الجوانب الإعلامية في الحج
إنّ ما
يقوم به الحجيج من أعمال التعارف والذكر والاجتماع على كلمة واحدة ،
وهتاف واحد في صعيد واحد ، وما يتجلّى في أداء مناسك الحج من مظاهر
الوحدة والثقة ودعم عقيدة التوحيد ، ورفع التلبية وتكرارها ، يحمل
كلّ ذلك من الفوائد الإعلامية الواقعية ما لا تتحمّله أجهزة الإعلام في عصر
التقدّم العلمي والرقي الحضاري ، فمن المعلوم أنّ الاعلام لا يهدف إلاّ
تركيز الفكرة أو الصورة ، وترسيخ المفاهيم والمشاهد بوسائله
المتعدّدة ، ثم التأثير بذلك كلّه في عقول الناس ومرئياتهم ، وقد
قيل : إنّ الإعلام سلاح ذو حدّين ، يبني ويهدم وينفع ويضرّ ،
كذلك أعمال الحج تحقّق هذه الغاية الإعلامية من تركيز العقائد وفضائل الأخلاق
وتحريك الهمم وإيقاظ الروح وإشعال جمرة الايمان وإذكاء نار العداوة والبغضاء
ضد الشياطين والوثنيات والكفر والعادات الخبيثة والأعمال القبيحة والمعاصي
المدمّرة ، وهي تبني معالم الهدى والسعادة والعلم والايمان وتخطّط
للمستقبل الإنساني النيّر ، وتوفّر لأهلها فرصاً سانحة للوحدة والتضامن
والتعاون على البرّ والتقوى ، وتهدم مسالك الغي والضلال ، ومناهج
الظلم والطغيان وتحطّم أغلال الشرك والعبودية والخنوع لغير
الله .
إذا كان
الاعلام يرسم الخطوط ويضع القواعد ويفصل المناهج لتركيز الفكرة وتصويرالآلام
والأحلام والآمال والأهواء، وتمثيل مناظراللهو والمجون والفواحش
والنكبات والصور الإنسانية من جميع الأنواع ، فإنّ اعمال الحج ومناسكه
تمثّل المشاهد الإنسانية والمناظر الجذّابة من الرباط الوثيق بين العبد وربّه
وبيته ومشاعرهوالعلاقة المخلصة الجادة بصاحب الشريعة
وحامل الوحيورسالة الإسلام محمّد(صلى الله عليه وسلم) الذي بعث رحمة
للعالمين ، إنها تصور ذلك الواقع الإنساني الذي رفع البشر إلى أعلى قمّة
من السعادة والهداية والطمأنينة والهدوء ، كذلك فإنّ في الحج كلّ نوع
من الاعلام والإبلاغ والتوجيه والدعوة والتمثيل والتصوير، فيه كلّ نوع
من دروس الحبّ والهيام والتفاني في سبيل الهدف السامي ، وفيه تزكية
العواطف وتنزيه المشاعر وتنمية روح الفضائل بإزاء العداوة للشيطان والكراهية
للرذائل والفرار من خداع النفس ، وأخذ الحذر من كلّ ما يغري العبد
المؤمن في طريقه إلى الله ، ومن كلّ ما يخدعه من المظاهر الكاذبة
المزخرفة والاستفادة من الجوانب الإعلامية المتوافرة في هذا الركن
العظيم ، في النواحي الإيجابية والسلبية
كلتيهما . . .
ثم إنّ
جماعات الحجيج التي تمثّل جميع عواصم العالم وطبقات الاُمّة ومجتمعات
المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، تحمل الأنباء والأخبار عمّا يجري
حول العالم من الظروف والأوضاع المتنوّعة ، وتتولّى مهمة كشف الحقائق عن
كثير من شؤون السياسة والاجتماع العالمية والنوايا والتحديات التي توجّه إلى
العالم الإسلامي والمسلمين لتصفية الوجود الإسلامي حيناً ، وإضعاف
معنويتهم وثقتهم بخلود الإسلام وعالمية رسالته حيناً آخر33 .
كذلك
تتضاعف البرامج بأنواعها وألوانها بنقل المشاهد والحقائق بأجهزة الاعلام
المختلفة إلى جميع أنحاء العالم ممّا يفيد المجتمعات الإنسانية في العالم
كلّه ، ويزوّدها بصورة حيّة وبأشكال متحرّكة لمناسك الحج وأعماله في
أجواء الربوع المقدّسة حيث يعيش ملايين الحجاج في وحدة ووئام ليس له نظير في
أي أمّة ولا تاريخ ، ولا سيما الخطبة التي تلقى في يوم عرفة لأحكام
المناسك ودروس الحج ، كما يذكر فيها مشاكل الاُمة الإسلامية وطرق
حلّها ، ويذكر فيها تعاليم الإسلام ومفاهيمه التي تكون صالحة لبناء
الحياة الإسلامية . . . لقد علم النبيّ (صلى الله عليه وسلم)
اُمّته مناسك الحج وفسّر لها معالمه ومراميه ومفاهيمه بحيث لم يترك صغيرة ولا
كبيرة ، دقيقة ولا جليلة إلا أحصاها ، فقد سجل التاريخ خطبته التي
ألقاها بعرفات مخاطباً العدد الهائل من أصحابه الكرام وكان يبلغ هذا العدد
أكثر من مائة ألف ، إنما كانت خطبته هذه ميثاقاً للحياة الإسلامية
والاجتماعية ، ولكل ما جاء في هذه الخطبة من حرمة الحياة الإنسانية
والأموال والأعراض وحقوق النساء والأولاد وشؤون سياسية واجتماعية واقتصادية
وحضارية34 .