موقف رسالی من أسری بدر، وبنی قریظة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

موقف رسالی من أسری بدر، وبنی قریظة - نسخه متنی

یوسف مبارک

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید



وقفة قصيرة


لابدّ من وقفة
مع تفسير الآية { مَا كَانَ لِنَبِىّ أَنْ
يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الاَْرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا
وَاللهُ يُرِيدُ الاْخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} .

أوّلا : الذي يبدو من ظاهر الآية أنّها جاءت
رافضة للحالة التي انتابت جمعاً من المسلمين في ميدان المعركة من الرغبة في أسر
المزيد من المشركين ، وأنّ العتاب أو التعريض الوارد في الآية كان ينصبّ على
هؤلاء المقاتلين ، الذين راحوا يتسابقون داخل المعركة لأخذ المشركين أحياءً
أسرى ليفادوهم فيما بعد ، لا أنّ التعريض القرآني جاء للذين قبلوا الفداء من
الأسرى بعد انتهاء المعركة ، وبعدما قرّر رسول الله (صلى الله عليه وآله)
ذلك ، وإلاّ فإنّهم أخذوا الفداء منهم أو من الموسرين منهم بأمر رسول الله
(صلى الله عليه وآله) حينما اختار الفداء واحداً من عدّة وسائل لتحرير أسرى
بدر ، وبالتالي إن قلنا : إنّ التعريض يشمل هؤلاء ، فهو إذن يشمل
رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأنّه قرّره من ضمن خياراته لإطلاق سراحهم ،
ولو لم يقرّره لما تجرّؤوا على أخذه .

يقول العلاّمة
الطباطبائي : والعتاب به على ما يهدي إليه سياق الكلام في الآية الأوّل إنّما
هو على أخذهم الأسرى كما يشهد به قوله في الآية الثانية { لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ} أي
في أخذكم ، وإنّما أخذوا عند نزول الآيات الأسرى دون الفداء ، بل يشهد
قوله { فَكُلُوا مِمّا غَنِمْتُمْ حَلالاً
طَيِّباً . . .} ، حيث افتتحت بفاء التفريع التي تفرّع
معناها على ما تقدمها . . .27 ، هذا أوّلا .

وثانياً :لم يكن النصّ القرآني من موافقات
القرآن الكريم لرأي عمر الذي أراد قتل الأسرى هو وعبدالله بن رواحة وفريق معهم;
لأنّ تعريض القرآن الكريم لم يأتِ بخصوص الذين قبلوا الفداء بعدما رأى رسول الله
(صلى الله عليه وآله) ذلك حتّى نقول : إنّه جاء موافقاً لما أراده عمر من قتل
الأسرى كما يحلو لبعض المفسّرين ذلك ، بل التعريض القرآني جاء للذين راحوا
يهمّون بالحصول ـ داخل المعركة ـ على أسرى ، قبل أن يبالغوا في تعميق جراح
المشركين ، وراحوا يتسابقون في الحصول على أكبر عدد منهم أحياءً طمعاً في
الفداء من قبل أن يجعلوهم عبرةً لغيرهم وبالتالي فلا يعاودون الكرّة على المسلمين
أو على الأقلّ يحسبون لها ألف حساب قبل أن يقدموا عليها .

وإن قبلنا أنّ
الآية جاءت موافقة لرأي أحدهم ، فمن باب الإنصاف أنّها جاءت موافقة لرأي سعد
بن معاذ لا عمر بن الخطّاب; لأنّ التفاتة سعد سبقت موقف عمر ، وهي التفاتة
داخل المعركة لا بعد أن وضعت المعركة أوزارها ، واتّخاذ القرار حول
الأسرى .

تقول
الرواية : رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) في وجه سعد الكراهية لما يصنع
الناس ، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) : والله لكأنّك يا سعد
تكره ما يصنع القوم! قال : أجل والله يا رسول الله ، كانت
أوّل وقعة أوقعها الله بأهل الشرك ، فكان الإثخان في القتل أحبّ إليّ من
استبقاء الرجال .

