الصلاة شعار الايمان - وجیز فی الفقه الاسلامی نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

وجیز فی الفقه الاسلامی - نسخه متنی

سید محمد تقی مدرسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

بسم الله الرحمن الرحيم


المقدمة


الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد المصطفى وآله الهداة المرضيين واللعنة على اعدائهم اعداء الدين.


وبعد:


ليس في العبادات التي نتقرب بها الى ربنا سبحانه، عبادة كالصلاة التي هي عمود الدين ومعراج المؤمن، وهي التي نؤديها باستمرار وفي اوقات مختلفة في الليل والنهار، وفي كل موقع.. وهي لا تترك بحال حتى في أشد حالات الحرج، مثل حالة الغرق او اثناء القتال، فإن الصلاة مفروضة. أوليس يزداد الانسان توجهاً الى ربه عند البأساء والضراء؟ فليصل اذاً حتى يعينه الرب على شدته.


من هنا كان فقه الصلاة من أوجب ما ينبغي على المسلم تعلمه من احكام دينه. ومن الجفاء، بل من الظلم ان يصلي المرء عمراً طويلاً صلاة ناقصة او حتى صلاة باطلة، لأنه قصّر في تعلم احكامها، وربما كان يستطيع


ان يوفيها خلال فترة شهر او شهرين.


وهكذا وفقنا الله سبحانه وبمساعدة اخوتنا الكرام في المكتب لانجاز مقدمات الصلاة. ونسأل الله سبحانه ان يوفقنا لاتمام افعال الصلاة في جزء ومن ثم احكام الخلل والملحقات في جزء ثالث.


ومنهجنا في دراسة الفقه الاعتماد على آيات القرآن وروايات النبي وأهل بيته صلى الله عليه وعليهم. ومن المنتظر من القراء الكرام ان يتدبروا في النصوص ليستلهموا منها هدىً وضياءً، قبل ان يستفيدوا من الاحكام الشرعية التي استوحيناها من تلك النصوص.


ونسأل الله سبحانه ان يتقبل منّا هذا اليسير، وان يجعل العمل به مجزياً عنده، إنه ولي التوفيق..


محمد تقي المدرسي


14 / محرم الحرام / 1420 هـ



الصلاة شعار الايمان


« الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * اُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ» (الانفال/3-4)


ان الايمان هو الذي يتجلى في القلب وجلا ، وفي العقل يقينا ، وفي العمل توكلا ، وفي السلوك صلاة ، وفي الاقتصاد انفاقاً ، واذا تأملنا هذه الصفات في فاتحة سورة الانفال ، لوجدناها توصل بين الايمان ، وبين حقائقه التــي تتجلى في الواقع ، والتي تخرجنا من ظلمات الذات الى نور الحق ( معرفة الله ، وذكره، وآياته ، واحكامه ) وهكذا يتجلى الايمان في التوكل على الله ، والصلاة لله، والانفاق على عباد الله .


ولكن بم تستكمل حقائق الايمان؟ أليس بالصلاة؟


لنستمع الى رسول الله صلى الله عليـه وآلـه حيث يقــول: "مـن اسبــــغ


وضوءه، وأحسن صلاته ، وادى زكاته، وكف غضبه ، وسجن لسانه، واستغفر لذنبه ، وادى النصيحة لاهل بيت نبيه ، فقد استكمل حقائق الايمان ، وابواب الجنة مفتحة له". ([1])


والصلاة، هي الصلة بين قلب العبد ونور الله، وهي معراج المؤمن الى عرش الله. و(لو يعلم المصلي ما يغشاه من جلال الله، ما سره ان يرفع رأسه من السجود) ([2]) كما يقول امير المؤمنين عليه السلام .


وهي رمز تعبد الانسان لله، وتسليمه لامره في كافة حقول حياته .


ولذلك فان الصلاة اول ما ينظر من عمل العبد ، فقد روي عن علي عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ان عمود الدين الصلاة، وهي أول ما ينظر فيه من عمل ابن آدم، فان صحت نظر في عمله، وان لم تصح لم ينظر في بقية عمله. ([3])


وهي اطار ذكر الله الذي هو اكبر، ولغة الخطاب المباشر بينه وبين الله، وهي -بكلمة- عمود الدين ، ومحور احكامه، ولحظة الشهادة بالحق، وشعار القيام بالقسط .


