العوامل والأسباب الفعلية للواقعة
أولا:الاعتداء على بعض أهل المدينة
جعل والي المدينة عمرو بن سعيد
الأشدق على شرطته عمرو بن الزبير، فأرسل بدوره الى نفر من أهل المدينة فضربهم
ضرباً شديداً منهم المنذر بن الزبير وابنه محمد، وعبد الرحمن بن الأسود بن
عبد يغوث، وعثمان بن عبد الله بن حكيم، ومحمد بن عمّار بن ياسر وغيرهم، ممّا
أثّر هذا الموقف على نفوس أهل المدينة من بقية المهاجرين وأبنائهم والأنصار
وأبنائهم، واعتبروا ذلك بداية للاستهانة بهم والاعتداء على كرامتهم وأرواحهم،
وأيقنوا أن الحكم الأموي الذي تجرأ على قتل ابن بنت رسول الله (صلى الله
عليه وآله وسلم)، سيكون أكثر جرأة واقداماً على قتلهم وهو يعلم بكراهيتهم
لحكمه، فأيقنوا أن الهجوم على المدينة بات وشيكاً فتهيَّأوا للمواجهة
المسلحة.
ثانياً: التحولات الادارية
عزل يزيد عمرو بن سعيد الأشدق عن
ولاية المدينة، وأعاد الوليد بن عتبة اليها، ثمّ عزله فولّى مكانه عثمان بن
محمد بن أبي سفيان، وهو فتى حدث صغير السن قليل التجربة في الإدارة وفي
التعامل مع أهل المدينة، وفيهم بقايا المهاجرين والأنصار، ورافق كل التحولات
تغيير في الأجهزة الحكومية العاملة في المدينة ممّا أضعف السيطرة عليها
وأصبحت الفرصة مناسبة للخروج من قبضة الحكومة الحالية.
ثالثاً: الاطلاع المباشر على ممارسات يزيد
أرسل عثمان بن محمد وفداً من أهل
المدينة الى يزيد ومنهم عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة، وعبد الله
بن أبي عمرو بن حفص المخزومي وبعض الأشراف فأكرمهم يزيد بالأموال والعطايا
لشراء ذممهم، ولكن ذلك لم يثنهم عن عزمهم بعد ان اطلعوا اطلاعاً مباشراً على
ممارسات يزيد المخالفة للمنهج الإسلامي، فلما رجعوا أظهروا شتم يزيد وعيبه
وقالوا: (...قدمنا من عند رجل ليس له دين يشرب الخمر ويضرب بالطنابير ويعزف
عنده القيان ويلعب بالكلاب).
وقال ابن حنظلة موضحاً دوافع
الثورة: (...فوالله ماخرجنا على يزيد حتى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء،
إنه رجل ينكح أمهات الأولاد والبنات والأخوات، ويشرب الخمر ويدع الصلاة)34. وقد أخذوا العطايا من يزيد لتعينهم على التمرّد المسلح في وقته
المناسب.
رابعاً: مصادرة الأموال وردود الأفعال الحكومية
منع أهل المدينة من وصول الحنطة
والتمر الى الشام، واعتبروا ذلك حقّاً لهم في ظرف الفقر الذي خيّم عليهم
والذي فرضه الحكم الأموي عليهم، فأخبر المسؤول عن إيصالها الوالي عثمان بن
محمد فأرسل الى رؤوس أهل المدينة وكلمهم بكلام غليظ وتأزم الموقف فأعلنوا
الخروج عليه، وحينما سمع يزيد بالحدث كتب اليهم كتاباً شديد اللهجة جاء فيه:
(...وأيم الله لئن آثرت أن أضعكم تحت قدمي لأطأنكم وطأةً أُقلّ منها عددكم،
وأترككم أحاديث تتناسخ كأحاديث عاد وثمود، وأيم الله لايأتينكم مني أولى من
عقوبتي فلا أفلح من ندم).
ولما قُرئ الكتاب وأيقن عبد الله
بن مطيع ورجاله معه أن يزيد باعث الجيوش اليهم أجمعوا على الخلاف والخروج عن
طاعته35.
وهكذا (كان تحرك المدينة
استنكاراً مباشراً لمقتل الحسين ورفضاً للسيادة الأموية التي حادت برأيهم عن
الشرعية وانحرفت عن روح الإسلام)36.
واستثمر يزيد موقفهم لابراز موقفه
الانتقامي منهم بدافع الثأر لماحدث في بدر، لأن غزوة بدر (التي كانت غالبيتها
من الأنصار...قد أثارت حقد قريش على هؤلاء مُلقية عليهم مسؤولية الهزيمة
التاريخية التي ظلّت تتفاعل أجيالا في نفوس بني أمية)37.