رؤية الله في الذكر الحكيم دراسة أدلة النافين - رؤیـة الله فی ضوء الکتاب والسنة والعقل نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

رؤیـة الله فی ضوء الکتاب والسنة والعقل - نسخه متنی

جعفر سبحانی تبریزی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

رؤية الله في الذكر الحكيم
دراسة أدلة النافين

الآية الثانية: ولا يحيطون به علماً

قال سبحانه: (يَوْمَئِذ لاَ تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلا * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً)(طه/109-110).

إنّ الآية تتركّب من جزئين:

الأوّل: قوله: (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ).

الثاني: قوله: (وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً).

والضمير المجرور في قوله: (بِهِ) يعود إلى الله سبحانه.

ومعنى الآية:

الله يحيطُ بهم لأنه (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ) ويكون معادلا لقوله: (وَهُوَ يُدْرِكُ الاَْبْصَارَ) ولكنّهم (لاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً). ويساوي قوله (لاَ تُدْرِكُهُ الاَْبْصَارُ).

وأمّا كيفية الاستدلال فبيانُها أنّ الرؤية سواء أوَقعت على جميع الذات أم على جزئها، فهي نوع إحاطة علمية من البشر به سبحانه، وقد قال: (وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً).

ولكن الرازي لأجل التهرّب من دلالة الآية على امتناع رؤيته سبحانه قال: بأنّ الضمير المجرور يعود إلى قوله: (مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ) أي لا يحيطون بما بين أيديهم وما خلفهم، والله سبحانه محيطٌ بما بينَ أيديهم وما خلفَهم.

أقول: إنّ الآية تحكي عن إحاطته العلمية سبحانه يوم القيامة بشهادةِ ما قبلَها (يَوْمَئِذ لاَ تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلا)، وعندئذ يكون المراد من الموصول في قوله سبحانه: (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِم) هو الحياة الأُخروية الحاضرة، وقوله سبحانه: (وَمَا خَلْفَهُمْ)هو الحياة الدنيوية الواقعة خلف الحياة الأُخروية، وحينئذ لو رجع الضمير في قوله (وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) إلى الموصولين يكون مفادُ الآية عدم إحاطة البشر بما يجري في النشأتين، وهو أمر واضح لا حاجة إلى التركيز عليه، وهذا بخلاف ما إذا رجع إلى «الله»، فستكون الآية بصدد التنزيه ويكون المقصود أنّ الله يحيط بهم علماً وهؤلاء لا يحيطون كذلك، على غرار سائر الآيات.

رؤية الله في الذكر الحكيم

دراسة أدلة النافين

الآية الثالثة: قال لن تراني

قال سبحانه: (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلكِنْ أُنْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ)(الأعراف/143). لقد استدلّ ـ بهذه الآية ـ كلٌّ من النافي والمثبت، رُغْم أنْ ليس لها إلاّ مدلول واحد، فكان بين القولين تناقض واضح، ومردّ ذلك إلى أن أحد المستدلّين لم يتجرّد عن هواه حينما استدلّ بالآية، وإنّما ينظر إليها ليحتجّ بها على ما يتبنّاه، وهذا من قبيل التفسير بالرأي الذي نهى النبي(صلى الله عليه وآله) عنه بالخبر المتواتر، وبالتالي قلّ من نظر إليها بموضوعية خالية عن كلّ رأي مسبق.

المفهوم الصحيح للآية:

لا شكّ أنّنا إذا عرضنا الآية على عربي صميم لم يتأثّر ذهنه بالمناقشات الكلامية الدائرة بين النافين والمثبتين، وطلبنا منه أنْ يبيّن الاطار العام للآية ومفادها ومنحاها، وهل هي بصدد بيان امتناع الرؤية أو جوازها؟ فسيجيب بصفاء ذهنه بأنّ الاطار العام لها هو تعاليه سبحانه عن الرؤية، وأنّ سؤاله أمر عظيم فظيع لا يُمحى أثره إلاّ بالتوبة، فسيكون فهم ذلك العربي حجّة علينا لا يجوز لنا العدول عنها، والقرآن نزل بلسان عربيّ مبين ولم ينزل بلسان المتكلّمين أو المجادلين.