ثالثاً : أنّ الإثخان الذي ذكرته
الآية ، المقصود به الإثخان حينما كانت المعركة قائمة ، وحينما كان
السلاح بأيدي المقاتلين المسلمين ، فهذا أكثر وقعاً على أعدائهم وهم
مسلحون ، وهو ما أراده سعد « . . . فكان الإثخان في القتل أحبّ
إليّ من استبقاء الرجال» . لا الإثخان فيهم وهم مجرّدون من السلاح ،
فالإثخان فيهم قتلا وتقتيلا وهم مقاتلون يكون أكثر عبرة ، لا وهم عزل
أسرى ، فتثار عندئذ الشبهات ، فالأسر بعد أن يثخن النبيّ في الأرض ،
يثخن فيهم في ساحة الوغى قتلا وتقتيلا واستيلاءً على معاقلهم
وأرضهم . . . عندئذ يأتي الأسر إن كان هناك من يؤسر ، لا أن
يكون الهمّ الأوّل للمقاتل المسلم أن يأسر ، بل الهمّ الأوّل يجب أن يكون
القتل والردع وزرع الرعب في قلوب المشركين ومَن خلفهم وهو ما تريده الآية وتهدف
إليه .

بينما الذي
أراده عمر هو الإثخان بهم وهم أسرى ، وبما أنّه لا قتل بعد الأسر باستثناء
مجرمي الحرب ، فقد حلّ الفداء وجاز الانتفاع والتمتّع بما يقدّمه الأسير من
مال لفكّ رقبته خاصّة بعد أن أقرّه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمر
به .

تقول
الآية : { فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ
كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ
فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمّا فِداءً}28 .

أي أكثرتم
فيهم القتل والجروح في ساحة الوغى فضعفوا عن المقاومة عند إذن يأتي دور
الأسر ، وقد ذكر ابن هشام في سيرته عن ابن إسحاق ، قال : حدّثني
محمّد أبو جعفر بن علي بن الحسين ، قال . . .
فقال : { ما كانَ لِنَبِيّ} أي
قبلك { أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى} من
عدوّه {حَتّى يُثْخِنَ فِي اْلأَرْضِ} أي يثخن
عدوّه حتّى ينفيه من الأرض {تُرِيدُونَ عَرَضَ
الدُّنْيا} أي المتاع ، الفداء بأخذ الرجال . يقول الطبرسي :
وهذا خطاب لمن دون النبي (صلى الله عليه وآله) من المؤمنين الذين رغبوا في أخذ
الفداء من الأسرى في أول وقته ورغبوا في الحرب للغنيمة . . .29 { وَاللهُ يُرِيدُ الاْخِرَةَ } ثواب الآخرة أي
بقتلهم; لظهور الدين الذي يريد إظهاره والذي تدرك به الآخرة30 .

إذن فالإثخان
المراد هو الإثخان في المعركة ، لا الإثخان في الأسرى الذي أراده عمر بن
الخطّاب وفريقه .

أمّا بخصوص
الآية التالية { لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ
سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ} فقال : أي من الأسارى
والمغانم {عَذابٌ عَظِيمٌ} أي لولا أنّه سبق
منّي أنّي لا اُعذّب إلاّ بعد النهي ولم يكن نهاهم أو حتّى يبين لهم ما
يتّقون . . . ، لعذّبتكم فيما صنعتم ، ثمّ أحلَّها له
ولهم رحمةً منه ، وعائدةً من الرحمن الرحيم فقال : {فَكُلُوا مِمّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَ اتَّقُوا اللهَ
إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}31 .

فبعد أن بيّنت
الآية الكريمة متى يقع الأسر ، إنّه بعد الإثخان ، عرّضت بما فعلوه من
أخذ الأسرى طمعاً في دنيا زائلة ، وبعد هذا التعريض الذي أرادته الآية درساً
بليغاً لهم . . . راحت تبيح لهم ما أخذوه من غنائم وما أخذوه من
فداء على الأسرى . على أن يتّقوا الله تعالى ، وأن لا يعودوا لمثلها بأن
يكون همّهم هو الغنائم والأسرى ، فأين هذا ممّا ذكره بعض المفسّرين وممّا
أسموه ـ بلا وجل ـ بالموافقات لقول عمر؟!

