سمات العقيدة الإسلاميّة - رؤیـة الله فی ضوء الکتاب والسنة والعقل نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

رؤیـة الله فی ضوء الکتاب والسنة والعقل - نسخه متنی

جعفر سبحانی تبریزی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

سمات العقيدة الإسلاميّة

إنّ للعقيدة الإسلاميّة سمات نذكر منها ما يلي:

1 ـ سهولة العقيدة:

للعقيدة الإسلامية صفات متعدّدة، منها: سهولة فهمِها وتعلّمها; لأنّها عقيدة شاملة لا تختص بالفلاسفة والمتكلّمين والمفكِّرين، إلاّ أنّ ذلك لا يعني سذاجتها وابتذالها وعدم خضوعها للبراهين العقلية، بل يعني أنها في متانتها ورصانتها وخضوعها للبراهين والأدلة، بعيدة عن الألغاز والابهامات، فلو فُسّرت وبُيّنت لفهمها عامة الناس حسب مستوياتهم، فهي بهذه الصفة تخالف ما تتبنّاه نصرانية اليوم والأمس، التي أحاطت بها ابهامات في العقيدة وألغاز في الدين، بحيث لم يتيسّر لأحد لحدّ الآن حلُ مشاكلها وألغازها، فالمسلم مثلا إذا سئل عن عقيدته في التوحيد، وعن صفات الله تعالى يقول: (هُوَ اللهُ أَحَد، اللهُ الصَمَد، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَد).

وقد جاء في الأثر أنّ جماعة من أهل الكتاب سألوا النبي (صلى الله عليه وآله)وقالوا: إنسب لنا ربّك، فنزلت سورة التوحيد(1).

فالعقيدة الإسلامية في هذا المجال واضحة المفاهيم، جليّة المعالم، لا يكسوها إبهام ولا يسترها لغز، فيخرج المسلم في مقام الوصف وتبيين العقيدة مرفوع الرأس، فللعقيدة براهينها الواضحة، التي يمكن أن يقف عليها كل من درسها.

وأمّا لو سُئل النصراني عن ذلك، فإنه يتلعثم في بيان عقيدته، فتارةً يقول: إنّه واحد وفي الوقت نفسه ثلاثة، ثمّ يضيف أنه لا منافاة بين كون الشيء واحداً وكثيراً.

ومن المعلوم أنّ هذه العقيدة بهذا الابهام والاجمال لا تقبلها الطباع السليمة; إذ كيف تُذْعِن بأنه سبحانه واحد لا نظير له ولا مثيل ولا ندّ، ولكنه مع ذلك له أنداد ثلاثة وأمثال متعدّدة، فهذه العقيدة تناقض أولها آخرَها ويردّ آخرُها أوّلها، فهو سبحانه إمّا واحد لا نظير له وإمّا كثير له أمثال.

وقِسْ على ذلك سائر المواضيع في العقيدة الإسلامية وقابِلْها مع ما تقول سائر الشرائع فيها، ترى تلك الصفة بنفسها في العقيدة الإسلامية ونقيضها في غيرها.

إنّ منالعوامل التيساعدت علىسرعةانتشارالإسلام في مختلف الحضاراتوتغلغلهابينالأوساط،اتصافهابسهولةالعقيدةويُسرالتكليف.

يقول الأُستاذ الشيخ محمّد محمّد المدني:

يقول الله عزّ وجلّ في حثّ العباد على التفكّر في خلقه وآثاره وما له من تصريف وتدبير: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّموَاتِ وَالاَْرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لاَيَات لاُِولِي الاَْلْبَابِ)، (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّموَاتِ وَالاَْرْضِ)، (فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقِ)، (أُنْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنَعِهِ)، (فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِيالاَْرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا)، قُلْ سِيرُوا فِي الاَْرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا)، (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ).

ويقول الله عزّ وجلّ في وصف نفسه واعلام المخلوقين بأنه فوق ما يعقلون أو يدركون: (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ)، (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)، (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ * اللهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفْواً أَحْد)، (وَجَعَلُوا للهِ شُرَكَاءَ الْجِنِّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَات بِغَيْرِ عِلْم سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ * بَدِيعُ السَّموَاتِ وَالاَْرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْء وَهُوَ بِكُلِّ شَيْء عَلِيم * ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْء فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْء وَكِيل * لاَ تُدْرِكُهُ الاَْبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الاَْبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ).

