وضوء النبی ص‍ل‍ی ‌ال‍ل‍ه‌ ع‍ل‍ی‍ه‌ و ال‍ه‌ وس‍ل‍م‌ من خلال ملابسات التشریع نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

وضوء النبی ص‍ل‍ی ‌ال‍ل‍ه‌ ع‍ل‍ی‍ه‌ و ال‍ه‌ وس‍ل‍م‌ من خلال ملابسات التشریع - نسخه متنی

علی الشهرستانی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

الأوّل: قوّة معارضي عثمان، وسعي الخليفة في الاستنصار ببعض أصحابه وخاصّته لتأييده فيما يرويه ويحكيه عن رسول الله (ص).

الثاني: ضعف موقف الخليفة وعجزه أمام «الناس!..» ويُستشفّ ذلك من نقطتين:

الأُولى: اتخاذه سياسة الدفاع، لا الهجوم كما هو المشاهد في حديث حمران السابق، بقوله: «لا أدري ما هي؟! إلاّ أنّي رأيت رسول الله يتوضّأ نحو وضوئي»، وما رواه أبو علقمة: «دعا ناساً من أصحاب رسول الله»، وقوله: «الحمد لله الذي وافقتموني على هذا»، وغيرها من النصوص الدالّة على الضعف ـ ممّا ستقف عليه لاحقاً ـ بالإضافة إلى تجنيده مواليه ـ كحمران وابن دارة ـ لنقل أخبار وضوئه للناس والتأكيد على أنَّ ذلك هو وضوء رسول الله، محاولا بذلك إقناع الناس; فقد روى البيهقيّ: عن محمّد بن عبد الله بن أبي مريم: انَّ ابن دارة سمع مضمضته، فدعاه ليعلّمه بوضوء الخليفة; وقوله: إنّه وضوء رسول الله(82).

وأخرج الدارقطنيّ بسنده إلى محمّد بن أبي عبد الله بن أبي مريم، عن ابن دارة; قال: دخلت عليه ـ يعني عثمان ـ منزله فسمعني وأنا أتمضمض; فقال: يا محمّد!

قلت: لبيك.

قال: ألاَ أُحدّثك عن رسول الله (ص)؟

قلت: بلى.

قال: رأيت رسول الله أُتي بماء وهو عند المقاعد(83) فمضمض ثلاثاً، ونثر ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، وذراعيه ثلاثاً ثلاثاً، ومسح رأسه ثلاثاً، وغسل قدميه ثلاثاً ثلاثاً; ثمَّ قال: هكذا وضوء رسول الله (ص) أحببت أن أريكموه!

وفي حديث آخر عن عمر بن عبد الرحمن قال: حدّثني جدّي: انّ عثمان بن عفّان خرج في نفر من أصحابه حتّى جلس على المقاعد، فدعا بوضوء، فغسل يديه ثلاثاً، وتمضمض ثلاثاً واستنشق ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً وذراعيه ثلاثاً، ومسح برأسه واحدة، وغسل رجليه ثلاثاً، ثمّ قال: هكذا رأيت رسول الله توضأ، كنت على وضوء ولكن أحببت أن أريكم كيف توضأ النبيّ (ص)

هذا وقد نقلت المعاجم والصحاح أحاديث أُخرى عن جلوس الخليفة عند المقاعد(86) وباب الدرب لتعليم المسلمين وضوء رسول الله!

الثانية: عدم جرأة الخليفة على طعن الناس بالكذب أو البدعة أو الإحداث، بل اكتفى بقول: «لا أدري»، لعلمه بأنَّ وضوء أُولئك هو وضوء رسول الله وأنَّ في تحدّثهم عنه (ص) دلالة واضحة على مشروعيّة فعلهم، وأنَّه هو ذات العمل الذي كان في عهد النبيّ (ص).

ولو كان عثمان يملك دليلا واحداً ـ وإن كان ضعيفاً ـ لما توانى عن طعنهم وردّهم بأقسى ردّ، ولما اضطرّ لقول (لا أدري) وهو في حال صراع دائم معهم!