كما أنّ إذا أردنا أن نُفسّر مفاد الآية تفسيراً صناعياً فلا شكّ أنه يدلّ أيضاً على تعاليه عنها، وذلك لوجوه:

1 ـ الاجابة بالنفي المؤبد:

لمّا سأل موسى رؤية الله تبارك وتعالى أُجيب بـ(لَنْ تَرَانِي)، والمتبادر من هذه الجملة أي قوله: (لَنْ تَرَانِي) هو النفي الأبدي الدالّ على عدم تحقُّقها أبداً.

والدليل على ذلك هو تتبّع موارد استعمال كلمة «لن» في الذكر الحكيم، فلا تراها متخلّفة عن ذلك حتى في مورد واحد.

1 ـ قال سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ) (الحج/73).

2 ـ (إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) (التوبة/80).

3 ـ (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) (محمّد/34).

4 ـ (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ اسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ)(المنافقون/6).

5 ـ (وَلَنْ تَرَضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)(البقرة/120).

6 ـ (فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلَى طَائِفَة مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِي أَبَداً وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِي عَدُوّاً) (التوبة/83).

إلى غير ذلك من الآيات الصريحة في أنّ «لن» تفيد التأبيد.

وربّما نوقش في دلالة (لَنْ) على التأبيد مناقشة ناشئة عن عدم الوقوف الصحيح على مقصود النحاة من قولهم «لن» موضوعة للتأبيد، ولتوضيح مرامهم نذكر أمرين ثمّ نعرض المناقشة عليهما.

1 ـ إنّ المراد من التأبيد ليس كونُ المنفي ممتنعاً بالذات، بل كونه غير واقع، وكم فرق بين نفي الوقوع ونفي الإمكان، نعم ربّما يكون عدم الوقوع مستنداً إلى الاستحالة الذاتية.

2 ـ إنّ المراد من التأبيد هو النفي القاطع، وهذا قد يكون غير محدّد بشيء وربّما يكون محدّداً بظرف خاص، فيكون معنى التأبيد بقاء النفي بحالة مادام الظرف باقياً.

إذا عرفت الأمرين تقف على وهن ما نقله الرازي عن الواحدي من أنّه قال: ما نُقل عن أهل اللغة إنّ كلمة لن للتأبيد دعوى باطلة، والدليل على فساده قوله تعالى في حقّ اليهود (وَلَنْ يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)(البقرة/95) قال: وذلك لأنّهم يتمنّون الموت يوم القيامة بعد دخولهم النار، قال سبحانه: (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ) (الزخرف/77) فإنّ المراد من (لِيَقْضِ عَلَيْنَا) هو القضاء بالموت(61).

ووجه الضعف ما عرفت من أنّ التأبيد على قسمين، غير محدّد ومحدّد باطار خاص، ومن المعلوم أنّ قوله سبحانه (وَلَنْ يَتَمَنَّوْنَهُ) ناظر إلى التأبيد في الاطار الذي اتّخذه المتكلّم ظرفاً لكلامه وهو الحياة الدنيا، فالمجرمون ما داموا في الحياة الدنيا لا يتمنّون الموت أبداً، لعلمهم بأنّ الله سبحانه بعد موتهم يُقدّمهم للحساب والجزاء، ولأجل ذلك لا يتمنّوه أبداً قطّ.

وأمّا تمنّيهم الموت بعد ورودهم العذاب الأليم فلم يكن داخلا في مفهوم الآية الأُولى حتى يُعدّ التمنّي مناقضاً للتأبيد.

