دراسة أدلة المثبتين - رؤیـة الله فی ضوء الکتاب والسنة والعقل نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

رؤیـة الله فی ضوء الکتاب والسنة والعقل - نسخه متنی

جعفر سبحانی تبریزی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

دراسة أدلة المثبتين

خمس آيات على طاولة التفسير

اتّفق المحقّقون على أنه لا يُستدلُّ بآية على عقيدة إسلامية إلاّ إذا كانت الآية واضحة الدلالة جليّة المرمى، لما عرفت من أنّ المطلوب في باب العقائد هو الاعتقاد، وهو متوقّف على الإذعان، ولا يحصل إلاّ اذا كان هناك سبب قطعي له.

وعلى ذلك الأصل، كان المرتقب من أصحاب القول بالرؤية التمسّك بما له ظهور على مدّعاهُم ولو كان ذلك الظهور بدائياً أو زائلا حين التمعّن به، ولكن من المؤسف إنّنا نراهم يتمسّكون بما لا دلالة له على مدّعاهم، بل لا صلة بينه وبين القول بالرؤية، وعلى ذلك سنتناول في هذاالفصل?هذا القسم من الآيات ونفصّله عمّا سبق للفرق بين أدلّتهم.

الآية الأُولى: أمره سبحانه موسى بالشكر له

(قَالَ يَا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (الأعراف/144).

قال الرازي: إعلم إنّ موسى (عليه السلام) لمّا طلب الرؤية ومنعهُ الله منها، عدّد اللهُ عليه وجوه نِعَمه العظيمة التي له عليه، وأمره أن يشتغلَ بذكرها كأنّه قال: إن كنتُ قد منعتُك الرؤية فقد أعطيتُك من النِعم كذا وكذا، فلا يضيقُ صدرُك بسبب منع الرؤية، وانظر إلى سائر أنواع النعم التي خصّصتُك بها، واشتغِل بشكرها، والمقصود تسلية موسى (عليه السلام) عن منع الرؤية، وهذا أيضاً أحد ما يدلُّ على أنّ الرؤية جائزةٌ على الله تعالى، إذ لو كانت ممتنعة في نفسها لما كان إلى ذكر هذا القدر حاجة(80).

وقد تبعه اسماعيل البروسي فقال في تفسير قوله (وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ): أن اشكُر، يبلغك إلى ما سألتَ من الرؤية، لأنّ الشكر يستدعي الزيادة، لقوله تعالى: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لاََزِيدَنَّكُمْ) (ابراهيم/7) والزيادة هي الرؤية لقوله تعالى (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيَادَةٌ)(يونس/26)، وقال عليه الصّلاة والسلام: «الزيادةُ هي الرؤية، والحسنى هي الجنّة»(81).

ومن المثبتين للرؤية من يستحسن مواقفَ المستدلّين بهذه الآية ويقول: إنّ الاستدلال بهذه الآية على الجواز قويّ، لأنّ الله تعالى عدّد لموسى (عليه السلام) هذه النعم التي أنعم اللهُ بها عليه لما منعه من حصول جائز طلبه منه، فذكر ما ذكر تسليةً له، ولو منعه من ممتنع لكان بخطاب آخر، وذلك مثلُ خطابه تعالى لنوح (رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِح فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ)(هود/45-46).

وقوله تعالى لابراهيم (عليه السلام) حين قال: (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)(البقرة/260)، والفرق بين خطاب الله لموسى (عليه السلام) وبين خطابه لنوح وابراهيم (عليه السلام) ظاهر(82).

وقد نقلنا كلام هؤلاء بالتفصيل ليقف القارئ على كيفية تمسّكهم بما لا دلالة له على مطلوبهم، والشاهد على ذلك أنّا لو عرضنا الآية على أيّ عربيّ مخاطب بالقرآن لا ينتقلُ ذهنه إلى ما يدّعون، ويرى أنّ إثبات الرؤية بها تحميل للنظرية على الآية وليس تفسير لها، وإليك نقاط الضعف في كلماتهم:

أمّا الرازي، فمن أين يدّعي أنّ الآية في مقام مواساة موسى لئلاّ يضيق صدره بسبب منع الرؤية؟ لو لم نقل أنّ الآية وردت على خلاف ما يدّعيه، فإنّما وردت في مورد الامتنان على موسى وموعظة له أنْ يكتفي بما اصطفاه الله به من رسالاته، وكلامه، ويشكره ولا يزيد عليه.

