وحور عين * كأمثال اللؤلؤ المكنون
ثم قال تعالى:(وحور عين * كأمثال اللؤلؤ المكنون).وفيها قراءات الأولى: الرفع وهو المشهور، ويكون عطفا على ولدان، فإن قيل قال قبله: (حور مقصورات في الخيام) (الرحمن: 72) إشارة إلى كونها مخدرة ومستورة، فكيف يصح قولك: إنه عطف على ولدان؟ نقول: الجواب عنه من وجهين أحدهما: وهو المشهور أن نقول: هو عطف عليهم في اللفظ لا في المعنى، أو في المعنى على التقدير والمفهوم لأن قوله تعالى: (يطوف عليهم ولدان) (الواقعة: 17) معناه لهم ولدان كما قال تعالى: (ويطوف عليهم غلمان لهم) (الطور: 24) فيكون: (وحور عين) بمعنى ولهم حور عين وثانيهما: وهو أن يقال: ليست الحور منحصرات في جنس، بل لأهل الجنة: (حور مقصورات) في حظائر معظمات ولهن جواري وخوادم، وحور تطوف مع الولدان السقاة فيكون كأنه قال: يطوف عليهم ولدان ونساء الثانية: الجر عطفا على أكواب وأباريق، فإن قيل: كيف يطاف بهن عليهم؟ نقول: الجواب سبق عند قوله: (ولحم طير) (الواقعة: 21) أو عطفا على: (جنات) أي: (أولئك المقربون في جنات النعيم) (الواقعة: 12) وحور وقرئ (حورا عينا) بالنصب، ولعل الحاصل على هذه القراءة على غير العطف بمعنى العطف لكن هذا القارئ لا بد له من تقدير ناصب فيقول: يؤتون حورا فيقال: قد رافعا فقال: ولهم حور عين فلا يلزم الخروج عن موافقة العاطف وقوله تعالى: (كأمثال اللؤلؤ المكنون) فيه مباحث.
الأول: الكاف للتشبيه، والمثل حقيقة فيه، فلو قال: أمثال اللؤلؤ المكنون لم يكن إلى الكاف حاجة، فما وجه الجمع بين كلمتي التشبيه؟ نقول: الجواب المشهور أن كلمتي التشبيه يفيدان التأكيد والزيادة في التشبيه، فإن قيل: ليس كذلك بل لا يفيدان ما يفيد أحدهما لأنك إن قلت مثلا: هو كاللؤلؤة للمشبه، دون المشبه به في الأمر الذي لأجله التشبيه؟ نقول: التحقيق فيه، هو أن الشيء إذا كان له مثل فهو مثله، فإذا قلت هو مثل القمر لا يكون في المبالغة مثل قولك هو قمر وكذلك قولنا: هو كالأسد، وهو أسد، فإذا قلت: كمثل اللؤلؤ كأنك قلت: مثل اللؤلؤ وقولك: هو اللؤلؤ أبلغ من قولك: هو كاللؤلؤ، وهذا البحث يفيدنا ههنا، ولا يفيدنا في قوله تعالى: (ليس كمثله شيء) لأن النفي في مقابلة الإثبات، ولا يفهم معنى النفي من الكلام ما لم يفهم معنى الإثبات الذي يقابله، فنقول قوله: (ليس كمثله شيء) في مقابلة قول من يقول: كمثله شيء، فنفى ما أثبته لكن معنى قوله: (كمثله شيء) إذا لم نقل بزيادة الكاف هو أن مثل مثله شيء، وهذا كلام يدل على أن له مثلا، ثم إن لمثله مثلا، فإذا قلنا: ليس كذلك كان ردا عليه، والرد عليه صحيح بقي أن يقال: إن الراد على من يثبت أمورا لا يكون نافيا لكل ما أثبته، فإذا قال قائل: زيد عالم جيد، ثم قيل ردا عليه: ليس زيد عالما جيدا لا يلزم من هذا أن يكون نافيا لكونه عالما، فمن يقول: (ليس كمثله شيء) بمعنى ليس مثل مثله شيء لا يلزم أن يكون نافيا لمثله، بل يحتمل أن يكون نافيا لمثل المثل، فلا يكون