قال ابـو جعفـر عليه السلام: "الصلاة عمود الديـن، ومثلـها كمثل عمود الفسطـاط ، إذا ثبت العمـود ثبتت الاوتــاد والاطنــاب ، واذا مال العمــود


وانكسر لم يثبت وتد ولا طنب". ([4])


واقامة الصلاة رمز مدنية الايمان ، حيث قال ربنا سبحانه :


« وَأَوْحَيْنَآ إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ» (يونس/87(


وهكذا يبشر الله المؤمنين لصلاتهم وعبادتهم فقد روي عن الامام الصادق عليه السلام انه قال :


"للمصلي ثلاث خصال : اذا قام في صلاته يتناثر عليه البر من اعنان السماء الى مفرق رأسه، وتحف به الملائكة من تحت قدميه الى اعنان السماء، وملك ينادي: أيها المصلي لو تعلم من تناجي ما انفتلت". ([5])

علامة الايمان :


والصلاة علامة الايمان وزاد المؤمن ليوم المعاد ، لنستمع الى الباري عز وجل وهو يخاطب رسوله: « قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ ءَامَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ» (ابراهيم/31)


وهكذا روي عن الامام الصادق عليه السلام: يؤتى بشيخ يوم القيامة فيدفع اليه كتابه، ظاهره مما يلي الناس لا يرى الا مساوىء فيطول ذلك عليه فيقول: يا رب! اتأمر بي الى النار؟ فيقول الجبار جل جلاله : (يا شيخ انا استحي ان اعذبك وقد كنت تصلي في دار الدنيا ، اذهبوا بعبدي الى الجنة). ([6])


والصلاة تطفىء نيران الذنوب التي يوقدها الانسان بين الصلاة والصلاة ، وهكذا جاء في الاثر المروي عن النبي صلى الله عليه وآله :


)ما من صلاة يحضر وقتها إلا نادى ملك بين يدي الناس (ايها الناس) قوموا الى نيرانكم التي اوقدتموها على ظهوركم فأطفؤوها بصلاتكم). ([7])


وهي من ابرز صفات المتقين الذين جاء القرآن هدى لهم: «ألم * ذَلِكَ الكِتَابُ لاَرَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلمُتَّقِينَ * الَّذِينَ ُيؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ» (البقرة/1-3)


وقال الله تعالى : «طس تِلْكَ ءَايَاتُ الْقُرْءَانِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ * هُدىً وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالاَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ» (النـمل/1-3)

اسمى الاعمال:


وهـي اسمـى الاعمال الصالحة ومن اعظمها اجرا عنـد الله. قال الله تعالى: « إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوْا وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَاتَوُاْ الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ» (البقرة/277)


وهكذا روي عن الامام أمير المؤمنين عليه السلام :


"لو يعلم المصلي ما يغشاه من جلال الله ما سره ان يرفع رأسه من السجود" وقال : "من اتى الصلاة عارفا بحقها غفر له". ([8])


وهي افضل شكر على نعم الله الكثيرة (الكوثر) بل هي خير كثير (الكوثر) حيث يقول ربنا سبحانه: « إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الاَبْتَرُ» (الكوثر/1-3)

شرط الولاية:


واقامة الصلاة من شرائط الولاية ، فمن تولى المسلمين وجب عليه ان يقيم الصلاة فيهم، أليس الله تعالى يقول: «الَّذِينَ إِن مَكَّنَّاهُمْ فِي الاَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وءَاتَوُا الزَّكَاةَ» (الحج/41)


ويقول ايضاً: « إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ» (المائدة/55)


وايضاً: « إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ ءَامَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وءَاتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى اُوْلَئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ» (التوبة/18)


وهؤلاء هم ولاة المساجد، وسدنة بيوت الله، وهم اولى الناس بها، لا الذين يعمرون ظاهر المساجد ويسعون في خراب واقعها، ويصدون الناس عن سبيل الله .