فالقرآن الكريم لم يأت لنا أبداً بشيء يُفصِحُ عن ذات الله تعالى من حيث الحقيقة والكُنْه، وإنّما هو يُلفِتُ دائماً إلى آثار الله في الخلق والتصريف(2).

2 ـ الاذعان في العقيدة والتعبّد في الأحكام:

وهناك أمرٌ ثان نلفت إليه نظر القارئ، وهو الفرق الواضح بين العقيدة والأحكام الشرعية العملية، فإنّ المطلوب في الأُولى هو الاعتقاد الجازم، ومن المعلوم أنّ الإذعان بشيء متوقّف على ثبوت مقدّمات بديهية أو نظرية منتهية إليها حتى يستتبعها اليقين والاذعان، وهذا بخلاف الأحكام الشرعية، فإنّ المطلوب فيها هو العمل وتطبيقها في مجالات الحياة، ولا تتوقّف على القطع بصدورها عن الشارع، وهذا الفرق بين العقائد والأحكام يجرّنا إلى التأكّد من صحة الدليل وإتقانه أو ضعفه وبطلانه في مجال العقائد أكثر من الأحكام، ولذلك نرى أئمة الفقه يعملون بأخبار الآحاد في مجال الأحكام والفروع العملية ولا يشترطون إفادتها القطعَ أو اليقينَ، وهذا بخلاف العقائد التي يُفترض فيها اطمئنان القلب ورسوخ الفكرة في القلب والنفس، فيرفضون خبر الآحاد في ذلك المجال ويشترطون تواتر النص أو استفاضته إلى حدٍّ يورث العلم.

3 ـ خضوعها للبرهان العقلي:

وهناك أمر ثالث وراء هذين الأمرين، وهو أنه لا يمكن لأيّ باحث إسلامي أن يرفض العقل ويكتفي بالنص إذا أراد أن يعتمد الأُسلوب العلمي في مجال العقيدة; لأنّ الأخذ بالنص متوقف على ثبوت أُصول موضوعية مسبقة تتبنّى نبوّة الرسول الأكرم وحجيّة قوله، فما لم يثبت للعالم صانع حكيم، قد بعث الأنبياء والرسل بالمعجزات والبيّنات لهداية الناس، لا تثبت نبوّة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) وحجيّة كلامه في مجال العقيدة، ولا يمكن أن نعتمد على النصوص وسنّة الرسول في إثبات الصانع ونبوّة رسوله.

وهذا هو الذي يفرض علينا أن نستجيب للعقل، باعتباره العمود الفقري للعقائد التي يبنى عليها صَرح النبوّة المحمديّة (صلى الله عليه وآله)، ولذلك نرى أنّ الكتاب العزيز يثبت هذا الأصل من الأُصول بدلالة العقل وإرشاده، فيستدلّ على أُصول التوحيد بمنطق العقل، ويتكلّم باسم العقل ويقول: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ)(الأنبياء/22)، فيستدل على توحيده ونفي الآلهة المتعدّدة بقضية شرطية، وهي ترتب الفساد في حالة تعدد الآلهة.

ويقول سبحانه: (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَد وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِله إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِله بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْض سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ)(المؤمنون/91).

ويقول سبحانه: (قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَبْتَغُوا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلا) (الاسراء/42).

فالآيات الثلاث على اختلافها في الاجمال والتفصيل تستبطن برهاناً مشرقاً خالداً على جبين الدهر.

ويقول سبحانه: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْء أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ)(الطور/35) فيعتمد على الفطرة في إبطال وجود الممكن وتحققه بلا علّة وصانع.

كما نرى أتقن البراهين وأوضحها في إبطال ربوبيّة الأجرام السماوية من خلال محاجة ابراهيم الخليل (عليه السلام) مع عبدتها، فيستدل بالأُفول على بطلان ربوبيتها ضمن آيات، قال سبحانه: (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّموَاتِ وَالاَْرْضِ وَلْيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قَالَ هذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لاَ أُحِبُّ الاْفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لاََكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّموَاتِ وَالاَْرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (الأنعام/75-79).

فقد بلغ الخليل النهاية في مجال المعرفة على وجه رأى ملكوت السماوات والأرض، فأراه سبحانه ملكوتهما، أي كونهما قائمين بالله سبحانه، وما ذلك إلاّ ليكون موقناً ومذعناً لأُصول التوحيد، وما أراه ملكوت السماوات والأرض إلاّ بإلهامه البرهانَ الدامغ الذي أثبت به بطلان ربوبيّة الكوكب والقمر والشمس، وانتهى في آخره إلى أنّه لا إله إلاّ هو، وقال بعد ذكر البراهين (وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّموَاتِ وَالاَْرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (الأنعام/79).

