى زيادة حكم، ويخشى معه من الدخول تحت الوعيد الشديد الوارد فيمن كذب عليه (ص)، وأن إخراج ما هو من الحديث من نصوص الحديث فيه نقص نص، وقد يؤدّي إلى نقص حكم، ويخشى معه من الدخول تحت الوعيد الشديد الوارد فيمن كتم علماً، لكن النقص من مجموعة كاملة شاملة، غالباً ما يهتدى إليه ويستدلّ عليه، من نظائره في المجموعة الكاملة، فالخوف من النقص إن لم يكن أقل من الآخر خطراً فهو إن شاء الله ليس بأكثر منه والله أعلم(30).

وعليه، فنحن لا نريد أن نميل إلى هذا القول أو ندحض ذلك، بل نؤكّد على لزوم دراسة كلا الجانبين في البحوث العلمية، وأن لا يكتفي المؤرّخ أو الفقيه بأحدهما تاركاً الآخر، وأنّ دراسة أسانيد الروايات دون معرفة ملابسات الحكم التاريخية والجغرافية والسياسية لا تفيد الباحث العلمي كما قلنا، وأنّ وقوف المجتهد وحتى المكلف على تاريخ التشريع وتطوّر الحكم وملابسات صدوره تعطيه رؤية جديدة وتفتح أمامه آفاقاً واسعة.

وقد انتهجنا هذا الأُسلوب في دراستنا واتّبعناه لا لشيء، إلاّ لتطوير وإشاعة مثل هذه الدراسات في معاهدنا العلمية وجامعاتنا الإسلامية، على أمل تعاون المعنيين معنا في ترسيخ هذه الفكرة وتطويرها، وأن لا يدرسوا الفقه دراسة إسنادية فقط دون معرفة ملابسات الحكم التاريخية والسياسية، ونرى في طرح مثل هذه الدراسات رُقيّاً للمستوى الفقهي والأُصولي عند المذاهب الإسلامية، وتقريب وجهات النظر بين المسلمين وترسيخ روح الإنفتاح فيهم، ومحاولة القضاء على مختلف النزعات العاطفية وإبعادها عن مجالات البحث العلمي، وعدم السماح لتحكيم الخلفيات الطائفية، والرواسب الذهنية في مثل هذه البحوث العلمية النظرية.

ولو اتّبعنا مثل هذا الأُسلوب في جميع أبواب الفقه لوصلنا إلى حقيقة الفقه الإسلامي من أيسر طرقه وأسلمها ولو وقفنا على تاريخ التشريع وملابساته، ولاتّضحت لنا خلفيّات صدور بعض الأحكام وعرفنا حكم الله الواحد والذي ينشده الجميع.

نرجو أن لا نكون جدليين في بحوثنا، ومن الذين لا يهمّهم معرفة الواقع بقدر ما يهمّهم الانتصار لآرائهم ومذاهبهم، ويبدو أنّ طرح مثل هذه الآراء بهدوء وموضوعية مع عرض مختلف وجهات النظر عند جميع المسلمين سيكون عاملا للتقريب بين المذاهب الإسلامية، ورفعة للمستوى العلمي بينهم، لأنّ الناس أعداء ما يجهلون، وباتّضاح نقاط الرأي قوة وضعفاً ربّما تتوقّف موجة تفسيق أو تكفير الآخرين.

وإنّ دراستنا لكيفية «وضوء النبي» جاء تحقيقاً لهذا الهدف، ولا نبغي من ورائه إلاّ الجانب العلمي، وتوسيع أُفق التفاهم البنّاء بين علماء المسلمين، وهو نقاش علمي نزيه، تطرح فيه الآراء بأناة وموضوعية، ولم يقصد به التشكيك بفقه مذهب أو المساس بعقيدة طائفة، بل إنّها نظرية علمية قد توصّلنا إليها وفق شواهد تاريخية وفقهية، ولا ندّعي عدم الخطأ فيها مع اعتقادنا بصحّتها، والمأمول من إخواننا أن يتعاملوا مع الأُطروحة كتعاملنا معها، وأن يجعلوا لصحّة المدّعى نصيباً بإزاء ما يعتقدون فيها من الخطأ، وأن لا يرمونا بالبهتان أو التقوّل قبل مراجعتهم المصادر.

علماً بأنّ محاكمة النص أو نقد كلام الصحابي لا يعني ـ بنظرنا ـ تفسيقه أو تكفيره، وخصوصاً لو عضد بما يؤيّده من القرآن أو السنّة الشريفة أو أكّدته النصوص التاريخية والأحداث السياسية الحاكمة وقت صدور النص، وكذا الأمر بالنسبة لنقلنا كلاماً عن أحد فإنّه لا يعني اعتقادنا بصحّة جميع ما قاله وتبنّينا لآرائه وأفكاره.

