كيف عومِلَ الرسول؟
استقبل
الملك الأشرف الشيخ صفا الهروي في الاصطبل السلطاني، وقام الشيخ بتلاوة رسالة
شاهرخ بصوت عال، وكان الملك الأشرف يستمع. وأمّا الرسالة فكانت تسمّى ـ بلسان
شاهرخ ـ سلطان مصر نائباً لشاهرخ، ويأمره فيها أن يبدأ خُطَبَه ويضرب
المسكوكات النقدية باسمه. فلمّا انتهى الشيخ من قراءة هذه الفقرة من الرسالة،
تقدّم الشيخ نحو السلطان ليسلّمه الخلعة، التي أرسلت إليه من خراسان لكي
يلبسها، وكذلك أرسل مع الخلعة المذكورة تاجاً للملك الأشرف.
فشاط
بالملك الأشرف الغضبُ، وأمر بتمزيق الخلعة، واُمِرَ بالشيخ التّعيس فضُرِبَ
ضرباً مبرحاً، وغطِّسَ بالمسكين في حوض الإصطبل في يوم ذي زمهرير، حتى شارف
الشيخ على الموت، ولم يتجرأ أحد على التوسّط لإنقاذه. ويقول ابن تغري بردي ما
شرحه: أنّه لم يَرَ السلطانَ في هذه الحالة من الغضب فيما مضى قطّ. ثم دعا
السلطان الشيخَ صفا وسلّمه رسالة تحتوي على مضامين عنيفة وعبارات شديدة
جواباً على من بعثه. ومن بعض ما قاله السلطان في رسالته هو أنّه لن يقبل
شاهرخ هذا أن يكون حتى أصغر
حرّاسه الليليين في أقصى قرية تقع تحت ملكه، وهو يدعوه نائباً له على مصر.
فأمر أن يُطرد مبعوث شاهرخ ومرافقيه من مصر ويركبوا البحر راجعين. فوصل
الجماعة الى مكّة، وظلّوا هناك حتى جاء موسم الحجّ فأدّوا المراسم، وطفقوا
راجعين الى بلدهم.
وأمّا ابن
تغري بردي فقد وصف ضرب وشتم مبعوث شاهرخ وتمزيق الرسالة بأنّه من أفضل أعمال
الملك الأشرف وأقدرها، وقام بكيل المديح له على فعلته تلك، التي لم تكن
لتُضاهيها فعِلةٌ اُخرى طول فترة حكم السلطان المذكور. وأمّا الملك الأشرف
فلم يبق على قيد الحياة بعد تلك الواقعة طويلا، حيث مات سنة 841هـ .
وتسلّم العرش مكانه ابنه الملك العزيز، الذي لم يدم حكمه فترة طويلة، وخُلِعَ
عن ملكه وارتقى العرش مكانه الملك الظاهر.
حُلم السائس الذي تحوّل الى واقع!
في يوم 12
جمادى الآخرة سنة 843هـ . دعا الملك الظاهر مبعوث شاهرخ القادم من هرات،
وكتب مؤرخو خراسان من جملتهم عبد الرزاق وخواند مير يقولون: كان جقماق بيك ـ
وهو نفسه الملك الظاهر ـ سائساً أيام حكم الملك الأشرف. فرأى في ليلة حُلماً
وكأن شاهرخ رفعه وأجلسه على العرش. فلمّا وصل جقماق هذا الى الحكم، أرسل
معبوثاً الى شاهرخ في هرات يُدعى جيجكتوقا، الذي كان من الأمراء الخاصين
عنده. فوصل جيجكتوقا الى هرات في 843هـ . ووُفِّقَ الى تقبيل يد
شاهرخ.
مبعوث مصر يلقى حفاوة
بالغة:
سأل شاهرخ
المبعوث المصري عن أحوال الملك الظاهر بعد أن أجلسه عن يمينه، وأقيم له
استقبال منقطع النظير وضيافة كريمة، وكانت معظم الأواني والأطباق المستخدمة
في تلك الضيافة مطعّمة بالجواهر الحمراء. وأقام له الأمراء الآخرون ضيافة
مستقلّة وقدّموا إليه هدايا ثمينة جدّاً.
علماء مصر يطلبون كتباً من خراسان
:
وفي هذه
المرّة على عكس المرّة السابقة طلب علماء مصر من خراسان كتباً عِدّة. وتقدّم
جيجكتوقا بطلب من السلطان جقماق (الملك الظاهر) لإرسال خمسة كتب قيّمة من
مكتبة هرات هي:
1 ـ
تأويلات أهل السُّنّة والجماعة للشيخ أبو منصور الماتربدي.
2 ـ
التفسير الكبير للعلاّمة الرازي.
3 ـ شرح
تلخيص جامع للخواجة مسعود البخاري.
4 ـ شرح
الكشّاف لمولانا علاء الدين بهلوان.
5 ـ
الروضة، في المذهب الشافعي.
وروى خواند
مير أنّه بالرغم من وجود تلك الكتب في مكتبة هرات إلاّ أن تلك الكتب اُمر بها
أن تُكتَبَ بخطّ جيّد وجديد وتمَّ فهرستها، واُعطيت الى جيجكتوقا. وبعد أن
تسلَّم جيجكتوقا مبلغ (50) الف دينار وهدايا ثمينة اُخرى عاد الى مصر. واُعطي
لكلّ خادم له وهم خمسون، الف دينار كهدية له إضافة الى الفرس والحُلّة
الشخصية. ثم أمر شاهرخ حكّامهُ في اصفهان وشيراز ويزد وكاشان أن يقوموا
باستقبال مبعوث مصر ومرافقيه أحسن استقبال، وأن يقدّموا لهم ما استطاعوا من
الهدايا.