هذا هو الظاهر من الآية، ولا وجه لحمل الآية بكونها في صدد المواساة بعدما صدر من موسى في الآية المتقدّمة عليها قوله: (سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) قال يا موسى انّي اصطفيتك على الناس .. فمقتضى ما صدر من موسى من تنزيه وتوبة وإيمان بأنه لا يُرى هو موعظته بالاكتفاء بما أُوتي ولا يزيد عليه، لا أن يعتذر سبحانه إليه ويواسيه بحرمانه رؤيته.

وأمّا ما ذكره صاحب روح البيان فعجيب جدّاً، فإنّ استدلاله يتوقّف على أنّ المراد من «زيادة» في قوله سبحانه (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) هو الرؤية، وهذا أول الكلام، وسيوافيك أنّ المراد منها هي الزيادة على الاستحقاق، فانتظر حتى يأتيك البيان.

وأمّا ما ذكره الدكتور تأييداً لما ذكره الرازي فَضَعْفُه واضح، لأنّ الآية ليست بصدد مواساته، وأمّا اختلاف الخطاب بينها وبين ما ورد في طلب نوح، هو أنّ طلب موسى لَمّا كان نتيجة ضغط من قومه دون طلب نوح، صار الاختلاف في مبدأ الطلبين سبباً لاختلاف الخطابين، فخوطب نوح بخطاب عتابي دون موسى (عليهما السلام)، وإنْ كان العتاب على ترك الأَولى.

الآية الثانية: الحسنى والزيادة

(لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ وَأُولئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (يونس/26).

فقد فسّرت الحسنى بالجنّة، والزيادة بالنظر إلى وجه الله الكريم، فقد روى مسلم في صحيحه عن صهيب عن النبي قال: «إذا أُدخل أهل الجنّة قال الله تبارك وتعالى: تريدون شيئاً أزيدكم، فيقولون: ألم تُبيِّض وجوهنا؟ ألم تُدخِلنا الجنّة وتُنْجِنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب، فما أُعطوا شيئاً أحبّ إليهم من التنظّر إلى ربّهم عزّ وجلّ».

وفي رواية ثمّ تلى (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيَادَةٌ)(83).

إنّ القرآن الكريم كتاب عربي مبين وهو تبيان لكلّ شيء، كما هو مقتضى قوله سبحانه: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْء) (النحل/89)، وحاشا أن يكون تبياناً لكلّ شيء ولا يكون تبياناً لنفسه، وسياق الآية يدلّ على أنّ المراد من الزيادة هو الزيادة على الاستحقاق، فقد جعل سبحانه الجزاء حقاً للعامل ـ لكن بفضله وكرمه ـ وقال: (لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) (آل عمران/199)، ثمّ جعل المضاعف منه حقاً للعامل أيضاً، وهذا أيضاً بكرمه وفضله، وقال: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا)(الأنعام/160). وبالنظر إلى هذه الآيات يتجلّى مفاد قوله سبحانه (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى) استحقاقاً للجزاء والمثوبة الحسنى (وَزِيَادَةً) على قدر الاستحقاق، قال سبحانه: (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ)(النساء/174).

وبغضّ النظر عمّا ذكرنا من تفسير الزيادةِ على الاستحقاق أنّ ما بعدَ الآية قرينة واضحة على أنّ المراد من «زيادة» هو الزيادة على الاستحقاق، ومفاد الآيتين هو تعلّق مشيئته سبحانه على جزاء المحسنين بأكثر من الاستحقاق وجزاء المسيئين بقدر جرائمهم، قال سبحانه بعد هذه الآية: (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَة بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عَاصِم كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (يونس/27).

أفبعد هذا السياق الرافع للابهام يصحُّ لكاتب عربي واع أنْ يستدلّ بالآية على الرؤية!!

