أصحاب الضمائر الحرة، التي لا تريد ان تجعل الدنيا ثمناً لأنفسها، ولا عوضاً عن حريتها، فإنّهم لا يزالون يدفعون بأنفسهم في معامع العراك إظهاراً للحق، ويلقون بها بين سمر القنا وبيض السيوف ردعاً للباطل وقمعاً لأهله غير مبالين، فإذا احببت ان تكون منهم فكن. ويمكن ان اذكر لك هذه المسئلة بنحو أوسع واثبتها لك من أقلام كتبة المسيحيين تأكيداً لإيمانك بها، وإخراجاً للشك من نفسك فيها، فاستمع. قال الياس ابو غنام في صفحة 18 إلى ص... من الجزء الأوّل من كتاب البراهين الجلية، حاكياً عن أحد الرهبان بيان سبب إيمانه بمحمّد(صلى الله عليه وآله)لقيصر الروم عند دخوله بيت المقدس، ومجيء كتاب محمّد(صلى الله عليه وآله) يدعوه فيه إلى الإسلام، والحديث طويل. قال عن ذلك الراهب (منذ نيف واربعين سنة كان يقيم في دير صغير في مدينة بصرى راهب اسمه بحيرا كان على جانب عظيم من علم الفلك والطوالع والحكمة، واسمه الأصلي يوحّنا، ولكن الكلدانيين لقبوه بحيرا يعني العالم المدقّق، لقبوه بذلك لطول باعه في جميع العلوم، والبعض يظنون انّه ساحراً نظراً لقوّة فراسته وحسن نظره، وكان بيني وبين هذا الراهب صداقة قويّة حيث صحبته سنيناً طويلة وكان مؤنسي في وحشتي واستاذي في حياتي، وله القدح المعلى في المبادىء والآداب، وما زلت أعجب به وأتحدّاه وأسير في أثره إلى هذا اليوم) ثم ذكر عن ذلك الراهب حكايته عن ورود قافلة من الحجاز فيها محمّد(صلى الله عليه وآله) واجتماع بحيرا به ثم رجوعه إلى