الوساوس أن يقع عليه في عميقات غيوب ملكوته(1)، وتولّهت القلوب إليه(2) لتجري في كيفيّة صفاته، وغمضت مداخل العقول في حيث لا تبلغه الصفات لتناول علم ذاته، ردعها وهي تجوب مهاوي سدف الغيوب(3)متخلّصة إليه سبحانه، فرجعت إذ جبهت معترفة بأنّه لا ينال بجور الاعتساف كنه معرفته، ولا تخطر ببال أولي الرويات خاطرة من تقدير جلال عزّته، الذي ابتدع الخلق على غير مثال امتثله، ولا مقدار احتذي عليه من خالق معهود كان قبله، وأرانا من ملكوت قدرته وعجائب ما نطقت به آثار حكمته، واعتراف الحاجة من الخلق إلى أن يقيمها بمسالك قدرته، ما دلّنا باضطرار قيام الحجّة له على معرفته، وظهرت في البدائع التي أحدثها آثار صنعته واعلام حكمته، فصار كلّ ما خلق حجّة له، ودليلاً عليه، وإن كان خلقاً صامتاً فحجّته بالتدبير ناطقة، ودلالته على المبدع قائمة، واشهد انّ من شبهك بتباين أعضاء خلقك، وتلاحم مفاصلهم المحتاجة لتدبير حكمتك، لم يعقد غيب ضميره على معرفتك، ولم يباشر قلبه اليقين بأنّه لا ندلّك، وكأنّه لم يسمع تبرّأ التابعين من المتبوعين إذ يقولون (تالله ان كنّا لفي ضلال مبين إذ نسويكم بربّ العالمين)، كذب العادلون بك إذ شبهوك بأصنامهم، ونحلوك حلية المخلوقين بأوهامهم،
1- الفكر قسمان مغلوب بالوساوس وغالب لها والمبرّأ هو الغالب وإذا كان هذا عاجز فالمغلوب أعجز. 2- أي اشتد عشقها وميلها لمعرفة كنهه. 3- ردعها جواب إذا ارتمت المتقدّمة.