مهمات مشبوهة فی الدیار المقدسة (5) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مهمات مشبوهة فی الدیار المقدسة (5) - نسخه متنی

حسن السعید

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید



من الطيف الاستعماري


فبعد مرور خمس سنوات على وفاة
«بيركهارت» في القاهرة، حيث دُفن هناك، ودُفنت معه أخطر الأسرار عن طبيعة
مهمته، لتكون القاهرة على موعد آخر مع شخص غامض قادم هذه المرّة من العالم
الجديد (أمريكا)، وليس من أوروپا، كما كان المألوف في تلك الأيّام!، وبهذا
تكون أمريكا قد دشّنت حضورها الذي سيتكثّف
لاحقاً.

ففي عام 1823، وصل «اينجليش» المخبر
السري لدى وزير الخارجية الأمريكي «أدامز» الى مصر، واعتنق الاسلام، وانخرط
في جيش والي مصر محمد علي (باشا)، وحاول بكلّ الوسائل أن يوسّع الاتصالات مع
السلطات المحلية. ونتيجة هذا النشاط المتعدد الجوانب وجه الرئيس الأمريكي
«جاتسون» 1829م بعثة خاصة الى اسطنبول، بغية توقيع المعاهدة الأمريكية ـ
العثمانية الأولى. وممّا له دلالته أنّ رئيس البعثة هو قائد عمارة المتوسط
الأمريكية «بيدل»، وأنّ أعضاءها هم من كبار تجار الأفيون. وفي 7 مايس (مايو)
1830 وقعت أول معاهدة عثمانية هيّأت لتجار الأفيون والدبلوماسيين الأمريكان
إمكانيات واسعة للتغلغل في المنطقة العربية36.

في تلك الأثناء، وخاصة خلال السنوات
العشر، بين 1826 ـ 1836م، كان قد تمّ تخطيط سواحل الجزيرة العربية،
من قبل البعثات الانكليزية، وكان من نتائج هذين; التخطيط والإعداد ،
الهجوم الانكليزي العسكري على عدن واستعمارها، في حين كانت عُمان قد وقعت
قبلها تحت النفوذ الانكليزي.

وفتح استعمار عدن الطريق
واسعاً، أمام الانكليز، لمدّ نفوذهم الى جميع أنحاء العالم العربي.. وقد
استغل كثير من علماء الآثار والمستشرقين والدبلوماسيين وجود الانكليز في جنوب
الجزيرة، فرحلوا الى هناك، للبحث والتنقيب عن الآثار الحضارية القديمة37، فيما يظلّ اختراق
الديار المقدسة طموحاً يراود الجميع. ونكتفي بايراد نموذج واحد.

بوتا; المحاولة الفاشلة

في عام 1836م، رحل عالم الآثار
الفرنسي «أميل بوتا»، الذي كان يعمل كمستشار ديبلوماسي في القنصلية الفرنسيّة
في الاسكندرية الى اليمن، ومن اليمن رحل الى العراق، حيث زار بغداد والموصل،
ثم انتقل الى طرابلس، فالقدس. وكان الارتباط بين العلم والديبلوماسية وثيقاً،
وذلك لتبرير البعثات الاستعمارية وأهدافها، التي تقوم بالتنقيب عن الآثار
القديمة، وتكوين علاقات مع العشائر والتجار. ومع المعروف، أيضاً، أنّ أغلب
الموظفين الكبار، الذين كانوا يعملون في السفارات والقنصليات الأوروپية، خلال
القرن التاسع عشر، كانوا من العلماء والمستشرقين، وبصورة خاصة في القنصليات
الانكليزية والفرنسية.

و«أميل بوتا» كان من أولئك العلماء،
الذين رحلوا، على رأس بعثة علمية من قبل حديقة الحيوانات في باريس، للبحث في
التاريخ الطبيعي لمصر وسيناء واليمن. وقد ساعدته الظروف، حينذاك، لجهة
الاستقرار السياسي النسبي، الذي ساد الجزيرة العربيّة، فقام باعداد بعض
البحوث والتقارير عن التاريخ الطبيعي والخلافات العشائرية، فأقام علاقات
وطيدة مع الشيخ حسن، أحد رُؤساء العشائر الكبيرة، الذي كان بينه وبين إمام
صنعاء خلافات حادّة، ممّا جعله يتقرّب الى ابراهيم باشا بن محمد علي باشا
الكبير. وكانت هذه العلاقة قد وفّرت له إمكانية زيارة أجزاء كبيرة من الأراضي
الجبلية في اليمن. وبمساعدة من جنود الشيخ حسن وخدمه، استطاع، أيضاً، الوصول
الى قمّة جبل سبإ، الذي لم يستطع «فورسكال» الوصول اليه، من قبل. إلاّ أنّ
الفرصة لم تسنح لبوتا لزيارة الأماكن المقدسة في مكة والمدينة، وذلك لسبب أنّ
الحجاز أصبح منذ 1841م جزءاً من اليمن، وخضع لسلطة الدولة العثمانية، وبات
عليه أن يحصل على «فرمان» من السلطان، لزيارة مكة والمدينة38.

ولم يكن «بوتا» الأوروپي الوحيد الذي
أخفق في الوصول الى الديار المقدسة، وقد عزفنا عن ذكر البقيّة، وليس هناك من
مهمة يكتنفها الغموض تستحق التوقّف غير تلك التي قام بها كلّ من «روش»
و«فالين».

