أطياف عن قطب العصر
(عمر اليافي)الأستاذ حسان الكاتبيقول برغسون: "في كل إنسان شخصية صوفية تحتاج إلى من يوقظها من سباتها".. وهذا الكتاب "قطب العصر عمر اليافي" الذي سنتحدث عنه فيما يلي عبارة عن دراسة مستقاة من تراث المتصوف عمر اليافي الحسيني، قام بتأليفه الأستاذ الدكتور عمر موسى باشا لطلبة الدراسات العليا في جامعة دمشق، ونظراً لقيمة هذا البحث وأهميته، قام اتحاد الكتاب العرب بدمشق بطباعته عام /1993م وقدم لـه الدكتور علي عقلة عرسان رئيس اتحاد الكتاب العرب بمقدمة مسهبة تتميز بأسلوب الحكيم الحصيف، والناقد المدقق الذي درس الموضوع، وهو على خبرة تامة في ميدانه، فأحسن التقديم بحيث أصبح هذا التقديم لابد من قراءته، لأنه يشكل ركناً ركيناً في الكتاب الذي نحن بصدد دراسته وتقديمه، ومما قاله الدكتور عرسان في تقديم الكتاب: "يلتقي في هذا الكتاب عمران، عمر اليافي الشاعر (الصوفي) وعمر موسى باشا الدارس، وفي لقائهما... يلتقي عصران.. اتسعت بينهما الشقة في العلوم والمعارف والأحوال، كما في الهموم والاهتمامات والشواغل والتواصل، فصار العالم قرية كبيرة بعد أن كان كل فرد من الأفراد سابقاً يشكل ما يشبه قرية صغيرة منعزلة"..إلى أن يقول: وانطلاقاً من هذه النظرة، لا يمكننا أن ننظر إلى الكتاب على أنه دراسة في تصوف عصر اليافي، ولا على أنه دراسة للشعر والموسيقا والغناء في ذلك العصر، بل على أنه جهد دارس مدقق تناول رجلاً لـه اهتمامات عدة في عصره، فحاول أن يلقي الأضواء على المناخ العام للشعر والشاعر المتصوف، وامتدت ظلال بسبب الضوء، فحاول أن ينير جوانبها ما اتسع المنهج إلى ذلك، وكان يغوص أحياناً على معان وشطحات ودرر، ولكنه يخرج من غوصه معافى.. وقد ذكرني فعله بقصة قصيرة رواها أبو بكر الشبلي، أحد كبار المتصوفة إذ قال "إن متحابين ركبا بعض البحار، فسقط أحدهما في البحر وغرق، فألقى الآخر نفسه إلى البحر، فغاص الغواصون، فأخرجوهما سالمين، فقال الأول لصاحبه: أما أنا فقد سقطت في البحر، أنت لم رميت نفسك في البحر؟ فقال له: أنا غائب بك عن نفسي، توهمت أني أنت" ولقد كان دارسنا يغيب أحياناً في شاعرنا كأنما هو... هو، ولكنه يخرج إلى الشط، وينفض ريشه ويتنفس بعمق ثم يعاود الغوص".ويقول الدكتور المؤلف: "من المفيد جداً أن نتحدث عن أهمية التصوف في تاريخ الفكر العربي، والحضارة الإسلامية، ويعرض إلى جوانب تاريخية تبسط تاريخ التصوف وبعض أفكار المتصوفة" إلى أن يقول: "وربما كان كتاب (الصوفية في الإسلام) الذي ألفه المستشرق نيكلسون من البحوث الفكرية الرائدة التي أضاءت هذا الجانب الهام المهمل، وقد استغرق منه هذا البحث أكثر من عشرين سنة كما يقول في مقدمته "الصوفية، فلسفة الإسلام الدينية، وقد وصفت في أقدم تعريف موجود بأنها الأخذ بالحقائق" والصوفية المسلمون مولعون بأن يسموا أنفسهم (أهل الحق). وأنا حين أحاول أن أعرض أصول مذاهبهم، على هذا الوجه من الرأي، سوف أعتمد إلى حد ما، على ما جمعته خلال العشرين عاماً السالفة، من المصادر لتاريخ جامع للتصوف الإسلامي، والتصوف الإسلامي، موضوع واسع الأطراف، متعدد الجوانب، يحتاج إلى المجلدات الضخمة لكشف حقيقته في إنصاف..".وإن نظرة مدققة متفحصة لفهارس المخطوطات في مكتبة الأسد التي ضمت ما كانت تحويه المكتبة الظاهرية ومكتبات سورية من المخطوطات نجد أكثر من (3000) مخطوط في التصوف، هذا على الأقل حين أعددت هذه الدراسة عن الكتاب الذي نحن بصدده. وهذا يوضح ما للفكر الصوفي من اتساع على خارطة الفكر الإسلامي.وتحدث العلامة أحمد أمين فقوم الأدب الصوفي تقويماً صادقاً حين تحدث عن طوره الثالث وعده العصر الذهبي، وذلك في قوله:"الأدب الصوفي غني في شعره، غني في فلسفته، شعره من أغنى ضروب الشعر وأرقاها، وهو سلس واضح، وإن غمض أحياناً، وفلسفته من أعمق أنواع الفلسفات الإلهية وأدقها، ومعانيه في نهاية السمو، تقرؤها فتحسب أنك تقرأ معاني رقيقة عارية، لا ثوب لها من الألفاظ، خياله رائع يسبح بك في عالم كله جمال، عواطفه صادقة يعرضها عليك، كأنها كتاب إلهي تقلبه أنامل الملائكة، ويقدس الشعراء فيه الحب، ولا أن يكون الإنسان هائماً أيضاً، مسلماً بكثير من الأذواق والمواجيد، والحالات التي يعتقدها المتصوفون حتى يسايرهم في نصهم".ولعل من المفيد أن نقدم للقارئ الكريم نبذة عن حياة الشاعر "عمر اليافي" موضوع الكتاب المدروس: نستطيع الإلمام بحياة الشاعر من خلال أربع مراحل، اشتملت على طلب العلم، وسلوك التصوف، والسياحة الإجازية العلمية، والإقامة المستقرة الدائمة بعد ذلك كله.هو أبو الوفاء، قطب الدين عمر بن محمد بن محمد (الدمياطي) محتداً (اليافي) شهرة ومولداً (الغزي) وطناً (الحنفي) مذهباً (الخلوتي) طريقة، (البكري) مشرباً، (الحسيني) نسباً، كانت ولادته في مدينة يافا، على ساحل البحر المتوسط سنة (1173هـ/795م) وقد عاصر خمسة من سلاطين آل عثمان، هم: السلطان مصطفى الثالث، والسلطان عبد الحميد الأول، والسلطان سليم الثالث، والسلطان محمود الثاني بن عبد الحميد، وقد أرخ جلوسه على عرش السلطنة سنة (1223هـ/1808م) بقوله:
(جلوس سلطاننا المسعود طالعه
(أَبشرْ وبشر إذا ما أرخوه وطب
فالدهر أشرق والسلطان محمود)
عيد كبير لـه في الملك تأييد)
فالدهر أشرق والسلطان محمود)
فالدهر أشرق والسلطان محمود)
(سفينة) نوح آل بيت محمد
وأما الذي عنها تخلف هالك
غريق ببحر الغي لم يَلْقَ مخرجا
فمن كان فيها راكباً صادف النجا
غريق ببحر الغي لم يَلْقَ مخرجا
غريق ببحر الغي لم يَلْقَ مخرجا