وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوى عزي (25) ولقد أرسلنا
نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب
حاجة فيه إلى تكلف عمل، وبعد الهواء الماء، إلا أنه لما كانت الحاجة إلى الماء أقل من الحاجة إلى الهواء جعل تحصيل الماء أشق قليلا من تحصيل الهواء، وبعد الماء الطعام، ولما كانت الحاجة إلى الطعام أقل من الحاجة إلى الماء، جعل تحصيل الطعام أشق من تحصيل الماء، ثم تتفاوت الأطعمة في درجات الحاجة والعزة فكل ما كانت الحاجة إليه أشد، كان وجدانه أسهل، وكل ما كان وجدانه أعسر كانت الحاجة إليه أقل، والجواهر لما كانت الحاجة إليها قليلة جدا، لا جرم كانت عزيزة جدا، فعلمنا أن كل شيء كانت الحاجة إليه أكثر كان وجدانه أسهل، ولما كانت الحاجة إلى رحمة الله تعالى أشد من الحاجة إلى كل شيء فنرجو من فضله أن يجعلها أسهل الأشياء وجدانا، قال الشاعر:
سبحان من خص العزيز بعزه
وأذل أنفاس الهواء وكل ذي
نفس فمحتاج إلى أنفاسه
والناس مستغنون عن أجناسه
نفس فمحتاج إلى أنفاسه
نفس فمحتاج إلى أنفاسه
وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب
...
ثم قال تعالى: (وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز) وفيه مسائل
المسألة الأولى
المعنى وليعلم الله من ينصره، أي ينصر دينه، وينصر رسله باستعمال السيوف والرماح وسائر السلاح في مجاهدة أعداء الدين بالغيب أي غائبا عنهم. قال ابن عباس: ينصرونه ولا يبصرونه، ويقرب منه قوله تعالى:(إن تنصروا الله ينصركم) (محمد: 7).