القربات يوم الغدير - عید الغدیر فی الإسلام والتتویج والقربات یوم الغدیر نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

عید الغدیر فی الإسلام والتتویج والقربات یوم الغدیر - نسخه متنی

عبدالحسین أمینی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

القربات يوم الغدير

بما أنّ هذا اليوم يومٌ أكمل الله به الدين وأتمّ النعمة على عباده، حيث رضي بمولانا أمير المؤمنين إماماً عليهم، ونصبه عَلماً للهدى، يحدو بالأُمة إلى سنن السعادة وصراط حقّ مستقيم، ويقيهم عن مساقط الهلكة ومهاوي الضلال، فلن تجد بعد يوم المبعث النبوي يوماً قد أُسبغت فيه النعم ظاهرةً وباطنةً، وشملت الرحمة الواسعة، أعظم من هذا اليوم الذي هو فرع ذلك الأساس المقدّس ومسدِّد تلك الدعوة القدسية.

كان من واجب كلّ فرد من أفراد الملأ الديني القيام بشكر تلكم النعم بأنواع من مظاهر الشكر، والتزلّف إليه سبحانه بما يتسنّى له من القرَب من صَلاة وصوم وبرّ وصلة رحم وإطعام واحتفال باليوم بما يناسب الوقت والمجتمع، وفي المأثور من ذلك أشياء، منها: الصوم.

حديث صوم يوم الغدير:

أخرج الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي المتوفّى 463، في تاريخه 8 : 290، عن عبد الله بن علي بن محمد بن بشران، عن الحافظ علي بن عمر الدارقطني، عن أبي نصر حبشون الخلال، عن علي بن سعيد الرملي، عن ضمرة بن ربيعة، عن عبد الله بن شوذب، عن مطر الوراق، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة قال: قال: من صام يوم ثمان عشر من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهراً، وهو يوم غدير خم، لمّا أخذ النبي (صلى الله عليه وسلم) بيد عليّ بن أبي طالب فقال: «ألست ولي المؤمنين؟» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «من كنت مولاه فعليّ مولاه»، فقال عمر بن الخطاب: بَخ بَخ لك يا بن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كلّ مسلم، فأنزل الله: ( اليوم أكملت لكم دينكم ) ومن صام يوم سبعة وعشرين من رجب كتب له صيام ستين شهراً، وهو أول يوم نزل جبريل (عليه السلام) على محمد (صلى الله عليه وسلم) بالرسالة.

ورواه بطريق آخر عن علي بن سعيد الرملي.

وأخرج العاصمي في زين الفتى قال: أخبرنا محمد بن أبي زكريا، أخبرنا أبو إسماعيل بن محمد الفقيه، أخبرنا أبو محمد يحيى ابن محمد العلوي الحسيني، أخبرنا إبراهيم بن محمد العامي، أخبرنا حبشون بن موسى البغدادي، حدّثنا علي بن سعيد الشامي، حدّثنا ضمرة، عن ابن شوذب... إلى آخر السند والمتن المذكورين، من دون ذكر صوم المبعث.

وأخرجه ابن المغازلي الشافعي في مناقبه، عن أبي بكر أحمد بن محمد بن طاوان، قال: أخبرنا أبو الحسين أحمد بن الحسين بن السماك، حدثني أبو محمد جعفر بن محمد بن نصير الخلدي، حدّثني علي بن سعيد الرملي... إلى آخر السند والمتن(203).

الخوارزمي في مناقبه : 94(205) ـ من طريق الحافظ البيهقي، عن الحافظ الحاكم النيسابوري ابن البيّع صاحب المستدرك، عن أبي يعلى الزبيري، عن أبي جعفر أحمد بن عبد الله البزاز، عن علي بن سعيد الرملي... إلى آخره ـ وشيخ الإسلام الحمويني في فرائد السمطين في الباب الثالث عشر، من طريق الحافظ البيهقي(207).