وبذلك يظهر عدم دلالة ما يشابه هذه الآية مدلولا على مدّعاهم، قال سبحانه: (أُدْخُلُوهَا بِسَلاَم ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُمْ مَا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ) (ق/34-35) فإنّ المراد أحد المعنيين، إمّا زيادة على ما يشاؤونه ما لم يخطر ببالهم ولم تبلغهم أمانيُّهم، أو الزيادة على مقدار استحقاقهم من الثواب بأعمالهم.

أما ما رواه مسلم فسيوافيك القضا الحق عند البحث عن الرؤية في الروايات، وأنّ الآحاد في باب العقائد غير مفيدة، خصوصاً إذا كانت مضادة للبرهان.

الآية الثالثة: رؤية الملِك

(وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً) (الانسان/20).

قال الرازي: فإنّ إحدى القراءات في هذه الآية في «ملكاً» بفتح الميم وكسر اللاّم، وأجمع المسلمون على أنّ ذلك المَلِك ليس إلاّ الله تعالى، وعندي إنّ التمسّك بهذه الآية أقوى من التمسّك بغيرها(84).

وقال الآلوسي عند تفسيرها: وقيل هو النظر إلى الله عزّ وجلّ، وقيل غير ذلك(85).

ويلاحظ على كلامه: أنّ المسائل العقائدية لا يستدلّ عليها إلاّ بالأدلّة القطعية لا بالقراءات الشاذّة التي لا يحتجُّ بها على الحكم الشرعي فضلا عن العقيدة، وسياق الآية يدلّ على أنه هو المُلْك بضمّ الميم وسكون اللاّم وكأنّه سبحانه يقول: وإذا رميت ببصرك الجنّة رأيت نعيماً لا يوصف وملكاً كبيراً لا يقدر قدره.

والآية نظير قوله: (فَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلا كَبِيراً)(الأحزاب/47).

الآية الرابعة: آيات اللقاء

1 ـ (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) (الكهف/110).

2 ـ (وَقَدِّمُوا لاَِنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاَقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (البقرة/223).

3 ـ (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً) (الأحزاب/44).

4 ـ (وَقَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مَلاَقُوا اللهَ كَمْ مِنْ فِئَة قَلِيلَة غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) (البقرة/249).

وجه الاستدلال: أنّ الآيات تنسب اللقاء إلى الله تعالى، ومقتضى الأخذ بالظاهر هو تحقّق اللقاء بالمشاهدة والمعاينة.

لكنّ هذا الاستدلال يلاحظ عليه: أنّ اللقاء كما أُضيف في هذه الآيات إليه سبحانه، كذلك أُضيف إلى غيره سبحانه في سائر الآيات، فتارةً أُضيف إلى لفظ الآخرة، قال سبحانه: (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الاْخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ)(الأعراف/147) وقال: (وَقَالَ الْمَلاَُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الاْخِرَةِ) (المؤمنون/33)، وأُخرى إلى لفظ «اليوم» قال سبحانه: (يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هذَا)(الزمر/71) وقال سبحانه: (وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هذَا)(الجاثية/34) وعلى ذلك يكون المراد من الجميع هو لقاء الناس يوم الجزاء، بمعنى حضور الناس في يوم القيامة للمحاسبة والمجازاة، إن خيراً فخير وإن شراً فشر، وإنّما سُمِّي هذا بلقاء الرب أو لقاء الله لما تعلّقت مشيئته على مجازاة المحسنين والمسيئين في ذلك اليوم، فبما أنّه سبحانه يجزي المحسن والمسيء في ذلك اليوم فكأنهم يلقونه سبحانه فيه لا قبله.

وفي نفس الآيات التي استدلّ بها ذلك قرينة واضحة على أنَّ المراد من الآيات هو الحضور يوم القيامة، وهي أنّه سبحانه يأمر لمن يرجو لقاء الربّ بالعمل الصالح ويقول: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحاً)، أي فليستعدّ لذلك اليوم بالعمل الصالح، كما أنه في آية أُخرى يأمر بتقديم شيء لهذا اليوم ويقول: (وَقَدِّمُوا لاَِنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاَقُوهُ)، وذلك لأنّ مقتضى العلم بالحشر في ذلك اليوم والمحاسبة والمجازاة هو تقديم الأعمال الصالحة.

