موقف رسالی من أسری بدر، وبنی قریظة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

موقف رسالی من أسری بدر، وبنی قریظة - نسخه متنی

یوسف مبارک

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید



موقف القرآن الكريم


قلنا :
إنّ الموقف القرآني من أسرى بدر ، وهو الموقف الثالث بعد موقفي الصحابة
والرسول (صلى الله عليه وآله) له شكلان

الأوّل

يدور حول
الأسر وبيان حكم الأسرى ، وهو ما تناوله قوله تعالى : { مَا كَانَ لِنَبِىّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى
حَتَّى يُثْخِنَ فِي الاَْرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ
الاْخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَوْلاَ
كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيَما أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلا طَيِّباً
وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}18 .

اللغة

الثخانة
لغةً : الغلظة ، فكلّ غليظ : ثخين ، والإثخان في كلّ شيء عبارة
عن قوّته وشدّته ، يقال : قد أثخنه المرض إذا اشتدّت قوّته عليه19 . واثخان النبيّ في
الأرض استقرار دينه بين الناس كأنّه شيء غليظ انجمد فثبت بعد ما كان رقيقاً سائلا
مخشي الزوال بالسيلان . . .20 .

القراءة

قرأ أبو
الدرداء وأبو حياة : { ما كان
للنبيِّ . . .}21 .

البيان

كانت معركة
بدر الكبرى أوّل معركة خاضها المسلمون ولما تنزل بعدُ أحكام الجهاد وأحكام تخصّ
المعارك ونتائجها من غنائم وأسرى وغير ذلك . وجاءت الآيات لتبين أنّ هناك
هدفين أو همّين

هم يراود
المقاتلين المسلمين وهمّ تريده الآيات .

* كان الهمّ الأوّل لأغلب المسلمين هو أن يغنموا ما في
قافلة قريش التي كانت برئاسة أبي سفيان عوضاً عمّا خسروه وتركوه من أموالهم في
مكّة . . وتهديداً لقريش ومصالحها . . لعلّها تكفّ عن ملاحقتهم
والتآمر عليهم . .

ولمّا علمت
قريش بذلك غيّرت خطّتها ثمّ حشدت مقاتليها لخوض المعركة مع المسلمين . .
توجّه المسلمون لميدان المعركة وما زال ذلك الهمّ يراودهم في الحصول على
الغنائم .

* كان الهمّ القرآني على العكس من ذلك ، همّه قتل
الكفّار وتقتيلهم وإنزال أقسى الضربات بهم { . . . فَاضْرِبُوا فَوْقَ اْلأَعْناقِ وَ
اضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنان }22 ولم
ترد في الآية كلمة الأسر ، الغنائم . . .

وقد عبّرت عن
هذه الضربات وذلك القتل والتقتيل بالإثخان . . وملاحقتهم ،
واجتثاثهم من الأرض ، حتّى يكونوا عبرةً لغيرهم ، في أن لا يعاودوا
الكرّة على المسلمين .

فإذا تمّ
الإثخان بكلّ ما يحمله من معان ، من القتل والغلبة والشدّة
والرعب . . جاء دور الأسر كما قال تعالى بعد ما استقرّ الإسلام في الحجاز
واليمن : { . . .أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا
الْوَثاقَ . .} .

ثمّ تأتي
المرحلة الاُخرى بعد الأسر { فَإِمّا مَنًّا
بَعْدُ وَ إِمّا فِداءً }23 ، هذه المراحل التي أرادها القرآن الكريم
وبيّنها فيما بعد .

وهذا الموقف
القرآني كان هو موقف رسول الله (صلى الله عليه وآله) أيضاً كما سيتّضح لنا من
البحث .

إذن ما كان
لكم أيّها المقاتلون المسلمون أن تبتغوا عرض الحياة الدُّنيا بأسر أعدائكم لتفدوهم
أو تمنّوا عليهم ، فكلّ هذا متاع الدُّنيا الزائل ، وهذا ليس من شأن رسول
الله (صلى الله عليه وآله) { ما كان
لنبيّ . . .} وعلى قراءة أخرى { ما كان للنبيّ} أي ليس له ولا في عهد الله
إليه . لأن يكون له أسرى من المشركين ليفديهم أو يمنّ عليهم { حَتّى يُثْخِنَ فِي اْلأَرْضِ} حتّى يبالغ في قتل
المشركين ليرتدع به مَن وراءهم . . .24 قبل أن تعملوا السلاح بقوّة في
رقابهم ، وما كان لكم أن تتهاونوا فيهم بغية أسرهم ليكونوا غنيمةً لكم ،
فهو الدُّنيا بعينها وحبّ بأعراضها ، وكان الأجدر أن لا يجدوا فيكم هوادةً أو
رأفةً أبداً وأن لا تتركوهم إلاّ وهم يعيشون الرعب من قوّتكم وفتككم بهم ، وأن
تجعلوا الضعف يلازمهم والوهن يلاحقهم طيلة حياتهم حتّى لا يعودوا لمثل ما جاؤوا به
وما فعلوا ، وهي فرصة عظيمة لكم كان بإمكانكم استثمارها داخل ميدان
القتال ، فإذا بالغتم في قتلهم وقهرهم يرتدع مَن وراءهم ، وأكثر من هذا
تواصلوا القتال لتغلبوهم على بلادهم وتذليل أهلها كما على رأي بعض في تفسير
الإثخان ، حتّى تتمكّنوا في الأرض ، لا أن يكون همّكم أسرهم ومفاداتهم
والحصول على الغنائم وهو هدف ليس فيه بُعد نظر للمستقبل ، فيما التفكير السليم
أن تجعلوهم لا يفكّرون في العودة لكم ، بعد أن جاءوا للقضاء
عليكم .