والصلاة كذلك شرط ولاية المؤمنين لبعضهم ، (بعد الامر بالمعروف والنهي عن المنكر) أليست اقامة الصلاة شعارهم ورمز عبادتهم لله ؟ لنصغي الى كلام الله العزيز: «الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَولِيَآءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ» (التوبة/71)


وهكذا يخرج من ترك صلاته متعمدا من حزب المؤمنين، ويحشر مع المنافقين، حسب الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وآله :


"ولا تضيعوا صلاتكم فان من ضيّع صلاته حشره الله مع قارون وفرعون وهامان، لعنهم الله واخزاهم، وكان حقا على الله ان يدخله النار مع المنافقين ، فالويل لمن لم يحافظ صلاته". ([9])


والصلاة - من جهة اخرى- تزيد التقوى وتردع مقيمها عن اتباع الشهوات، فالله تعالى يقول: «إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَآءِ وَالْمُنكَرِ» (العنكبوت/45)


وهي كذلك تذهب السيئات، وقد قال ربنا سبحانه عن الصلاة : «إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئات» (هود/114)

شعار المؤمنين:


والصلاة من شعائر الله التي تختصر القيم الثابتة في حيـاة المجتمــع المؤمــن،


ولابد ان تكون اطارا للمتغيرات ، التي يتحاكمون فيها الى العرف والعقل عبر الشورى، هذا ما نستلهمه من قول الله تعالى: « وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ» (الشورى/38)


وقوله سبحانه : «وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاَةِ وَإِيتَآءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ» (الانبياء/73)


وهي - كذلك - محور اجتماعهم في يوم عيدهم ولقائهم الاسبوعي (يوم الجمعة) فحول مائدة الصلاة يتواصل المؤمنون، وانطلاقا من محور الصلاة يديرون شؤونهم ويحلون مشاكلهم، وهي الى ذلك ذكر الله في ذلك اليوم المشهود، يقول الله تعالى :« يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ» (الجمعة/9)

الخشوع في الصلاة:


والخشوع في الصلاة علامة كمال الايمان، ومعناه - حسبما يبدو من الاية التالية - الا يلهي المصلي عن ذكر ربه، تجارة، ولا بيع، فاذا قام الى ربه يصلي لا يفكر في مصالحه او ملاهيه ، وهذا من شروط بيوت العلم التي اذن الله لها ان ترفع وجعلها مشكاة لنوره ، وهكذا قال ربنا - بعد آية النور المعروفة- :« فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَآءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالاَبْصَارُ » (النور/36-37)


وتعتبر الصلاة معراج المؤمن الى الله، كما تعتبر الضراعة فيها قمة التوجه الى اللــه سبحــانه وهي شرط الفلاح ، ومبدء فضائل الايمان. هذا ما تشير اليه الآية الكريمة : «قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ» (المؤمِنون/1-2)

اقامة الصلاة:


وحفظ الصلاة يعني الاهتمام بادائها في اوقاتها وبشرائطها وآدابها وهو من علائم الايمان بالله وباليوم الاخر ، قال الله تعالى : «وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالاَخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ» (الانعام/92)


والصلاة نافذة يطلع المؤمن من خلالها على رحاب الغيب، انها دعاء وذكر وتبتل وكلها حقائق غيبية، لذلك فان الذين يخشون الله بالغيب هم الذين يقيمون الصلاة - اي يؤدونها كما أمر الله: «اِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْن َرَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَمَن تَزَكَّى فَاِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ» (فاطر/18)

الاستعانة بالصلاة:


وباقامة الصلاة ، يتحدى المؤمنون محاولات الكفار الرامية الى ردهم الى الضلالة ، لان الصلاة تورث اليقين في نفوس المؤمنين ، وتبعث اليأس في قلوب الكفار. لنستمع الى كتاب الله العزيز :« وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِندِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِاَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وءَاتُوا الزَّكَاةَ» (البقرة/109-110)


وهكذا الصلاة تعين المؤمنين على مكاره الدنيا ومصيباتها ، والمؤمنون يستعينون بها على ما اصابهم حسب ما أدبهم الله تعالى: «وَاسْتَعِينُوْا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُلاَقُوا رَبِّهِمْ وَاَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ» (البقرة/45-46)


والاستعانة بالصلاة امر مستصعب- أوليست هذه الاستعانة دليل صدق الايمان بالله؟- الا على الذين يخشعون ويظنون انهم ملاقوا ربهم .