أليس من الغريب أن يقول (لا أدري) وهو الذي عاش مع النبيّ (ص) مدّة طويلة في المدينة؟

وعليه.. يلزم اعتبار تجاهل الخليفة دليل ضعفه في قبال قوّة معارضيه!!

فاتّضح ممّا سبق أنَّ الخليفة عثمان بن عفّان لم ينتهج منطق القوّة والعنف ـالذي مارسه ضدّ معارضيه عموماً ـ تجاه معارضيه في مسألة الوضوء، وإنّما نراه في منتهى الليونة والوداعة معهم، مع كونهم من ألدّ خصومه، وبيدهم ما يمكن إثارة الرأي العام ضدّه، فنراه يطير فرحاً ويحمد الله إذا ما وافقه أحد الصحابة على وضوئه، وحسبما نقلناه قبل قليل بأنّه توضّأ وذيّل وضوءه بقول النبيّ (ص): (مَن توضّأ فأحسن الوضوء، ثمَّ صلّى ركعتين، كان من ذنوبه كيوم ولدته أُمّه); ثمَّ قال: أكذلك يا فلان؟ قال: نعم. ثمَّ قال: أكذلك يا فلان؟ قال: نعم.... حتّى استشهد ناساً من أصحاب رسول الله (ص); ثمَّ قال: الحمد لله الذي وافقتموني على هذا(87).

وقد كان ديدن الخليفة غالباً تذييل ما يحكيه من صفة وضوء رسول الله(ص)! وتثير هذه الظاهرة روح التحقيق عند الباحث.. إذ لماذا كلّ هذا التأكيد؟ ولماذا لم نلاحظ هذا التذييل في المرويّات البيانيّة الأُخرى المنقولة عن غيره من الصحابة في الوضوء؟ فما سرّ ذلك الاختصاص به دون غيره يا ترى؟

أمّا مطالبته أرباب المدرسة المخالفة له بأدلّتها ـ وهي الطريقة الثالثة للردع والردّ ـ فقد تغاضى عنها وأحجم، لعلمه أنّهم يمثّلون تيّاراً فكريّاً قويّاً وكبيراً نوعاً وكمّاً من جهة، وأن لا طاقة له على محاججتهم من جهة أُخرى.. فأعلام المدرسة المخالفة للخليفة على منزلة من الصحبة والسابقة والقِدَم والتفقه، وقد رأوا بأُمِّ أعينهم كيفيّة وضوء رسول الله (ص) منذ بداية التشريع حتّى انتقاله(ص) إلى بارئه عزَّ وجلَّ، ونقلوا ذلك للمسلمين، وداوموا على فعله على الرغم من مخالفة الخليفة لذلك.

والأكثر غرابة.. أنَّ الخليفة لم يقدّم أدلّته وبراهينه للمسلمين على صحّة وضوئه وسلامة فهمه، بل اكتفى في نقله لوضوء رسول الله (ص)، ولجأ إلى عمليّة إشهاد مَن يوافقه على صحّة نقله! وقد يحتمل أن يكون ألزم معارضيه بالشهادة على ذلك قسراً!

كلّ ذلك يُنبئ عن كون الخليفة في موقف المفكِّر الطارح لفكرة يعارضه عليها جمع غفير..

فهو يُشهِد ويُدَلِّل، ويُعَضِّد وضوءه بمرويّات متسالم عليها بين المسلمين، في محاولة منه لنقلهم من شيء معلوم إلى إثبات مجهول.

فعن حمران; قال: أتيت عثمان بوضوء، فتوضّأ للصلاة، ثمَّ قال: سمعت رسول الله(ص) يقول: مَن توضّأ فأحسن الطهور، كفّر عنه ما تقدّم من ذنبه; ثمَّ التفت إلى أصحابه فقال: يا فلان! أسمعتها من رسول الله؟.. حتّى أنشد ثلاثة من أصحابه، فكلّهم يقول: سمعناه ووعيناه(88).

وعن عمرو بن ميمون; قال: سمعت عثمان... يقول: قال رسول الله: مَن توضّأ كما أُمِر، وصلّى كما أُمِر، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أُمّه.. ثمَّ استشهد رهطاً من أصحاب النبيّ، يقول: هذا؟ قالوا: نعم(89).

