بیشترلیست موضوعات وضوء النبي من خلال ملابسات التشريع المدخل تاريخ اختلاف المسلمين في الوضوء أسبابه ودواعيه الباب الأوّل الوضوء في عهد النبيّ والخلفاء الوضوء في العهد النبوىّ عهد عثمان بن عفّان (23 ـ 35 هـ) الباب الثاني الوضوء في العهدين توضیحاتافزودن یادداشت جدید
بعد أن توصّلنا في البحوث السابقة إلى تعيين زمن الخلاف، ومنزلة المختلفين، نتساءل، بما يلي: لو صحّ ما ذهبنا إليه، فلماذا لا نرى لعليّ موقفاً في مواجهة هذه البدعة الظاهرة، من خطبة أو رسالة أو رأي؟ وإذا كان الأمر كذلك.. فما هو تفسيرنا لها؟ أضف إلى ذلك، أنَّ الشيخ الأميني ـ وهو من علماء الامامية ـ وكذا المجلسي لم يتطرقا لهذه المسألة، ولم يعدّاها من مبتدعات الخليفة الثالث! نلخص الجواب عن هذا التساؤل في أربع نقاط: الأُولى: معارضة الصحابة لوضوء عثمان أوقفتنا البحوث السابقة على وجود معارضة دينيّة قويّة كانت تواجه الخليفة، وقفت له بالمرصاد وعارضت اجتهاداته، وبمناسبات عدّة، لكنَّ الخليفة ظلَّ غير عابئ بتلك المعارضة، وواصل مسيره في تطبيق ما يراه من آراء، غير مكترث بما قيل ويقال ضدّه، وما قضيّة الوضوء إلاّ إحدى تلك الموارد; فإنَّه ـ وكما مرّ سابقاً ـ كان يجلس بالمقاعد وباب الدرب، وبحضور الصحابة، فيشهدهم على وضوئه الغسليّ، ثمَّ يحمد الله لموافقتهم إيّاه، وقد عرفت بأنَّه كان يتوضّأ ويمسح على رجليه شطراً من خلافته(251)! ويضحك عند حكايته الوضوء!!! لكن جهوده ذهبت هباءً، بعد أن غلبت كفَّة المعارضة عليه، وأودت بحياته في آخر المطاف. والمعارضة ـ كما عرفت ـ هم من: أصحاب محمَّد (ص).. قُرَّاء الأُمَّة.. فقهاء الإسلام.. العشرة المبشّرة بالجنَّة.. أزواج النبيّ (ص).. فهم ليسوا بفئة سياسيّة أو حزب علويّ، كما ادّعاه بعض الكتَّاب والمؤرّخين. وما الذي يعنيه تصدّر الأصحاب، والقرّاء، والفقهاء، والأزواج وغيرهم للوقوف بوجه إحداثات عثمان؟!! فاذا تصدّر المعارضة أمثال هؤلاء، فهل يلزم عليّاً لأن يخطب، أو يكتب رسالة، وما شابه.. في الردّ على إحداث عثمان؟ إنَّ المعارضة قد كفت عليّاً مواجهة عثمان في هذه المسألة; وقد عُرِفَ عن عليّ أنَّه كان يتكلّم حين يسكت الآخرون عن إظهار حقّ، وحين كان التيّار الرادّ على عثمان في الوضوء وغيره عارماً، فلا داعي ولا ضرورة لصدور نصّ عنه ضدّ عثمان، خصوصاً إذا ما عرفنا أنَّ المسلمين ـ عموماً ـ لم يتأثّروا بتلك الاجتهادات العثمانيّة في عهده، بل نرى البعض منهم قد حكم من جرّائها بكفره. ويحتمل أنَّ نصوصاً صدرت عنه في قضيّة الوضوء، لكنَّ الأيدي الأمويّة ـوهي المدوّنة للتاريخ والحديث ـ قد تلاعبت بتلك أو حذفتها من الأُصول. الثانية: موقف عليّ العمليّ من الوضوء البدعيّ نبدأ بإثارة السؤال الآتي: هل إنَّ المخالفة العمليّة أشدّ وقعاً، أم القوليّة؟؟ من الطبيعيّ القول بالأُولى، لكونها أبلغ في إيصال المطلوب، وخصوصاً فيما نحن بصدده، إذ أنَّ الوضوء فعل، وإنَّ الفعل يتّضح مطلوبه ـ بدقّة ـ بالممارسة والتطبيق. والآن.. فثمَّة شواهد كثيرة في بطون كتب الحديث والتفسير والتاريخ تدلّ على أنَّ عليّاً قد واجه إحداث عثمان عمليّاً، فقد نقل عنه أنَّه توضّأ أيّام خلافته في الرحبة، فوصف وضوء رسول الله (ص); وقال: «هذا وضوء مَن لم يُحدث»(252).. وفي العبارة اشارة إلى مَن أحدث! فمَن هو الُمحْدِثُ يا تُرى؟ وفي أيّ عهد من عهود الخلفاء كان؟ وهل يمكن عدّ أبي بكر أو عمر من الّذين قد أحدثوا أو أُحدث في زمانهم؟ لقد اتّضح لنا ـ في ضوء البحوث السابقة ـ أنَّ الخلاف قد وقع في عهد عثمان; لقول أبي مالك الدمشقيّ: حدّثت أنَّ عثمان بن عفّان اختلف في خلافته في الوضوء(253). ولما أخرجه مسلم، عن حمران: إنَّ عثمان توضّأ; ثمَّ قال: إنَّ ناساً يتحدّثون عن رسول الله بأحاديث لا أدري ما هي! إلاّ أنّي رأيت رسول الله توضّأ مثل وضوئي هذا. وقلنا بأنَّ الخليفة هو الذي عارض «الناس» في وضوئهم، وأنـَّهم كانوا الامتداد لوضوء النبيّ (ص)، وأنَّهم كانوا من أعاظم الصحابة، وغيرها من الأدلّة والشواهد التي قدّمناها. وهنا.. لابدّ من الإشارة إلى مَن أوَّل الخبر وقلب مفهومه، لكي يستفيد منه لمذهبه القائل بوجوب الغسل بدلا من المسح.. فقال قائلهم: إنَّ عليّاً قال: «... هذا وضوء من لم يحدث» ومعناه: مَن لم يصدر منه الحدث الناقض للطهارة، فيكون المجرّد من غسل الرجل، والمحتوي على مجرّد المسح وضوءاً غير رافع للحدث! وبذلك.. يكون الوضوء ـ عندهم ـ وضوءين: 1 ـ وضوء رافع للحدث; وهو المشتمل على غسل الرجلين. 2 ـ وضوء تجديديّ، غير رافع للحدث; وهو المشتمل على مسح الرجلين أو الخفّين(254). أو ترى الآخر يقول بشيء آخر، وسنناقش هذه الأقوال في الجزء الرابع من هذه الدراسة «الوضوء في الميزان» إن شاء الله تعالى، هذا من جهة.. ومن جهة أُخرى.. المعروف عن عليّ بن أبي طالب صلابته في دين الله، ووقوفه أمام اجتهادات الصحابة، لأخذهم بالرأي، وتركهم صريح القرآن وفعل النبيّ(ص) ولمّا كان هذا الوضوء وفق ما طرحناهُ إحداثاً في الدين، فالإمام كان لا يمكنه تجاهل ذلك بل في كلامه إشارة إليه وستقف عند سردنا لأحاديث الباب على كلماته وأفعاله المُشعِرة بدحض خطّ الاجتهاد والرأي أمام النصّ وبطلانه. نقل الشيخ نجم الدين العسكريّ حديثاً أخـرجه أحمد في مسنده، عن أبي مطر; قال: بينما نحن جلوس مع أمير المؤمنين عليّ في المسـجد، على باب الرحبة; جـاء رجل فقـال: أرني وضوء رسول الله (ص) ـ وهو عند الزوال ـ، فدعا قنبر; فقال: ائتني بكوز من ماء... فغسل كفّيه ووجهه، وغسل ذراعيه، ومسح رأسه واحدة، ورجليه إلى الكعبين.. ثمَّ قال : أين السائل عن وضوء رسول الله; كذا كان وضوء نبيّ الله(255). لكن الموجود في مسند أحمد وكذا في كنز العمّال: بينما نحن جلوس مع عليّ في المسجد ـ على باب الرحبة ـ جاء رجل، فقال: أرني وضوء رسول الله ـ وهو عند الزوال ـ فدعا قنبر فقال: ائتني بكوز من ماء. فغسل كفّيه ووجهه ثلاثاً وتمضمض ثلاثاً