أسيران قُتلا
كان من بين
أسرى معركة بدر أسيران : النضر بن الحارث بن كلدة من بني عبد الدار وقد حمل
راية المشركين في بدر ، والثاني عقبة بن أبي معيط من بني أُمية ابن عبد شمس بن
عبد مناف .
وكانا عنيفين
بعداوتهما للمسلمين ، حريصين على التنكيل بهم ، شديدين في إيذاء
المستضعفين منهم ، وكانا من ألدّ خصوم الدعوة وأشدّهم . إنّهما مجرما حرب
أكثر من كونهما أسيرين .
ففي طريق
عودته (صلى الله عليه وآله) من معركة بدر وعندما وصل إلى الصفراء أمر عليّاً (عليه
السلام)أن يقتل النضر بن الحارث أو أن يضرب عنقه
بالأثيل .
ولمّا رأى
النضر أن يقتل طلب من مصعب بن عمير أن يكلِّم رسول الله (صلى الله عليه وآله) في
أمره ، فقال له مصعب : كيف يمكن هذا؟
أما كنت تقول
في كتاب الله وفي نبيّه كذا وكذا؟
وأما كنت تقوم
على تعذيب أصحابه؟
وراحت أخته
قتيلة بنت الحارث ترثيه ، ومَن سمع شعرها قال : إنّ شعرها أكرم شعر موتور
وأحسنه
أيا راكباً إنّ الأثيل مظنة | من بطن خامسة وأنت موفق |
أبلغ به ميتاً فإنّ تحية | ما إن تزال بها الركائب تخفق |
منّي إليه وعبرة مسفوحة | جاءت لماتحها وأخرى تخفق |
فليسمعن النضر أن ناديته | إن كان يسمع ميتٌ أو ينطق |
ظلّت سيوف بني أبيه تنوشه | لله أرحام هناك تشقق |
أ محمّد ولأنت صفو نجيبة15 | في قومها والفحل فحل معرق |
ما كان ضرك لو مننت وربما | منّ الفتى وهو الغيظ16 الخنق |
فالنظر أقرب من تركت قرابة | وأحقهم إن كان عتق يعتق |
وروي :
أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال : لو سمعت هذا الشعر قبل أن أقتله ما
قتلته17 ،
والجواب : أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) أقام عليه الحكم العدل الذي لا
تغيره أبيات من الشعر على جودتها وحسنها ، فما نسب إلى النبيّ (صلى الله عليه
وآله) من القول المذكور لا أظنه يصمد أمام النظر الدقيق ، وعن بن هشام أنّ هذه
غير صحيحة ، وهو الحقّ .
وموقف عقبة
مجرم الحرب الثاني لا يقلّ عن موقف النضر .
فما إن وصل
إلى عرف الظبية حتّى أمر بقتل عقبة بن أبي معيط ، والذي قتله عاصم بن ثابت
الأنصاري .
تقول
الرواية : إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) لمّا أمر بقتل عقبة ،
قال : أتقتلني يا محمّد من بين قريش؟
قال (صلى الله
عليه وآله) : نعم .
ثمّ قال (صلى
الله عليه وآله) لأصحابه : أتدرون ما صنع هذا بي؟
جاءني وأنا
ساجد خلف المقام ، فوضع رجله على عنقي وغمزها ، فما رفعها حتّى ظننت أنّ
عينيَّ ستندران من رأسي ، وجاء مرّة اُخرى بسلا شاة (وهو ما يعقب الولادة من
أوساخ وقاذورات) فألقاه على رأسي وأنا ساجد ، فجاءت فاطمة فغسلته عن
رأسي .
إذن فهما
الأسيران الوحيدان اللذان قتلا صبراً للأسباب التالية
1 ـ كانا من
أشدّ الناس كفراً وبغياً .
2 ـ كانا من
أكبر مثيري الحرب (معركة بدر) ومن الدعاة إليها والمحرّضين عليها
بقوّة .
3 ـ كانت لهما
جرائم ارتكبوها، صحيح أنّهما لم يكونا الوحيدين اللذين ارتكبا الجرائم ، ولكن
مَن كان مثلهما في الجريمة قتل داخل المعركة وانتهى أمره ، ولو بقوا
أحياءً ; لكان مصيرهم القتل كذلك .
4 ـ كان لهما
تأثير واضح على مشركي مكّة ، فهم يسمعون لهما ويطيعون ، ولهما القدرة على
إقناعهم بما يريدان ويدبّران .
5 ـ إن بقيا
حيّين فهما يشكِّلان مصدر خطر عظيم على الإسلام والرسول (صلى الله عليه وآله)
والمؤمنين ، ولاسيّما أنّ الحرب والمواجهة مع
قريش لم تنته بعد ، وهناك جولات مقبلة . .
6 ـ كانا
يسخران من القرآن ويقولان فيه ما لا يناسب من القول .
7 ـ لطالما
وجّها لرسول الله (صلى الله عليه وآله) إهاناتهم وأسمعوه الشيء الكثير من الكلام
البذيء ، وطالما حرّضا عليه ، وتربصا به الدوائر سواء في مكّة أو
المدينة .
8 ـ كانا
يلتمسان أيّ وسيلة وكلّ ما يتمكّنان منه ليوقعا الأذى بالمسلمين في مكّة ،
وتنفير الناس منهم .
فرأى رسول
الله (صلى الله عليه وآله) أنّ قتلهما فيه مصلحة كبرى للإسلام والمسلمين ودرءاً
للفتنة ، وقد قتلا قبل أن يصل الرسول (صلى الله عليه وآله) إلى المدينة وقبل
اتخاذ قراره بخصوص الأسرى .