بیشترلیست موضوعات
المقــدمة تمـهيد المحور الأول:
التفاعل الحضاري بين الأمم حدود الحوار بين المسلمين
والغرب الحـوار بين العالمية والعولمة الأقليات الإسلامية والحوار
مع الآخر حوار الحضارات ضرورة
إنسانية المحور
الثالث: أثر ثقافة
الحوار في نجاح
الدعوة الحـوار لغة الحـياد الحـوار منهج عقلي وعاطفي الحماسة للحق وكراهية
الباطل الحوار وتثبيت العقيدة
الصحيحة الحوار وتكوين المجتمع
المسلم الحوار والنهي عن موالاة
اليهود والنصارى الحوار والدعوة إلى السلم
الخاتــمة
المـراجع الهوامشتوضیحاتافزودن یادداشت جدید تمـهيد الصحوة الإسلامية وأهمية الحوار مع الآخر حوار الحضارات ، أو حوار الشمال والجنوب ، أو الحوار العربي الأوربي ، أو الحوار الإسلامي المسيحي ، أو حوار الشرق والغرب كلها مصطلحات وعناوين لموضوع واحد هو الحوار بين الأديان والثقافات المختلفة التي تعتمد صياغات متفاوتة في نظرتها إلى الكون والوجود ، وهو موضوع جدير بالاهتمام والدراسة والمتابعة عسى أن ينتقل الأمر فيه من مرحلة الفهم والاقتناع إلى مرحلة التعاون على العمل المشترك بين جميع المعنيين باقتلاع جذور الأحقاد بين الشعوب والأمم . ويقصد به من الناحية النظرية الحوار مع الطرف الآخر للتعرف على ما يهدف إليه من حيث طبيعة علاقته بالآخرين ورسم مستقبل أفضل لجميع شعوب العالم ضمن دائرة التفاهم المشترك ، وعدم التجاوز على الخصوصية الدينية والأخلاقية بما يطلق عليه في عالم اليوم المحافظة على الهوية الثقافية للأمم . وهذا النوع من الحـوار وإن أخذ مسميات حديثة فإنه قديم قدم وجود الشعوب ذات الحضارات المتجاورة ، حيث كانت تلك الشعوب تتبادل المعارف والخبرات وأنماط الحياة من قيم وسلوك وتقاليد عن طريق التفاعل العفوي الطبيعي بحيث أصبحت بمجملها جزءا من مفردات نسيجها الاجتماعي دون قصد بفعل التواصل الحضاري على مدى الأزمان المتعاقبة 2، وهذا في حقيقته يمثل طرفا من المفهوم الذي أشار إليه القرآن الكريم بقوله تعالى (( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا )) 3 حيث اقتضت حكمته تعالى أن يخلق الناس متفاوتين ومختلفين ،وأن يظلوا كذلك ربما من أجل تحقيق التعارف والتبادل والحوار بين بني البشر (( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم ))4 وهكذا استمرت العلاقات بين الأمم والشعوب على ربى هذه المعمورة مضطربة مرة ومتفقة مرة أخرى يحدوها الأمل في إقامة علاقات حسنة تقوم على أساس التفاهم والاحترام المتبادل . ونتيجة لهذا الإحساس بضرورة التلاقي والتواصل والتحاور بين شعوب العالم المختلفة عقدت على مدى العقود الخمسة الأخيرة من القرن الماضي العديد من اللقاءات والمؤتمرات والندوات العلمية والثقافية من أجل تحقيق أرضية مشتركة للتعاون والحوار بين الأديان والحضارات باعتبار ذلك يمثل أرقى صيغ الحوار مع الآخر في عصر المدنية والتحضر5. ويكتسب الحوار في تراثنا الثقافي مكانة تدل على مجموعة من القيم والمبادئ التي هي جزء أساسي من الحضارة والثقافة الإسلامية ، ويؤكد هذا المعنى ما ورد في القرآن الكريم من آيات استخدمت لفظ الحوار في أكثر من مناسبة كما في قوله تعالى (( وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره ))6(( قال له صاحبه وهو يحاوره))7((قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما ))8مما يثبت أن الحوار أصل من الأصول الثابتة للحضارة الإسلامية ينبع من رسالة الإسلام وهديه ، ومن طبيعة ثقافته وجوهر حضارته . لقد اقترن الحوار في مجمل النصوص الشرعية بالعقل والتشريع مما يمنحه معنى ساميا في سياق تحديد مدلوله، ذلك أن الحوار العاقل هوالذي يقوم على أساس راسخ ويهدف إلى غاية نبيلة هي القبول بمبدأ المراجعة الذي يتجاوز الرجوع عن الخطأ إلى مراجعة الموقف برمته إذا اقتضت لوازم الحقيقة هذه المراجعة وصولا إلى جلاء الحق وتوضيح الحقيقة . فالحوار قيمة من قيم الحضارة