فقد كانت كفّة
الميزان راجحة للمقاتلين المسلمين ، وكانت ساحة المعركة بأيديهم فكان بإمكانهم
أن ينزلوا العقاب الرادع بعدوهم ، وخير دليل على هذا هو قلّة شهدائهم فقد
كانوا أربعة عشر رجلا ، ستّة من المهاجرين وثمانية من الأنصار ، فيما كان
قتلى العدو سبعين رجلا بينهم من قادة قريش وزعمائها ، وأمّا أسراهم فكانوا
سبعين أيضاً بينهم زعماء من قريش ، ولم يؤسر أحد من
المسلمين .

فمع جلالة
وعظمة البدريين ، وأن بجهودهم ودمائهم رويت شجرة الإسلام وأزهرت ، لم
يترك القرآن الكريم عملهم هذا بلا تعريض أو عتاب أو لوم ، ليكون ذلك لهم درساً
في مستقبل حياتهم الجهادية ، إنّها تربية السماء التي ما انفكت تلاحق المؤمنين
فتثني عليهم إن أحسنوا ، وتعاتبهم إن أخطأوا ، ليكون هذا ضمن دروس
إيمانية متواصلة ، وابتلاءات متلاحقة ورقابة مستمرة; لإعدادهم الإعداد الذي
تبتغيه السماء وتريده لهم في دنياهم وأخراهم .

حقّاً كان
الأولى استئصالهم من جذورهم ولا يتركونهم يعودون إلى أهلهم ، ولاختصر المسلمون
لو عملوا هذا الوقتَ في نيل أهدافهم وتحقيقها بكبح أقوى قوّة تواجّههم في دعوتهم
الجديدة ولما وقع ما وقع لهم ، ولما عادت قريش لهم في أحُد وما حلَّ بالمسلمين
من خسائر فادحة . .

والذي يؤيّد
هذا وأنّ الكثير منهم كان يبغي من هذه الفرصة المتاحة هو الظفر بالقافلة ،
وبما أنّهم لم يظفروا بها تراهم بذلوا جهدهم في أن يأسروا منهم ما يستطيعون به
تعويض ما لم ينالوه ، فراحوا في المعركة يبذلون جهدهم في تجريد أعدائهم من
السلاح ومنعهم من القتال ، بدلا من أن يُعملوا السلاح بشدّة في رقابهم وهم في
ساحة الوغى . إنّ القرآن جاء يبيّن لهم خطأ ما فعلوه . وأنّ ما أرادوه لا
تريده السماء بل تريد الآخرة لهم ، وتنالوها لو قاتلتم هؤلاء الطغاة الذين
أذاقوكم الخوف والذلّ والهوان ولم تدخل قلوبهم الرحمة بكم ، ولم يفكّروا يوماً
بالعفو عنكم ، أو يتركوكم وشأنكم . .

يقول سيّد
قطب : الإثخان المقصود : التقتيل حتّى تضعف شوكة المشركين وتشتدّ شوكة
المسلمين ، وهذا ما كان ينبغي قبل أن يكون للنبيّ والمسلمين أسرى ،
يستبقونهم ويطلقونهم بالفدية كما حدث في بدر ، فعاتب الله المسلمين
فيه .

ثمّ يواصل
قوله : لقد كانت غزوة بدر هي المعركة الاُولى بين المسلمين والمشركين ،
وكان المسلمون ما يزالون قلّة والمشركون ما يزالون كثرة ، وكان نقص عدد
المحاربين من المشركين ممّا يكسر شوكتهم ويذلّ كبرياءهم ويعجزهم عن معاودة الكرّة
على المسلمين ، وكان هذا هدفاً كبيراً لا يعدله المال الذي يأخذونه مهما
يكونوا فقراء . .25 .

وهناك في داخل
معركة بدر ما يؤيّد هذا ، وأنّ ما فعله بعض المسلمين لم يكن محلّ قبول رسول
الله (صلى الله عليه وآله) وإنّما كان خلاف ما يريده ، لهذا جاء صدر الآية
نافياً { ما كانَ لِنَبِيّ أَنْ يَكُونَ لَهُ
أَسْرى . . .} حتّى يثخن القتل والتقتيل في أعدائه ،
ولا يكون أكبر همّه أسرهم بل إنزال العقاب الصارم بهم ; لأهداف عظيمة تبتغيها
السماء .