والذي يدلّ على أنّ المراد من اللقاء ليس هو الرؤية، هو أنّ الرؤية تختصّ بالمؤمنين ولا تعمّ الكافرين، مع أنّه سبحانه يُعمِّم اللقاء بالمؤمن والكافر فيقول: (فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ)(التوبة/7) فلو كان المراد من لقاء الله هو مشاهدته ورؤيته فيلزم أن يكون المنافق مشاهداً له، فلم تبق أيّ فضيلة للمؤمنين، مع أنّ القائلين بالرؤية يُزمِّرون بأنّ الرؤية فضيلة وزيادة تختصّ بالمؤمنين.

ولما ضاق الخناق على بعضهم قال بوجود رؤيتين: إحداهما عامة للمؤمن والكافر، وهي الرؤية يوم القيامة، والأُخرى خاصة بالمؤمنين وهي الرؤية في الجنّة(86). وهو كما ترى، فإنّ ظرف الرؤية للمؤمنين في رواية أبي هريرة هو يوم القيامة كما سيوافيك، وفيه يرى المؤمنون خالقهم على صورته الواقعيّة.

وفي الختام نقول: إنّ منزلة آيات اللقاء هي منزلة آيات الرجوع إلى الله، قال سبحانه: (إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)(البقرة/156) ولم نر سلفيّاً أو أشعريّاً يستدلّ بها على رؤية الله سبحانه، مع أنّ وزان الجميع واحد.

الآية الخامسة: آية الحَجْب

(كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذ لََمحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيم * ثُمَّ يُقَالُ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) (المطففين/14-17).

هذه الآية استدلّ بها غيرُ واحد من القائلين بالرؤية.

قال الآلوسي: لا يرونه تعالى وهو حاضرٌ ناظرٌ لهم بخلاف المؤمنين، فالحجاب مجاز عن عدم الرؤية، لأنّ المحجوب لا يرى ما حُجِبَ، إذْ الحَجْب: المنع، والكلام على حذف مضاف، أي عن رؤية ربّهم الممنوعة، فلا يرونه سبحانه، واحتجّ بالآية مالك على رؤية المؤمنين له تعالى من جهة دليل الخطاب، وإلاّ فلو حجب الكلّ لما أَغنى هذا التّخصيص، وقال الشافعي: لما حجب سبحانه قوماً بالسُخْط دلّ على أنّ قوماً يرونه بالرّضا، وقال أنس بن مالك: لما حجب عزّ وجلّ أعداءه سبحانه فلم يروه تجلّي جلّ شأنه لأوليائه حتى رأوه عزّ وجلّ(87).

ويلاحظ على هذا الكلام: أنّ الآية بصدد تهديد المجرمين وانذارهم، وهذا لا يحصل إلاّ بتحذيرهم وحرمانهم من رحمته، وتعذيبهم في جحيمه، وأما تهديدهم بأنّهم سيحرمون عن رؤيته تبارك وتعالى فلا يكون مؤثراً فيمن غلبت على قلبه آثار المعاصي والمآثم فلا يفكر يوماً بالله ولا برؤيته، وعلى ذلك، فالمراد أنّ هؤلاء محجوبون يوم القيامة عن رحمته واحسانه وكرمه، وبعدما مُنِعوا من الثواب والكرامة يكون مسير هؤلاء إلى الجحيم، ولذلك رتّب على خيبتهم وحرمانهم قوله: (إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيم ثُمَّ يُقَالُ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ).

هذه هي الآيات التي وقعت ذريعة للاستدلال على العقيدة المستوردة من الأحبار والرهبان إلى المسلمين، فزعم المحدّثون والمغترون كونها عقيدة اسلامية، فحشروا الآيات للبرهنة عليها سواء كانت بها دلالة أم لا.

ولو كان المستدلّون متجرّدين عن عقائدهم لفهموا أنّ هذه الآيات نزلت لبيان مفاهيم أخلاقية واجتماعية وسوق المجتمع إلى العمل الصالح وعدم التورّط في المعاصي، وأين هي من الدلالة على أصل كلامهم حول الرؤية؟!