ويقعد عثمان في المقاعد(90) ويتوضّأ ويذيّل وضوءه بأحاديث عن إسباغ الوضوء وإحسانه، ويكرّر ذات الفعل في باب الدرب، ويُشهد على ذلك مَن يرى رأيه وفقهه، وبذلك ليقنعالمشاهد بأنَّ وضوءه هوالإحسان أو الإسباغ الذي أمر به الرسول(ص).

وإنّما تدلّ تلكم المؤشّرات على أنَّ عثمان بن عفّان هو المخترع للفهم الجديد والاستحسان الفريد، وأنَّ الأدلّة الشرعيّة التي طرقت فهمه وجعلته يعطي للوضوء أبعاداً جديدة ما كانت في ذهن المسلمين من قبل!

وراحت فكرة عثمان وأُطروحته الوضوئيّة تتحرك بين أوساط المسلمين، فلاقت قبولا من البعض وذلك لما فيها من ظاهر (النظافة) ومن مبالغة في (القدسيّة) ومن عناية زائدة في الوضوء وغسلاته ومسحاته!

ولا يُكشَفُ ستار السِرّ عن سبب ضحك الخليفة الثالث وتبسّمه قبل وبعد وضوءاته الثلاثيّة المُسْبَغة غاية الإسباغ، ولا في استدعائه الحاضرين ليسألوه عن سبب ضحكه، والحال أنـّهم لا يرون له مبرّراً لا من قريب ولا من بعيد.. نعم; لا يكشف الستار إلاّ إذا فهمنا أنَّ الخليفة الثالث كان يريد استغلال الفرص ليلفت أنظار الحاضرين إلى وضوئه، حتّى يسألوه عن مدى صحّة ما يرتئيه في ذلك.. ومن ثمَّ يأتي دور إجاباته التي يروم بها كسب أكبر عدد ممكن من المؤيدين لمدرسته الوضوئيّة.

فعن حمران; قال: دعا عثمان بماء فتوضّأ، ثمَّ ضحك.. فقال: ألاَ تسألوني مِمَّ أضحك؟

قالوا: يا أمير المؤمنين، ما أضحكك؟!

قال: رأيت رسول الله توضأ كما توضّأت، فمضمض، واستنشق، وغسل وجهه ثلاثاً، ويديه ثلاثاً، ومسح برأسه وظهر قدميه(91).

وعن حمران، قال: كنت عند عثمان، فدعا بوضوء فتوضّأ، فلمّا فرغ قال: توضّأ رسول الله (ص) كما توضّأت، ثمَّ تبسّم; وقال: أتدرون مِمَّ ضحكت؟

قلنا: الله ورسوله أعلم!

قال: إنَّ العبد المسلم إذا توضّأ فأتمَّ وضوءه، ثمَّ دخل في صلاته فأتمَّ صلاته خرج من الذنوب كما خرج من بطن أُمِّه(92).

وعن حمران، قال: رأيت عثمان دعا بماء، فغسل كفيه ثلاثاً، ومضمض، واستنشق، وغسل وجهه ثلاثاً وذراعيه ثلاثاً، ومسح برأسه وظهر قدميه، ثمَّ ضحك.

فقال: ألا تسألوني ما أضحكني؟

قلنا: ما أضحكك يا أمير المؤمنين؟!

قال: أضحكني، أنَّ العبد إذا غسل وجهه حطَّ الله عنه بكلِّ خطيئة أصابها بوجهه، فإذا غسل ذراعيه كان كذلك، وإذا مسح رأسه كان كذلك، وإذا طهّر قدميه كان كذلك(93).

تدلّ هذه النصوص على أنَّ الخليفة ولحدِّ صدور هذه الأخبار عنه أنَّه كان يمسح برأسه وظهر قدميه، وسنعضد هذا المدعى بروايات أُخرى لاحقاً إن شاء الله تعالى.

