الحج مظهر الجامعة الإنسانية الإسلامية
الحج
انتصار للقومية الإسلامية على القوميات الوطنية والعنصرية واللسانية التي قد
يصبح بعض الشعوب الإسلامية فريستها تحت ضغط عوامل كثيرة ، وهو إظهار
لشعار هذه القومية ، فتتجرّد جميع الشعوب الإسلامية عن جميع ملابسها
وأزيائها الاقليمية التي تميّز بعضها عن بعض ويتعصّب لها أقوام ، وتظهر
كلّها في مظهر واحد يسمّى «الاحرام» ، حاسرة رؤوسها ما بين رئيس ومرؤوس
وصغير وكبير وغني وفقير وتهتف كلّها في لغة واحدة ونغمة واحدة : «لبيك
اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إنّ الحمد والنعمة لك
والملك ، لا شريك لك» .
هكذا
تتجلّى القومية الإسلامية في اللباس والهتاف ، وهما من أوضح ما تجلّت
فيه قومية ، وفي وحدة المناسك والغايات التي يقوم بها جميع الأفراد
والشعوب ويسعى إليها العرب والعجم ويلتقي عليها القاصي والداني ، فكلّهم
يطوفون حول بيت واحد ، ويسعون بين غايتين مشتركتين «الصفا والمروة»
وكلهم يقصدون «منى» وكلّهم يؤمون «عرفات» ويقفون في موقف واحد وكلّهم يبيتون
في مبيت واحد ، { فَإِذا أَفَضْتُمْ
مِنْ عَرَفات فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَ اذْكُرُوهُ
كَما هَداكُمْ وَ إِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضّالِّينَ
}29 ، ويفيضون إفاضة
واحدة ، { ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ
حَيْثُ أَفاضَ النّاسُ وَ اسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ
رَحِيمٌ }30 ، وكلّهم يقفون أياماً في
منى تجمع بينهم اشغال واحدة من نحر وحلق ورمي .
الحج
فريضة باقية إلى يوم القيامة ومؤسسة خالدة خلود هذه الاُمّة ، فالمسلمون
لا تبتلعهم القوميات كما ابتلعت اُمماً كثيرة ولا يصبحون ضحيتها ولا تكون
بلادهم التي يحبّونها . . . قبلة يتوجّهون إليها وكعبة يحجّون
إليها ، إنما هي قبلة واحدة يتوجّه إليها الشرقي والغربي والعجمي
والعربي ، إنما هي كعبة واحدة يحج إليها الهندي والايراني والأفغاني
والتركي والمسلم الأوربي والأمريكي { وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنّاسِ وَ
أَمْناً وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى} 31 ، ويحنّ إليها
المسلم في أقصى الأرض وينذر لهذه الرحلة النذور ويسعى إليها على الرأس
والعين ، ويعتبر ذلك غاية الأوطار وأقصى الأماني وأعظم السعادات32 .