إنّ الله سبحانه ذكر نعم الجنّة الكثيرة ومقامات المؤمنين، ولو كانت الرؤية من أماثل نعمه سبحانه فلماذا لم يذكرها بوضوح كسائر النعم؟

رؤية الله في الأحاديث النبويّة

قد تعرّفت على موقف الكتاب من رؤيته سبحانه، وأنه كلّما يذكر الرؤية وسؤالها وطلبها كان يستعظم ذلك ويستفظعه اجمالا، وعندما يطرحها تفصيلا يعدّها أمراً محالا، كما عرفت أنّ ما تمسّك به القائلون بجواز الرؤية من الآيات لا يدلّ على ما يدّعون.

بقي الكلام في الروايات الواردة حول الرؤية في الصحاح والمسانيد، ودلالتها على المطلوب واضحة كما ستوافيك، لكن الكلام في حجية الروايات التي تعارض الذكر الحكيم وتباينه، فإذا كان الكتاب العزيز مهيمناً على سائر الكتب فلماذا لا يكون مهيمناً على السنن المرويّة عن الرسول (صلى الله عليه وآله)، التي دوّنت بعد مضي 341 سنة من رحيله (صلى الله عليه وآله)ولم تُصَن عن دسّ الأحبار والرهبان، قال سبحانه: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ) (المائدة/48) وقال تعالى: (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (النمل/76).

ولا يعني ذلك، حذف السنة من الشريعة ورفع شعار حسبنا كتاب الله، بل يعني التأكّد من صحّتها ثمّ التمسّك بها في مقام العمل.

وإليك ما ورد في الصحاح حول الرؤية:

روى البخاري في باب «الصراط جسر جهنّم» بسنده عن أبي هريرة قال: قال أُناس: يا رسول الله هل نرى ربّنا يوم القيامة؟ فقال: «هل تضارّون في الشمس ليس دونها سحاب؟» قالوا: لا يا رسول الله، قال: «هل تُضارّون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب؟» قالوا: لا يا رسول الله، قال: «فإنّكم ترونه يوم القيامة، كذلك يجمع الله الناس فيقول: من كان يعبد شيئاً فليتّبعه، فيتّبع من كان يعبد الشمس، ويتّبع من كان يعبد القمر، ويتّبع من كان يعبد الطواغيت، وتبقى هذه الأُمّة فيها منافقوها، فيأتيهم الله في غير الصورة التي يعرفون، فيقول: أنا ربّكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، هذا مكاننا حتى يأتينا ربّنا فإذا أتانا ربّنا عرفناه، فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربّنا فيتبعونه ويضرب جسر جهنم ...»

إلى أن يقول: «ويبقى رجلٌ مُقْبل بوجهه على النار فيقول: يا ربّ قد قَشَبَني ريحها، وأحرقني ذكاوها، فاصرف وجهي عن النار، فلا يزال يدعو الله فيقول: لعلّك إن أعطيتُك أن تسألني غيره، فيقول: لا وعزّتك لا أسألك غيره، فيصرف وجهه عن النار، ثمّ يقول بعد ذلك: يا ربّ قرّبني إلى باب الجنّة، فيقول: أليس قد زعمت أن لا تسألني غيره؟ ويلك ابن آدم ما أغدرك، فلا يزال يدعو فيقول: لعلّي إن أعطيتك ذلك تسألني غيره، فيقول: لا وعزّتك لا أسألك غيره، فيعطي الله من عهود ومواثيق أنْ لا يسأله غيره، فيقرّبه إلى باب الجنّة، فإذا رأى ما فيها سكت ما شاء الله أن يسكت، ثمّ يقول: ربّي أدخلني الجنّة، ثمّ يقول: أوَليسَ قد زعمت أنْ لا تسألني غيره، ويلك يا ابن آدم ما أغدرك، فيقول: يا ربّ لا تجعلني أشقى خلقك، فلا يزال يدعو حتى يضحك (الله)، فإذا ضحك منه أذن له بالدخول فيها ...» الحديث(88).

ورواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة، مع اختلاف يسير(89).