أمَّا موضوع تبسّم الخليفة وضحكه فهو لا يُنبئ فيما ترى عن فرحه بما للوضوء من أجر عند الله ـ كما ادّعاه ويفهم من سياق الحديث وقول الخليفة ـ بل انّ في كلامه إشارة إلى أمر خفي أراد أن يختبر به أُولئك الصحابة، وذلك بإحداثه بعض الشيء في الوضوء.. فرأى منهم السكوت!

وسؤاله يحمل عامل إثارة.. فما هو ذلك؟

ربَّما تكون النصوص السابقة، وما جاء في صدر الدراسة «إنَّ ناساً» هي المنعطف في تاريخ الوضوء، وبمثابة المقدمة للإحداث الكلِّي فيه، فالخليفة أراد أن يختبر أثر ما رآه ورواه عن رسول الله، باختراعه الغسلة الثالثة في غسل الأعضاء وجعلها جزءاً من وضوء رسول الله لما في ذلك من تعمّق وزيادة في الوضوء.

نعم; أراد أن يتعرّف على تأثير هذا الإحداث ومدى تقبّل الصحابة له، فهل سيواجه بانتقادهم له أم لا؟؟ وإذا ما كانت الأُمور مهيّأة له فسيلحقه بغسل الأرجل وغيرها!!

إنَّ المطالع في مصنّف ابن أبي شيبة ـ السالف الذكر ـ يتأكّد بأنَّ ضحك الخليفة لم يكن لأجل ما للمؤمن من أجر، إذ ما جاء فيها لم يذيّل بذلك... ولذا، فلا يمكننا الحكم جزماً بأنّ سبب ضحك الخليفة هو من حطِّ الذنوب عن المتوضئ وذلك لما عرفنا من ملابسات الأُمور ! !

ولا ندري ما هو جواب عثمان فيما لو سئل عن سبب وسرّ ضحكه، وعن علاقة الربط فيما بين الضحك والوضوء؟!

ثمَّ لماذا لا يذيّل باقي الصحابة الناقلين لصفة وضوء رسول الله رواياتهم بألفاظ (الإسباغ) و(الإحسان) و...؟

ولماذا لا نراهم يُشهدون أحداً على وضوءاتهم؟!

وكيف بهم لا يتبسّمون ـ ناهيك عن الضحك ـ قبل وبعد الوضوء؟!

ولِمَ يختصّ عثمان بنقل ضحك رسول الله دون غيره في أحاديث الوضوء؟

هذا، وقد أورد أحمد في مسنده ـ وكما قلنا ـ روايتين عن عثمان، نسب عثمان فيهما ضحكه إلى أنَّه قد رأى النبيَّ (ص) ضحك بعد وضوئه وقال لأصحابه: «ألا تسألوني ما أضحكني» مبرراً بذلك ضحكه ودافعاً لكلِّ إيهام قد يرد في ذهن السامع، وإنَّا نعلم بأنَّ نقل عبارة «إنَّ العبد إذا دعا بوضوء فغسل وجهه حطّ الله عنه كلّ خطيئة أصابها، فإذا غسل ذراعيه كان كذلك، وإن مسح برأسه كان كذلك، وإذا طهّر قدميه كان كذلك»... لا يستوجب الضحك، وأنَّ تعليل ضحك الخليفة بأنه رأى النبيّ (ص) قد ضحك في البقعة التي توضّأ فيها، مبالغة في التأكيد على شرعيّة الغسل الثلاثيّ وتبريراً لضحكاته وتبسّماته وتذييلاته اللاتي تنبئ المشاهد الذكيّ بأنّه بصدد إحداث شيء في الوضوء وجرِّ الأنظار إلى فكرته الوضوئيّة.

وهناك نقطة أُخرى ينبغي الإشارة اليها، وهي اختصاص أغلب الروايات المنقولة عن الخليفة ـ والصحاح منها بطبيعة الحال ـ بحمران بن أبان، كما لم يكن الناقلون عن حمران من المحدّثين الكبار، ولم تنقل عنهم بطرق متعددة وأسانيد قويَّة معتمدة، كما هو الشأن في غالب الضروريات الدينيَّة المنقولة عن الخلفاء وكبار الصحابة والتابعين، وهذا إنّما يؤكِّد ويدعم الرأي الذاهب إلى أنَّ عثمان هو المؤسّس لفكرة الوضوء الجديدة، وإنَّ الملتفّين حوله من متأخِّري الصُحبة وصغارهم، ممَّن لا حول لهم ولا قوَّة، كحمران وابن دارة و...، قد أخذوا على عاتقهم التزام الفكرة ومحاولة بثّها بين صفوف المحدّثين، بإخبارهم هذا وذاك بما شاهدوا عن عثمان، ونقلهم لصفة وضوء رسول الله!