الثاني : بعث الأمل في
نفوسهم . . .

{ يا
أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ اْلأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ
اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَ
يَغْفِرْ لَكُمْ وَ اللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَ
إِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَ
اللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}32 .

نزلت هذه
الآية المباركة في أسرى بدر; لتشكّل بذلك موقفاً قرآنياً لصالحهم ، فلم يقف
القرآن الكريم عند تبيين حكم الأسرى ، بل راح يسلّيهم عمّا فقدوه من أجر عظيم
بسبب موقفهم ضدّ الرسالة الجديدة ، ويفتح لهم أبواباً اُخرى للخير
والعطاء ، يمكن أن تعوّضهم عمّا خسروه من أجر ومن فداء; ليشتروا به حرّيتهم
التي ذهبت بأسرهم ، وربّ ضارّة نافعة كما يقال ، إذا أحسنوا
واتّقوا .

فقد روي عن
العباس بن عبدالمطلب أنّه قال : نزلت هذه الآية فيَّ وفي أصحابي ، كان
معي عشرون أوقية ذهباً فأخذت منّي ، فأعطاني الله مكانها عشرين عبداً ،
كلّ منهم يضرب بمال كثير ، وأدناهم يضرب بعشرين ألف درهم مكان العشرين
أوقية ، وأعطاني زمزم ، وما أُحبّ أنّ لي بها جميع أموال أهل مكّة ،
وأنا أنتظر المغفرة من ربّي .

فيما قال
قتادة : ذكر لنا أنّ نبيّ الله (صلى الله عليه وآله) لمّا قدم عليه مال
البحرين ثمانون ألفاً ، وقد توضّأ لصلاة الظهر ، فما صلّى يومئذ حتّى
فرّقه ، وأمر العبّاس أن يأخذ منه ويحثي فأخذ ، فكان العبّاس يقول :
هذا خيرٌ ممّا أخذ منّا وأرجو المغفرة . .33 .

يقول سيّد
قطب : ثمّ يلمس قلوب الأسرى لمسةً تُحيي فيها الرجاء ، وتطلق فيها
الأمل ، وتشيع فيها النور ، وتعلّقها بمستقبل خير من الماضي ،
وبحياة أكرم ممّا كانوا فيه ، وبكسب أرجح ممّا فقدوا من مال وديار ، وبعد
ذلك كلّه بالمغفرة والرحمة من الله .

ثمّ واصل
حديثه بقوله : هذا الخير كلّه معلّق بأن تصلح قلوبهم فتنفتح لنور الإيمان
فيعلم الله أنّ فيها خيراً . . والخير هو الإيمان حتّى ما يحتاج إلى ذكر
وتنصيص . الخير محض الخير ، والذي لا يسمّى شيء ما خيراً إلاّ أن يستمدّ
منه وينبثق منه ويقوم عليه .

ثمّ
قال : إنّ الإسلام إنّما يستبقي الأسرى لديه ; ليلمس في قلوبهم مكامنَ
الخير والرجاء والصلاح ، وليوقظ في فطرتهم أجهزة الاستقبال والتلقّي والتأثّر
والاستجابة للهدى ، لا ليستذلّهم انتقاماً ، ولا ليسخّرهم
استغلالا ، كما كانت تتّجه فتوحات الرومان وكما تتّجه فتوحات الأجناس
والأقوام34 .

إذن فالإسلام
طَموحٌ ويأمل الخير من هذه النفوس التي كانت بالأمس تقاتله وتريد الإطاحة به
وبمبادئه التي جاءت لإنقاذ الإنسان ، نعم إنّه لا يقنط من أن يفجّر فيها منابع
الخير ومنابت العطاء . لهذا تراه يرعى الأسرى ويمدّهم بكلّ ما يخرجهم من هذا
الأسر ومن ماضيهم التعيس .

فجاءت هذه
الآية دليلا واضحاً وبرهاناً ساطعاً على هدف الإسلام
العظيم .

/ 12