ورواه أيضاً عن أبي سعيد الخدري باختلاف غير يسير في المتن وفيه: «حتى إذا لم يبق إلاّ من كان يعبد الله تعالى من برّ وفاجر أتاهم ربُّ العالمين سبحانه وتعالى في أدنى صورة من التي رأوه فيها، قال: فما تنتظرون تتبع كلّ أُمة ما كانت تعبد، قالوا: يا ربّنا فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنّا إليهم ولم نصاحبهم، فيقول: أنا ربّكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، لا نشرك بالله شيئاً، مرّتين أو ثلاثاً، حتى أنّ بعضهم ليكاد أن ينقلب، فيقول: هل بينكم وبينه آية فتعرفونه بها؟ فيقولون: نعم، فيكشف عن ساق، فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه، إلاّ أذن الله له بالسجود، ولا يبقى من كان يسجد اتّقاءً ورياءً إلاّ جعل الله ظهره طبقة واحدة، كلما أراد أن يسجد خرّ على قفاه ...» الحديث(90).

وقد نقل الحديث في مواضع من الصحيحين بتلخيص، ورواه أحمد في مسنده(91).

تحليل الحديث

إنّ هذا الحديث مهما كثرت رواته وتعدّدت نقلته لا يصحّ الركون إليه في منطق الشرع والعقل بوجوه:

1 ـ إنّه خبر واحد لا يفيد شيئاً في باب الأُصول والعقائد، وإن كان مفيداً في باب الفروع والأحكام، إذ المطلوب في الفروع هو الفعل والعمل، وهو أمر ميسور سواء أذعن العامل بكونه مطابقاً للواقع أو لا، بل يكفي قيام الحجّة على لزوم تطبيق العملة عليه، ولكن المطلوب في العقائد هو الإذعان وعقد القلب ونفي الريب والشك عن وجه الشيء، وهو لا يحصل من خبر الواحد ولا من خبر الاثنين، إلاّ إذا بلغ إلى حدّ يورِث العلم والاذعان، وهو غير حاصل بنقل شخص أو شخصين.

2 ـ إنّ الحديث مخالف للقرآن، حيث يثبت لله صفات الجسم ولوازم الجسمانية كما سيوافيك بيانه عن السيد الجليل شرف الدين (رحمه الله).

3 ـ ماذا يريد الراوي في قوله: «فيأتي الله في غير الصورة التي يعرفون، فيقول: أنا ربُّكم»؟ فكأنّ لله سبحانه صوراً متعدّدة يعرفون بعضها وينكرون البعض الآخر، وما ندري متى عرفوا التي عرفوها، فهل كان ذلك منهم في الدنيا، أو كان في البرزخ، أم في الآخرة؟

4 ـ ماذا يريد الراوي من قوله: «فيقولون: نعم، فيكشف عن ساق، فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه ...»؟ فإنّ معناه أنّ المؤمنين والمنافقين يعرفونه سبحانه بساقه، فكانت هي الآية الدالة عليه.

5 ـ كفى في ضعف الحديث ما علّق عليه العلاّمة السيد شرف الدين (رحمه الله) حيث قال: إنّ الحديث ظاهر في أنّ لله تعالى جسماً ذا صورة مركبة تعرض عليها الحوادث من التحوّل والتغير، وانّه سبحانه ذو حركة وانتقال، يأتي هذه الأُمّة يوم حشرها، وفيها مؤمنوها ومنافقوها، فيرونه بأجمعهم ماثلا لهم في صورة غير الصورة التي كانوا يعرفونها من ذي قبل، فيقول لهم: أنا ربكم، فينكرونه متعوّذين بالله منه، ثمّ يأتيهم مرّة ثانية في الصورة التي يعرفون، فيقول لهم: أنا ربكم، فيقول المؤمنون والمنافقون جميعاً:

نعم أنت ربّنا، وإنّما عرفوه بالساق إذ كشف لهم عنها، فكانت هي آيته الدالّة عليه، فيتسنّى حينئذ السجودُ للمؤمنين منهم دون المنافقين، وحين يرفعون رؤوسهم يرون الله ماثلا فوقهم بصورته التي يعرفون لا يُمارونَ فيه، كما كانوا في الدنيا لا يُمارون في الشمس والقمر، ماثلين فوقهم بجرميهما النيّرين ليس دونهما سحاب، وإذا به بعد هذا يضحك الربّ ويعجب من غير معجب، كما هو يأتي ويذهب، إلى آخر ما اشتمل عليه الحديثان ممّا لا يجوز على الله تعالى، ولا على رسوله، باجماع أهل التنزيه من أشاعرة وغيرهم، فلا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم(92).

/ 12