فقد ثبت ولحد الآن: أنَّ عثمان بن عفّان هو صاحب المدرسة الوضوئيّة الجديدة، وأنَّ «الناس» لم يكونوا البادئين بالخلاف، وإنَّما كانوا يظهرون غير ما يريده الخليفة، فاندفع الخليفة بكلِّ قواه الفكريَّة والدعائيّة لكسب قاعدة تؤيّده فيما رآه أو سمعه عن رسول الله!!

ما هو السرّ؟

بقي شيء، وهو: ما السرّ في تخصيص عثمان حمران بقوله: «إنَّ ناساً يتحدّثون..» في حين لا نرى الأخير يُشكِّك أو يسأل الخليفة عن مشروعيّة الوضوء الجديد، أو نراه يطرح أو يستنصر لوضوء الناس، وهم الخطّ المخالف للخليفة في الوضوء!

بل كلّ ما في الأمر أنّ حمران أتى بماء لعثمان، فتوضّأ ثمّ قال (إنّ ناساً يتحدّثون...) فما هو السبب في إثارة الخليفة هذا الخبر دون سابق إنذار؟!

أشرنا من خلال البحوث السابقة إلىأنَّ الخليفة عثمان كان يمسح ظهر قدميه(94)، وقد مرَّ عليك بعض النصوص الدالّة على ذلك ممّا هو مذكور في الصحاح والمسانيد، وأغلبهاعن طريق حمران; وقلنا بأنَّ الخليفة أراد بضحكه أن يتعرّف على موقف الصحابة في غسله للأعضاء وهل انّهم سيعارضون أم لا؟ ودلّلنا كذلك بأنـَّه كان يُشهد الصحابة على وضوئه ويذيّل أحاديثه بما سمعه أو رآه من رسول الله..وغيرها، وأنَّ هذه المواقف كغيرها كانت تؤذي بعض الصحابة، لأنَّهم ما كانوا قد رأوا ولا سمعوا بذلك من رسول الله.

فالمسلمون قد اضطرّوا لموافقة الخليفة في تلك المواقف إمَّا خوفاً أو حفاظاً على وحدة الصفّ الإسلاميّ، وحتّى إنَّ الناس قد طلبوا من عليّ بن أبيطالب أن يكلّم الخليفة في إحداثاته المتكررة والكثيرة، فدخل عليه وقال له:

«إنَّ الناس ورائي، وقد استسفروني بينك وبينهم، ووالله ما أدري ما أقول لك؟ ما أعرف شيئاً تجهله، ولا أدُلك على شيء تعرفه.

إنَّك لتعلم ما نعلم، ما سبقناك إلى شيء فنخبرك عنه، ولا خلونا بشيء فنبلغكه، وقد رأيت كما رأينا، وسمعت كما سمعنا، وصحبت رسول الله كما صحبنا، وما ابن أبي قحافة ولا ابن الخطّاب أولى بعمل الحقّ منك، وأنت أقرب إلى رسول الله (ص) وشيجة رحم منهما، وقد نلت من صهره ما لم ينالا، فالله الله في نفسك فإنَّك والله ما تُبَصَّرُ من عمى، ولا تعلم من جهل، وإنَّ الطرق لواضحة، وإنَّ أعلام الدين لقائمة.

