الأمر الخامس
في إبطال ما توهّمه دليلاً على عدم بلاغة القرآن، وهو على قسمين:
قسم ليس فيه ما يوهم ذلك بل ادّعائه دليل على أنّ المدعّي لا يدري بما يقول أو لا يبالي بما يقول.
وقسم ربّما يوهم ذلك، إلاّأنّه يكشف عن عدم تدرّب المتوهّم في فهم سوق الكلام، وعن عدم كونه من أهل اللسان.
أما القسم الأوّل: فمنه ما ادّعى من التنافر في المفرد والمركّب في قوله تعالى: (الحاقّة. ما الحاقّة)(1) وفي قوله تعالى: (أنفقوا ممّا رزقكم الله)(2) وفي قوله تعالى: (ألم أعهد إليكم)(3).
وليت شعري لماذا اقتصر هذا المدعي على هذا المقدار؟! بل إنّ أكثر الكلمات العربية تثقل على لسان غير العربي ـ كالزنجي والاُوربى ونحوهما ـ ممّن لا يحسن النطق بالثاء الجيم والحاء والذال والصاد والضاد والطاء والظاء والعين والغين والقاف والكاف والهاء، فكيف إذا اجتمع في الكلمة من هذه الحروف حرفان أو ثلاثة؟! فكان على هذا المدّعي أن يقول: إنّ اللغة العربية والقرآن جلّها متنافرة على نوع الزنجي والاُروبي ونحوهما فتقرّ عينه بهذه الدعوى!
ومنه ما ادعى من الغرابة في لفظة "الكوثر" مع غفلته عن
(1) الحاقّة 69: 1 و 2.
(2) يس 36: 47.
(3) يس 36: 60.