وترجمه الحافظ ابن عساكر في تاريخه 6 : 343 وقال سُئل عنه الإمام أحمد فقال: ما أحسن حديثه ووثّقه وأثنى عليه، وقال مرّة: ليس به بأس، وقال العجلي: هو شامي تابعي ثقة، ووثقه يحيى بن معين، وقال يعقوب بن شيبة: هو ثقةٌ على أنّ بعضهم طعن فيه(209).

وترجمه ابن حجر في تهذيب التهذيب 4 : 370، وحكى عن أحمد ثقته وحسن حديثه والثناء عليه، وعن البخاري حسن حديثه وقوّة أمره، وعن ابن معين ثقته وثبته، وعن العجلي ويعقوب والنسوي ثقته، وعن أبي جعفر الطبري أنه كان فقيهاً قارئاً عالماً. وهناك من ضعّفه، فهو كما قال أبو الحسن القطّان: لم يسمع له حجّة(210).

وقد أخرج الحديث عنه البخاري ومسلم والأئمة الأربعة الآخرون أرباب الصحاح: الترمذي، أبو داود، النسائي، ابن ماجة.

3 ـ مطر بن طهمان الورّاق أبو رجاء الخراساني، مولى علي، سكن البصرة وأدرك أنساً:

عدّه الحافظ أبو نعيم من الأولياء، وأفرد له ترجمة في حليته 3 : 75، وروى عن أبي عيسى أنه قال: ما رأيت مثل مطر في فقهه وزهده.

وترجمه ابن حجر في تهذيبه 10 : 167، ونقل قول أبي نعيم المذكور، وذكر ابن حبّان له في الثقات، وعن العجلي صدقه ونفي البأس عنه، وعن البزّاز: ليس به بأس رأى أنساً ولا نعلم أحداً يترك حديثه، مات 125، وقيل: 129، وقيل: قتله المنصور قرب 140(211).

أخرج عنه الحديث البخاري، ومسلم وبقية الأئمّة الستّة أرباب الصحاح.

4 ـ أبو عبد الرحمن بن شوذب:

ذكره الحافظ أبو نعيم من الأولياء في حليته 6 : 129-135، وروى عن كثير بن الوليد أنّه قال: كنت إذا رأيت ابن شوذب ذكرت الملائكة.

وحكى الجزري في خلاصته:170 عن أحمد وابن معين ثقته(212).

وفي تهذيب ابن حجر 5 : 255 ما ملخّصه: سمع الحديث وتفقّه، كان من الثقات، قال سفيان الثوري: كان من ثقات مشايخنا، ونقل ابن خلفون توثيقه عن ابن نمير وغيره، وعن أبي طالب والعجلي وابن عمار وابن معين والنسائي: أنه ثقة، ولد 86، وتُوفّي 144/156/157، أخرج حديثه الأئمة الستّة غير مسلم، وصحّح حديثه الحاكم في المستدرك والذهبي في تلخيصه(213).

5 ـ ضمرة بن ربيعة القرشي، أبو عبد الله الدمشقي، المتوفّى 182 - 200 - 202:

ترجمه الحافظ ابن عساكر في تاريخه 7 : 36، وحكى عن أحمد أنه قال: بلغني إنّه كان شيخاً صالحاً، وقال لما سئل عنه: ذلك الثقة المأمون رجلٌ صالحٌ مليح الحديث، ونقل عن ابن معين ثقته، وعن ابن سعد: كان ثقةً مأموناً خيّراً لم يكن هناك أفضل منه، وعن ابن يونس: كان فقيهاً في زمانه(214).

وذكر الجزري في خلاصته : 150 ثقته عن أحمد والنسائي وابن معين وابن سعد(215).

وفي تهذيب ابن حجر ما ملخّصه: عن أحمد: رجل صالح الحديث من الثقات المأمونين لم يكن بالشام رجل يشبهه، وعن ابن معين والنسائي وابن حبان والعجلي: ثقةٌ، وعن أبي حاتم: صالحٌ، وعن ابن سعد وابن يونس ما مرّ عنهما. أخرج الحديث من طريقه الأئمة أرباب الصحاح غير مسلم، وصحّح حديثه الحاكم في المستدرك والذهبي في تلخيصه(216).