فاعلم أنَّ أفضل عباد الله عند الله إمام عادل هُدِيَ وهدى، فأقام سنّة معلومة، وأمات بدعة مجهولة، وأنَّ السنن لنيّرة لها أعلام، وأنَّ البدع لظاهرة لها أعلام.. وأنَّ شرّ الناس عند الله إمام جائر ضلَّ وضُلَّ به،فأمات سنّة مأخوذة، وأحيا بدعة متروكة، وإنّي سمعت رسول الله (ص) يقول: يؤتى يوم القيامة بالإمام الجائر وليس معه نصير ولا عاذر، يلقى في نار جهنّم فيدور فيها كما تدور الرحى، ثمَّ ترتبط في قعرها»(95).

وهناك نصوص أُخرى تدلّ على هذه الحقيقة وأنَّ أصحاب رسول الله أقدموا على قتل عثمان ابتغاءً لمرضاة الله وجزاءً لما أحدثه في الدين، وقد ذكر الطبريّ كتاب أصحاب رسول الله إلىبعضهم.. أن أقدموا، فإن كنتم تريدون الجهاد فعندنا الجهاد، كثر الناس على عثمان، ونالوا منه أقبح ما ينال من أحد، وأصحاب رسول الله يرون ويسمعون وليس فيهم أحد ينهى ولا يذبّ(96).

وبهذا يمكننا أن نرجح صدور أخبار المسح الصادرة عن الخليفة في السنوات الست الأوائل من خلافته والتي لم يذكر فيها شيء عن إحداثه الدينيّ، أمّا أخبار الغسل فإنَّها صدرت في الأعوام الستة الأخيرة التي رماه الأصحاب فيها بالإحداث والإبداع، وإنَّا سنشير لاحقاً إلى أسباب تغيير سياسة الخليفة في النصف الثاني من خلافته ودواعي إحداثه للوضوء الجديد.

وعلى ضوء ما تقدم; نحتمل أن يكون الخليفة إنَّما أراد من توجيه الخطاب إلى حمران أن يدفع الدخل المقدّر في ذهنه ـ حسبما يقوله الأُصوليون ـ أي: يرفع التساؤل الذي من المحتمل أن يطرح في مخيلته ويختمر في ذهنه وهو: كيف يصحّ للخليفة أن يغسل رجليه اليوم وقد عهدناه حتّى الأمس القريب يمسحهما؟!.. فالخليفة أراد أن يدفع الاحتمال المقدّر والمكنون في نفس حمران بقوله: «إنَّ ناساً يتحدّثون في الوضوء بأحاديث لا أدري ما هي، إلاّ أنّي رأيت رسول الله يتوضّأ نحو وضوئي هذا» فإنَّ جملة «إلاّ أنّي رأيت رسول الله يتوضّأ نحو وضوئي هذا» إشارة إلى أنَّه يطلب أمراً لمشروعيّة عمله الجديد والذي أقدم عليه خلافاً لسيرة الصحابة، وما كان يعمله في السنوات الست الأوائل من خلافته!

بعد كلِّ ما تقدّم.. يمكننا الجزم بأنَّ منشأ الخلاف ومسوّغات استفحاله إنَّما تعود بالكامل إلى الخليفة الثالث عثمان بن عفّان، فهو الذي راح يعرّض ويصرّح بمخالفيه، وأجهد نفسه في شتّى المناسبات لبيان أدلّته على صحّة وضوئه ـ بعد نسبته إلى النبيّ الأكرم (ص) ـ كقوله: سمعت رسول الله يقول:... أسبغوا الوضوء...، و... أحسنوا الوضوء... وما شابهها من العبارات التي من الممكن تسخيرها في دعم فكرة تكرار الغسل ثلاث مرّات، باعتبار أنَّ تكرار الغسل هو غاية الإسباغ ومن إحسان الوضوء، وهكذا الأمر في ابدال مسح الرجلين بغسلهما لأنـَّه يرى أنَّ الوضوء هو النظافة، والإسباغ هو المبالغة في النظافة، وأنَّ غسل الرجلين يكفي عن المسح; لأنـَّه مسح وزيادة!

ومحصلة المقال: أنَّ نزاعاً قد وقع بين عثمان والصحابة في قضيّة الوضوء; وأنَّ الذي وضع لبنة ذلك النزاع هو عثمان نفسه.