فهذه الآيات ونظائرها تكشف عن أصل موضوعي في الشريعة الإسلامية وهو أنّ الغاية من طرح الأُصول العقائدية للإذعان بها والوصول إلى اليقين، لا التعبّد بها دون يقين، وهذا يفرض علينا أن نفتح مسامعنا لنداء العقل ودعوته، خصوصاً في الأُصول الأولية التي تُبنى عليها نبوّة النبي الأكرم. فمن حاول تعطيل العقل وأبعده عن ساحة البحث واكتفى بالنص، فقد لعب بورق خاسر، إذ أنّ بديهة العقل تحكم أنّ الاكتفاء بالسمع في عامة الأُصول مستلزم للدور، وتوقّف صحة الدليل على ثبوت المدعى وبالعكس.

إنّ رفض العقل في مجال البرهنة على العقيدة ـ من قبل بعض الفرق ـ صار سبباً لتغلغل العقائد الخرافية بين كثير من الطوائف الإسلامية، وفي ظلّ هذا الأصل، أي إبعاد العقل، دخلت أخبار التجسيم والتشبيه في الصحاح والمسانيد عن طريق الأحبار والرهبان الذين تظاهروا بالإسلام وأبطنوا اليهودية والنصرانية وخدعوا عقول المسلمين فحشروا عقائدهم الخرافية بين المحدّثين والسُذَّج من الناس اغتراراً باسلامهم وصدق لهجتهم.

إنّ من مواهبه سبحانه أنه أنار مصباح العقل في كلّ قرن وزمان ليكون حصناً أمام نفوذ الخرافات والأوهام، وليميّز به الانسان الحقَ عن الباطل فيما له فيه حق القضاء، إلاّ أنّ هذا لا يعني أنّ المرجع الوحيد في العقيدة هو العقل دون الشرع، وإنّما يهدف إلى أنّ اللبنات الأولية لصرح العقيدة الإسلامية تجب أن تكون خاضعة للبرهان، ولا تناقض حكم العقل.

وعندما تثبت الأُصول الموضوعية في مجال العقيدة وتثبت في ظلها نبوّة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، يكون كل ما جاء به النبي (صلى الله عليه وآله) حجة في العقائد والأحكام، لكن بشرط الاطمئنان بصدورها عن النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله).

وقد خرجنا في هذه المقدّمة الموجزة بثلاث نتائج:

الأُولى: أنّ العقيدة الإسلامية عقيدة سهلة يمكن اعتناقها بيُسر دون تكلّف.

الثانية: أنّ المطلوب في العقائد هو الاذعان وعقد القلب، وهذا لا يحصل إلاّ بعد ثبوت المقدّمات المنتهية إليه، وليس من شأن أخبار الآحاد خلق اليقين والاذعان ما لم يثبت صدورها عن مصدر الوحي على وجه القطع واليقين، بخلاف الأحكام، فإنّ المطلوب فيها هو العمل تعبّداً.

الثالثة: أنّ الأُصول التي تبنى عليها ثبوت النبوّة لا تثبت إلاّ بالعقل دون الشرع.

ففي ضوء هذه النتائج الثلاث ندرس فكرة رؤية الله تعالى يوم القيامة التي أحدثت ضجة في الآونة الأخيرة، لكن ستقف على حقيقة الأمر بإذنه سبحانه.

حقيقة التجسيم والتشبيه والجهة والرؤية

لمّا انتشر الإسلام في الجزيرة العربية، ودخل الناس في الإسلام زرافات ووحدانا، لم يجد اليهود والنصارى المتواجدون فيها محيصاً إلاّ الإستسلام، فدخلوا فيه متظاهرين به، غير معتقدين غالباً إلاّ من شملتهم العناية الإلهية منهم وكانوا قليلين، ولكن الأغلبية الساحقة منهمخصوصاً الأحبار والرهبان بقوا على ما كانوا عليه من العقائد السابقة.