6 ـ أبو نصر علي بن سعيد أبي حملة الرملي:

المتوفى 216، كذا أرّخه البخاري(217).

وثّقه الذهبي في ميزان الاعتدال 2 : 224 وقال: ما علمت به بأساً، ولا رأيت أحداً إلى الآن تكلَّم فيه، وهو صالح الأمر، ولم يُخرج له أحدٌ من أصحاب الكتب الستّة مع ثقته(218).

وترجمه بعنوان علي بن سعيد أيضاً وقال: يثبت في أمره كأنه صدوق(219).

واختار ابن حجر ثقته في لسانه 4 : 227 وأورد على الذهبي وقال: إذا كان ثقة ولم يتكلّم فيه أحد فكيف تذكره في الضعفاء(220)!.

7 ـ أبو نصر حبشون بن موسى بن أيوب الخلال المتوفّى 331:

ترجمه الخطيب البغدادي في تاريخه 8 : 289 - 291 وقال: كان ثقةً يسكن باب البصرة من بغداد، وحكى عن الحافظ الدارقطني: أنه صدوق.

8 ـ الحافظ عليّ بن عمر أبو الحسن البغدادي الشهير بدارقطني صاحب السنن المتوفّى 385:

ترجمه الخطيب البغدادي في تاريخه 12 : 34 - 40 وقال: كان فريد عصره، وقريع دهره، ونسيج وحده، وإمام وقته، انتهى إليه علم الأثر والمعرفة بعلل الحديث، وأسماء الرجال، وأحوال الرواة، مع الصدق، والأمانة، والفقه، والعدالة، وقبول الشهادة، وصحّة الإعتقاد، وسلامة المذهب، والإضطلاع بعلوم سوى علم الحديث. وحكى عن أبي الطيب طاهر بن عبد الله الطبري أنّه قال: كان الدارقطني أمير المؤمنين في الحديث، وما رأيت حافظاً ورد بغداد إلاّ مضى إليه وسلّم له، يعني: فسلّم له التقدمة في الحفظ وعلوّ المنزلة في العلم، ثم بسط القول في ترجمته والثناء عليه.

وترجمه ابن خلكان في تاريخه 1 : 359 وأثنى عليه(221)، والذهبي في تذكرته 3 : 199 - 203 وقال: قال الحاكم: صار الدارقطني أوحد عصره في الحفظ والفهم والورع، وإماماً في القرّاء والنحويّين، وأقمتُ في سنة سبع وستين ببغداد أربعة أشهر، وكثر اجتماعنا، فصادفته فوق ما وُصف لي، وسألته عن العلل والشيوخ، وله مصنّفات يطول ذكرها، فأشهد أنّه لم يخلف على أديم الأرض مثله... إلى آخره(222).

وهناك توجد في كثير من المعاجم جمل الثناء عليه في تراجم ضافية لا نطيل بذكرها المقام، ولقد أطلنا القول في إسناد هذا الحديث لأن نوقفك على مكانته من الصحّة، وأنّ رجاله كلّهم ثقات، وبلغت ثقتهم من الوضوح حدّاً لا يسع معه أيّ محوّر للقول أو متمحّل في الجدل أن يغمز فيها، فتلك معاجم الرجال حافلة بوصفهم بكلّ جميل.

[ شبهة ابن كثير حول صوم يوم الغدير ]

فإذا وضح لديك ذلك فهلم معي إلى ما يتعقّبه ابن كثير(232) هذا الحديث، ويحسب أنّه حديث منكَر بل كذب، لِما رُوي من نزول الآية يوم عرفة من حجّة الوداع!