واقامة الصلاة بر.. تلك الصلاة النابعة من الايمان الخالص، وليس مجرد الوقوف واستقبال المشرق او المغرب (المسجد الاقصى والمسجد الحرام). هذا مانستوحيه من كلام ربنا العزيز: « لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ ءَامَنَ بِاللّهِ وَالْيَومِ الاَخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَاتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ الْسَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَاتَى الزَّكَاةَ» (البقرة/177)


فليس المطلوب مجرد التوجه تلقاء القبلة، وانما اقامة الصلاة بشرائطها، ومن شرائطها اقامة سائر احكام الشريعة الغرّاء .

اقامة الصلاة علامة المخبتين:


الاخبات درجة رفيعة في معراج الايمان، وللمخبتين علامات؛ ابرزها انهـم


اذا ذكر الله وجلت قلوبهم، ومنها اقامة الصلاة حيث قال الله تعالى: «وَبَشِّرِ الْمُـخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَآ أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاَةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ» (الحج/34-35)


ذلك ان الصلاة معراج الروح والسبيل الى رضوان الله، والمخبتون والتائبون والمنيبون يتخذونها وسيلة الزلفى، وهي تلك التجارة التي لن تبور، يقول الله سبحانه عن المنيبين: « مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَلاَ تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ» (الروم/31)


ويقول ربنا سبحانه عن التجارة التي لن تبور والتي كانت من اعظم اركانها اقامة الصلاة: « إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَن تَبُورَ» (فاطر/29)


وهكذا نتلو في آية اخرى عن قيام الليل حيث ميعاد المخبتين مع الله سبحانه: « إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ الَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطآئِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرءَانِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَءَاخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَءَاخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ» (المزمل/20)


وقد شرط الله على بني اسرائيل ونقبائهم ان يقيموا الصلاة، وشرط لهم ان يكون معهم ما داموا على هذا العهد، فقال ربنا سبحانه : «وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وءَاتَيْتُمْ الزَّكَاةَ وَءامَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً» (المائدة/12)

المحافظة على الصلوات:


ولان الصلاة معراج المؤمن وشعار عبوديته لله، ورمز اخلاصه لله، فان المؤمنين يحافظون عليها دائما، وفي كل الظروف:


« إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً* إِلاَّ الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ دَآئِمُونَ» (المعارج/19-23)


« وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ» (المعارج/34)


« وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ» (المؤمنون/9)


والمحافظة على الصلوات هي التي ترفع الانسان الى درجات الايمان السامية، ومنها حفظه من الهلع على الدنيا، وهكذا جاء في الحديث الشريف :


عن محمد بن سنان عن الرضا عليه السلام فيما كتب اليه من جواب مسائله : (ان علة الصلاة إنها اقرار بالربوبية لله عز وجل، وخلع الانداد، وقيام بين يدي الجبار جل جلاله بالذل والمسكنة، والخضوع، والاعتراف، والطلب للاقالة من سالف الذنوب، ووضع الوجه على الارض كل يوم، اعظاما لله عز وجل، وان يكون ذاكرا غير ناس ولا بطر، ويكون خاشعاً متذللاً راغباً، طالباً للزيادة في الدين والدنيا، مع ما فيه من الايجاب والمداومة على ذكر الله عز وجل بالليل والنهار، لئلا ينسى العبد سيده ومدبره وخالقه فيبطر ويطغى ويكون من ذكره لربه وقيامه بين يديه، زاجرا له عن المعاصي ومانعا له عن انواع الفساد). ([10])


اقامة الصلاة في كل حال:


في الحالات الاستثنائية (كالحرب) ينبغي ان نذكر الله، اما عند الطمأنينة فالمفروض اقامة الصلاة (لا مجرد ذكر الله) والفرق بينهما كبير، حيث ان اقامة الصلاة تعني : اقامتها بشروطها، بينما الذكر يمكن بأية طريقة قياما او قعودا او على الجنوب، لنتلو معاً كلام الله العزيز : « فإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَاَقِيمُوا الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً» (النساء/103)


