آداب الحرم وخصوصيّاته الأُخرى
وللحرم المكّي آداب وخصوصيّات أُخرى يمكننا
إدراجها ضمن النقاط التالية:
1 ـ حكم لقطة
الحرم:
فقد تحدّث الفقهاء بشكل مفصّل عن خصوصيات
لقطة الحرم وامتيازها على لقطة ما سواها من الأماكن. وأجاد صاحب الجواهر في بيان
الأقوال والآراء والأدلّة في المسألة; ولذا نقتصر على هذا المصدر في استعراضها. فقد
كتب بعد أن استعرض الآراء والأقوال في المسألة: أنّ «محصّل الجميع الحرمة مطلقاً من
غير فرق بين الدرهم وأقل منه وأزيد، أو بنيّة الإنشاء وعدمها، وبنيّة التملّك
وعدمها والكراهة كذلك والتفصيل بين الأقل من الدرهم وغيره فيجوز الأوّل بلا كراهة
والثاني معها أو مع الحرمة وبين نيّة التملّك فلا يجوز مطلقاً وبنيّة الإنشاء فيجوز
كذلك وبين الفاسق والعدل، فيحرم على الأوّل ويحلّ الثاني وأمّا التملّك ففي المختلف
لا يجوز تملّك لقطة الحرم إجماعاً، بل يجب تعريفها وفي التذكرة: لا يجوز تملّكها
عند أحد من علمائنا أجمع، لكن عن التقي القول بجواز تملّكها بعد التعريف وربّما مال
إليه بعض من تأخّر عنه»73.
بيان ذلك أنّ المسألة تنحل إلى مسألتين:
مسألة جواز الالتقاط وعدمه، ومسألة جواز التملّك وعدمه. وفي المسألة الأُولى ثلاثة
آراء: رأي بالحرمة مطلقاً، ورأي بالكراهة مطلقاً. ورأي بالتفصيل. وهنا ثلاثة تفاصيل
تفصيل بين الأقلّ من الدرهم وغيره فيجوز الالتقاط في الأقل بلا كراهة، ولا يجوز في
غيره أو يكره، وتفصيل بين الالتقاط بنيّة التملّك والالتقاط بنيّة التعرّض والإنشاء
فلا يجوز في الأوّل مطلقاً ويجوز في الثاني مطلقاً. وتفصيل بين العدل والفاسق فيجوز
للأوّل دون الثاني. أمّا التملّك بعد الالتقاط ففيه رأيان رأي بعدم الجواز ورأي
بالجواز بعد التعريف.
2 ـ استحباب
الغسل:
ومن آداب الحرم المكّي الغسل لدخوله. ففي
الوسائل أورد خبراً ينتهي سنده إلى أبان بن تغلب قال : «كنت مع أبي عبد
الله (عليه السلام) مزامله بين مكّة والمدينة، فلمّا انتهى إلى الحرم نزل
واغتسل، وأخذ نعليه بيديه ثمّ دخل الحرم حافياً فصنعت مثل ما صنع»74
فقال : يا أبان مَن صنع مثل ما رأيتني صنعت تواضعاً لله محى الله عنه مائة ألف سيّئة وكتب له مائة ألف حسنة، وبنى
الله له مائة ألف درجة، وقضى له مائة ألف حاجة»75
كما أورد أخباراً أُخرى تفيد استحباب الغسل أيضاً، ذكرها صاحب
المدارك ونصّ على أنّ «مقتضاها استحباب غسل واحد، أمّا قبل دخول الحرم أو بعده من
بئر ميمون الحضرمي الذي في الأبطح، أو من فخ وهو على فرسخ من مكّة للقادم من
المدينة، أو من المحلّ الذي ينزل فيه بمكّة على سبيل التخيير، وغاية ما يستفاد منها
أنّ ايقاع الغسل قبل دخول الحرم أفضل»76.
وردّ عليه في الجواهر بأنّ «النصوص
المزبورة ظاهرة الدلالة على غسلين أحدهما للحرم والآخر لدخول
مكّة»77.
3 ـ كراهة مطالبة
الغريم:
وعقد في الوسائل باباً سمّـاه «باب كراهة
مطالبة الغريم في الحرم والتسليم عليه حتّى يخرج» ذكر فيه خبراً نقله عن الكافي
بسند ينتهي إلى سماعة بن مهران عن الصادق (عليه السلام) انّ سماعة سأله عن رجل
لي عليه مال فغاب عنّي زماناً ثمّ رأيته يطوف حول الكعبة أفَأتقاضاه مالي؟ قال لا
لا تسلّم عليه ولا تروعه حتّى يخرج من الحرم»78.
ويظهر من هذا النصّ جليّاً أنّ هذا الحكم
من توابع خصوصية الأمن في الحرم; لأنّ مطالبة الغريم تسلب عنه الاطمئنان النفسي
وتجعله في اضطراب. ومن الطريف أن يلاحظ أن التحيّة التي غرضها اشاعة السلم
والاطمئنان في المجتمع تصبح بالنسبة للغريم ذات أثر عكسي، فتثير في نفسه القلق
والاضطراب من المطالبة بالدين.
4 ـ كراهة سؤال
الناس:
وعقد في الوسائل باباً أيضاً بعنوان «كراهة
سؤال الناس في الحرم ويوم عرفة، وكراهة ردّ السائل بها» نقل فيه خبراً عن علل
الشرائع للشيخ الصدوق عن الزهري أنّه قيل لعليّ بن الحسين (عليه السلام): لو
ركبت إلى الوليد بن عبد الملك وكان بمكّة والوليد بها; لقضى لك على محمّد بن
الحنفية في صدقات علي بن أبي طالب، فقال: ويحك، أفي حرم الله أسأل غير الله
عزّ وجلّ إنّي لآنف أن أسأل الدنيا خالقها، فكيف أسألها مخلوقاً
مثلي؟
قال الزهري: فلا جرم أنّ الله ألقى هيبته
في قلب الوليد حتّى حكم له على محمّد بن الحنفية»79.
5 ـ كراهة إنشاد الشعر في
الحرم:
وعقد في الوسائل أيضاً باباً سمّـاه «باب
كراهة إنشاد الشعر للمحرم وفي الحرم وإن كان شعر حقّ» ذكر فيه خبراً ينتهي سنده إلى
حمّاد بن عثمان أنّه سمع من الإمام الصادق (عليه السلام)يقول: تكره رواية
الشعر للصائم والمحرم وفي الحرم، وفي يوم الجمعة، وإن يروى بالليل. قال :
قلت : وإن كان شعر حقّ؟ قال : وإن كان شعر حقّ»80.