وإن تعجب فعجب أن يجزم جازم بمنكريّة أحد الفريقين في الروايات المتعارضة وهما متكافئان في الصحة، فليت شعري أيّ مرجّح في الكفّة المقابلة لحديثنا بالصحة، وما المطفف في الميزان في كفّه هذا الحديث؟! مع إمكان معارضة ابن كثير بمثل قوله في الجانب الآخر، لمخالفته لما اثبتناه من نزول الآية الكريمة، وهل لمزعمة ابن كثير مبرّر؟ غير أنّه يهوى أن يزحزح القرآن الكريم عن هذا النبأ العظيم! وإلاّ لكان في وسعه أن يقول كما قال سبط ابن الجوزي في تذكرته : 18 : بإمكان نزولها مرّتين(233)، كما وقع في البسملة وآيات أخرى قدّمنا ذكرها ص 257(234).

ولابن كثير في تاريخه 5 : 214 شبهة أخرى في تدعيم إنكاره للحديث، وهي: حسبان أنّ ما فيه من أنّ صوم يوم الغدير يعدل ستّين شهراً يستدعي تفضيل المستحبّ على الواجب، لأنّ الوارد في صوم شهر رمضان كلّه أنّه يقابل بعشرة أشهر، وهذا منكر من القول باطل! انتهى(235).

[ دفع شبهة ابن كثير ]

ويقال في دحض هذه المزعمة بالنقض تارة، وبالحلّ أخرى:

أمّا النقض: فبما جاء من أحاديث جمّة لايسعنا ذكر كلّها، بل جلّها(236)، ونقتصر منها بعدّة أحاديث، وهي:

1 ـ حديث من صام رمضان ثم أتبعه بستّ من شوال فكأنّما صام الدهر.

3 ـ كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يأمر بصيام الأيّام البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة ويقول: «هو كصوم الدهر أو كهيئة الدهر».

أخرجه ابن ماجة في سننه 1 : 522(248)، والدارمي في سننه 2 : 19.

4 ـ ما من أيّام الدنيا أيّام أحبّ إلى الله سبحانه أن يتعبّد له فيها من أيّام العشر في ذي الحجّة، وأنّ صيام يوم فيها ليعدل صيام سنة وليلة فيها بليلة القدر.

أخرجه ابن ماجة في سننه 1 : 527(249)، والغزالي في إحياء العلوم 1 : 227 وفيه: من صام ثلاثة أيّام من شهر حرام: الخميس والجمعة والسبت كتب الله له بكلّ يوم عبادة تسعمائة عام(250).

5 ـ عن أنس بن مالك قال: كان يقال في أيّام العشر بكلّ يوم ألف يوم، ويوم عرفة عشرة آلاف يوم. قال: يعني في الفضل.

أخرجه المنذري في الترغيب والترهيب 2 : 66، نقلاً عن البيهقي والإصبهاني(251).

6 ـ صيام ثلاثة أيّام من كلّ شهر صيام الدهر وإفطاره.

جرير: صيام ثلاثة أيام من كلّ شهر كصيام الدهر ثلاث أيام البيض(263)، وأخرجه الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب 2 : 33(264)، وذكره ابن حجر في سبل السلام 2 : 234 وصحّحه(265).

أخرجه ابن حبان عن عائشة كما في الجامع الصغير 2 : 78(266)، وأخرجه الطبراني في الأوسط، والبيهقي كما في الترغيب والترهيب 2 : 27 و66(267).

8 ـ عن عبد الله بن عمر قال: كنّا ونحن مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) نعدل صوم يوم عرفة بسنتين.

رواه الطبراني في الأوسط(268)، وهو عند النسائي بلفظ: سنة(269)، كما في الترغيب والترهيب 2 : 27(270) .

أخرجه الحافظ الدمياطي(271) في سيرته كما في السيرة الحلبية 1 : 254(272)، ورواه الصفوري في نزهة المجالس 1 : 154.

10 ـ عن أبي هريرة وسلمان عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : «إنّ في رجب يوماً وليلة من صام ذلك اليوم وقام تلك الليلة كان له من الأجر كمن صام مائة سنة وقامها، وهي: لثلاث بقين من رجب».

