الأمر السادس
قال "حسن الإيجاز": "ورأى بعضهم أنّ إعجاز القرآن ما فيه من أنباء الماضي، مع أنّ الذي ادّعى أنّه اُوحي إليه اُمّي لا يعرف القراءة.
وهي دعوى لم أقف على أوهى منها، فإنّ كثيرين من الشعراء الاُمّيّين نظموا كثيراً من أنباء الماضي، لأنّ الاُمّي يسمع ويحفظ، وحضرة نبي المسلمين كان يسمع أنباء الماضي من اليهود والنصارى والعرب وغيرهم، وكان يخالط بعض الرهبان والأحبار وعلماء اليهودية والنصرانية ويساعدوه وينصّرونه في أوّل أمره لتصديقه كتبهم، وأمل كل من الفريقين أن يكون منهم ويهدي الوثنيّين إلى دينهم، على أنّه كان ينسى بعض ما يحدّثونه به فيؤلفه وفيه خطأ كثير".
قلنا: لم يقل أحد إنّ إعجاز القرآن هو محض ما ذكره، بل إنّه أحد وجوه إعجازه ـ كما أشرنا ص 15 ـ وذلك أنّ القرآن اشترك مع العهدين في اُصول قصص كثيرة، ولكنّه خالفها بمخالفات كبيرة تعود إلى تصحيحهما وتهذيبهما ممّا فيها من خرافات الكفر وما ينجرّ إليه من الوقيعة في قدس الأنبياء، ولو كان رسول الله قارئاً ينظر إلى العهدين أو حافظاً يأخذ من اليهود والنصارى لنقل تلك القصص على خرافاتها، وكان ذلك هو اللازم له في تقرّبه إلى اليهود والنصارى والأسلم من نقدهم عليه بالمخالفة.
فلم تكن تلك المخالفات الجارية على الحقائق المعقولة إلاّ لصدورها عن وحي الله محقّ الحقّ ومزهق الباطل، والعقل والوجدان يشهدان بأنّ رسول الله الذي نشأ بين وثنيّين وحشيّين خالين من كلّ