ومن ذلك يظهر وهن كلام آخر وهو: أنه ربّما يقال: إنّ «لن» لا تدلّ على الدوام والاستمرار بشهادة قوله: (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّاً) إذ لو كانت (لَنْ) تفيد تأبيد النفي لوقع التعارض بينها وبين كلمة (الْيَوْمَ) لأنّ اليوم محدّد معيّن، وتأبيد النفي غير محدّد ولا معيّن، ومثله قوله سبحانه على لسان ولد يعقوب: (فَلَنْ أَبْرَحَ الاَْرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي) (يوسف/80) حيث حدّد بقاءه في الأرض بصدور الاذن من أبيه(62).

وجه الوهن: أنّ التأبيد في كلام النحاة ليس مساوياً للمعدوم المطلق، بل المقصود هو النفي القاطع الذي لا يشق، والنفي القاطع الذي لا يكسر ولا يشق على قسمين:

تارةً يكون الكلام غير محدّد بظرف خاص ولا تدلّ عليه قرينة حالية ولا مقالية فعندئذ يساوق التأبيدُ المعدوم المطلق.

وأُخرى يكون الكلام محدّداً بزمان حسب القرائن اللفظية والمثالية، فيكون التأبيد محدّداً بهذا الظرف أيضاً، ومعنى قول مريم: (فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّاً) (مريم/26) هو النفي القاطع في هذا الاطار، ولا ينافي تكلّمها بعد هذا اليوم.

والحاصل: أنّ ما أُثير من الإشكال في المقام ناشئ من عدم الامعان فيما ذكرنا من الأمرين، فتارةً حسبوا أنّ المراد من التأبيد هو الاستحالة فأوردوا بأنه ربّما يكون المدخول أمراً ممكناً كما في قوله: (فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِي أَبَداً) (التوبة/83)، وأُخرى حسبوا أنّ التأبيد يلازم النفي والمعدوم المطلق، فناقشوا بالآيات الماضية التي لم يكن النفي فيها نفياً مطلقاً، ولو أنّهم وقفوا على ما ذكرنا من الأمرين لسكتوا عن هذه الاعتراضات.

وبما أنّه سبحانه لم يتّخذ لنفي رؤيته ظرفاً خاصاً، فسيكون مدلوله عدم تحقّق الرؤية أبداً لا في هذه الدنيا ولا في الآخرة.

والحاصل: أنّ الآية صريحة في عدم احتمال الطبيعة البشرية لذلك الأمر الجلل، ولذلك أمره أنْ ينظر إلى الجبل عند تجلّيه، فلما اندكّ الجبل خرّ موسى مغشيّاً عليه من الذُعْرِ، ولو كان عدم الرؤية مختصاً بالحياة الدنيا لما احتاج إلى هذا التفصيل، بل كان في وسعه سبحانه أن يقول: لا تراني في الدنيا ولكن تراني في الآخرة فاصبر حتى يأتيك وقته، والانسان مهما بلغ كمالا في الآخرة فهو لا يخرج عن طبيعته التي خُلق عليها، وقد بيّن سبحانه أنه خلق ضعيفاً.

2 ـ تعليق الرؤية على أمر غير واقع:

علّق سبحانه الرؤية على استقرار الجبل وبقائه على الحالة التي كان عليها عند التجلّي، وعدم تحوّله إلى ذرّات ترابية صغار بعده، والمفروض أنه لم يبقَ على حالته السابقة، وبطلت هويّته، وصارت تراباً مدكوكاً، فإذا انتفى المعلّق عليه (بقاء الجبل على حالته) ينتفي المعلّق، وهذا النوع من التعليق في كلامهم، طريقة معروفة حيث يعلِّقون وجود الشيء على ما يعلم عدم وقوعه وتحقّقه، والله سبحانه بما أنه يعلم أنّ الجبل لا يستقر في مكانه ـ بعد التجلّي ـ فعلّق الرؤية على استقراره، لكي يستدلّ بانتفائه على انتفائه، قال سبحانه: (وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ) (الأعراف/40).

