الزيادة التي يدل عليها الثمانية كما بينا وقلنا إن العرب عند الثامن تذكر الواو إشارة إلى أن الثامن من جنس آخر، فبعد تمام السبعة الأول شرع في بيان قدرته الكاملة، وقال: هو الذي خلق الإنسان من تراب والجان من نار: (فبأي آلاء) الكثيرة المذكورة التي سبقت من السبعة، والتي دلت عليها الثامنة: (تكذبان) وإذا نظرت إلى ما دلت عليه الثمانية وإلى قوله: (كل يوم هو في شأن فبأي آلاء ربكما تكذبان) يظهر لك صحة ما ذكر أنه بين قدرته وعظمته ثم يقول: فبأي تلك الآلاء التي عددتها أولا تكذبان، وسنذكر تمامه عند تلك الآيات.
رب المشرقين ورب المغربين
...
ثم قال تعالى:(رب المشرقين ورب المغربين * فبأى ءالاء ربكما تكذبان).وفيه وجوه أولها مشرق الشمس والقمر ومغربهما، والبيان حينئذ في حكم إعادة ما سبق مع زيادة، لأنه تعالى لما قال: (الشمس والقمر بحسبان) (الرحمن: 5) دل على أن لهما مشرقين ومغربين، ولما ذكر: (خلق الإنسان * علمه البيان) (الرحمن: 3، 4) دل على أنه مخلوق من شيء فبين أنه الصلصال الثاني: مشرق الشتاء ومشرق الصيف فإن قيل: ما الحكمة في اختصاصهما مع أن كل يوم من ستة أشهر للشمس مشرق ومغرب يخالف بعضها البعض؟ نقول: غاية انحطاط الشمس في الشتاء وغاية ارتفاعها في الصيف والإشارة إلى الطرفين تتناول ما بينهما فهو كما يقول القائل في وصف ملك عظيم له المشرق والمغرب ويفهم أن له ما بينهما أيضا الثالث: التثنية إشارة إلى النوعين الحاصرين كما بينا أن كل شيء فإنه ينحصر في قسمين فكأنه قال: رب مشرق الشمس ومشرق غيرها فهما مشرقان فتناول الكل، أو يقال: مشرق الشمس والقمر وما يغرض إليهما العاقل من مشرق غيرهما فهو تثنية في معنى الجمع.