وهكذا جاء في الحديث انه فات الناس مع امير المؤمنين يوم صفين صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء الاخرة، وأمرهم علي أمير المؤمنين فكبروا وهللوا وسبحوا رجالا وركبانا لقول الله «فإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً» فأمر علي فصنعوا ذلك. فان الصلاة لا تترك باي حال، لانها كانت كتابا موقوتا على المؤمنين، ولانها لا تترك في حالة الحرب وهي اشد الحالات على الانسان، وهذا ما نستلهمه من هذه الاية :« وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِيـــنَ


كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً» (النساء/101)


وهكذا يجب ان تقصر الصلاة في حالة الخوف، ولكنها تبقى مكتوبة على الانسان لانها كتاب موقوت (ثابت) .


وهكذا جاء في الحديث المأثور عن الامام الصادق عليه السلام في تفسير هذه الآية قال: كتاباً ثابتاً، وليس ان عجلت قليلاً او اخرت قليلاً بالذي يضرك، ما لم تضع، فان الله عز وجل يقول: )اضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً). ([11])


ومن هنا فقد وجبت الصلاة حتى عند المواجهة العسكرية، فقد قال الله تعالى :« وإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَاَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِنْهُم مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ اُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ» (النساء/102)

إقامة الصلاة شرط التوبة:


لان الصلاة رمز العبودية، فان من يتوب الى الله كان عليه ان يثبت توبته باقامة الصلاة، هذا ما نستوحيه من الآيات الكريمة:


« فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الْصَّلاَةَ وَءَاتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ» (التوبة/5)


«فإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَءَاتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ»(التوبة/11)


«فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَاَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَءَاتُوا الزَّكَاة»(المجادلة/13)


اقامة الصلاة شعار الدعاة الى الله:


الصلاة قيمة مهمة، وجوهر هذه القيمة صلة الانسان بالله سبحانه وتعالى، واما مظهر هذه القيمة فهي ذكر الله، والسجود لله، والركوع لله، وقراءة القرآن الكريم والدعاء وما اشبه .


ولذلك فانها من شعائر الدعاة الى الله، بل انها هدفهم الاساسي من بث الدعوة، فيما نستلهمه من ابراهيم عليه السلام الذي اسكن بعض ذريته عند البيت الحرام بهدف اقامة الصلاة: « رَبَّنَآ إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُـحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِنَ الَّثمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ * رَبَّنَآ إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِن شَيْءٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَآءِ * الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَآءِ * رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَآءِ» (اِبراهيم/37-40)


وهكـذا كان النبي اسماعيل يأمر اهلـه بالصـلاة ، فقـال الله تعالى عنه : « وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً» (مريم/55)


وفرض الله على الرسول صلى الله عليه وآله ايضاً، ومن ثم على أمته ان يأمر أهله بالصلاة، فقال: « وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا » (طه/132)


وكانت وصية لقمان لابنه: « يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاَةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ» (لقمان/17)

الصلاة شعار الامة الاسلامية:


والصلاة من ابرز علائم الامة الاسلامية حيث قال ربنا سبحانه: « مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَآءَ عَلى النَّاسِ فَاَقِيمُوا الصَّلاَةَ وءَاتُواْ الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ» (الحج/78)


واقامة الصلاة كانت كذلك ضمن بنود الميثاق التي كتبها الله على بني اسرائيل حيث قال الله تعالى :« وإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرآئِيلَ لاَتَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وءَاتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ» (البقرة/83)


ولان الصلاة شعار المسلمين، فان من ابرز شروط قبول توبة المشركين اقامتهم للصلاة، قال الله تعالى : « فَإِذَا انسَلَخَ الاَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الْصَّلاَةَ وَءَاتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّــوا سَبِيلَهُـــمْ إِنَّ اللّــهَ


غَفُورٌ رَحِيمٌ» (التوبة/5)

الصلاة تزكية النفس:


درجات المؤمن تتسامى بصلاته؛ فكلما حافظ عليها اكثر واقامها بشروطها، بل واكثر منها ومن الخشوع فيها، كلما ازدادت صلته بالله سبحانه، وقربه منه - وبالتالي - انعكست هذه الصلة على ابعاد حياته .