والحاصل: أنّ المعلّق عليه هو وجودُ الاستقرار بِغَضّ النظرِ عن كونهِ أمراً ممكناً أو مستحيلا، والمفروض انّه لا يستقر، فبانتفائه ينتفي ما علّق عليه وهو الرؤية.

وبالامعان فيما ذكر تستغني عن جلّ ما ذكره المتكلّمون من المعتزلة والأشاعرة حول المعلّق عليه(63).

ولارادة نموذج من كلامهم نأتي بما ذكره الرازي، قال: إنه تعالى علّق رؤيته على أمر جائز، والمعلّق على الجائز جائز، فيلزم كون الرؤية في نفسها جائزة بدليل قوله: (فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي) واستقرار الجبل أمرٌ جائزُ الوجود في نفسه، فثبت أنه تعالى علّق رؤيته على جائز الوجود في نفسه ...(64).

ويلاحظ على كلامه أنّ المعلّق عليه ليس إمكانُ الاستقرار وكونه أمراً ممكناً مقابل كونه أمراً مُحالا عليه حتى يكون أمراً حاصلا ويلزم منه وجود المعلّق، أعني الرؤية، مع أنّ المفروض عدمها، بل المعلّق عليه بقاء الجبل على ما كان عليه، إذ لو كان المعلّق عليه امكان الاستقرار يلزم نقض الغرض وتحقّق الرؤية لموسى (عليه السلام) بل المعلّق عليه هو بقاء الجبل على حالته التي كان عليها حين التكلّم، والمفروض أنّه لم يبقَ عليها، بل دُكَّ وصار تراباً مستوياً بالأرض، فبانتفاءه انتفى المعلَّق، أعني الرؤية.

3 ـ تنزيهه سبحانه بعد الإفاقة عن الرؤية:

تذكر الآية أن موسى لما أفاق فأوّلُ ما تكلّم به هو تسبيحه سبحانه وتنزيهه وقال: (سُبْحَانَكَ) وذلك لأنّ الرؤية لا تنفكّ عن الجهة والجسمية وغيرهما من النقائص، فنزّه سبحانه عنها، فطلبها نوع تصديق لها.

ومن مصاديق التفسير بالرأي ما ربّما يقال: إنّ المراد ـ من التنزيه هنا ـ هو تنزيه الله وتعظيمه واجلاله عن أنْ يتحمّل رؤيته مَنْ كتب عليه الفناء، حتى لا يتعارض مع ما ورد من إثبات الرؤية عن الله ورسوله في دار الآخرة، وليست الرؤية من النقائص على ما يدّعيه نفاتها، فهي ليست نقصاً في المخلوق، بل هي كمال، وكلّ كمال اتّصف به المخلوق وأمكن أنْ يتّصف به الخالق فالخالق أولى(65).

يلاحظ عليه: بأنه من أين وقف على اختصاص النفي بمن كتب عليه الفناء، مع اطلاق الآية، ولماذا لا يجعل الموضوع لعدم تحمّلها الوجود الامكاني القاصر المحفوظ في كلتا الدارين.

وما ذكره في آخر كلامه من أنّ كلّ كمال اتّصف به المخلوق وأمكن أن يتّصف به الخالق فالخالق أولى به صحيح من حيث الضابطة والقانون، لكنّه باطل من حيث التطبيق على المورد، فإنّ ما يوصف به المخلوق على قسمين: فمنه ما يكون كمالا له ككونه عالماً قادراً حيّاً سميعاً بصيراً، فالله أولى بأن يوصف به، ومنه ما لا يكون كمالا له ككونه مرئياً للغير، فلا يوصف به سبحانه، ولو افترضنا كونه كمالا للأوّل، لكنّه يكون موجباً للنقص في الثاني لاستلزامه التجسيم والتشبيه والجهة والحاجة إلى المكان، تعالى الله عمّا يقول الظالمون علوّاً كبيراً.