روش: المشروع الخائب

و«ليون روش» أحد مشاهير الرّحالة
الفرنسيين الى الجزيرة! ولد في «غرينوبل» عام 1809م، فاحتضنته خالته، بعد
وفاة أمّه وهجرة والده الى الجزائر. وحين بلغ الثالثة والعشرين ترك دراسة
القانون وانضمّ الى والده في الجزائر، كضابط في الحرس الوطني. وهناك وقع روش
الحالم في حبّ فتاة من الارستقراطية الجزائرية في الرابعة عشرة من العمر تدعى
خديجة، لكن أهلها رفضوا السماح لها بالزواج من
مسيحي.

وانصرف «روش» الى تعلّم العربية; لكي
يتمكّن من مراسلة خديجة عن طريق خادمتها، وبعد ذلك أصبح مترجماً في الحملة
الفرنسية ضد الزعيم الوطني عبدالقادر الجزائري، لكن بدلا من أن يكنّ الكره
والبغضاء لعبد القادر نمت لدى «روش» موجة إعجاب شديد بالزعيم الثائر. وما لبث
أن اعتنق الاسلام من أجل أن «يجمع بين الجزائر المسلمة وفرنسا المسيحية». ثم
سافر في داخل الجزائر أياماً طويلة الى أن بلغ مضارب الأمير عبدالقادر. وقد
اعجب الأمير بصدق «ليون روش» بحيث تكفّل شخصيّاً بتدريسه التعاليم القرآنية،
وجعله مساعده الخاص. وحين عثر والد «روش» على معسكر عبدالقادر اتجه اليه
وتوسّل ابنه به للعودة معه لكنه رفض. وقد أثّر ذلك في نفس عبدالقادر تأثيراً
كبيراً. وبعد فترة انتقل الأمير وقواته الى بلدة «عين مهدي» فحاصروها أربعة
أشهر. وحين دخلوا اليها اكتشف «روش» أن حبيبته خديجة كانت بين الضحايا!، ومثل
جميع رومانسيي القرن التاسع عشر أراد الانضمام اليها، لكن عبدالقادر ثناه
طالباً اليه الاستعداد لحملة على الفرنسيين، فتردّد ثم امتنع، وأطلقه
عبدالقادر في سبيله غاضباً، قائلا له: جزاؤك في الاسلام جزاء المرتدين. لكنني
أترك معاقبتك لله!

عاد «روش» الى پاريس، يوم كانت تعجّ
«بالمستشرقين»، فانضمّ الى موظفي الدولة الفرنسية، وعادت اليه أحلامه بالجمع
بين الجزائر وفرنسا، وهكذا وضع مشروع «فتوى» في هذا الشأن، وذهب الى جامعة
برقة في ليبيا; لكي يطلب الى العلماء التصديق عليها، فأحالوه بدورهم على
علماء الأزهر، الذين قالوا : إنّ مجلس العلماء في مكة المكرمة وحده
يستطيع التصديق عليها.

خلال وجوده في القاهرة تعرّف «روش»
الى محمد علي باشا، حيث أعرب الزعيم المصري عن تقديره لكفاح الشعب الجزائري
ضد الفرنسيين، وقد أعجب محمد علي بصدق «روش» ونواياه، لكنه لم يؤخذ كثيراً
بمدى اعتناقه الاسلام. وكتب «روش»، فيما بعد، أنه رأى في عيني محمد علي تلك
القسوة التي أمرت بمذبحة المماليك. ومن القاهرة أخذ الفرنسي الطريق البري الى
السويس ثم بالباخرة الى «ينبع»، حيث أثارته معاملة الحجاج الجزائريين الذين
حشروا كلّ 200 في مقصورة، تتسع فقط لخمسين شخصاً، وقد كتب يشكو شركة النقل
الى محمد علي، والباب العالي، والقناصل الأوروپيين في
جدّة.

وبعد أيام من وصوله اتجه «روش» الى
الطائف حيث عرض على مجلس للعلماء المشروع الذي جاء من أجله. ومن هناك اتجه
الى عرفات، حيث تعرّف إليه جزائريان . . .، وفجأةً رأى نفسه
محمولا على أكف ستة من الزنوج الأشداء الذين شدّوا وثاقه الى أحد الجمال
السريعة، فنقل الى جدّة، حيث وضع على سفينة أقلته الى مصر. وتبيّن فيما بعد
أنّه وضع على سفينة أقلته الى مصر، وأن محمد علي وضع حرّاساً يراقبون تحرّكات
«روش» ويحمونه في وقت واحد.

كانت طموحات وأشياء كثيرة تتنازع
«ليون روش» الذي وجد نفسه في خدمة الجهاز السرّي الفرنسي. وحين عاد الى
اوروپا انتابته نوبة من الندم، من جرّاء عمله التجسسي، فرأى أن الطريق الوحيد
الى الهرب هو الانتماء الى سلك الرهبنة، فذهب الى روما وانضمّ الى اليسوعيين،
إلاّ أنّ الفرنسيين لم يقبلوا استقالته، وأقنعوا البابا غريغوري الثامن عشر
بعدم قبوله، وهكذا عاد الى الجزائر; لكي يساهم في هزيمة الأمير الكبير
عبدالقادر، وأنهى حياته سفيراً لفرنسا في
اليابان.

كان «ليون روش» الفرنسي يشبه الى حدّ
كبير البريطاني، الذي جاء بعده بعشر سنوات، «ريتشارد بورتون» الذي تنازعته،
هو الآخر، مشاعر وأهواء كثيرة من الامپريالية الى الوصولية الى الشغف بما
رأى39.

/ 11