فالصلاة تورث التقوى، والتقوى تنهى النفس عن مرديات الهوى، وهكذا قال ربنا سبحانه : « إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَآءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ » (العنكبوت/45)


والصلاة تقرب الانسان من ربه، فيزداد اخلاصا وتوحيدا وطهرا من درن الشرك، قال الله تعالى :« قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَاُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ» (الانعام/71-72(


وقال ربنا سبحانه: « وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُــونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَاُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُــونَ * وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وءَاتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ» (النور/55-56)


افلا ترى كيف جاءت اقامة الصلاة مباشرة بعد الامر بالتوحيد واخلاص العبودية لله، وفي الاية الثانية ارتبطت اقامة الصلاة بطاعة الرسول، لان اقامة الصلاة تزكي النفس وتهيئها لقبول طاعة الرسول.


وهكذا كانت الصلاة افضل زلفى لانها تخرق حجاب الشرك، وقد جاء في الحديث المروي عن يزيد بن خليفة قال : سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول : (إذا قام المصلي الى الصلاة نزلت عليه الرحمة من اعنان السماء الى الارض، وحفت به الملائكة، وناداه ملك : لو يعلم هذا المصلي ما في الصلاة ما انفتل). ([12])


والصلاة تورث الاحسان، وانما المحسنون هم الذين يقيمونها، قال الله تعالى : « هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالأَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ» (لقمان/3-4)


والصلاة من اهم العبادات التي تزكي النفس وترفعها الى درجة الكمال الاسمى: « إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلاَّ الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ دَآئِمُونَ» (المعارج/19-23)


واقامة الصلاة تساهم في تنمية روح الاصلاح في النفس، والمصلون هم المصلحون: « وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ إِنَّا لانُضِيعُ اَجْرَ الْمُصْلِحِينَ» (الاعراف/170)


واقامة الصلاة من آيات الاخلاص في الدين، قال الله تعالى :« وَمَآ اُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ » (البينة/5)


وقال تعالى : « إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لآ إِلَهَ إِلآَّ أَنَاْ فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي» (طه/14)

الصلاة ذكر:


جوهر الصلاة وحقيقتها انها ذكر الله وحده، فهي رمز العبودية لله، ودليل التسليم وعلامة الايمان وآية الاخلاص، من هنا قال ربنا سبحانه وهو يبين فائدة الصلاة وانها تنهى عن الفحشاء والمنكر: « وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ » (العنكبوت/45)


وقال سبحانه :« وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي » (طه/14)


وقال تعالى: « قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى» (الاعلى/14-15)


وقال سبحانه: « الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ » (آل عمران/191)


ولانها ذكر فانها لا تترك بحال بل تجب مادامت الحياة، وقد قال ربنا سبحانه : « وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَادُمْتُ حَيّاً» (مريم/31)


وقال الله تعالى : « إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَآءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ» (المائدة/91)


ونستلهم من هذه الاية ان الصلاة لون من الوان الذكر، وان بيانها من باب التأكيد على هذا اللون من الذكر باعتباره الذكر الأتم.


وهكذا كانت الصلاة ذكرى للذاكرين : « وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ الَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ» (هود/114)


وقال ربنا سبحانه : « يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ» (الجمعة/9)


احكام الصلاة:


هناك قيم تتصل بالصلاة، وحسن اقامتها، ابرزها المحافظة عليها والاستمرار بها وقد تلونا آياتها .


1 - ومن شرائع اقامة الصلاة البدء بالطهارة: « يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا» (المائدة/6)


2 - ومن شرائع الصلاة التسبيح: « وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلآَئِكَتُهُ» (الاحزاب/42-43(


3 - كذلك الاعتدال بين الجهر والاخفات فيها :« وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبيلاً» (الاسراء/110)


4- وقد بين الله اوقات الصلاة بقوله سبحانه :« أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْءَانَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْءَانَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً» (الاسراء/78)


فهي ثلاث مواقيت لخمس فرائض في اصل الشـرع، ومن جعلها خمسا كان قد احسن صنعا .. أولها دلوك الشمس (الظهر والعصر) وثالثها مقارنة الفجر (صلاة الصبح) وبينهما صلاة المغرب والعشاء عند غسق الليل .


