جمهورية الأطفال*
1-
لَمْ يَبْقَ من صورِ الطفولةِ غيرُ وجهٍ
تقبلُ الأنثى الصغيرةُ في صباح العشبِ، والنّهدانِ ينتفضانِ بالعطر الخفيِّ، وللمدى عينانِ تنكسرانِ: آثارُ الخطى البيضاءِ تشهقُ بالثّمار، وخلفها قمرٌ وأجراسٌ تصاحبُ لذةً بيضاءَ تنتهرُ العروقَ! تغادرُ الأيدي النعاسَ: القمحُ يجمعُهُ الطحينُ، ويشرقُ الينبوع في نَهرٍ، وأنثى الأرضِ ما اشتعلتْ ليرقبَ وجدَها ذكرٌ!(سماءٌ تلكَ تبدأ من حضوركِ، أمْ غدي الأرضيُّ تسندُهُ الطفولةُ؟ كيفَ تختبئُ البكارةُ بين أوراق الحواسِ. وكيف تسقط قشْرة الجسدِ القديمة؟لم أكنْ وحدي!ولكنَّ المنازلَ أوصدتْها الساحراتُ، وأطفأتْ ناراً وأرغفةً وأغصاناً تكلّلُ بالنّدى الشرفاتِ، والأطفالُ ينتظرونَ أفقاً من حليبٍ، بينما تمحو مدائِنَها الأصابعُ!قد أشيّدُ خلسةً مدني الصغيرة في دفاترَ قبل أن يَفِدَ الظلامُ تضيقُ أرضٌ بعد أرض إذ يضيق الصدرُ بالرؤيا، وللرؤيا مقامٌ بعدما ضلّتْ بها السكنَى، وأعياها الكلامُ! وقد يذوبُ الطفل في حلمٍ قريبٍ عندما يحلو الفطامُ!ولم أكنْ وحدي!ولكِنْ أيّ حنجرةٍ كسيرةْيحشونَها ذهباً فتنشدُ: جوقة الصلواتِ تخفقُ عند أقدام الأميرةِ، والأميرةُ في سريرٍ من خيالٍ، عندما أغفو أراها في كتابي، والطريدةُ في الظهيرةِ تلمسُ العتباتِ، لا حنّتْ، ولا غنَتْ، وتشتعل السريرةْ!لم يبقَ من صور الطفولةِ غيرُ فصلٍ تستوي الأنقاضُ أو تتحرّكُ الأنقاضُ فيهِ. والبنادقُ والحرابُ تجوبُ في ليل المدائنِ والقرى العلنيِّ، تنتشر المعادنُ! إنّها الحربُ القريبةُ: كان جدّي يحمل الخرزَ الملوّن في جرابٍ والخرادقَ في جبينٍ. كنتُ أنتظر الحكايةَ من فمٍ أعمى، ولكِنْ لم أكنْ وحدي أقلّب صورةً للأرضِ تسقطُ خلف أبواب المدائنِ...قبلَ فصل النفطِ كان الماءُ، قبلَ السحرِ كانَ الوحيُ، قبل النّارِ كان الطينُ. /أوراقي، فراشاتي، وأشيائي سأحمِلُها وتحرسُنِي التميمةُ من عيون الحاسدينَ، ومن رصاص الغَدْرِ!(آهٍ! أيّ درويشٍ وحيدٍ سوف تكتشفينَ تَهجرُه هنا الأحزابُ والطبقاتُ. مُذْ هَجرَ التكايا والزوايا. يحملُ الأطمارَ من فصلٍ إلى فصلٍ، وفي كفّيهِ ترتعش الفصولُ!والشمسُ يحجبُها الغزاةُ، وملء أروقتي: جماجمُ أو مباخرُ أو خيولُ...
* من قصيدة أوراق الطفولة، ديوان (رماد الكائن الشعريّ).