وبما أنهم كانوا من أهل الكتاب عارفين بما في العهدين من القصص والحكايات والأُصول والعقائد، عمِدوا إلى نشرها بين المسلمين بخداع خاصّ، وبطريقة تعليميّة، ولما كانت السذاجة تغلب على عامة المسلمين لذا تلقوهم كعلماء ربانيين، يحملون العلم، فأخذوا ما يلقونه إليهم بقلب واع ونيّة صادقة، وبالتالي نشر هؤلاء في هذا الجوّ المساعد كلّ ما عندهم من القصص الإنحرافية والعقائد الباطلة، خصوصاً فيما يرجع إلى التجسيم والتشبيه وتصغير شأن الأنبياء في أنظار المسلمين، بإسناد المعاصي الموبقة إليهم، والتركيز على القدروسيادته في الكون على كلّ شيء، حتى على إرادة الله سبحانه ومشيئته.

ولم تكن رؤية الله بأقلّ مما سبق في تركيزهم عليها.

فما ترى في كتب الحديث قديماً وحديثاً من الأخبار الكثيرة حول التجسيم، والتشبيه، والقدر السالب للاختيار والرؤية ونسبة المعاصي إلى الأنبياء، فكلّ ذلك من آفات المستسلمة من اليهود والنصارى. فقد حسبها المسلمون حقائق راهنة وقصِصاً صادقة فتلقّوها بقبول حسن نشرها السلف بين الخلف، ودام الأمر على ذلك.

ومن العوامل التي فسحت المجال للأحبار والرهبان لنشر ما في العهدين بين المسلمين، النهي عن تدوين حديث الرسول (صلى الله عليه وآله) ونشره ونقله والتحدّث به أكثر من مائة سنة، فأوجد الفراغ الذي خلفه هذا العمل أرضية مناسبة لظهور بدع يهودية ونصرانية وسخافات مسيحية وأساطير يهودية، خصوصاً من قبل الكهنة والرهبان.

فقد كان التحدّث بحديث الرسول (صلى الله عليه وآله) أمراً مكروهاً، بل محظوراً من قبل الخلفاء إلى عصر عمر بن عبد العزيز (19-101هـ)، بل إلى عصر المنصور العباسي (341هـ)، ولكن كان المجال للتحدّث بالأساطير من قبل هؤلاء أمراً مسموحاً به، فهذا هو تميم بن أوس الداري من رواة الأساطير، وقد أسلم سنة تسع للهجرة، وهو أول من قصّ بين المسلمين واستأذن عمر أن يقصّ على الناس قائماً، فأذن له، وكان يسكن المدينة ثمّ انتقل إلى الشام بعد قتل عثمان(3).

ولمّا سَمِحت الظروف لمثل هذا الكتابي أن يتحدّث بما تعلّم في حياته السابقة ومنع من أراد التحدّث بحديث الرسول، لذا كان المجال خصباً لنشر الأساطير والعقائد الخرافية.

يقول الشهرستاني: وضع كثير من اليهود الذين اعتنقوا الإسلام أحاديثَ متعددة في مسائل التجسيم والتشبيه وكلها مستمدّة من التوراة(4).

وهذا هو المقدسي يتكلم عن وجود هذه العقائد بين عرب الجاهلية، يقول: وكان فيهم من كلّ ملة ودين، وكانت الزندقة والتعطيل في قريش، والمزدكية والمجوسية في تميم، واليهودية والنصرانية في غسان، وعبادة الأوثان في سائرهم(5).

قال ابن خلدون: انّ العرب لم يكونوا أهلَ كتاب ولا علم وإنّما غلبت عليهم البداوة والأُميّة، وإذا تشوّقوا إلى معرفة شيء ممّا تتوقّ إليه النفوس البشرية في أسباب المكوَّنات وبدء الخليقة وأسرار الوجود فإنّما يسألون عنه أهلَ الكتاب قبلهم، ويستفيدونه منهم، وهم أهل التوراة من اليهود ومن تبع دينهم من النصارى، مثل كعب الأحبار ووهب بن منبه وعبد الله بن سلام وأمثالهم، فامتلأت التفاسير من المنقولات عندهم وتساهلَ المفسّرون في مثل ذلك وملأوا كتب التفسير بهذه المنقولات، وأصلها كلّها كما قلنا من التوراة أو ممّا كانوا يفترون(6).

ولو أردنا أن ننقل كلمات المحققين حول الخسارة التي أحدثها اليهود والنصارى لطال بنا الكلام وطال مقالنا مع القرّاء.

