وهو أيضا من جملة المتضادات التي تتوارد على النطفة فبعضها يخلق ذكرا، وبعضها أنثى ولا يصل إليه فهم الطبيعي الذي يقول: إنه من البرد والرطوبة في الأنثى، فرب امرأة أيبس مزاجا من الرجل، وكيف وإذا نظرت في المميزات
بين الصغير والكبير تجدها أمورا عجيبة منها نبات اللحية، وأقوى ما قالوا في نبات اللحية أنهم قالوا: الشعور مكونة من بخار دخاني ينحدر إلى المسام، فإذا كانت المسام في غاية الرطوبة والتحلل كما في مزاج الصبي والمرأة، لا ينبت الشعر لخروج تلك الأدخنة من المسام الرطبة بسهولة قبل أن يتكون شعرا، وإذا كانت في غاية اليبوسة والتكاثف ينبت الشعر لعسر خروجه من المخرج الضيق، ثم إن تلك المواد تنجذب إلى مواضع مخصوصة فتندفع، إما إلى الرأس فتندفع إليه لأنه مخلوق كقبة فوق الأبخرة والأدخنة فتتصاعد إليه تلك المواد، فلهذا يكون شعر الرأس أكثر وأطول، ولهذا في الرجل مواضع تنجذب إليها الأبخرة والأدخنة، منها الصدر لحرارة القلب والحرارة تجذب الرطوبة كالسراج للزيت، ومنها بقرب آلة التناسل لأن حرارة الشهوة تجذب أيضا، ومنها اللحيان فإنها كثيرة الحركة بسبب الأكل، والكلام والحركة أيضا جاذبة، فإذا قيل لهم: فما السبب الموجب لتلازم نبات شعر اللحية وآلة التناسل فإنها إذا قطعت لم تنبت اللحية؟
وما الفرق بين سن الصبا وسن الشباب وبين المرأة والرجل؟
ففي بعضها يبهت وفي بعضها يتكلم بأمور واهية، ولو فوضها إلى حكمة إلهية لكان أولى، وفي مسألتان: الأول: قال تعالى: (وأنه خلق) ولم يقل: وأنه هو خلق كما قال: (وأنه هو أضحك وأبكى) (النجم: 43) وذلك لأن الضحك والبكاء ربما يتوهم متوهم أنه بفعل الإنسان، وفي الإماتة والإحياء وإن كان ذلك التوهم بعيدا، لكن ربما يقول به جاهل، كما قال من حاج إبراهيم الخليل عليه السلام حيث قال: (أنا أحي وأميت) (البقرة: 258) فأكد ذلك بذكر الفصل، وأما خلق الذكر والأنثى من النطفة فلا يتوهم أحد أن يفعل أحد من الناس فلم يؤكد بالفصل ألا ترى إلى قوله تعالى: (وأنه هو أغنى وأقنى) (النجم: 48) حيث كان الإغناء عندهم غير مستند إلى الله تعالى وكان في معتقدهم أن ذلك بفعلهم كما قال قارون: (إنما أوتيته على علم عندي) (القصص: 78) ولذلك قال: (وأنه هو رب الشعرى) (النجم: 49) لأنهم كانوا يستبعدون أن يكون رب محمد هو رب الشعرى فأكد في مواضع استبعادهم النسبة إلى الله تعالى الإسناد ولم يؤكده في غيره.