لِمَ الإحداث في الوضوء؟

والآن فلنعد ما طرحناه سابقاً:

كيف يتخطّى الخليفة سيرة رسول الله ويأتي بوضوء يغاير وضوء المسلمين؟ وما هو السبب الداعي لاتّخاذه هذا القرار مع علمه بأنّ ذلك يسبب معارضة الصحابة له، وربّما أدّى إلى أُمور لا تحمد عقباها؟

للإجابة عن هذا السؤال لابدّ من التمهيد للموضوع بمقدّمة وإشارة ـ ولو إجمالا ـ إلى دواعي اختلاف المسلمين في عهد عثمان وأسباب مقتل الخليفة.

فقد أجمع المؤرِّخون على أنَّ مقتل عثمان جاء لإحداثاته، ثمَّ فسَّروا تلك الإحداثات بإيثاره لأقربائه وإعطائهم الحكم والمال(97):

لكن هل أن هذه الاحداثات هي وحدها كانت السبب في مقتله؟

أم إنَّ هناك عوامل أُخرى لم يذكرها المؤرّخون؟

قال ابن أبي الحديد في شرحه للنهج، وهو في معرض حديثه عن إحداثات عثمان: إنَّها وإن كانت إحداثاً، إلاّ أنّها لم تبلغ الحدَّ الذي يستباح به دمه، وقد كان الواجب عليهم أن يخلعوه من الخلافة، حيث لم يستصلحوه لها، ولا يعجِّلوا بقتله(98)، فإذا ثبت ذلك، فما هو السبب إذَاً؟

نحن في الوقت الذي لا ننكر فيه ما للدوافع الماليّة والسياسيّة من أثر في توسيع رقعة الخلاف وإثارة الأُمّة ضدَّ الخليفة، إلاّ أنَّنا ـ ومع ذلك ـ نحتمل وجود سبب آخر ـ ومن وراء الكواليس ـ لم يبحثه الباحثون ولم يحقِّقوا فيه.

إذ إنَّ سوء سيرة الخليفة الماليّة ـ وكما قلنا ـ لا تستوجب القتل، وقد ثبت عن عثمان أنـّه كان يغدق الأموال بشكل وفير على الجميع، حتى احتمل البعض بأنَّ لينه، وسماحة طبعه وكرمه هما اللذان أدّيا إلى مقتله، وأنَّ إغداقه على أعدائه ليس بأقلّ ممّا خصّ به أقرباءه، فقد روي بأنَّ طلحة قد اقترض منه خمسين ألفاً; فقال لعثمان ذات يوم: قد تهيّأ مالك فأرسل من يقبضه، فوهبه له(99).

وفي مكان آخر: وصل عثمانُ طلحةَ بمائتي ألف، وكثرت مواشيه وعبيده، وقد بلغت غلّته من العراق وحدها ألف دينار يوميّاً.

يقول ابن سعد في طبقاته: لمّا مات طلحة كانت تركته ثلاثين مليوناً من الدراهم، وكان النقد منها مليونين ومائتي ألف درهم ومائتي ألف دينار.

فمن البعيد أن يكون طلحة ـ ذلك المنتفع ـ من المخالفين لسياسة عثمان الماليّة، فما هو السبب يا ترى؟ هل هو الطمع في الحكم، أم الغيرة على الدين؟

أنا لست من أنصار الشقّ الثاني من السؤال، بل أرى أنَّ الطمع في كرسي الحكم هو وراء موقف طلحة، وهذا ما كانت تتوقعه عائشة كذلك.

أمَّا بخصوص عبد الرحمن بن عوف، فقد حاول عثمان استمالته بأن وعده بالحكم; وقد أشار الإمام عليّ في كلام له مع ابن عوف إلى هذه الحقيقة، هذا من جهة.

ومن جهة أُخرى.. فالمعروف عن ابن عوف أنـّه كان صاحب ثروة هائلة وأموال وفيرة بلغت: ألف بعير، ومائة فرس، وعشرة آلاف شاة، وأرضاً كانت تزرع على عشرين ناضحاً، وخرجت كل واحدة من الأربع بنصيبها من المال الذي تركه، فكان أربعة وثمانين ألفاً(100).

/ 38