جاءهم أسير من أُسراء المشركين، وقال:السلام عليكم يا أهل بيت محمد، تأسروننا،
وتشدوننا، ولا تطعموننا.فوضع علي اللقمة من يده، وأعطوه ما على
الخوان. وباتوا جياعاً. وأصبحوا مفطرين،
وليس عندهم شيء.وأقبل علي عليه السلام بالحسن والحسين
عليهما السلام نحو رسول الله [صلى الله
عليه وآله]، وهما يرتعشان كالفراخ من شدة
الجوع.فقال [صلى الله عليه وآله]: يا أبا الحسن:أشد ما يسوؤني ما أرى بكم، انطلق إلى ابنتي
فاطمة.فانطلقوا، وهي في محرابها، قد لصق بطنها
بظهرها من شدة الجوع، وغارت عيناها..فلما رآها رسول الله [صلى الله عليه وآله]
ضمها إليه، وقال: واغوثاه، بالله أنتم منذ
ثلاث فيما أرى؟
فهبط جبرئيل، فقال: يا محمد، خذ ما هيأ
الله لك في أهل بيتك.فقال: وما آخذ يا جبرئيل؟.قال: (هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ
مِنَ الدَّهْرِ)[4].وذكرت بعض النصوص: أن هذه السورة قد نزلت
في الخامس والعشرين من ذي الحجة[5].وهناك تفاصيل وخصوصيات مختلفة وردت في
الروايات، لا مجال لتقصيها وتتبعها.. لأن
المقصود هنا مجرد الإشارة..لماذا أعطوا جميع الطعام؟!
وقد يتساءل البعض عن سبب إعطاء جميع
الطعام للسائل، مع أنه كان يكفيه بعضه،
ويكتفي الباقون بما بقي منه..وستأتي الإجابة على هذا السؤال، حيث
سيظهر أن المقصود لم يكن هو مجرد إشباع ذلك
السائل، بل المقصود هو إعطاؤه ما يجد معه
الأمن والسكينة لأطول فترة ممكنة، ليجد
الفرصة للتحرك باتجاه الخروج من الحالة
التي هو فيها إلى ما هو أفضل..
السورة مدنية
إن من المعلوم: أن هذه السورة مدنية، ولكنبعض الذين في قلوبهم زيغ يحاولون ادّعاء
أنها من السور المكية، ولعل منشأ ذلك هو
البغض والحسد لأهل البيت [عليهم السلام]،
الذين نزلت هذه السورة فيهم، لأنَّ نزول
السورة في مكة، يبطل ـ بزعمهم ـ الروايات
الكثيرة جداً، والمروية بطرق مختلفة عند
السنة والشيعة، والتي تؤكد نزولها فيهم
[عليهم السلام].ولكن الله تعالى يقول: (يُرِيدُونَ
لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ
بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ
نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ
الْكَافِرُونَ..)[6].
مستند أهل الزيغ
لعل أول من ادعى نزول السورة في مكة هو ابنالزبير[7]. الذي كان قد حارب علياً [عليه
السلام]. وكان معروفاً بانحرافه عنه،
وبغضه له..
أما ما روي من ذلك عن ابن عباس[8]، فيشك في
صحته، إذ إن الرواية قد وردت عنه بخلاف ذلك
أيضاً.. كما سيأتي.
ثم جاءنا أخيراً من حاول أن يستدل لذلك،
ويجمع له المؤيدات والشواهد، فهو يقول:«في بعض الروايات: أن هذه السورة مدنية..ولكنها مكية، ومكيتها ظاهرة جداً، في
موضوعها وفي سياقها، وفي سماتها كلها.لهذا رجحنا الروايات الأخرى القائلة
بمكيتها.بل نحن نلمح من سياقها: أنها من بواكير ما
نزل من القرآن المكي.. تشي بهذا صور النعيم
الحسية المفصلة الطويلة، وصور العذاب
الغليظ، كما يشي به توجيه الرسول [صلى الله
عليه وآله] إلى الصبر لحكم ربه، وعدم إطاعة
آثم منهم أو كفور، مما كان ينزل عند اشتداد
الأذى على الدعوة وأصحابها في مكة، مع
إمهال المشركين، وتثبيت الرسول [صلى الله
عليه وآله] على الحق الذي نزل عليه، وعدم
الميل إلى ما يدهنون به.. كما جاء في سورة
القلم، وفي سورة المزمل، وفي سورة المدثر،
مما هو قريب من التوجيه في هذه السورة.واحتمال أن هذه السورة مدنية ـ في نظرنا ـ
هو احتمال ضعيف جداً، يمكن عدم
اعتباره»[9] انتهى..
ونقول:
أولاً
لقد فند السيد الطباطبائي [رحمهالله] هذه المزاعم. فقال ما ملخصه: إنَّ صور
النعيم الحسية المفصلة الطويلة، وصور
العذاب الغليظ لا تختص بالسور المكية، بل
هي موجودة في السور المدنية أيضاً، ـ مثل
سورتي الرحمن، والحج ـ بصورة أكثر مما ورد
في سورة هل أتى.
ثانياً
وأما ما ذكره من أمر النبي [صلىالله عليه وآله] بالصبر، وأن لا يطيع آثماً
أو كفوراً، وأن لا يداهنهم، وأن يثبت على
ما نزل عليه من الحق. فهو في نهايات هذه
السورة. فلتكن نهاياتها مكية ـ لو صح أن
هذا الأمر يوجب مكية الآيات ـ لأن النزول
كان تدريجياً.