إنّ النبيّ3 لمّا رأى أنّ قلوب بعض الناس امتلأت حقداً وحسدًا تجاه عليّu ، وأنّ الإعلان عن كون الحقّ معه لا يزيدهم إلاّ بعداً عنه واشمئزازاً منه ، فالتجأ إلى الاستفادة من الأُسلوب اللامباشر ، كي تتمّ الحجّة على هؤلاء من كلّ جهة ، فبيّنه من طريق الملازمين لعليّu .فقال3 : إذا اختلف الناس بينهم ، كان ابن سميّة على الحقّ ، وما خُيِّرَ ابن سميّة بين أمرين إلاّ اختار أرشدهما ( [97] ).هكذا ذكره الدارقطني في العلل من حديث ابن مسعود ، وذكر طرقه إليه ، فراجع . وذكره غيُرُه بصورة مقطّعة ؛ فقد ذكر بعضهم الفقرة الأُولى منه فقط ، وبعضهم ذكر الفقرة الثانية ، فلاحظ :[الطبراني] : ثنا محمّد بن عبد الله الحضرمي ، ثنا ضرار بن صرد ، ثنا عليّ ابن هاشم ، عن عمّار الدُّهْني ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن علقمة ، عن عبد الله ، عن النبيّ3 ، قال : إذا اختلف الناس ، كان ابن سميّة مع الحقّ .و[أيضاً] : ثنا محمّد بن عبد الله الحضرمي ، ثنا أبوكريب ، ثنا معاوية بن هشام ، عن عمّار الدُّهْني ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن عبد الله ، عن النبيّ3 ، مثله . ولم يذكر علقمة( [98] ).وأخرج أحمد وابن أبي شيبة ؛ عن وكيع ، والحاكم بسنده عن وكيع أيضاً ، عن سفيان ، عن عمّار بن معاوية الدُّهْني ، عن سالم بن أبي الجعد الأشجعي ، عن عبد الله بن مسعود - واللفظ لابن أبي شيبة - قال : قال رسول الله3 : ابن سميّة ما خُيِّرَ بين أمرين إلاّ اختار أرشدهم .ثمّ قال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين - إن كان سالم بن أبي الجعد سمع من عبد الله بن مسعود - ولم يخرجاه . ووافقه الذهبي( [99] ).وأخرج الترمذي والنسائي وابن ماجة والحاكم والخطيب بأسانيدهم عن عبد العزيز بن سياه ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن عطاء بن يسار ، عن عائشة - واللفظ للترمذي والحاكم - قالت : فقال3 : ما خُيِّرَ عمّار بين أمرين إلاّ اختار أرشدهم .وأورده المزّي في التحفة ، والتبريزي في المشكاة ، والألباني في الأحاديث الصحيحة ، ثمّ قال بالنسبة لعبد العزيز بن سياه : وهو ثقة من رجال الشيخين( [100] ).[أحمد] : ثنا أبو أحمد ، ثنا عبد الله بن حبيب ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن عطاء بن يسار ، قال : جاء رجل ، فوقع في عليّ وفي عمّار عند عائشة ، فقالت : أمّا عليّ ، فلست قائلة لك فيه شيئاً ، وأمّا عمّار ؛ فإنّي سمعت رسول الله3 يقول : لا يُخَيَّر بين أمرين إلاّ اختار أرشدهم .وصحّحه حمزة أحمد الزين, وذكره الألباني في الأحاديث الصحيحة ، وقال بالنسبة لعبد الله بن حبيب :{وهو ثقة أيضاً من رجال مسلم ، فالإسناد صحيح ، لولا عنعنة حبيب ، فقد رمي بالتدليس ، ولكنّه صحيح قطعاً بما بعده}( [101] ).وهذا قد يكون كافياً للإشارة إلى الأُسلوب غير المباشر للنبيّ3 للإعلان عن الحقّ . وقد تفطّن بعض الصحابة لواقع الأمر ، فلاذ إلى استعمال هذا الأسلوب أيضاً .[الطبراني] : عن سيّار أبي الحكم ، قال : قالت بنو عبس لحذيفة : إنّ أمير المؤمنين عثمان قد قتل ، فما تأمرنا ؟ قال : آمركم أن تلزموا عمّاراً . قالوا : إنّ عمّاراً لايفارق عليّاً ؟! قال : إنّ الحسد هو أهلك الجسد ، وإنّما ينفرّكم من عمّار قربه من عليّ ، فوالله لَعليّ أفضلُ من عمّار ، أبعد ما بين التراب والسحاب ، وإنّ عمّاراً لمن الأحباب ، وهو يعلم أنّهم إن لزموا عمّاراً كانوا مع عليّ .أورده الهيثمي في المجمع ، وقال : رواه الطبراني ، ورجاله ثقات ، إلاّ أنّي لم أعرف الرجل المبهم( [102] ).وقد يتعجّب المرء من الحقد والحسد ، كيف يصل إلى درجة يغمض الشخص عينه فيها من الشمس ، فيستدلّ على طلوعها بوجود الظلّ ؟! .