وهَبْ أنَّ الناس لم يتحركوا لاستطلاع الموقف، فهل يمكن أن تمرَّ المسألة أياماً وشهوراً بل أعواماً دون أن تتكشّف الحقيقة على الرغم من التفاعل الطبيعي المستمر بين الصبيّ الاِمام وسائر الناس ؟ وهل من المعقول أن يكون صبيّاً في فكره وعلمه حقاً ثم لايبدو ذلك من خلال هذا التفاعل الطويل ؟ واذا افترضنا أنَّ القواعد الشعبية لامامة أهل البيت لم يُتَح لها أن تكتشف واقع الاَمر، فلماذا سكتت السلطة القائمة ولم تعمل على كشف الحقيقة إذا كانت في صالحها ؟ وما كان أيسر ذلك على السلطة القائمة لو كان الاِمام الصبيّ صبيّاً في فكره وثقافته كما هو المعهود في الصبيان ؟ وما كان أنجحه من أسلوب أن تقدّم الصبي إلى شيعته وغير شيعته على حقيقته، وتبرهن على عدم كفاءته للاِمامة والزعامة الروحية والفكرية. فلاِن كان من الصعب الاِقناع بعدم كفاءة شخص في الاَربعين أو الخمسين لتسلّم الاِمامة، فليس هناك صعوبة في الاِقناع بعدم كفاءة صبي اعتيادي مهما كان ذكياً وفطناً للاِمامة بمعناها الذي يعرفه الشيعة الاِمامية وكان هذا أسهل وأيسر من الطرق المعقدة وأساليب القمع والمجازفة التي انتهجتها السلطات وقتئذٍ. إنَّ التفسير الوحيد لسكوت الخلافة المعاصرة عن اللعب بهذه الورقة هو أنها أدركت أنَّ الاِمامة المبكرة ظاهرة حقيقية وليست شيئاً مصطنعاً. والحقيقة أنها أدركت ذلك بالفعل بعد أن حاولت أن تلعب بتلك الورقة ـ أي تعريضه للاختبار ـ فلم تستطع، والتأريخ يحدّثنا عن محاولات من هذا القبيل وعن فشلها، بينما لم يحدّثنا إطلاقاً عن موقف تزعزت فيه ظاهرة الاِمامة المبكّرة أو واجه فيه الصبيّ الاِمام إحراجاً يفوق قدرته أو يزعزع ثقة الناس فيه.