وهذا وإن لم يصحّ لمسلم الاحتجاج به لما مُنيت به كتب العهدين من تحريف وتبديل، إلاّ أنّه يدلّ وبوضوح على معرفة أهل الكتاب بالمهدي، ثم اختلافهم فيما بعد في تشخيصه، إذ ليس كلّ ماجاء به الاِسلام قد تفرّد به عن الاَديان السابقة، فكثير من الاُمور الكلِّية التي جاء بها الاِسلام كانت في الشرائع السابقة قبله.
قال الشاطبي: (وكثير من الآيات أُخبر فيها بأحكام كلّية كانت في الشرائع المتقدمة وهي في شريعتنا، ولافرق بينهما)(1).
وإذا تقرر هذا فلايضرُّ اعتقاد المسلم بصحة مابشّر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم من ظهور رجل من أهل بيته في آخر الزمان، أن يكون هذا المعتقد موجوداً عند أهل الكتاب (اليهود والنصارى) أو عند غيرهم ممن سبق الاِسلام، ولايخرج هذا المعتقد عن إطاره الاِسلامي بعد أن بشّر به النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وبعد الاِيمان بأنه صلى الله عليه وآله وسلم (ما يَنطِقُ عَنِ الهَوَى * إن هوَ إلاّ وحيٌ يُوحى) (2).
وأما عن اعتقادات الشعوب المختلفة بأصل هذه الفكرة كما مرّ فيمكن تفسيرها على أساس أنّ فكرة ظهور المنقذ لاتتعارض مع فطرة الاِنسان وطموحاته وتطلّعاته، ولو فكّر الاِنسان قليلاً في اشتراك معظم الشعوب بأصل الفكرة لاَدرك أنّ وراء هذا الكون حكمة بالغة في التدبير، يستمد
الحسنان ومحسن، وتسعة بدونها وهم الاَئمة من ولد الحسين عليه السلام، واما عن أولاد الحسن عليهم السلام فهم كذلك من بني فاطمة عليها السلام إلاّ أنهم اُخرجوا من مجموع الاثني عشر لكونهم ليسوا بأئمة، ولايرد مثل هذا على مالم يكن إماماً وهو محسن، لاَنّ ولادته من فاطمةعليها السلام بالمباشرة، ولهذا قال الاستاذ سعيد أيوب: (هذه هي أوصاف المهدي، وهي نفس أوصافه عند الشيعة الاِمامية الاثني عشرية) ثم علق عليه في هامش ص 379 بما يدلّ على تقارب الاَوصاف. وهذا وإن كان ممكناً إلاّ أنّ اعتقاد الشيعة وغيرهم بظهور المهدي في آخر الزمان لم يكن على أساس الاستدلال بما في كتب العهدين كما سنبينه مفصّلاً في هذا الكتاب.