وغسل ذراعيه ثلاثاً ومسح رأسه واحدة، ـ فقال داخلها من الوجه وخارجها من الرأس ـ ورجليه إلى الكعبين ثلاثاً. وفي كنز العمّال ليس فيها (ثلاثاً)(256). والذي نفهمه من الحديث، هو: أنَّ الإمام عليّاً قد أتى بالوضوء التعليميّ وهو في أيّام خلافته، وبطلب من سائل(257). وأنَّ جملة «أرني» التي ابتدأ بها السائل كلامه، تدلّ على وجود خلاف بين الأُمَّة في الوضوء وأن السائل كان يريد من الإمام أن يوقفه على وضوء النبيّ! ويتّضح محل النزاع بين المدرستين في الوضوء بما نقله الراوي: مسح رأسه ورجليه واحدة..للدلالة على أنَّ النزاع كان في: أ ـ العدد. ب ـ حكم الأرجل ـ هل هو المسح أم الغسل؟ فالإمام عليّ أراد أن يؤكّد للسائل بأنَّ الوضوء المشتمل على مسح الرجلين إنَّما هو وضوء رسول الله لا غير، إذ أنَّ السائل كان في مقام التعلّم والإمام في مقام التعليم، فلا يعقل أن يصدر منه المسح وإرادة المعنى التجديدي والذي قال به البعض، أو يراد منه شيء آخر. وتتّضح الحقيقة بأدقِّ ملامحها إذا ما قسنا هذا الكلام من الإمام مع ما صدر عنه في مواقع أُخرى وتأكيده على لفظ إلاحداث والمحدث. فإنـَّه ـ وكما قلنا سابقاً ـ كان يواجه القائلين بـ: (رأي رأيته) في الأحكام ـوعثمان من أُولئك القائلين ـ بكلِّ قوّة، وصلابة حيث لا حجّيّة للرأي قبال النصّ الصريح في القرآن; كما أنَّ الصحابة لا يمتازون عن الناس بشيء من حيث العبوديّة، فلهم ما لهم، وعليهم ما عليهم، والكلُّ سواسية فيما وُضِعَ على عواتقهم من تكاليف شرعيّة; ولا مبرّر لترجيح رأي على آخر، إلاّ إذا كان أحدهما مدعوماً أو مسنداً بالقرآن أو السنّة. وما كان رسول الله (ص) يرى أنَّ له الحقّ في التشريع على ضوء ما يراه هو، بل: ( وماينطق عنالهوى * إن هو إلاّ وحي يوحى ) (258).. وقد ثبت عنه(ص) أنَّه كان لا يقول برأي أو قياس، إلاّ: ( ... بما أراك الله ) (259). نعم; كان الإمام عليّ يواجه تلك الاجتهادات، ويسعى لتخطئة أصحاب الرأي بالإشارة والتمثيل.. ومن تلك الأخبار: ما أخرجه المتّقي الهنديّ، عن جامع عبد الرزّاق، وسنن ابن أبي شيبة، وسنن أبي داود .. كلّهم عن عليّ; أنَّه قال: لو كان الدين بالرأي، لكان باطن القدم أحقّ بالمسح من ظاهرها، لكن رأيت رسول الله مسح ظاهرها(260). وفي تأويل مختلف الحديث: ما كنت أرى أنَّ أعلى القدمين أحقّ بالمسح من باطنهما حتّى رأيت رسول الله يمسح على أعلى قدميه(261). وفي نصّ آخر: كنت أرى أنَّ باطن القدمين أحقّ بالمسح من ظاهرهما حتّى رأيت رسول الله يمسح ظاهرهما(262); وأمثالها... بهذا فقد وقفت على كيفيّة مواجهة الإمام عليّ لخطّ الاجتهاد وتسقيطه للرأي قبال فعل النبيّ (ص)، إذ إنَّ العمل المجزئ هو ما قرن بدليل من القرآن أو السنّة.. والإمام كسب مشروعيته من ذلك، وإن كان مخالفاً لرأيه الشخصي حسب هذه النصوص(263). ولم يقتصر عمل الإمام على بيان المورد آنف الذكر، بل نرى له مواقف كثيرة مع الّذين أحدثوا في الدين وأدخلوا فيه