ومن أكابر أحبار اليهود الذين تظاهروا بالإسلام هو كعب الأحبار، حيث خدع عقولَ المسلمين وحتى الخلفاء والمترجمين عنه من علماء الرجال، وقد أسلم في زمن أبي بكر وقدِمَ من اليمن في خلافة عمر، فانخدع به الصحابة وغيرهم.

قال الذهبي: العلامة الحبر الذي كان يهودياً فأسلم بعد وفاة النبي، وقدم المدينة من اليمن في أيام عمر (رض)، وجالس أصحاب محمّد، فكان يحدّثهم عن الكتب الاسرائيلية ويحفظ عجائب، ـ إلى أن قال: ـ حدّث عنه أبو هريرة ومعاوية وابن عباس، وذلك من قبيل رواية الصحابي عن تابعي، وهو نادر عزيز، وحدّث عنه أيضاً أسلم مولى عمر وتبيع الحميري ابن امرأة كعب، وروى عنه عدّة من التابعين كعطاء بن يسار وغيره مرسلا، وقع له رواية في سنن أبي داود والترمذي والنسائي(7).

وعرفه الذهبي أيضاً في بعض كتبه بأنه من أوعية العلم(8).

فقد وجد الحبر الماكر جوّاً ملائماً لنشر الأساطير والقصص الوهمية، وبذلك بثّ سمومه القاتلة بين الصحابة والتابعين، وقد تبعوه وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.

وقد تنبه إلى جسامة الخسارة التي أحدثها ذلك الحبر لفيف من القدماء، منهم ابن كثير في تفسيره، حيث أنه بعدما أورد طائفة من الأخبار في قصة ملكة سبأ مع سليمان، قال: والأقرب في مثل هذه السياقات انها متلقاة عن أهل الكتاب ممّا وجد في صحفهم، كروايات كعب ووهب ـسامحهما الله تعالى ـ في ما نقلاه إلى هذه الأُمة من أخبار بني اسرائيل من الأوابد والغرائب والعجائب ممّا كان وما لم يكن، وممّا حُرِّف وبُدِّل وفُسِخَ، وقد أغنانا الله سبحانه عن ذلك بما هو أصحّ منه وأنفع وأوضح وأبلغ(9).

والذي يدلّ على عمق مكره وخداعه لعقول المسلمين أنه ربّما ينقل شيئاً من العهدين، وفي الوقت ذاته نرى أنّ بعض الصحابة الذين تتلمذوا على يديه وأخذوا منه ينسب نفس ما نقله إلى الرسول! والذي يبرّر ذلك العمل حسن ظنّهم وثقتهم به، فحسبوا المنقول أمراً واقعياً، فنسبوه إلى النبي زاعمين أنه إذا كان كعب الأحبار عالماً به فالنبي أولى بالعلم منه.

فإن كنت في شكٍّ من ذلك فاقرأ نصّين في موضوع واحد أحدهما للإمام الطبري في تاريخه ينقله عن كعب الأحبار في حشر الشمس والقمر يوم القيامة، والآخر للإمام ابن كثير صاحب التفسير ينقله عن أبي هريرة عن النبي الأكرم، ومضمون الحديث ينادي بأعلى صوته بأنه موضوع مجعول على لسان الوحي، نشره الحبر الخادع وقبله الساذج من المسلمين.

1 ـ قال الطبري: عن عكرمة، قال: بينا ابن عباس ذات يوم جالس إذ جاءه رجل فقال: يا ابن عباس سمعت العجب من كعب الحبر يذكر في الشمس والقمر، قال: وكان متكئاً فاحتفز ثمّ قال: وما ذاك؟ قال: زعم يجاء بالشمس والقمر يوم القيامة كأنّهما ثوران عقيران فيقذفان في جهنم، قال عكرمة: فطارت من ابن عباس شفة ووقعت أُخرى غضباً، ثمّ قال: كذب كعب، كذب كعب، كذب كعب، ثلاث مرّات، بل هذه يهودية يريد إدخالها في الإسلام، الله أجل وأكرم من أن يعذّب على طاعته، ألم تسمع قول الله تبارك وتعالى (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ)، انما يعني دؤوبهما في الطاعة، فكيف يعذّب عبدين يُثني عليهما أنهما دائبان في طاعته؟ قاتلَ الله هذا الحبر وقبّح حبريته، ما أجرأه على الله وأعظم فريته على هذين العبدين المطيعين لله، قال: ثمّ استرجع مراراً(10).