رواه الشيخ عبد القادر الجيلاني في غنية الطالبين(273)، كما في نزهة المجالس للصفوري 1 : 154.

11 ـ شهر رجب شهرٌ عظيمٌ، من صام منه يوماً كتب الله له صوم ثلاثة آلاف سنة.

رواه الكيلاني في غنيته، كما في نزهة المجالس للصفوري : 153(274).

12 ـ من صام يوم عاشوراء فكأنما صام الدهر كلّه، مكتوب في التوراة.

ذكره الصفوري في نزهته 1 : 174(275).

13 ـ من صام يوماً من المحرّم فله بكلّ يوم ثلاثون يوماً.

رواه الطبراني في الصغير(276)، كما ذكره الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب 2 : 28(277).

وأمّا الحلّ، فليس عندنا أصل مسلّم يركن إليه في لزوم زيادة أجر الفرائض على المثوبة في المستحبات، بل أمثال الأحاديث السابقة في النقض ترشدنا إلى إمكان العكس، بل وقوعه، وتؤكّد ذلك الأحاديث الواردة في غير الصيام من الأعمال المرغّب فيها.

على أنّ المثوبة واقعة تجاه حقائق الأعمال ومقتضياتها الطبيعية، لا ما يعروها من عوارض كالوجوب والندب حسب المصالح المقترنة بها، فليس من المستحيل أن يكون في طبع المندوب في ما هيّات مختلفة، أو بحسب المقارنات المحتفّة به في المتّحدة منها، ما يوجب المزيد له.

ويقال في المقام: إنّ ترتّب المثوبة على العمل إنّما هو بمقدار كشفه عن حقيقة الإيمان، وتوغّله في نفس العبد، وممّا لا شك فيه أنّ الإتيان بما هو زائدٌ على الوظائف المقرّرة من الواجبات وترك المحرّمات من المستحبات والتجنّب عن المكروهات أكشف عن ثبات العبد في مقام الإمتثال، وخضوعه لمولاه، وحبّه له، وبه يكمل الإيمان، ولم يزل العبد يتقرّب به إلى المولى سبحانه حتى أحبه كما ورد فيما أخرجه البخاري في صحيحه 9 : 214 عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : «إنّ الله عزّوجلّ قال: ما يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أُحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده الّذي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها...» الحديث(279).

وهذا الذي يستفاد من غير واحد من آيات الكتاب العزيز، نظير قوله تعالى: ( إنّ المتَّقين في مقام أمين في جنّات وعيون يَلبسون مِن سندس واستبرق متقابلين كذلك وزوجناهم بحور عين يدعون فيها بكل فاكهة آمنين لا يذوقون فيها الموت الا الموتَةَ الأولى ووقاهم عَذاب الحجيم فضلاً من ربك ذلك هو الفوز العظيم ) سورة الدخان(280)، فكلّ ما هناك من النعيم والمثوبات إنّما هو بفضله وإحسانه سبحانه وتعالى.

قال الفخر الرازي في تفسيره 7 : 459: احتجّ أصحابنا بهذه الآية على أنّ الثواب يحصل تفضّلاً من الله تعالى لا بطريق الإستحقاق، لأنّه تعالى لَمّا عدد أقسام ثواب المتّقين بيّن أنّها بأسرها إنّما حصلت على سبيل الفضل والإحسان من الله تعالى ... ثم قال تعالى: ( ذلك هو الفوز العظيم )، واحتجّ أصحابنا بهذه الآية على أنّ التفضيل أعلى درجة من الثواب المستحق، فإنّه تعالى وصفه بكونه فضلاً من الله، ثم وصف الفضل من الله بكونه فوزاً عظيماً، ويدل عليه أيضاً أنّ الملك العظيم إذا أعطى الأجير أجرته ثم خلع على إنسان آخر، فإنّ تلك الخلعة أعلى حالاً من إعطاء تلك الأجرة. انتهى(281).