وكان الأولى للكاتب وأشباهه أن لا يخوضوا غمار هذه المسائل التي تحتاج إلى قدر كبير من التفكّر والعناية الخاصّة.

إذا لم تستطع أمراً فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع

4 ـ توبته لأجل طلب الرؤية:

إنّ موسى (عليه السلام) بعدما أفاق، أخذ بالتنزيه أولا والتوبة والإنابة إلى ربّه ثانياً، وظاهر الآية أنه تاب من سؤاله، كما أنّ الظاهر من قوله: (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) إنه أوّل المصدّقين بأنه لا يرى بتاتاً.

وللباقلاني أحد دعاة مذهب الإمام الأشعري كلاماً في تفسير التوبة، أشبه بالتفسير بالرأي، قال:

يحتمل إنّ موسى تاب لأجل أنه ذكر ذنوباً له قد قدّم التوبة منها، فجدّد التوبة عند ذكرها لهول ما رأى، أو تاب من ترك استئذانه منه سبحانه في هذه المسألة العظيمة(66).

لكن كلّ ما ذكره وجوه لا يتحمّلها ظاهر الآية، وإنّما تورّط فيها لأجل دعم المذهب، وهذا هو الذي ندّد به النبيّ الأكرم وقال: «من فسّر القرآن برأيه فليتبوّأ مقعده من النار»، ومثله قول الرازي في تفسير قوله: (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) بأنه لا يراك أحدٌ في الدنيا، أو أوّل المؤمنين، بأنه لا يجوز السؤال منك إلاّ باذنك(67).

* * *

شبهة المخالفين:

قد تقدّم أنّ الآية استدلّ بها النافون والمثبتون، وقد تعرّفت على استدلال النافين، وليس استدلال المثبتين للرؤية استدلالا علمياً، وإنّما يرجع محصّل كلامهم إلى ابداء شبهتين هما:

الشبهة الأُولى: لو كانت الرؤية ممتنعة لما سألها الكليم (عليه السلام)

إنّ الآية دالة على أنّ موسى (عليه السلام) سأل الرؤية، ولا شكّ أنّ موسى(عليه السلام) يكون عارفاً بما يجب ويجوز ويمتنع على الله تعالى، فلو كانت الرؤية ممتنعة على الله تعالى لما سألها، وحيث سألها علمنا أنّ الرؤية جائزة على الله تعالى(68).

والاستدلال بطلب موسى إنّما يكون متقناً إذا تبيّن أنه (عليه السلام) طلبها باختيار ومن غير ضغط من قومه، فعندئذ يصلح للتمسّك به ظاهراً، وأنّى للمستدلّ اثبات ذلك، مع انّ القرائن تشهد على أنه سأل الرؤية على لسان قومه حيث كانوا مصرّين على ذلك على وجه يأتي بيانه، وتوضيحه يتوقّف على بيان أُمور:

1 ـ أنه سبحانه ذكر قصة ميقات الكلام وطلب الرؤية أولا(69).

2 ـ أنه سبحانه أتْبعها بذكر قصة العجل وما دار بين موسى وأخيه وقومه ثانياً(70).

3 ـ ثمّ نقل اختيار موسى من قومه سبعين رجلا لميقاته سبحانه وقال: (وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةَ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ) (الأعراف/155).

والإجابة الحاسمة تتوقّف على توضيح أمر آخر وهو: هل كان سؤال موسى الرؤية مستقلا عن طلب القوم الرؤية، أم لا صلة له بطلبهم؟ من غير فرق بين القول بوقوع الطلبين في زمان واحد أو زمانين، بل المهم، وجود الصلة بين السؤالين وعدمها، وكون الثاني من توابع السؤال الأوّل.

والظاهر بل المقطوع به هو الأوّل، ويدلّ على ذلك أمران:

الأوّل: سياق الآيات ليس دليلا قطعياً

/ 12