2 ـ قال ابن كثير: روى البزار، عن عبد العزيز بن المختار، قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن في هذا المسجد ـ مسجد الكوفة ـ ، وجاء الحسن فجلس إليه فحدّث، قال: حدّثنا أبو هريرة أنّ رسول الله(ص) قال: «إنّ الشمس والقمر ثوران في النار عقيران يوم القيامة» فقال الحسن: وما ذنبهما؟ فقال: أُحدّثك عن رسول الله (ص) وتقول ـأحسبه قال ـ : وما ذنبهما، ثمّ قال: لا يروى عن أبي هريرة إلاّ من هذا الوجه(11).

ولما كان إسلام كعب الأحبار بعد رحيل الرسول، لذلك تعذر عليه إسناد ما رواه من أساطير إلى النبي الأكرم، ولو أنه أدرك شيئاً من حياته (صلى الله عليه وآله) وإن كان قليلا لنسب تلك الأساطير إليه، ولكن حالت المشيئة الإلهية دون أمانيه الباطلة، ولكن أبا هريرة لما صحب النبي واستحسن الظنّ بكعبالأحبار، وكان أُستاذه فيالأساطيرنسبالروايةإلىالنبي(صلى الله عليه وآله).

هذا نموذج قدمته إلى القرّاء لكي يقفوا على دور الأحبار والرهبان في نشر البدع اليهودية والنصرانية بين المسلمين، وأن لا يحسنوا الظن بمجرّد النقل من دون التأكد من صحته.

هذا غيض من فيض وقليل من كثير ممّا لعب به مستسلمة اليهود والنصارى في أحاديثنا وأُصولنا، ولولا أنّه سبحانه قيّض في كلّ آونة رجالا مصلحين كافحوا هذه الخرافات وأيقظوا المسلمين من السبات، لذهبت هذه الأساطير بروعة الإسلام وصفائه وجلاله.

كعب الأحبار وتركيزه على التجسيم والرؤية:

انّ المتفحص فيما نقل عن ذلك الحبر يقف على أنه كان يركز على فكرتين يهوديّتين: الأُولى فكرة التجسيم، والثانية رؤية الله تعالى.

يقول عن الفكرة الأُولى: انّ الله تعالى نظر إلى الأرض فقال: إنّي واطئ على بعضك، فاستعلت إليه الجبال، وتضعضعت له الصخرة، فشكر لها ذلك، فوضع عليها قدمه فقال: هذا مقامي ومحشر خلقي، وهذه جنّتي وهذه ناري، وهذا موضع ميزاني، وأنا ديّان الدين(12).

ففي هذه الكلمة الصادرة عن هذا الحبر تصريح على تجسيمه تعالى أولا، وتركيز على انّ الجنة والنار والميزان ستكون على هذه الأرض، ومركز سلطانها سيكون على الصخرة، وهذا من صميم الدين اليهودي المحرّف.

كما أنه ركّز على الرؤية، حيث أشاع فكرة التقسيم، فقال: إنّ الله تعالى قسّم كلامه ورؤيته بين موسى ومحمّد(ص)(13)، وعنه انتشرت هذه الفكرة، أي فكرة التقسيم بين المسلمين.

ومن أعظم الدواهي أنّ الرجل تزلّف إلى الخلفاء في خلافة عمر وعثمان وتحدّث عن الكثير من القصص الخرافية، وبعدما توفي عثمان تزلّف إلى معاوية ونشر في عهده ما يؤيد به ملكه ودولته، ومن كلماته في حق الدولة الأموية، يقول: مولد النبي بمكة، وهجرته بطيبة، وملكه بالشام(14).

وبذلك أضفى على الدولة الأموية صبغة شرعية وجعل ملكهم وسلطتهم امتداداً لملك النبي وسلطته.

الرؤية في كتب العهدين:

إذا كان كعب الأحبار وزملاؤه يحملون فكرة الرؤية، فلا غروّ ولا عجب في أنهم اتبعوا في نشر الفكرة في العهد القديم، وإليك بعض ما ورد فيه من تصريح برؤية الرب:

1 ـ وقال (الرب): لا تقدر أن ترى وجهي; لأنّ الإنسان لا يراني ويعيش.

وقال الرب: هو ذا عندي مكان فتقفُ على الصخرة، ويكون من اجتاز مجدي اني أضعك في نقرة من الصخرة وأسترك بيدي حتى اجتاز ثمّ أرفعُ يدي فتنظر ورائي، وأما وجهي فلا يرى(15).

وعلى هذا فالربّ يُرى قفاه ولا يُرى وجهه!

/ 12