صحوة الإسلامیة وحوار الثقافات والأدیان نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

صحوة الإسلامیة وحوار الثقافات والأدیان - نسخه متنی

عبدالستار إبراهیم الهیتی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


الحـوار بين العالمية والعولمة :

هنالك فرق كبير بين المصطلحين العالمية والعولمة. فالمصطلح الأول يعني أن
أبناء هذا العالم بمختلف قبائله وشعوبه ولغاته وملله ونحله، يعيشون على هذه الأرض،
فلا بد أن يتفاهموا فيما بينهم، تمهيداً للتعاون الدائم على خير الجميع، ولا مانع
من أن يأخذ بعضهم من بعض. ولا يجوز أن يفرض بعضهم على بعض لغته أو دينه أو مبادئه
أو موازينه. فالاختلاف في هذا الإطار طبيعي جداً، والتعاون ضروري أبداً، لمنع
الصدام والحروب والعدوان.

وهذه العملية العالمية هي التي تسمى بالتثاقف الحضاري
بين الشعوب والأمم، وهي واقع البشرية منذ أقدم العصور إلى اليوم ، فاللغات تلاحقت
والمجتمعات تعاونت والحضارات عبرت من مكان إلى مكان .

والعالمية بهذا المفهوم هي التي يدعو إليها الإسلام من خلال الدعوة الوادعة ، والجدال الحسن ،
دون إكراه لأحد ، منطلقًا من هدي القرآن وتوجيهاته ، في قوله تعالى ((ولو شاء الله
لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ماآتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا
فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون ))27
وقوله تعالى (( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ))28
وقوله تعالى (( وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين ءأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن
تولوا فإنما عليك البلاغ ))29
وقوله تعالى (( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من
دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ))30
.

والمتتبع لأحداث التاريخ عامة، وتاريخ الإسلام خاصة ،
يقف على أنه لم يرد فيه دليل على أن المسلمين رسموا للبشرية طريقًا واحدًا ووجهة
واحدة وحكمًا واحدًا ونظامًا واحدًا وعالمًا واحدًا بقيادة واحدة بالإجبار والإكراه
، بل اعترفوا بواقع الأديان واللغات والقوميات، عاملوها معاملة كريمة، بلا خداع ولا
سفه ولا طعن من الخلف؛ ولذلك عاش في المجتمع الإسلامي اليهودي والنصراني والصابئي
والمجوسي وسائر أهل الشرك بأمان واطمئنان31.

أما العولمة التي هـي الترجمة العربية للكلمة الإنجليزية Globalization فهي مصطلح يعني جعل العالم عالمًا واحدًا، موجهًا توجيهًا واحدًا
في إطار حضارة واحدة، ولذلك قد تسمى الكونية أو الكوكبية32
، يقول الفيلسوف الفرنسي روجيه جارودي عن العولـمة: "نظام يُمكّن الأقوياء من فرض
الدكتاتوريات اللاإنسانية التي تسمح بافتراس المستضعفين بذريعة التبادل الحر وحرية
السوق" 33
، ويثبت هانس بيترمارتن وهارالد شومان، صاحبا كتاب فخ العولـمة أن العولـمة هي
عملية الوصول بالبشرية إلى نمط واحد في التغيير والأكل والملبس والعادات والتقاليد34.

ويقول الدكتور سـيار الجميل: إنها عملية اختراق كبرى للإنسـان وتفكيره ،
وللذهنيات وتراكيبها ، وللمجتمعات وأنساقها ، وللدول وكياناتها ، وللجغرافيا
ومجالاتها، وللاقتصاديات وحركاتها ، وللثقافات وهوياتها ، وللإعلاميات وتداعياتها35.

وأما الدكتور مصطفى محمود فيقول: العولمة مصطلح بدأ لينتهي بتفريغ الوطن من
وطنيته وقوميته وانتمائه الديني والاجتماعي والسياسي، بحيث لا يبقى منه إلاّ خادم
للقوى الكبرى36.

ومن خلال ما تقدم يتضح لنا أن العالمية التي يدعو إليها الإسلام لا تتعارض
في حال من الأحوال مع مبدأ الحوار ، وإنما تتفق معه بكل جوانبها ، لأنها تعني
الاعتراف بواقع الأديان والحضارات والثقافات الأخرى ، ولأنها تمهد الطريق للتعاون
بين بني البشر وفق معطيات التفاعل الحضاري ، دون أن يفرض طرف ثقافته ومعتقداته على
الطرف الآخر ، فهو بذلك حـوار يحفظ للشعوب هويتها وخصوصيتها الثقافية ويمنع الصدام
والتناحر والعدوان .

أما العولمة فهي تحمل نتائج رهيبة أجمع الباحثون عليها ، حيث لا توجد فيها
لغة مشتركة تجمع بين الحضارات والثقافات الإنسانية المختلفة ، لأن المجتمعات
الفقيرة والضعيفة في عرف العولمة لا تستحق البقاء ، ويجب إسقاطها من الحساب على
مستوى العلاقات الدولية المعاصرة .

هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى فإن العولمة تعني بالنتيجة عودة الاستعمار
الاقتصادي والسياسي والثقافي والاجتماعي من جديد بصورة العولمة المزعومة من خلال
تركيزها على الاقتصاد الحر واتفاقية الجات ، والتبعية السياسية ، ونشر القيم
الاستهلاكية ، والجنس والعنف والجريمة المنظمة ، حتى غدا العالم الذي خضع للعولمة
بدون دولة ، وبدون أمة ، وبدون وطن ، فقد شطرت العولمة العالم إلى شطرين : عالم
المؤسـسات والشـبكات ، عالم الفاعلين والمسيرين ، وعالم آخر هم المستهلكون
للمأكولات والملعبات والمشروبات والصور والمعلومات التي تفرض عليهم37.

يقول رئـيس وزراء ماليزيا مهاتير
محمد الذي عانت بلاده من آثار العولمة في السنوات الأخيرة: إن العالم المعولم لن
يكون أكثر عدلا ومساواة ، وإنما سيخضع للدول القوية المهيمنة ، وكما أدى انهيار
الحرب الباردة إلى موت وتدمير الكثير من الناس فإن العولمة يمكن أن تفعل الشيء نفسه
وربما أكثر من ذلك ، وفي عالم معولم يكون بإمكان الدول الغنية فرض إرادتها على
الباقين الذين لن تكون حالهم أفضل مما كانت عليه عندما كانوا مستعمَرين من قبل
أولئك الأغنياء38.

وبناء على ما تقدم ، فإن العالم الذي يعيش
تحت مظلة العولمة لا يمكن أن يقوم فيه حوار يعتمد أسـس التفاعل الحضاري الذي يؤمن
به الإسلام في علاقته مع الأمم الأخرى ، وإنما سـيكون الحوار في ظل العولمة حوار
الهيمنة والسـيطرة وفرض الأمر الواقع ثقافـيا واقتصاديا وسـياسيا ، وهو ما يرفضه
الإسـلام ولا يرضاه لأتباعه .

/ 19