ولنقارن هذه الفكرة مع طريقة التفكير لدىبعض الافراد، الذين يعتقدون بأنّ الدينقيد، وأنّ اللادينيّة حرية وانطلاق).
انهم يتوهمون بأنّ الحرية تعني: التحرّرمن كل قيد، وعليه فيكون التحرّر من العقل،والانسانية، والاخلاق، والشرف، وغيرها منالقيم أيضاً تحرراً وانطلاقاً.
وحين قرأت هذا الحديث عن تولستوي ى، خطرفي ذهني ما قاله ناصر خسرو مخاطباً ابنه: ـ
(أعرضتُ عن الدنيا، ووجهت وجهي للدين،لأنّ الدنيا بدون دين، كالبئر العميقة،كالسجن، انّ للدين في اعماق قلبي ملكاًعظيماً لا يتعرّض للدمار، والانهيارأبداً).
الدين رصيد الأخلاق والقانون
الاخلاق والقانون يشكّلان الاساس،والقاعدة الرئيسية، التي يعتمد عليهابناء المجتمع البشري، وأنّ الرصيد الوحيدلهما هو الدين فحسب.
والقول بعدم احتياج الاخلاق، في تحققها،للدين، غير صحيح، فانّها كالعملةالورقية، لو لم يكن لها رصيد يسندها منالذهب وغيره، تعتمد عليه، فانّها ستفقدقيمتها.
انّ هذا الرأي حول الاخلاق والقانون،تماماً، كلائحة حقوق البشر، التياقترحتها فرنسا واخذت في نشرها، والدعايةالواسعة لها، ولكنها كانت أول من سحق هذهالحقوق، وضربت بها عرض الجدار، لانَّها لمتعتمد، في اساسها، على ايمان نابع من فطرةالبشر.
وحين ارادت فرنسا، أن تمنح حقّ الاستقلالللجزائر، عارض هذا الاقتراح، بعض القادةالفرنسيّين، امثال جورج بومبيدو، وقد كانآنذاك، زعيم الاشتراكين الفرنسيّين، وضمصوتَه للمنظمات التي تطالب بابادة الشعبالجزائري.
أجل، انّ هؤلاء، هم الذين وقّعوا علىلائحة حقوق البشر.
ان جميع المقدسات والقيم الخلقية،والقوانين، التي يحفل بها المجتمعالبشري، امثال: الحرية، والعدالة،والمساواة، والانسانية، والشعوربالمسؤولية، وغيرها، لو لم تعتمد فياساسها على الدين، فلا يمكن أنْ يكون لهاواقع، ولا يمكن أنْ نضمن تطبيقها،وتحقيقها.
يقول الكسيس كارليل: لقد تقدّمت، وتطوّرتالعقول كثيراً، ولكن مع الأسف لم تزلالقلوب ضعيفة، والايمان فحسب هو الذي يبعثالقوة في هذه القلوب، وانحرافات البشركلها ناشئة من هذه الحالة، وهي قوةالعقول، وضعف القلوب، فماذا فعلت الحضارةوالمدنية الحديثة؟ انّها تُخرج يومياً،للاسواق، الكثير من البضائع والمنتوجاتالجيدة(1).
ليس هناك شيء غير الدين يوجّه البشريةللاهداف المقدسة السامية، انّ الانسانيةلا تنفك عن الدين والايمان، واذا لم يوجددين، فلا وجود للانسانية.
عوامل الانحراف عن الدين
وهنا يبرز سؤال، اذا كان الدين فطرياً،فلماذا يخرج الناس منه، وينحرفون؟ والبحثعن العوامل المؤدية للاعراض عن الدين، بحثطويل، وهذا السؤال، يطرح بالخصوص علىاولئك المعتقدين بفطرية الدين.
(1). ولكن ماذا فعلت للانسان؟ مالذي يتمكنمن تغيير الانسان وتوجيهه للاهدافالمقدسة السامية؟ ليكون صاحب قلب، حيثيهتف من اعماق قلبه: (الدنيا لا تملك قيمةًما; لا تثير الاضطراب والقلق في قلب آخر،حذار من العمل السيىء، إن العاقل لا يفعلذلك).