5 - وفي منتصف الليل ندب القرآن المسلمين الى التهجد ، بينما فرض ذلك على النبي والسابقين من الامة ، قال الله تعالى: « يَآ أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ الَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً» (المزمل/1-2)


وقال تعالى : « وَمِنَ الَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحمُوداً» (الاسراء/79)


6 - ومن شرائع الصلاة الخشوع فيها: « قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ» (المؤمِنون/1-2)


7 - كذلك الصلاة في المساجد مع المؤمنين افضل: « وَأَقِيمُوا الْصَّلاَةَ وءَاتُوا الْزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الْرَّاكِعِينَ» (البقرة/43)


8 - والاهتمام بصلاة الجمعة فور المناداة بها وترك البيع والتجارة، من شرائع الصلاة ايضاً: « يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ» (الجمعة/9)

صلاة المنافق تصدية:


الصلاة ميزان، بها نعرف المؤمن عن المنافق، فمن خشع في صلاته وحافظ عليها واتقى وانفق واحسن، فانه قد اقام الصلاة وكان من المؤمنين حقاً، ومن ألهاه البيع والتجارة عن الصلاة وسهى عنها، واذا قام اليها قام كسلان، فان كل ذلك علامة نفاقـه ، لنستمع بهذا الصدد الى آيـات الله البينـات: « فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَآءُونَ* وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ» (الماعونِ/4-7)


« وإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاَةِ قَامُوا كُسَالى» (النساء/142)


«وَلا يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى» (التوبة/54)


فبينما المؤمنون يسارعون الى الصلاة، ويسعون اليها سعيا، ترى المنافقين لا يأتونها الا وهم كسالى .


ومن هنا كانت الصلاة معيارا لمعرفة المؤمن عن المنافق، ولمعرفة درجات المؤمنين، فقد جاء في الحديث المأثور عن هارون بن خارجة انه قال : ذكرت لابي عبد الله رجلا من اصحابنا فأحسنت عليه الثناء فقال لي : كيف صلاته ؟ ([13])


اما المشركون فقد كانت صلاتهم ودعاؤهم عند البيت مكاء وتصدية، حيث قال الله تعالى عنهم : « وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً » (الانفال/35)


وروى العياشي عن الصادق عليه السلام في تفسير هذه الاية قال : (التصفير والتصفيق). ([14])


وروي عـن سعيــد بن جبير ( رض ) قال : كانت قريش تعارض النبي في


الطواف يستهزؤون ويصفرون ويصفقون فنزلت الآية هذه. ([15])


واما الكفار فقد كانوا يستهزؤون بالصلاة بالرغم من ان اي انسان سوي يحترم الفرد الذي يناجي ربه ، ويعتبر ذلك نوعا من التسامي، بشهادة عقله وفطرته .


قال الله تعالى عنهم : « وإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً» (المائدة/58)

الذين يضيعون الصلاة:


اما جزاء الذين يضيعون الصلاة او يتركونها فهو فقدان المناعة عن الشهوات، قال الله تعالى: « فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاَةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ» (مريم/59)


وقد يستدرجه ترك الصلاة الى التكذيب والابتعاد عن الصراط السوي: « فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّى * وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى» (القيامة/31-32)


وقد يستدرجه ذلك الى الصد عن سبيل الله ونهي المؤمنين عن الصلاة: « أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْداً إِذَا صَلَّى» (العلق/9-10)


ولكن هل ينتهي الامر هنا ؟ كلا.. فتارك الصلاة متعمداً كافر. هذا مايروى عن رسول الله صلى الله عليه وآله : (من ترك الصلاة متعمداً فقد كفر). ([16])


ذلك لأن الحد الفاصل بين الاسلام الحقيقي وبين الكفر هو الصلاة، و(بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة) [17] كما يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم.

/ 9