نقول: الاستفهام الذي ذكره في حكاية نوح
مذكور ههنا، وهو قوله تعالى: (فكيف كان عذابي ونذر) كما قال من قبل ومن بعد في حكاية ثمود غير أنه تعالى حكى في حكاية عاد (فكيف كان) مرتين، المرة الأولى استفهم ليبين كما يقول المعلم لمن لا يعرف كيف المسألة الفلانية ليصير المسؤول سائلا، فيقول: كيف هي فيقول إنها كذا وكذا فكذلك ههنا قال: (كذبت عاد فكيف كان عذابي) فقال السامع: بين أنت فإني لا أعلم فقال: (إنا أرسلنا) (القمر: 19) وأما المرة الثانية فاستفهم للتعظيم كما يقول القائل للعارف المشاهد كيف فعلت وصنعت فيقول: نعم ما فعلت ويقول: أتيت بعجيبة فيحقق عظمة الفعل بالاستفهام، وإنما ذكر ههنا المرة الأولى ولم يذكر في موضع آخر لأن الحكاية ذكرها مختصرة فكان يفوت الاعتبار بسبب الاختصار فقال: (كيف كان عذابي) حثا على التدبر والتفكر، وأما الاختصار في حكايتهم فلأن أكثر أمرهم الاستكبار والاعتماد على القوة وعدم الالتفات إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم، ويدل على قوله تعالى: (فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة) (فصلت: 15) وذكر استكبارهم كثيرا، وما كان قوم محمد صلى الله عليه وسلم مبالغين في الاستكبار وإنما كانت مبالغتهم في التكذيب ونسبته إلى الجنون، وذكر حالة نوح على التفصيل فإن قومه جمعوا بين التكذيب والاستكبار، وكذلك حال صالح عليه السلام ذكرها على التفصيل لشدة مناسبتها بحال محمد صلى الله عليه وسلم
.
إنآ أرسلنا عليهم ريحا صرصرا فى يوم نحس مستمر
ثم قال تعالى: (إنآ أرسلنا عليهم ريحا صرصرا فى يوم نحس مستمر).وفيه مسائل
المسألة الأولى
قال تعالى: (فكيف كان عذابي)بتوحيد الضمير هناك ولم يقل عذابنا، وقال: ههنا (إنا)، ولم يقل إني، والجواب ما ذكرناه في قوله تعالى: (ففتحنا أبواب السماء) (القمر: 11).