الأفكار القائمة علي التعددية الدينية
بعد طرح الفرضية التعددية في الوسط الأكاديمي الديني، قام بعض المهيدين والمخالفين لهذه الفكرة بعرض الاقتراحات أو الأفكار، ونتناول فيما يلي أهمها بالتوضيح:1. فكرة المناظرة بين الأديان كان أحد الأقتراحات الذي نال موافقة جميع العلماء المهيدين لفكرة التعددية هو اقتراح عقد مناظرة مباشرة بين أصحاب الأديان، وقد بذلت علي مدي سنوات عديدة جهود كبيرة ملحوظة في ذلك، فعقدت الجلسات والحلقات الدراسية والمهتمرات الصغيرة والكبيرة، الاقلمية والدولية، حيث استطاع القائمون بالأمر جمع مفكري مختلف الأديان للتباحث الديني والمناظرة المباشرة. وعلي الرغم من احتمال وجود دوافع وأغراض مختلفة وراء هذه الاجتماعات، والتي لا يخلو بعضها من الاغراض السياسية، فانهم جميعاً يزعمون أن احدي طرق القضاء علي التناحر و سوء الفهم فيما بين الأديان هي هذه الاجتماعات والمواجهة المباشرة والبحث والمحاورة المشتركة. إن الدوافع التي عددوها لهذه الأبحاث تتلخص بمايلي: الفهم الأعمق والأفضل للذات، والفهم الأعمق والأفضل للطرف الآخر، وطرح القضايا المشتركة القابلة للفهم بين الطرفين و دراستها، ومن ثم توطيد العلائق المشتركة و الاحترام المتبادل والفهم المتقابل. وقد أشادوا في بعض الأحيان بأهداف الجلسات وارتفعوا بها إلي حد القول بأنهم يسعون إلي الوصول إلي مباديء لجمع الكلمة في إقامة دين عالمي شمولي واحد 26. إننا في هذا المقال لسنا بصدد دراسة مدي نجاح هذه الأقتراحات أو عدم نجاحها، ولا تقويمها. إنما نقصر القول علي أصل هذه الفكرة.
لاشك في أن الاسلام لا يهيد مبدأ المناظرة والبحث المباشر بين أصحاب الاديان فحسب، بل إنه منذ البداية دعا إلي اجراء مثل هذه المناقشات المباشرة بين الأديان بكل قوة. ان وجهة نظر الاسلام في عقد هذه المناظرات والمباحثات بين الاديان هي، اضافة الي ماسبق ذكره، التمهيد لإدراك الحقيقة و فهمها بصورة أعمق وأفضل، ومن ثم اتباع تلك الحقيقة. ولعقد أمثال هذه الجلسات الهادفة لابد من الأخذ بنظر الاعتبار بعض الشروط والآداب الخاصة. وهنا نشير إلي نماذج من هذه الشروط التي يرتأيها القرآن، في الوقت الذي يكون فيه هدف الطرفين من ذلك هو الوصول إلي فهم أعمق وأفضل للحقيقة: تجنب كل تعصب وتحيز نحو المعتقدات الشخصية التي يحملها الفرد. الاستماع لكل ما يقوله الطرف الآخر و فهمه فهماً صحيحاً. السعي لقبول الأفضل واتباعه. عدم محاولة كتمان الحقيقة وتغطيتها. بيان حقائق الكتب المقدسة من دون تفسير ولا تأويل ولا تحريف. رفض كل تبعية او تقليد أعمي. وإذا ما ظهرت إحد الحقائق علي خلاف ما جري عليه الآباء و الاجداد الأقدمون، فلابد من قبولها واتباعها من دون أي تهاون. علي الجميع أن يقبلوا بأن الأصل هو القبول بكل ماتثبت أحقيته، أو يكون الأصدق والأقوي ضمن مجموعة المحتملات، وأن يتبع علي أنه حقيقة عليا27. إذا كان الهدف الأصلي والنهائي للبحث والحوار المباشر هو الفهم الأفضل للواقع، والأستسلام للحق، ثم لم يذعن الطرفان لذلك، فلا تنتظر أية نتيجة عمليه لتلك المناظرات. لقد اكدت التجربة أن أمثال هذه المهتمرات المرسومة والدورية لاحاصل لها سوي سلسلة من المباحث العامة والمكررة.
2. القول الجامع او العالمي إن من أفكار التعددية، أو قل من آمالها القديمة، هو التوصل الي قول واحد ونظام عقائدي جامع خال من النواقص والقصور الموجود في الانظمة الدينية، والتمتع بنوع من المقبولية العامة والشمولية. وللوصول إلي هذا الهدف بذلت جهود مستمرة. وقد سبق القول إن الدافع لعقد بعض هذه المهتمرات كان بلوغ هذا الهدف. وقد عرض العلماء والمفكرون الدينيون بعض المقترحات التي يمكن القبول ببعضها من حيث وجهة النظر الاسلامية والعقائدية، ولا يمكن القبول ببعضها الآخر اسلامياً. إذا كان قصد أصحاب القول العالمي هو الاتكاء علي الأصول المشتركة بين جميع الأديان الابراهيمية، فهو أمر مقبول ويهكده الاسلام، وهو مايدعو اليه القرآن بصفته نقطة البداية التي تتمحور حوله أنواع المناظرة والبحث28. وإذا كان قصدهم من القول الجامع هو الصياغة وإعداد نظام يتألف من أجزاء منتخبة من مختلف الأديان والقوانين والثقافات، بحيث يكون الجميع مساهمين فيه ويفرحون به، أو أن يكون قصدهم هو إعداد نظام يكون محتواه الكلامي قائماً علي أصول غير التي جاءت في الاديان الابراهمية، فهذا مالا يقبل به الاسلام، إذ يلزم منه ابتداع دين جديد.