هذا وإنّ ظاهرة الوضع في الحديث كانت منذ عهد النبي لكنّها انتشرت أواخر عهد الخلفاء الراشدين بسبب الفتنة الكبرى وانقسام المسلمين إلى شيع وأحزاب، وإنّ دراسة نصوص هذه المرحلة وما بعدها جديرة بالبحث، وخصوصاً لو احتملنا تدخّل الأهواء السياسية، أو إمكان اشتباه الصحابي أو الراوي في فهم الأحكام(31) وقد اتّضح لك بأنّ ذلك ما لا يستبعده أحد، وقد نقلنا سابقاً نصوصاً عن الصحابة يخطّئ البعض منهم الآخر فيها، وتراجع بعض المفتين عن آرائهم ـ لقوّة دليل الناقد أو موافقتها للقرآن والعقل ـ .

وهناك آراء كثيرة في الشريعة يلزمالتحقيق في أطرافهاوالتثبّت في دلالتها، مع كون بعضها من المسلّمات البديهية والتي لا يمكن التشكيك فيها، لكنّا لو عرضناها على القرآن وقيست بحوادث تاريخية وروايات أُخرى لدلّت بنفسها على نفسها بأنّها قابلة للتشكيك، وإنّا على ثقة لو أنّ تلك الأدلّة والشواهد طرحت على صاحب الرأي أو ناقل الحديث لأمكن رجوعه عن رأيه كما فعل ذلك كبار الصحابة والتابعين، أمّا ترك مناقشة الروايات ودراستها بل إعطاء جميع الأحاديث الصحاح هالة من التقديس ولزوم التعبّد بها، ثمّ اختلاق التأويلات لها، فهو ممّا يأباه الوجدان ولا يقبله الشرع والعقل.

وقد نقل الإمام مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري في مقدّمة صحيحه عن محمّد بن سيرين، أحد فضلاء التابعين، في معرض حديثه عن الفتنة: «.. لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلمّا وقعت الفتنة، قالوا: سمّوا لنا رجالكم فينظر إلى أهل السنّة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم»(32).

قال الدكتور مصطفى سعيد الخن وهو بصدد بيان أسباب الخلاف بين المسلمين:

«... ولقد كانت رقعة الخلاف في عهد الصاحبين أبيبكر وعمر ضيّقة جدّاً، وسبب ذلك أنّ الصحابة لم يتفرّقوا في الآفاق، وكانا يرجعان إليهم فيما جدّ من المسائل.

عن ميمون بن مهران قال: كان أبوبكر الصدّيق إذا ورد عليه حكم نظر في كتاب الله تعالى، فإن وجد فيه ما يقضي به قضى به، وإن لم يجد في كتاب الله نظر في سنة رسول الله (ص)، فإن وجد ما يقضى به قضى به، فإن أعياه ذلك سأل الناس هل علمتم أنّ رسول الله (ص) قضى فيه بقضاء؟

فربّما قام إليه القوم فيقولون: قضى فيه بكذا وكذا، وإن لم يجد سنّة سنّها النبي (ص) جمع رؤساء الناس فاستشارهم، فإذا اجتمع رأيهم على شيء قضى به، وكان عمر يفعل ذلك فإذا أعياه أن يجد ذلك في الكتاب والسنّة سأل: هل كان أبوبكر قضى فيه بقضاء؟ فإن كان لأبيبكر قضاء قضى به، وإلاّ جمع الناس واستشارهم، فإذا اجتمع رأيهم على شيء قضى به(33).

ثمّ بدأت حلقة الخلاف تتّسع من بعدهما، ولقد ساعد على تفشّي الخلاف انسياح أصحاب رسول الله في البلدان المفتوحة واتّخاذهم إيّاها وطناً، وتلقي أبنائها عنهم ما سمعوه عن رسول الله (ص) وقد يكون عند بعضهم ما لا يكون عند الآخر ...»(34).

وعليه فإنّ البحث الإسنادي ـ وكما قلنا ـ وحده لا يكفي في الدراسات التشريعية وخصوصاً في النصوص الصادرة في أيّام الفتنة الكبرى أو ما يتعلّق ويرتبط بها، إلاّ إذا قيست بأقرانها و لوحظت الظروف السياسية الحاكمة آنذاك، وإنّ القارئ لو وقف على سلبيّات بعض تلك الروايات لوافقنا في انتهاجنا مثل هذا الأُسلوب لمعرفة الأحكام الشرعية ومحاكمتنا للنصوص.

وختاماً أرجو من قرّائي الأعزّاء أن لا يحكموا علينا بشيء إلاّ بعد انتهائهم من قراءة جميع فصول الكتاب، ووقوفهم على وجهات النظر فيها.

آملين منهم أن لا يكونوا من الذين يتعاملون مع الدراسات العلمية كتعاملهم مع كتب الفكاهة والقصص، فيأخذون بعض الشيء من أوّله وينتقلون إلى الوسط، وأخيراً تراهم يطرحون الكتاب ـ وفي بعض لحظات ـ كأنّهم قد أخذوا صورة عميقة عن الكتاب ووقفوا على آراء مؤلّفه.

