وقال: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة) (التوبة: 111) لاتصال أشجارها ولعدم وقوع القيعان الخربة بينها، وإذا علمت هذا فالإنسان في الدنيا إذا كان في بيت في دار وتلك الدار في محلة، وتلك المحلة في مدينة، يقال إنه في بلدة كذا، وأما القرب فإذا كان الإنسان في الدنيا بين نهرين بحيث يكون قربه منهما على السواء يقال إنه جالس عند نهرين، فإذا قرب من أحدهما يقال من عند أحد نهرين دون الآخر، لكن في دار الدنيا لا يمكن أن يكون عند ثلاثة أنهار وإنما يمكن أن يكون عند نهرين، والثالث منه أبعد من النهرين، فهو في الحقيقة ليس يكون في زمان واحد عند أنهار والله تعالى يذكر أمر الآخرة على ما نفهمه في الدنيا، فقال: عند نهر لما بينا أن قوله: (ونهر) وإن كان يقتضي في نهر لكن ذلك للمجاورة كما في تقلدت سيفا ورمحا، وأما قوله: (تجري من تحتها الأنهار) فحقيقته مفهومة عندنا لأن الجنة الواحدة قد يجري فيها أنهار كثيرة أكثر من ثلاثة وأربعة، فهذا ما فيه مع أن أواخر الآيات يحسن فيها التوحيد دون الجمع، ويحتمل أن يقال و (نهر) التنكير للتعظيم.
وفي الجنة نهر وهو أعظم الأنهر وأحسنها، وهو الذي من الكوثر، ومن عين الرضوان وكان الحصول عنده شرفا وغبطه وكل أحد يكون له مقعد عنده وسائر الأنهار تجري في الجنة ويراها أهلها ولا يرون القاعد عندها فقال: (في جنات ونهر) أي ذلك النهر الذي عنده مقاعد المؤمنين، وفي قوله تعالى: (إن الله مبتليكم بنهر) (البقرة: 249) لكونه غير معلوم لهم، وفي هذا وجه حسن أيضا ولا يحتاج على الوجهين أن نقول: نهر في معنى الجمع لكونه اسم جنس.