الإسلامية المستندة إلى مبادئ الدين الحنيف وتعاليمه السمحاء باعتباره تعبيرا عن أبرز سمات الشخصية الإسلامية السوية وهي سمة التسامح والمرونة في التفكير ، فالحوار لا يكون إلا بالتي هي أحسن أي أحسن الوسائل وأقوم الأساليب و الطرق . وبهذا المعنى فإن الحوار قوة وسلاح من أسلحة السجال الثقافي ، وهو وسيلة ناجعة من وسائل الدفاع عن كيان الأمة وعقيدتها ومنهجها لغرض تبليغ رسالتها وإظهار حقيقتها وإسماع صوتها وكسب الأنصار لها وفق الصيغة والمنهج الذي يأمر به القرآن ((أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ))9. وتأسيسا على ما تقدم ، فإن الحوار الذي يدعو إليه الإسلام لابد أن يستند إلى الأسس والمنطلقات التالية 10: 1 ـ الاحترام المتبادل . 2 ـ الإنصاف والعدل . 3 ـ نبذ التعصب والكراهية . ومن هنا فإن الاحترام المتبادل بين الأطراف المتحاورة هو المنطلق الأول الذي يجب أن يرتكز عليه الحوار وفقا للتوجيهات القرآنية (( ولا تسـبوا الذين يدعون من دون الله فيسـبوا الله عدوا بغير علم )) 11<، وبذلك نضمن أن لا يكون الحوار ساحة للًجاج العقيم والتطاول على أقدار الناس والمس بمكانتهم وتبادل الإساءة فيما بينهم حتى لا يفقد الحوار صيغته الحضارية . وإذا كان الاحترام المتبادل هو المنطلق الأول للحوار فإن الإنصاف والعدل هو المنطلق الثاني ، ولنا في التوجيه القرآني قاعدة ثابتة وهداية دائمة، يقول الله تعالى (( ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ))12 فالعدل هو أساس الحوار الهادف الذي ينفع الناس ويمكث أثره في الأرض ويستدعي الاعتراف بالفضل لذويه ويعمل على إقرار الحق حتى ولو يكن في صالح جميع الأطراف . ومن خلال اجتماع الاحترام المتبادل والإنصاف والعدل تتوفر قاعدة ثالثة من قواعد الحوار التي تقوم عليها منطلقات الحوار وهي نبذ التعصب والكراهية، وإننا لنجد أصل هذه القاعدة في قوله تعالى(( لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ))13. ولا شك أن هذا التوجيه القرآني يرقى من مستوى نبذ التعصب والكراهية إلى مقام أرفع وهو البر بالناس الذي يعني الإحسان بكل دلالاته الأخلاقية ومعاملتهم بالقسط الذي يعني العدل في الطرح والتوجيه (( وقولوا للناس حسنا ))14، فالحسن هنا ليس معناه مجرد التلطف بالقول والمجاملة بالخطاب وإنما هو الحسن النافع في الدين والدنيا 15. وفي مجتمعاتنا الإسلامية يعد الحوار أصلا ثابتا من أصول الحضارة الإسلامية ومبدأ من مبادئ الشرع الحنيف استنادا إلى قوله تعالى (( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله ))16 فهذه الآية دعوة صريحة إلى الحوار الهادف بين المسلمين من جهة وبين أصحاب الأديان والحضارات من جهة أخرى . ومن هنا ، فإن الحوار الذي ندعو إليه وندخل فيه هو الذي يستمد الاعتدال من روح الإسلام وتعاليمه التي تدعو إلى الوسطية في كثير من الآيات القرآنية ، منها قوله تعالى (( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا))17 والمقصود بالوسط هنا الاعتدال والمثالية وعدم التعصب بحيث يكون الحوار بالكلمة الراقية والمنهج السوي . إن العالم الإسـلامي اليوم مدعو أكثر من أي وقت آخر إلى الانفتاح على آفاق العصر والدخول في حوارات جدية وهادفة مع دوائر عديدة وعلى مستويات متنوعة ثقافية وفكرية وسياسية ليثبت للعالم كله أهليته للمساهمة في صياغة حضارة إنسانية تسود فيها قيم الخير والحق والفضيلة ، وتهدف إلى نشر المعارف والثقافات بين الشعوب ، وتنمية العلاقات السلمية بينها ، وتمكين كل إنسان من اكتساب المعرفة والمشاركة في التقدم العلمي الذي يشهده العالم اليوم ليفتح الحوار مجالا واسعا أمام تفاهم المجتمعات ويؤدي إلى تقارب الثقافات ويساهم في تلاقح الأفكار وهو ما يمكن أن نصطلح عليه اليوم بالتفاعل الحضاري الذي يجب أن يدعم التعاون بين جميع شعوب العالم على مواجهة تحديات العصر ووضع الحلول المناسبة لها .