وكذا آمل منهم أن لا يكونوا كبعض رفاق السفر الذين يتركون أخاهم في نصف الطريق، بل الذي أرجوه منهم أن يواصلوا البحث معنا، وأن يتحمّلوا عناء الدرب وأن لا يتسرّعوا، ثمّ فليقضوا بما يشاؤون.

نرجو من سادتنا العلماء وإخواننا الفضلاء، والذين يرافقوننا في هذه الرحلة، أن يتحفونا بآرائهم ويوقفونا على نقاط ضعف الدراسة، ونحن على أتمّ الاستعداد لتقبّل كلّ نقد بنّاء يردُ إلينا، شريطة أن تكون لغتهم، لغة المنطق والعلم لا الفحش والسباب، وأن لا يخرجوا من الموضوعية، إذ إنّ النقد البنّاء يبعد روح التباغض ويوقف القائل على نقاط ضعفه، وينفي روح الكبرياء عنه، وبذلك تكون الأدلّة في متناول الناس، وهم في الخيار بالأخذ بأيّها شاؤوا، وقد قيل عن المتعلّمين أنّهم أبناء الدليل يميلون حيثما يميل.

هذا وقد جعلت دراستي في مقدمة وثلاث فصول:

أمّا المقدّمة فهو بحث تمهيدي، بمثابة المدخل للدراسة، بحثت فيه «تاريخ اختلاف المسلمين في الوضوء، أسبابه ودواعيه» وأشرت إلى ملابسات الأحكام الشرعية وأهمّ العوامل المؤثّرة في اختلاف المسلمين، وحصر المذاهب بالأربعة!

أمّا فصول الكتاب فهي ثلاثة:

1) الأوّل «الوضوء والسنّة النبويّة»

2) الثاني «الوضوء في الكتاب واللغة»

3) الثالث «الوضوء في الميزان»

أمّا الفصل الأوّل «الوضوء والسنّة النبويّة» فقد درسنا فيه الروايات البيانيّة(35) والمتعارضة في الباب تحت ثلاث عناوين فرعية:

1 ـ نسبة الخبر إليه

2 ـ سنده

3 ـ متنه

مع تقديمنا بحثاً لأسباب منع التدوين وكيفية حدوث اتّجاهين في الشريعة:

1 ـ الرأي والاجتهاد

2 ـ التعبّد المحض

مع الإشارة إلى أنّ «الناس» المتحدّثين في الوضوء كانوا من دعاة التعبّد المحض والمعتقدين بلزوم نقل ما سمعوه عن رسول الله، في حين نرى خطّ الاجتهاد لا يرتضي التحديث إلاّ بما عُمل في عهد الشيخين.

وختاماً أعطينا صورة توفيقيّة للمنقول من صفة وضوء رسول الله في الصحاح والسنن وتوحيد النقلين عنه (ص) ـ بقدر المستطاع ـ وبيان كيفية وضوئه أمام الناس.

أمّا الفصل الثاني «الوضوء في الكتاب واللغة» فقد بينّا فيه أهم سبب من أسباب اختلاف الفقهاء وهو: اختلافهم في الأخذ بالقراءات القرآنية، لأنّ المشارب الفقهية في هذا الشأن قد اختلفت باختلاف القراءة موضحاً في أوّله سرّ تأكيد الخليفة عثمان بن عفّان على الأخذ بقراءة مصحفه دون غيرها من القراءات، وسعيه لتوحيد المسلمين على تلك القراءة وحرقه للمصاحف وتنكيله بالصحابة من أمثال ابن مسعود.

ثمّ جئت لأُحكّم القرآن ولغة العرب بين مدّعيات الخليفة وغيره من «الناس» في الوضوء، مع عرضي لأقوال وأدلّة فقهاء المذاهب عند بيان حكم كلّ عضو من أعضائه، مناقشاً فيها الأدلّة المطروحة، متّخذاً جانب الحياء في نقل الأقوال وعرض الآراء، داعماً ما اختاره بالشواهد والأدلّة.

هذا وقد ناقشت أحاديث «ويل للأعقاب من النار» وغيره من الأدلة التعضيدية والمستفاد منها لغسل الأرجل ـ سنداً ودلالة ـ ومدى حجّية تلك الأحاديث في إلزام المكلّف بغسل الأرجل في هذا الفصل؟!!

أمّا الفصل الثالث «الوضوء في الميزان» فنقدّم فيه خلاصة عمّا طرحناه في المدخل والفصلين السابقين وموازنة الآراء فيها للخروج بنتيجة يقبلها كلّ ذي لبّ، مع الإشارة إلى أُصول الاتّجاهين الفكرية، ومدى حجّية الأدلة المختلف فيها كفعل الصحابي وسنّة أهل البيت، والإشارة إلى القواعد المسبّبة لاختلاف فقهاء الإسلام.

وبذلك نكون فقد درسنا هذه المسألة الفقهية من جميع جوانبها التاريخية التشريعية، وها هو بين أيديكم مدخل هذه الدراسة.

المدخل


تاريخ اختلاف المسلمين في الوضوء

أسبابه ودواعيه

وهو في بابين:

/ 38