تقول الرواية
عن ابن إسحاق : «فلمّا وضع القوم أيديهم يأسرون ، ورسول الله (صلى
الله عليه وآله) في العريش ، وسعد بن معاذ قائم على باب العريش الذي فيه
رسول الله (صلى الله عليه وآله) متوشّحاً السيف في نفر من الأنصار يحرسون رسول
الله (صلى الله عليه وآله)يخافون عليه كرّة العدوّ ، ورأى رسول الله (صلى الله
عليه وآله) فيما ذكر لي في وجه سعد الكراهية لما يصنع الناس ، فقال له رسول
الله (صلى الله عليه وآله) : «والله لكأنّك يا سعد تكره ما يصنع القوم!
قال : أجل والله يارسول الله ، كانت أوّل وقعة أوقعها الله بأهل
الشرك ، فكان الإثخان أحبَّ إليَّ من استبقاء الرجال!

وممّا يدلّ
على هذه الرغبة الجامحة بأسر أعدائهم ، أنّ عبد الرحمن بن عوف أسر أُميّة بن
خلف ، فأبصره بلال الحبشي وقد ذاق منه الأمرّين في مكّة إذ كان يضع على صدره
في شدّة الحرّ صخرة كبيرة ويطلب منه ذكر الرسول (صلى الله عليه وآله) بسوء والعودة
إلى عقيدة الشرك ، فيأبى بلال ، وكلّما اشتدّ عليه الألم قال : أحدٌ
أحد ، فقال رأس الكفر أمية بن خلف : لا نجوت إن نجا واستعان ببعض الأنصار
لقتله وعبد الرحمن يحرزه منهم ، إذ كان يطمع في فدائه بمال ، ولكن تمّ
التمكّن منه والقضاء عليه ، وكان مع عبد الرحمن أدرع من السلب ، فقال
اُميّة حين أسره : أنا خيرٌ لك من هذه الأدرع فألقاها وانفرد بأُميّة ،
ولمّا قتل اُميّة قال عبد الرحمن : رحم الله بلالا فجعني بأدرعي وأسيري26 .

النضر بن
الحارث كان أسيراً للمقداد ، وكان يطمع أن ينال من فدائه مالا كثيراً ،
ولمّا رأى أنّ الأمر يدور حول قتله صاح : النضر أسيري ، ولكن الرسول (صلى
الله عليه وآله) أمر بقتله ودعا لمقداد أن يُغنيه الله من
فضله .

مرّ مصعب بن
عمير بأخيه أبي عزيز بن عمير وقد أخذ به أحد الأنصار أسيراً ووضع القيود في
يديه ، فقال مصعب للأنصاري : شدّ يديك به ، فإنّ أمّه ذات متاع
لعلّها تفديه منك ، فقال أبو عزيز لأخيه مصعب : أهذه وصاتك بي؟ فقال
مصعب : إنّه أي الأنصاري أخي دونك .

ومع عظمة موقف
مصعب هذا إلاّ أنّ القصة هذه تبيّن لنا همّ الربح (الفداء) الذي كان يراودهم الحصول
عليه .

وليس هذا في
الأسرى فقط بل في الغنائم عموماً . كان موقف أكثرهم ينصبّ على الغنائم ،
فتراهم يتنازعون في حيازتها ، فقال من جمعها : هي لنا ، وقال الذين
يقاتلون العدو ويطلبونه : والله لو لا نحن ما أصبتموها ، لنحن شغلنا عنكم
القوم حتّى أصبتم ما أصبتم ، وقال الذين كانوا يحرسون رسول الله (صلى الله
عليه وآله) مخافة أن يصل إليه العدو : والله ما أنتم بأحقّ بها منّا ،
لقد كنّا ونحن نحرس رسول الله نرى الغنائم وما يحملها أحد ، وكنّا نستطيع
حيازتها لو أردنا ، ولكنّنا آثرنا حماية رسول الله عليها ، لقد خفنا أن
يقتحمه العدو فقمنا دونه ، فما أنتم بأحقّ بها
منّا .

صحيح أنّ هذا
الموقف لم يكن موقفاً عاماً يتصف به جميع المقاتلين ، وصحيح أنّه موقف بعض
فقرائهم وهم الذين بلغ منهم الفقر مبلغاً رقّ منه لهم رسول الله (صلى الله عليه
وآله) ودعا لهم فقال : «اللّهم إنّهم حُفاة فاحملهم . . .
اللّهم إنّهم عراة فاكسهم» . وصحيح أنّهم لم يطلبوا باطلا بل كانوا يعتقدون
أنّهم يطلبون الحقّ ، ولو كانوا يعرفون أنّ ما يطلبونه باطل لما تمسكوا به
أبداً ، فهم تركوا كلّ شيء من أجل الحقّ
ومرضاة الله . . . إلاّ أنّ هذا ترك أثره ، فجاءت الآية
معرضة بموقفهم هذا أو معاتبة . . . لكي لا يكرروه
مستقبلا .

/ 12