بسم الله الرحمن الرحيم " فاطمة التي طلبت مني رسالة عرفانية، طلبت من نملة عرش سليمان كأنها لم تسمع "ما عرفناك" ممن طلب منه جبريل نفحة رحمانية"(1- إشارة إلى رواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما عبدناك حق عبادتك وما عرفناك حق معرفتك" مرآة العقول8/146.) أخيراً بعد الإصرار، حملتني على أن أكتب وبشكل ببغاوي، عدة أسطر عما قلبي غير مطلع عليه، وأنا أجنبي عنه. وهذا في الوقت الذي رمى ضعف الشيخوخة ما كان في كنانتي ـ رغم أنه لم يكن شيئا يذكر ـ في دائرة النسيان.. وأضيفت إلى ذلك الابتلاءات التي لا تُحكي ولا تُكتب.. ويكفي أن أذكر تاريخ هذا الكتاب ليُعلم في أي زمان بدأت (الكتابة) حتى لا أرد طلبك السبت 24 شعبان المعظم 1404/5 خرداد 1363، وليلاحظ القراء أوضاع العالم وإيران في هذا التاريخ. من أين أبدأ، الأفضل أن يكون ذلك من الفطرة{..فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ..}(الروم/30). هنا أكتفي بالفطرة الإنسانية رغم أن هذه خاصية الخلقة {..وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لاَ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ..}(الإسراء/44).، "الكل يقولون:" نحن سميعون وبصيرون ومدركون إلاّ أننا معكم أيها الأجانب ساكتون"(2-مضمون بيتين لمولوي، الدفتر الثالث.)، نحن أيضا نلقي نظرةً على العرفان الفطري للناس ونقول: بمقتضى الفطرة والخلقة لا يمكن أن يتوجه الإنسان إلى غير الكمال المطلق أو يتعلق قلبه به. كل الأرواح والقلوب متوجهةٌ إليه، ولا ولن تبحث عن غيره، وتمدحه هو ولا تستطيع أن تمدح غيره. . مدح كل شيء مدح له رغم أنّ المادح ما دام في الحجاب يظن أنه يمدح غيره.. وفي التحليل العقلي الذي هو أيضاً حجاب، الأمر كذلك أيضا. ذلك الذي يطلب الكمال كيفما كان يعشق الكمال المطلق لا الكمال الناقص.. كل كمال ناقص محدود بالعدم، والفطرة تنفر من العدم. طالب العلم يطلب العلم المطلق ويعشق العلم المطلق وكذلك طالب القدرة وطالب كل كمال. الإنسان ـ بالفطرة ـ عاشق الكمال المطلق، وما يريده في الكمال الناقص هو كماله لا نقصه، لأن الفطرة منزجرةٌ منه. والحجب الظلمانية والنورانية هي التي توقع الإنسان في الخطأ. الشعراء والمداحون يظنون أنهم يمدحون الأمير الفلاني أو المقتدر الفلاني أو الفقيه الفلاني.. أنهم يمدحون القدرة والعلم لا بشكلهما المحدود وإن ظنوا أنها محدودة. وهذه الفطرة لا يمكن تبديلها وتغييرها{..لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ..}(الروم/30). وما دام الإنسان في حجاب نفسه ومشغولا بنفسه ولم يخرق الحجب حتى الحجب النورانية ففطرته محجوبة والخروج من هذا المنزل يحتاج ـ بالإضافة إلى المجاهدات ـ إلى هداية الحق تعال. تقرأين في المناجاة الشعبانية المباركة:"إلهي هب لي كمال الانقطاع إليك وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة وتصير أرواحنا معلقةً بعزّ قدسك، إلهي واجعلني ممن ناديته فأجابك ولاحظته فصعق لجلالك فناجيته سراً(3- بحار الأنوار 91/97)..."، كمال الإنقطاع هذا هو الخروج من منزل الأنا والإنية ومن كل شيء وكل شخص، والالتحاق به والانقطاع عن الغير. وهو هبةٌ إلهية إلى الأولياء الخلّص بعد الصعق الحاصل من الجلال الذي يقع إثر اللحظ (ولاحظته) الخ.... وما لم تُنوّر أبصار القلوب بضياء نظرته لا تُخرق حجب النور ومادامت هذه الحجب باقية فلا سبيل إلى معدن العظمة، ولا تحصل الأرواح على التعلّق بعزّ القدس ولا تحصل مرتبة التدلي"ثم دنا فتدلى" وأدنى من ذلك الفناء المطلق والوصول المطلق.