أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا
إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ
مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ
لاَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ *
وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ
وَالأرْضِ وَاخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ
وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ
لاَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ * وَمِنْ
آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ
وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ
فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ
لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ
يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً
وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً
فَيُحْيِي بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا
إِنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لِقَوْمٍ
يَعْقِلُونَ)[111].وقال: (أَفَلاَ يَنْظُرُونَ إِلَى
الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ)[112].وقال: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ
اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ
وَالنَّهَارَ مُبْصِراً)[113].فهو تعالى يقدم لنا التوحيد على أساس أن
نومنا وأكلنا وشربنا وكل مفردات حياتنا
وسعادتنا، مرتبط به.وهذا هو الأسلوب الذي يفهمه البشر كلهم،
ويريد الله من خلاله أن يستدرجهم إلى
الهدى جميعاً.أما الأسلوب الفلسفي، أو أي أسلوب آخر،
فهو خاص بفئة من الناس، لا يصلح لأن يخاطب
به جميع الناس.تماماً كما هو الحال في قضية «عاشوراء»،
فإنها مفهومة للبشر جميعاً، لكن صلح
الإمام الحسن ٍ[عليه السلام] إنما يفهمه
فريق من الناس، وذلك بسبب تدني مستوى
الوعي والمعرفة من جهة، ولأن كثيراً من
الحقائق قد طمست، أو أثيرت حولها الشبهات
من قبل الطغاة، والظالمين، وأهل الأهواء،
من جهة أخرى..وإذا كانت المعرفة متمازجة مع فطرة
الإنسان، ومتجذرة في عمق ضميره ووجدانه،
وليست مجرد معادلة عقلية، أو تصورات
ذهنية، فسيكون لها التأثير العميق في كيان
الإنسان، تماماً كتلك المعرفة بالله، التي
تشعر بها الأم بعد استجابة دعائها بشفاء
ولدها، ونجاته من موت محتم، فإن هذه
المعرفة تغنيها عن كل دليل فلسفي أو غيره،
بل إن الفيلسوف قد لا يشعر بعظمة الله
مثلما تشعر بها تلك المرأة، وإنما يكون
إيمان الفيلسوف مجرد استسلام للدليل
القاهر لعقله، من دون أن يكون أي تفاعل مع
وجدانه وفطرته.فدليله بمثابة الآيات المعجزة التي تقهر
العقل، أما انسجامه مع الله وفناؤه فيه،
فله سبل ووسائل أخرى.2ـ لعل من أسباب اختيار صيغة المبالغة،
وهي سميع وبصير أيضاً، أن البصر إنما يوصل
إلى الإنسان الأشكال والألوان والأحجام؛
ويمكِّنه أيضاً من إدراك جزئي لبعض
المسافات.. ولكنه يحتاج لكي يكون بصيراً
إلى قوة وحِدَّة في البصر، تمكنه من إدراك
دقائق وخفايا قد يعجز عنها البصر العادي.فما يدركه من خلال حِدّة البصر، هو أمور
أخرى تضاف إلى ما كان قد أدركه أولاً..
أما السمع.. فإن أصل حصول السمع يحتاج إلى
حاسة السمع، ثم ينعدم المسموع بمجرد
حصوله.. ثم ينتقل منه إلى حصة وجودية أخرى،
فيدركها السمع أيضاً، ثم تتلاشى لتأتي حصة
أخرى بعدها، وهكذا..
فإذا دق الصوت وخفت، فقد يدركه السمع
الرهيف القوي، وقد يعجز عن إدراكه فيتلاشى
لتأتي حصة أخرى مماثلة يكون لها نفس
الحالة..فالسمع والمسموع متحدان في الوجود، وفي
التلاشي. والاختلاف بينهما إنما هو في طرف
النسبة، وليس الأمر كذلك في المبصرات دقت
أو جلت، فإن المبصرات تبقى موجودة، سواء
نالتها الأبصار، أم عجزت عن نيلها..
والسميعية تبقى هي الأهم، والأولى
بالملاحقة، لأن فوات السمع مساوق لفوات
المسموع، لأن الصوت يتلاشى بصورة تدريجية
كما قلنا..3ـ ومن جهة أخرى: فإن المسموع إذا علمنا
بوجوده عن غير طريق السمع، فإنما نعلم به ـ
إذا لم يكن هناك إخبار غيبي ـ بعد انقضائه
وتلاشيه.. أما المبصرات، فيمكن أن نعلم
بوجودها مع بقائها. فيكون وجودها سابقاً
على علمنا، ومصاحباً ومرافقاً له،
وباقياً بعده..
حاسة السمع هي الأسبق
وعن حاسة السمع نفسها نقول: إن ثمة حديثاًبين أهل الاختصاص عن أن حاسة السمع هي
الأسبق ظهوراً ونشاطاً عند الجنين، وهي
آخر الحواس موتاً في الإنسان.
وهناك من يسعى إلى تأكيد ذلك، بما ثبت عن
النبي [صلى الله عليه وآله]، من أنه قد خاطب
قتلى بدر، وهم في البئر. كما أن الإمام
علياً [عليه السلام] قد خاطب بعض القتلى في
حرب الجمل، وقد أخبرا صلوات الله وسلامه
عليهما وعلى آلهما: أن أولئك المخاطبين قد
سمعوا ووعوا ذلك الخطاب، ولكنهم لا يقدرون
على الجواب.