القول في سورة النساء
بسم الله الرحمن الرحيم(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها) قال محمود (معناه: فرعكم منأصل واحد وهو نفس آدم أبيكم وعلام عطف الخ) قال أحمد: وإنما قدر المحذوف في الوجه الأول حيث جعل
الخطاب عاما في الجنس لأنه لولا التقدير لكان قوله وبث منهما تكرار لقوله خلقكم إذ مؤداهما واحد وليس على
سبيل بيان الأول لأنه معطوف عليه حينئذ، وأما وهو معطوف على المقدر فذاك المقدر واقع صفة مبينة والمعطوف
عليه داخل في حكم البيان فاستقام. وأما الوجه الثاني فالتكرار فيه ليس بلازم إذ المخاطب بقوله خلقكم الذين بعث
إليهم النبي عليه الصلاة والسلام، وقوله وبث منهما واقع على من عدا المبعوث إليهم من الأمم، فلا حاجة للتقدير
المذكور في الوجه الثاني، والله أعلم.قوله تعالى (وآتوا اليتامى أموالهم) قال محمود (إما أن يراد باليتامى الصغار الخ) قال أحمد: والوجه الأول
قوي بقوله بعد آيات - وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم - دل على أن
الآية الأولى في الحض على حفظها لهم ليؤتوها عند بلوغهم ورشدهم، والثانية في الحض على الايتاء الحقيقي عند
حصول البلوغ والرشد، ويقويه أيضا قوله عقيب الأولى - ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى
أموالكم - فهذا كله تأديب للوصي ما دام المال بيده واليتيم في حجره، وأما على الوجه الآخر فيكون مؤدى
الآيتين واحدا وهو الامر بالايتاء حقيقة، ويخلص عن التكرار بأن الأولى كالمجملة، والثانية كالمبينة لشرط الايتاء
من البلوغ وإيناس الرشد، والله أعلم.