الأمر الثاني
إنْ أنكر بعضُ من يلتصق باسم الإسلام في هذا العصر دلالةَ الإعجاز على أنّ القرآن وحي الله وكلامه، كبعض البابية، فإنّ إنكاره لا يكون حجّة على المسلمين كما تشبّث به "حسن الإيجاز"، لأنّ من البديهي أنّ تلك الفرقة ليست من أهل الديانة الإسلامية، إذ أنّ كتب علي محمد ـ الذي هو مؤسّس مذهبهم ـ مشحونة بالمتناقضات وادّعاء النبوّة والإلوهية وغير ذلك. ألا ترى أنّ البابية اتّبعوا هذا الرجل في الاُمور الهائلة مع أنّهم أخفوا كتبه لشناعتها وسقوطها، فهل يحتج بأقوالهم إلاّ من هو مثلهم في السقوط؟!
على أنّ دلالة الإعجاز على الوحي إنّما هو من الاُمور العقلية التي يستقل بإدراكها العقل فلا يضّر فيه جهل فلان وإنكار فلان.
فليراجع كل عاقل وجدانه ويلاحظ أنّ عجز البشر عن الإتيان بمثل ماأتى به المدّعي للنبوة هل يكون دليلاً على صدق المدّعي كما في سائر النبوّات أم لا؟ فليت شعري ما الوجه لحسن الإيجاز في قياس القرآن بكتاب إقليدس في الهندسة بمشابهة أنّه لم يأت أحد بمثله ممّن قبله ولا ممّن بعده؟! مع أنّ عدم الإتيان لا يستلزم العجز عنه، لو سلّم أنّه لم يأت أحد بمثله سلّمنا، ولكن الذي يقبح ـ عند العقل ـ على الله تعالى إنّما هو إظهار المعجز على يد الكاذب، فلا يمتنع إظهاره على من لم يدّع النبوّة كذباً، والقرآن إنّما ورد في مقام والبرهان على النبوّة فيم يرتبط هذا المقام بغيره؟!