و ثانيا: أنّه لم يكن الترجيع و الغناءمعهودين متعارفين في القرآن أصلا، كما هومعلوم من هذا الحديث و غيره، و قوله:«سيأتي من بعدي أقوام، إلخ» يدلّ عليه.فيكون المراد أنّ الذين يأتون بعدييرجّعون القرآن مثل ترجيع هذا الغناءالمعهود المتعارف في الشعر و نحوه.
و ثالثا: أنّ الكلام في الترجيع الذي هوغناء، و أكثرهم فسّروه ب «الصوت المشتملعلى الترجيع المطرب». فعلى هذا قد يكونالترجيع غناء و قد لا يكون، و المطلب حاصلعلى كلّ حال، و هو تحقّق الغناء في القرآنو تحريمه فيه.
و أكثر تحقيقات هذا الفصل مأخوذة من رسالةكتبها على هذا الحديث بعض المحقّقين منمشايخنا المعاصرين «1» (أيّده اللّهتعالى). و اللّه أعلم.
الفصل السادس في وجوه التأويل للحديثالمسئول عنه
و إذ قد عرفت عموم تحريم الغناء في سائرصوره- عدا ما استثني بدليل خاصّ كما هومذكور في محلّه، بل قد عرفت تحريمه في خصوصهذه الصورة- وجب تأويل الحديث المسئولعنه، و تعيّن صرفه عن ظاهره لعدم إمكانالعمل به من غير تأويل، و ذلك ممكن من وجوهاثني عشر:أحدها: الحمل على التقيّة لأنّه موافقلمذهب كثير من العامّة، و قد تقدّم
(1) يعني الشيخ علي بن محمد بن حسن بنالشهيد الثاني مؤلّف الدرّ المنثور، ورسالته المشار إليها هي:
السهام المارقة من أغراض الزنادقة، و هذهالرسالة لم تطبع بعد، و قد حقّقنا الفصلينالأوّل و الثاني منها و أدرجناهما فيالقسم الثاني من هذه المجموعة. و قد كتبالعاملي رحمه اللّه في شرح الحديث مطالبفي الدرّ المنثور (ج 1، ص 25- 28، 43- 47)، ثمّأفردها في رسالة السهام المارقة، معزيادات و اختلاف ما في الترتيب، كما صرّحبه في مقدّمة السهام المارقة.