ما ليس منه، وجعلوا اجتهاداتهم ورواياتهم هي الملاك في فهم الأحكام.. ومن تلك الأُمور، قضيّة الوضوء، فقد طرحت فيها بعض المفاهيم ـ في عهد عثمان دون غيره ـ لإعطائها صبغة شرعيّة عالية!! منها: 1 ـ عدم جواز شرب المتوضّئ فضلة وضوئه وهو قائم. 2 ـ عدم جواز ردّ المتوضي سلام أحد، لأنَّه في الوضوء... وغيرها. فالإمام ولأجل إبعاد هذه المفاهيم عن الشرعيّة واعتبارها إحداثات في الدين.. نراه يشرب من فضل وضوئه وهو قائم، ويقول «هذا وضوء من لم يحدث» فجملة «هذا وضوء مَن لم يحدث» تأتي دائماً مع وجود الإحداث، كما شاهدت هنا، وستقف عليه في المستقبل كذلك، لا أنَّه بمعنى رفع الحدث ـ كما ادّعاه البعض ـ; ولتطبيق المدعى بصورة أدق.. إليكم بعض النصوص: عن محمّد بن عبد الرحمن البيلمانيّ، عن أبيه; قال: رأيت عثمان بن عفّان بالمقاعد، فمرّ به رجل فسلّم عليه، فلم يردّ عليه، فلمّا فرغ من وضوئه; قال: إنَّه لم يمنعني أن أردّ عليك إلاّ أنِّي سمعت رسول الله (ص) يقول: مَن توضّأ فغسل يديه، ثمَّ تمضمض ثلاثاً، واستنشق ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، وغسل يديه إلى المرفقين ثلاثاً، ومسح برأسه، وغسل رجليه، ثم لم يتكلّم حتّى يقول: أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأنَّ محمَّداً عبده ورسوله، غفر له ما بين الوضوءين(264). وعن عثمان: إنَّه توضّأ بالمقاعد، فغسل كفّيه ثلاثاً ثلاثاً، واستنشق ثلاثاً، ثمَّ تمضمض ثلاثاً، ثمَّ غسل وجهه ثلاثاً، ويديه إلى المرفقين ثلاثاً، ومسح برأسه ثلاثاً، وغسل قدميه ثلاثاً.. وسلَّم عليه رجل وهو يتوضّأ، فلم يردّ عليه حتّى فرغ، فلمّا فرغ كلّمه يعتذر; وقال: لم يمنعني أن أردّ عليك إلاّ أنّي سمعت رسول الله (ص) يقول: مَن توضّأ هكذا ولم يتكلّم، ثمَّ قال: أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأنَّ محمَّداً عبده ورسوله.. غفر له ما بين الوضوءين(265). وعن ابن البيلمانيّ، عن أبيه.. أنَّه: شهد عثمان يتوضّأ على المقاعد، فسلَّم عليه رجل، فلم يردّ عليه حتّى إذا فرغ ردّ عليه، وجعل يعتذر إليه; ثمَّ قال: رأيت رسول الله (ص) يتوضّأ فسلَّم عليه رجل فلم يردّ عليه(266). ولا أدري بأيّ شرع لا يردّ الخليفة سلام الرجل؟! وهل يعقل أن لا يردّ رسول الله على من يسلِّم عليه ـ وهو الأُسوة الحسنة ـ وصريح القرآن يؤكِّد بقوله ( إذا حيِّيتُم بتحيّة فحيّوا بأحسن منها أو ردّوها ) ؟! وكيف به لا يردّ وقد تطابق أقوال علماء الإسلام بلزوم ردّ السلام وإن كان في حال الصلاة!! ولماذا لا نرى نقل هذا الخبر وعدم ردّه السلام في الوضوء المسحيّ المنقول عنه؟ وما معنى قوله: مَن توضّأ هكذا ولم يتكلَّم.. وهل حقّاً أنَّ لرسول الله وضوءين، وكيف نراه (ص) يرشد إلى الوضوء الثلاثيّ دون غيره!! ولماذا يعتذر الخليفة من الرجل لو كان الذي فعله معه هو تكليفه الشرعي؟! نترك هذه التساؤلات.. ولنواصل ما قاله عليّ بن أبي طالب في شرب فضلة الوضوء وهو قائم وكيف يواجه هذا الخطّ. أخرج أحمد في مسنده، عن النزال بن سبرة: أنَّه شهد عليّاً صلّى الظهر، ثمَّ جلس في الرحبة في حوائج الناس، فلمّا حضرت العصر، أتي بتور، فأخذ حفنة ماء، فمسح يديه وذراعيه(267) ووجهه ورأسه ورجليه، ثمَّ شرب فضله وهو قائم; ثمَّ قال: إنَّ أُناساً يكرهون أن يشربوا وهم قيام، وإنَّ رسولالله (ص) صنع كما صنعت; وهذا وضوء من لم يحدث(268). وفي آخر: وانّي رأيت رسول الله (ص) فعل كالذي رأيتموني فعلت.. ثمَّ تمسّح بفضله; وقال: هذا وضوء من لم يحدث(269). وفي نصّ ثالث: اتي عليّ بإناء من ماء، فشرب وهو قائم; ثمَّ قال: بلغني أنَّ أقواماً يكرهون أن يشرب أحدهم وهو قائم، وقد رأيت رسول الله (ص) فعل مثل ما فعلت... ثمَّ أخذ منه فتمسّح، ثمَّ قال: هذا وضوء مَن لم يحدث(270). وفي نصّ رابع.. وعن طريق آخر، عن النزال بن سبرة; قال: رأيت عليّاً(ع) صلّى الظهر، ثمَّ قعد لحوائج الناس.. فلمّا حضرت العصر، أُتي بتور من ماء، فأخذ منه كفّاً، فمسح وجهه وذراعيه ورأسه ورجليه، ثمَّ أخذ فضله فشرب قائماً وقال: إنَّ أُناساً يكرهون هذا وقد رأيت رسول الله (ص) يفعله; وهذا وضوء مَن لم يحدث(271). وأخرج أحمد كذلك، بسنده عن ربعي بن حِراش: أنَّ عليّ بن أبي طالب قام خطيباً في الرحبة.. فحمد الله، وأثنى عليه، ثمَّ قال ماشاء الله أن يقول.. ثمَّ دعا بكوز من ماء، فتمضمض منه، وتمسّح، وشرب فضل كوزه وهو قائم; ثمَّ قال: بلغني أنَّ الرجل منكم يكره أن يشرب وهو قائم.. وهذا وضوء مَن لم يحدث، ورأيت رسول الله (ص) فعل هكذا(272). وعليه.. فقد اطّلعت على بعض مواقف الإمام عليّ تجاه ابتداعات المحدثين، وكيفيّة مواجهته للّذين أدخلوا في الدين ما ليس منه وعنايته بكلامه وأنّ ذلك هو وضوء من لم يحدث. أمّا الخليفة عثمان فكان يريد إعطاء الوضوء الثلاثيّ الغسليّ قدسيّة أكبر، فتراه لا يتكلّم، ولا يشرب فضل وضوئه قائماً، ويؤكّد على أنّها هي التي توجب غفران الذنوب... بقي شيء ينبغي إيضاحه.. فكلمة «يُحدِث» تعني: إتيان أمر منكر لم يكن معروفاً... فقد جاء في المقاييس: حدث: هو كون الشيء لم يكن، يقال: حدث أمر بعد أن لم يكن(273). وفي الصحاح: الحدوث: كون الشيء لم يكن، واستحدثت خبراً، أي: وجدت خبراً جديداً(274)، ومثله في تاج العروس(275). وجاء في التكملة والذيل(278): أحدث الرجل: ابتدع، والمحدث: المبتدع، ومنه الحديث «مَن أحدث فيها حدثاً و آوى محدثاً و...». وفيه أيضاً: ومحدثات الأُمور: ما ابتدعه أهل الأهواء من الأشياء التي كان السلف الصالح على غيرها; ومنه الحديث: «وشرّ الأُمور محدثاتها».. ومثله في التهذيب وعنه في اللسان. ولم يشر أصحاب المعاجم إلى معنى الناقضيّة إلاّ صاحب التهذيب، وعنه في اللسان; يقال: أحدث الرجل: إذا صلّح أو فضّح أو خضب، أي ضرط. وهكذا الأمر بالنسبة إلى أصحاب غريب الحديث.. فإنَّهم أوردوا استعمالها بمعنى البدعة، والإحداث في الدين و... ولا نراهم يتعرّضون إلى معنى الناقضيّة فيها.