وقال ابن كثير نفسه في الآية الشريفة في تفسيره 4 : 147: ثبت في الصحيح عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنّه قال: «اعملوا وسدّدوا وقاربوا واعلموا، انّ أحداً لن يُدخله عمله الجنّة»، قالوا: ولا أنت يا رسول الله! قال: «ولا أنا، إلاّ أن يتغمّدني الله برحمة منه وفضل» انتهى.

وبوسعك استشعار هذا المعنى من الصحيح الذي أخرجه البخاري في صحيحه 4 : 264 عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: «حقّ الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحقّ العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً»(282).

وأنت جدّ عليم بأنّ هذا المقدار من الحق الثابت على الله للعباد إنّما هو بتقرير العقل السليم، وأمّا الزائد عليه من النعيم الساكت عنه نبي البيان فليس إلاّ الفضل والإحسان من المولى سبحانه.

وأنت تجد في معاملات الدول مع أفراد الموظفين أنه ليس بإزاء واجباتهم وعدم الخيانة فيها من الأجر إلاّ الرتبة والراتب، وإنّما يحظى أحدهم بترفيع في المرتبة أو زيادة في الرتبة بخدمة زائدة على مقرّراتها عليهم، وليس في الناس من ينقم على الحكومات ذلك، وهذه الحالة عيناً جاريةٌ بين الموالي والعبيد، وهي من الارتكازات المرتسخة في نفسيات البشر كلّهم، غير أنّ الله سبحانه بفضله المتواصل يثيب العاملين بواجبهم بأُجور جزيلة.

وهاهنا كلمةٌ قدسيّة لسيّدنا ومولانا زين العابدين الإمام الطاهر عليّ بن الحسين صلوات الله عليهما وآلهما، لا منتدح عن إثباتها، وهي قوله في دعائه إذا اعترف بالتقصير عن تأدية الشكر من صحيفته الشريفة:

اللّهم إنّ أحداً لا يَبْلُغُ مِنْ شُكْرِكَ غايةً إلاّ حَصَلَ عَلَيْهِ مِنْ إحسَانِكَ مَا يُلزِمُهُ شُكْرَاً، ولاَ يَبلُغُ مَبْلغاً مِنْ طَاعَتِكَ وإن اجْتَهَدَ إلاّ كانَ مُقصِّراً دُونَ استِحقَاقِكَ بِفَضْلِكَ، فَأشْكَرُ عِبَادِكَ عَاجِزٌ عَنْ شُكْرِكَ، وأعبدُهُمْ مُقصّرٌ عَنْ طَاعَتِكَ، لايَجِبُ لأَحد أنْ تَغفِرَلَهُ بِاستِحقاقِهِ، ولاَ أنْ تَرْضَى عَنهُ باستِيجابِهِ، فَمَنْ غفرتَ لهُ فَبِطَولِكَ، ومَنْ رَضِيتَ عَنهُ فَبفَضلِكَ، تَشْكُرُ يَسيرَ مَا شُكِرتَ بهِ، وتُثيبُ علَى قَليلِ ما تُطاعُ فيهِ، حتَّى كأنَّ شُكْرَ عِبَادِكَ الّذي أَوْجَبْتَ عليهم ثَوابَهُمْ، وأعظَمْتَ عَنهُ جَزاءهُمْ، أمرٌ مَلكُوا استطاعَةَ الإمتِنَاعِ مِنهُ دُونَك فَكافَيتَهمْ، أو لم يكُنْ سبُبهُ بيَدِكَ فجازَيتُهمْ، بَلْ ملَكْتَ يا إِلهي أمرهُمْ قَبلَ اَنْ يَملِكُوا عَبادَتَكَ، واَعْدَدْتَ ثَوابهُم قَبلَ أَنْ يُفيضُوا في طَاعَتِكَ، وذلِكَ أنَّ سُنَّتكَ الإفضالُ، وَعادَتكَ الإحسَانُ، وَسَبيلكَ العفْوُ.

/ 10